
طيران الإمارات.. 40 عاماً على انطلاقة الحلم
في شهر مارس من 1985 وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بالإعداد لإطلاق ناقلة وطنية جديدة، وحدد مدة 6 أشهر لتنفيذ هذا المشروع الذي أثار آنذاك تساؤلات الكثيرين خاصة في ظل وجود طيران الخليج التي كانت في ذلك الوقت هي الناقلة الوطنية لأربع دول خليجية من بينها دولة الإمارات.
وخلال 6 أشهر من ذلك التاريخ انطلقت طيران الإمارات بطموحات لا حدود لها، مدفوعة برؤية سموه وحققت على مدى العقود التالية معدلات نمو قياسية تحولت معه إلى أكبر ناقلة دولية في العالم، كما استطاعت أن تغير مشهد الطيران العالمي.
ويرتبط انطلاق ونجاح طيران الإمارات منذ 4 عقود بقصة نمو وازدهار دبي ورؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، التي أرادت لهذه المدينة أن تصبح مركزاً عالمياً للمال والأعمال والتجارة والسياحة والخدمات والطيران، بطموحات عالية حدودها المستقبل بكل ما فيه من فرص.
وكان سموه قد اجتمع في مارس 1985 مع موريس فلاناغان، الذي كان رئيساً لدناتا في ذلك الوقت بالمباشرة ووجهه بوضع الخطط لتأسيس شركة طيران، وهو ما تم على مدى الشهور التالية. وبعد أن تبلورت فكرة إنشاء الناقلة، اتجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إلى العاصمة أبوظبي، في زيارة خاصة للقاء المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وعرض عليه المشروع الذي حظي بمباركة الشيخ زايد.
خيار التأجير
ومع عدم امتلاك الشركة الوليدة أية طائرات، كان الخيار المتوافر والأكثر جدوى في ذلك الوقت يتمثل في استئجارها، ومع تعذر التأجير من الخطوط الأوروبية اتجه لفلاناغان الذي كان يتمتع بعلاقات جيدة مع الخطوط الباكستانية، وبالذات مع مدير عملياتها في دبي، إلى الاتفاق مع الخطوط الجوية الباكستانية لاستئجار طائرتين من طراز بوينغ 800-737 وإيرباص 300 بي 4، الملائمتين للرحلات القصيرة والمتوسطة لتشغيلهما على الرحلات إلى منطقة الخليج والأسواق القريبة.
وبعد ذلك تسارعت الاستعدادات بما فيها عمليات التصميم لشعار الناقلة والتصميمات الداخلية التي قدمت لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لاعتمادها استعداداً لتدشين الرحلة الافتتاحية للناقلة.
وهكذا انطلقت «طيران الإمارات» بتكلفة لم تتجاوز 10 ملايين دولار حيث دشنت أولى رحلاتها في 25 أكتوبر من نفس العام، وكانت إلى كراتشي، وكانت هذه الرحلة بمثابة إعلان عن ولادة ناقلة ستلعب دوراً حيوياً في إعادة تشكيل صناعة الطيران الدولية.
وتحت قيادة سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم اعتمدت طيران الإمارات خطة توسع كبيرة لشبكتها، فبعد أن كان التركيز في البداية يقتصر على الرحلات إلى الهند وباكستان، شرعت الناقلة في دخول أسواق جديدة، بما في ذلك وجهات جديدة في أوروبا والشرق الأقصى.
وتوالت الوجهات بعد ذلك، إذ حصلت الناقلة على حقوق الطيران إلى العاصمة الأردنية عمّان ومدينة كولومبو والقاهرة ودكا، وجميعها كانت في 1986، لكن جوهرة التاج للمحطات جميعها كانت «هيثرو»، الذي كان يعد طموحاً لأي شركة طيران تريد تعزيز مكانتها العالمية، كما أنه يمثل أحد التحديات الرئيسة، باعتباره واحداً من أكثر مطارات العالم ازدحاماً.
ومع هذا التوسع، كان لا بد من زيادة عدد الطائرات، حيث توجهت طيران الإمارات بأول طلبية فعلية، ودخلت أول طائرة الخدمة في 3 يوليو عام 1987، طراز إيرباص 304 - 310 وبعدها بأسبوع دخلت الخدمة بأول رحلة تجارية، وتبعتها طائرة ثانية بعد 3 أسابيع، وبنهاية عام 1988، وخلال فترة 38 شهراً من انطلاق عمليات الناقلة، ارتفع عدد وجهات الشركة إلى 13 وجهة، مع دخول دمشق ضمن شبكة وجهاتها.
وانطلاقاً من استراتيجية التميز، أصبحت «طيران الإمارات»، عام 1992، أول ناقلة جوية تجهز مقاعد طائراتها في جميع الدرجات بشاشات فيديو شخصية، ودشنت مبنى خاصاً بركابها في مطار دبي الدولي، كما أصبحت عام 1993، أول ناقلة تقدم خدمة الاتصالات السريعة في جميع درجات السفر، وأول شركة خطوط جوية تزود أسطولها بخدمة «فاكس» في الأجواء.
وفي عام 2000، أصبحت «طيران الإمارات» أول ناقلة جوية تلتزم بطائرة «إيرباص A380»، عندما طلبت شراء 7 طائرات منها، كما فاجأت صناعة الطيران في معرض باريس الجوي عام 2003، بأضخم صفقة في تاريخ الطيران المدني، بطلب شراء 71 طائرة بقيمة 19 مليار دولار.
وتالياً تواصل نمو طيران الإمارات مواكباً النمو المذهل الذي تشهده دبي في مختلف الميادين، لتصبح ناقلة عالمية حديثة ومتطورة.
ونجحت طيران الإمارات في غضون سنوات قليلة في التحوّل من مجرد ناقلة للمسافرين إلى رافد اقتصادي مهم لدبي ما يظهر عبر عشرات آلاف فرص العمل التي تصنعها، وملايين الزوار الذين تنقلهم من وجهة إلى أخرى، إضافة إلى تسهيل حركة التجارة العالمية التي أسهمت في زيادة حجم التبادل التجاري بين الدول التي تصل إليها.
وبحسب دراسة قياس الأثر الاقتصادي لقطاع الطيران في دبي التي أعدتها شركة البحوث العالمية أكسفورد إيكونوميكس، تقدّر مساهمة الإنفاق السياحي الذي يسهم فيه قطاع الطيران بنحو 43 مليار درهم في إجمالي القيمة المضافة، أو 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي لدبي، ودعم 329 ألف وظيفة.
وأوضحت أن أكثر من نصف إجمالي القيمة المضافة، المقدرة بـ23 مليار درهم، جاء من قبل المسافرين إلى دبي على متن طيران الإمارات.
دفع النمو
وكمؤشر على المساهمة الاقتصادية للناقلة في الاقتصاد المحلي أظهر رصد «البيان» للتقارير المالية السنوية لمجموعة طيران الإمارات أن المجموعة قدمت توزيعات أرباح بقيمة 16 مليار درهم، لمالكها مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية خلال الـ10 سنوات الماضية حيث تم إعادة ضخ هذه التوزيعات في دفع الاقتصاد المحلي.
ويتجاوز الأثر الاقتصادي لطيران الإمارات تسهيل حركة السفر والتدفقات السياحية وتعزيز التبادل التجاري إلى توظيف الأيدي العاملة وتنشيط حركة التصنيع بالإضافة إلى رفع قيمة العلامة التجارية للمطارات والوجهات التي تصل إليها.
وكشفت البيانات المجمعة أن مجمل عدد موظفي طيران الإمارات ارتفع خلال السنة المالية الماضية، إلى 63466 موظفاً، بنمو 12.5%، مقابل 56379 خلال السنة المالية 2022 – 2023، بينما وصل مجمل عدد موظفي مجموعة الإمارات إلى نحو 112.4 ألف .
وبلغ حجم إنفاق طيران الإمارات على كوادرها البشرية العاملة خلال العقد الماضي، نحو 121 مليار درهم، منها أكثر من 16.3 مليار درهم خلال السنة المالية الماضية.
ونقلت طيران الإمارات خلال العشر سنوات الأخيرة قرابة 451 مليون مسافر. ومع أسطول يتكون من أكثر من 260 طائرة، تقوم الشركة بتسيير رحلاتها إلى نحو 150 مطاراً في 80 دولة حول العالم؛ حيث تنطلق من مطار دبي أكثر من 1500 رحلة من رحلات طيران الإمارات أسبوعياً متجهة إلى وجهات مختلفة في قارات العالم ولا تزال الشبكة في توسع مستمر.
وتحولت طيران الإمارات إلى محرك رئيس في قطاع صناعة الطيران عالمياً خلال توسعها الدائم في طلب الطائرات وتشغيلها من عملاقي الصناعة العالميين «بوينغ» و«ايرباص»، ورفعت طلبيات طيران الإمارات حدة المنافسة بين عملاقي الصناعة في العالم عبر الطلبيات المؤكدة التي وصلت حتى الآن إلى نحو 314 طائرة جديدة بما فيها طائرات الشحن، لدعم عمليات التوسع المستمرة وتعزيز قدرتها التشغيلية خلال السنوات المقبلة.
محمد بن راشد: حلم طالما راودني
عن تفاصيل نشأة «طيران الامارات» واحدة من أهم الشركات في دبي.. قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في كتاب «قصتي.. 50 قصة في خمسين عاماً»: «حلم طالما راودني، إنشاء شركة طيران خاصة بنا في دبي، شركة طيران لا تكون حكومية بل خاصة، خلافاً لواقع الحال في جميع الدول العربية». ومن ثم استعرض سموه مراحل تأسيس «طيران الإمارات» ليؤكد: اليوم «طيران الإمارات» لديها الكثير من الجوائز العالمية كأفضل ناقل جوي، ولديها تاريخ من الأرباح المتواصلة.
وقال صاحب السمو نائب رئيس الدولة: «بعد سنوات من إنشاء المطار كلفني والدي بقيادة التطوير في مطار دبي، أضفت الكثير من المباني، وأطلقنا في نهاية السبعينيات سياسة الأجواء المفتوحة في مطار دبي لنستقطب المزيد من شركات الطيران، كنا واضحين، أي شركة في العالم يمكنها حجز أي عدد من حقوق الهبوط في مطار دبي. كان هدفنا من سياسة الأجواء المفتوحة تعزيز تنافسيتنا وفتح قطاعات جديدة لاقتصادنا».
وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «استدعيت مدير شركة الخدمات الجوية «داناتا» في دبي موريس فلاناغان في العام 1984 إلى مكتبي لأستشيره في حلم طالما راودني، إنشاء شركة طيران خاصة بنا في دبي، شركة تعمل وفق أنظمة القطاع الخاص وتكون لديها الاستقلالية التامة والاستدامة، كان موريس خبيراً في الطيران».
وأضاف سموه: قال لي موريس: «بالتأكيد يا صاحب السمو، يمكن إعداد دراسة عاجلة حول ذلك»، ثم طلبت إعداد دراسة مستقلة للتأكد من جدوى الشركة، جمع موريس فريقاً من عشرة مديرين، وعاد إليّ بخطة واضحة.
وأتت الدراسة المستقلة لصالح هذا المشروع، قدم الفريق اقتراحات عدة لتسمية خطوطنا الجوية الجديدة بما في ذلك «طيران دبي» فأجبتهم بل نسميها «طيران الإمارات»، وأمرتهم بوضع علم دولة الإمارات على ذيل الطائرة.
وأوضح سموه: «من اليوم الذي اتخذت فيه هذا القرار كان أمامنا ستة أشهر لإطلاق الخطوط الجوية، استأجرنا طائرتين من الخطوط الجوية الباكستانية، وأعدنا تجهيزهما بالكامل بما يتوافق مع شعار الشركة الجديدة ومعايير خدمتها الداخلية. طلبت من الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم الذي يصغرني ببضع سنوات، وكان قد تخرج حديثاً من الولايات المتحدة الأمريكية، أن يكون رئيس الشركة الجوية الجديدة».
وأضاف: في 25 أكتوبر 1985 كنت برفقة شقيقي الشيخ مكتوم، وكانت حماستنا كبيرة، مع أن الجميع كان مرهقاً بسبب الضغوط لتشغيل رحلات الشركة في الوقت المحدد. وقال سموه: «اليوم «طيران الإمارات» لديها الكثير من الجوائز العالمية» واختتم: «أحياناً تجني بعض الشركات على نفسها بخوفها من المنافسة فتكون النتيجة خلق منافس يخرجها من المنافسة».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الاتحاد
منذ 2 ساعات
- الاتحاد
«التعاون الخليجي» يحتفي بـ 44 عاماً من العمل المشترك
أبوظبي (الاتحاد) من عاصمة الرؤى، أبوظبي، حيث عُقد مهد القمم وانبثق فجر الوحدة الخليجية قبل أربعة وأربعين عاماً، تتجدد اليوم ذكرى تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية. هذه المناسبة ليست مجرد تاريخ يُحتفى به، بل هي شاهد على مسيرة استثنائية من التلاحم والتكامل، انطلقت شرارتها الأولى في الخامس والعشرين من مايو 1981، حين أعلنت أبوظبي رسمياً عن ميلاد هذا الصرح الإقليمي، واضعة اللبنة الأولى في بنيان يهدف إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط، وصولاً إلى الوحدة المنشودة. لم يكن تأسيس المجلس مجرد استجابة لظروف راهنة، بل كان تجسيداً لإدراك عميق من قادة دول الخليج «رحمهم الله وأمد في أعمار الحاضرين منهم»، بما يجمع شعوبهم من روابط الدين والتاريخ والمصير المشترك، ورغبة صادقة في تحويل حلم الأجيال إلى واقع ملموس، وتشييد حصن منيع يعزز الهوية الخليجية، ويواكب تطلعات المستقبل. وعلى مدار أربعة وأربعين عاماً، وبفضل حكمة وتوجيهات أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس، تحول الحلم إلى مؤسسة شامخة، ضاربة جذورها في عمق التاريخ والجغرافيا، تستلهم من إرث الأخوة وقوة الروابط، لتصبح نموذجاً يُحتذى به للتكامل الإقليمي؛ مسيرة حافلة بالإنجازات، من السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي، مروراً بالربط الكهربائي وتنسيق الاستراتيجيات الدفاعية والبترولية، وصولاً إلى تعزيز حرية تنقل المواطنين وتنمية التجارة البينية التي تجاوزت 131 مليار دولار في عام 2023، فيما ناهز حجم التجارة الخارجية 1.5 تريليون دولار، مما يعكس الدور المحوري لدول المجلس كقوة اقتصادية عالمية مؤثرة تمتلك نحو 4.4 تريليون دولار كأصول في صناديقها السيادية. واليوم، إذ يحتفي المجلس بعامه الرابع والأربعين، فإنه يقف كأنجح تجربة تكاملية في المنطقة، وركيزة أساسية للأمن والاستقرار، وصوت للحكمة والاتزان. وتأتي هذه الذكرى والمواطن الخليجي ينعم بثمار هذه المسيرة أمنا ورخاء، ويشعر بالفخر بانتمائه، بينما تتواصل الجهود نحو آفاق أرحب، مسترشدة بمقترح الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، تأكيداً على حيوية المجلس وقدرته على التطور ومواكبة الطموحات. إن مسيرة مجلس التعاون، التي انطلقت من أبوظبي، هي قصة نجاح تُروى، وإلهام للأجيال القادمة، ودليل ساطع على أن الإرادة المشتركة والرؤية الثاقبة قادرتان على صنع مستقبل أكثر إشراقاً وازدهاراً لشعوب المنطقة والعالم. ورفع معالي جاسم محمد البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، في كلمة، خلال حفل أقامته الأمانة العامة لمجلس التعاون، بمقرها في مدينة الرياض، بهذه المناسبة، التهنئة إلى أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية «حفظهم الله». وأكد البديوي أنه رغم كل التحديات والمتغيرات الإقليمية والدولية، ظلت مسيرة مجلس التعاون مثالاً يُحتذى به في وحدة الصف، والتكامل الفاعل، والتعاون البنّاء، حتى غدت نموذجاً رائداً على المستويين الإقليمي والدولي، وعلى جميع الأصعدة ومختلف المجالات. وأضاف: لقد شهدت المسيرة المباركة لمجلس التعاون، بفضل الله، محطات مضيئة وإنجازات نوعية أسهمت في ترسيخ التكامل الخليجي في شتى المجالات، حتى غدت دول المجلس نموذجاً يُحتذى به في العمل الجماعي، وشريكاً يُعتمد عليه إقليمياً ودولياً.


الاتحاد
منذ 3 ساعات
- الاتحاد
الذكاء الاصطناعي.. قفزة نحو المستقبل
الذكاء الاصطناعي.. قفزة نحو المستقبل أسفرت الزيارة الأخيرة للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى دولة الإمارات، عن توقيع حزمة واسعة من الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين، بقيمة إجمالية تجاوزت 1.6 تريليون دولار. وشملت هذه الاتفاقيات قطاعات حيوية، من أبرزها الذكاء الاصطناعي، الطاقة، التصنيع، الطيران، والتعليم التكنولوجي.. إلخ، في خطوة استراتيجية غير مسبوقة في أثرها الاستراتيجي طويل المدى. وتَصدَّر وسائلَ الإعلام خبرُ اعتزام دولة الإمارات ضخ استثمارات بقيمة 1.4 تريليون دولار في الاقتصاد الأميركي على مدى السنوات العشر المقبلة، بواقع 140 مليار دولار سنوياً، في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، والطاقة، وأشباه الموصلات.. في خطوة وُصفت بأنها الأكبر في تاريخ العلاقات الاقتصادية بين البلدين، من حيث الحجم والتنوع والأثر المستقبلي. وعلى الجانب الإماراتي، تشكل هذه الاتفاقياتُ خطوةً جريئة للاستثمار في المستقبل، فهي في الواقع تعزز مكانةَ الإمارات مركزاً إقليمياً للذكاء الاصطناعي والطاقة المستدامة، حيث سيمكِّنها التعاونُ مع الولايات المتحدة من الوصول المباشر إلى أحدث التقنيات العالمية، مما يعزز ريادة الإمارات في المنطقة في مجال الذكاء الاصطناعي ويعزز أمنَها الاقتصادي والتكنولوجي على المدى البعيد. وتعَد هذه الاتفاقيات تحولاً جوهرياً في مسار العلاقات الاقتصادية بين أبوظبي وواشنطن، حيث إنها اتفاقيات نوعية تؤسس لريادة دولة الإمارات في المنطقة في مجال حيوي يعكس رؤيةَ القيادة الحكيمة في دولة الإمارات للاستثمار في المستقبل الرقمي. كما أنها اتفاقيات استراتيجية لخدمة التحول نحو اقتصاد المعرفة ونقل التقنية وتنمية الكفاءات الوطنية الإماراتية. ولعله من أبرز إنجازات تعميق الشراكة الاستراتيجية والتكنولوجية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، الإعلان عن إطلاق مجمع الذكاء الاصطناعي الإماراتي الأميركي الشامل بسعة قدرها 5 غيغاواط، والذي يعد الأكبر من نوعه خارج الولايات المتحدة، إذ سيخلق في أبوظبي منصة إقليمية تمكّن الشركات الأميركية العملاقة من تقديم خدمات سريعة لما يقرب من نصف سكان العالم، بما من شأنه أن يرسِّخ مكانةَ الإمارات مركزاً عالمياً للابتكار والتقنيات المتقدمة. ويستند هذا التعاون إلى إطار عمل جديد أطلق عليه «شراكة تسريع الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة الأميركية ودولة الإمارات العربية المتحدة»، لتعزيز التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة.لقد تبنّت دولة الإمارات نموذجاً وطنياً فريداً يتطلع للاستثمار في مستقبل أكثر ذكاءً ومرونةً، عن طريق تبنِّي الذكاء الاصطناعي كأداة استراتيجية لصناعة المستقبل. وتعد استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي أول خطة وطنية شاملة في الشرق الأوسط توظف التقنيات الذكية لتحقيق قفزة نوعية في الاقتصاد والمجتمع بحلول عام (2031). وتركز هذه الاستراتيجية على تبنّي الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحكومية والخاصة، مع تطوير الكفاءات المحلية وجذب الاستثمارات العالمية، وكل ذلك في سبيل تحيق خطة طموحة لتقليل الاعتماد على الموارد النفطية، وتعزيز التنويع الاقتصادي من خلال توجيه الاستثمارات إلى صناعات معرفية قائمة على الابتكار، وهو ما سيضمن للدولة تَصدُّر السباق التكنولوجي العالمي. لقد عملت الدولة منذ إطلاق هذه الاستراتيجية على تأسيس برامج أكاديمية نوعية في الجامعات الحكومية والخاصة لبناء كوادر وطنية مؤهلة، كما أنشأت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، إضافة إلى مراكز أبحاث متخصصة، وتمويل مشاريع رائدة في مجالات مثل الروبوتات والبيانات الضخمة. واليوم تأتي الاتفاقيات مع الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي لتؤكد سعي دولة الإمارات إلى أن تصبح مركزاً عالمياً للذكاء الاصطناعي، ومحركاً للابتكار في المنطقة، خدمةً للإنسانية وتحقيقاً للتنمية المستدامة والازدهار. إنها قفزة نوعية في رؤية دولة الإمارات الاستباقية نحو احتضان المستقبل. *كاتبة إماراتية


الاتحاد
منذ 3 ساعات
- الاتحاد
قمة الإعلام العربي 2025 واستشراف المستقبل
قمة الإعلام العربي 2025 واستشراف المستقبل تُعد دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجاً رائداً في تطوير قطاع الإعلام، حيث تبنّت رؤية استراتيجية شاملة تهدف إلى ترسيخ مكانتها كمركز إعلامي عالمي. وفي ظل تسارع التحولات الرقمية، باتت صناعة الإعلام في قلب التغيرات التكنولوجية، تبحث عن التوازن بين المصداقية التقليدية والانبهار الرقمي الجديد. وفي هذا السياق، تبرز «قمة الإعلام العربي 2025» التي تحتضنها دبي، ليس كمجرد فعالية سنوية، بل كمؤشر واضح على تحولات استراتيجية تعيد رسم ملامح الإعلام العربي.تنطلق فعاليات «قمة الإعلام العربي 2025» في مركز دبي التجاري العالمي خلال الفترة من 26 إلى 28 مايو 2025، برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وينظمها نادي دبي للصحافة. وتُعدّ هذه القمة من أبرز الفعاليات الإعلامية في العالم العربي؛ إذ تجمع تحت مظلتها مبادرات ومنتديات تهدف إلى تعزيز الحوار وتطوير قطاع الإعلام في المنطقة. ما يميز دورة هذا العام هو تعدد محاورها وتكامل مبادراتها. فهي لم تعد مجرد حدث سنوي يضم متحدثين وورش عمل، بل تحوّلت إلى منصة استراتيجية شاملة. وإلى جانب «منتدى الإعلام العربي» الذي يناقش قضايا الصحافة التقليدية، تتضمن القمة «المنتدى الإعلامي العربي للشباب»، و«جائزة إبداع»، التي تركز على دعم المواهب الصاعدة، بالإضافة إلى «قمة رواد التواصل الاجتماعي» التي تعكس إدراكاً متزايداً بأن الإعلام لم يعد حكراً على المؤسسات، بل بات فضاءً مفتوحاً للمؤثرين الرقميين وصنّاع المحتوى. وهذا التنوع في الفعاليات يُجسّد واقع الإعلام العربي المتعدد، ويؤكد أن تطوير هذا القطاع يتطلب انفتاحاً على أدوات التأثير الحديثة، بما يشمل الرقمنة، والشباب، والمنصات البديلة. تركز القمة في نسختها الحالية على محاور استراتيجية، أبرزها: التحول الرقمي، وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في خدمة الإعلام، وتعزيز التعاون الإقليمي لتبادل الخبرات. كما تسلط الضوء على التحولات الجذرية في العمل الصحفي، بدءاً من السياسات التحريرية وصولاً إلى غرف الأخبار المدعومة بالتقنيات الذكية، مع التأكيد على أهمية تعزيز الهوية الثقافية العربية في ظل تحديات إعلامية وجيوسياسية متنامية. وتتناول القمة أيضاً الحاجة إلى تحديث أخلاقيات المهنة في ظل صعود صحافة الروبوتات والخوارزميات، لضمان التوازن بين الابتكار والمسؤولية. تبرز أهمية الإعلام بشكل خاص في أوقات الأزمات، مثل الحروب والكوارث الطبيعية والأزمات الصحية، حيث يتحول من ناقل للمعلومة إلى عنصر فاعل في تشكيل الاستجابة المجتمعية وتوجيه الرأي العام. وفي هذا الإطار، تطرح «قمة الإعلام العربي 2025» تساؤلات جوهرية حول مدى جاهزية المؤسسات الإعلامية العربية للقيام بدورها خلال الظروف الاستثنائية، من حيث الالتزام بالمصداقية، والسرعة، ومراعاة البعد الإنساني في التغطيات. كما تناقش القمة تحديات التضليل الإعلامي وانتشار الأخبار الزائفة في أوقات الفوضى، والحاجة إلى بناء منظومات إعلامية قادرة على مقاومة التلاعب المعلوماتي، مع الحفاظ على قيم المهنية والحياد. فالإعلام، في لحظات الأزمات، لا يؤدي فقط دوراً إخبارياً، بل يصبح صمام أمان مجتمعياً يُسهم في بناء الثقة وتوجيه السلوك العام نحو التضامن والوعي. هذا وتُشير التقديرات إلى أن قيمة سوق الإعلام والترفيه في الشرق الأوسط بلغت نحو 30.34 مليار دولار في عام 2020، ومن المتوقع أن تتجاوز 47 مليار دولار بحلول عام 2026، بمعدل نمو سنوي مركب يصل إلى 7.4% بين 2021 و2026. وفي هذا السياق، تعمل دولة الإمارات على تعزيز إسهامات الإعلام في اقتصادها الوطني من خلال بيئة تشريعية مرنة تواكب المستجدات التقنية، بما يدعم نمو وازدهار القطاع ويعزز من مكانة الدولة على خارطة الإعلام العالمية. تمثل «قمة الإعلام العربي 2025» فرصة فريدة لاستشراف مستقبل الإعلام في المنطقة، مع التركيز على الابتكار، والتكنولوجيا، ودعم الكفاءات الشابة. وهي تجسيد عملي لالتزام الإمارات بتطوير قطاع الإعلام، وتعزيز دوره في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومن خلال تبنّي التقنيات الحديثة، ودعم المواهب المحلية، تسعى الدولة إلى ترسيخ مكانتها كمركز إعلامي عالمي مؤثر على الساحتين العربية والدولية. *صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.