logo
مقدمة النشرة المسائية 26-07-2025

مقدمة النشرة المسائية 26-07-2025

LBCI٢٦-٠٧-٢٠٢٥
يصلك على هاتفك push notification :" وفاة زياد الرحباني". تتمنى أن يكون الخبر fake. تسأل، فيأتيك الجواب: الخبر صحيح . لا تريد أن تُصدِّق، وتقول بينك وبين نفسِك: " معقول"؟
نعم " معقول" ... مات زياد الرحباني... مات الذي لا تستطيعُ أن تجدَ له صفة، فاسمُه أكبر من كل الصفات:
عبقري ، رهيب ، نابغة ... كلها صفات لا تعود شيئًا إذا ما اقترنت باسمِه، يكفي أن تقولَ "زياد" لتختزِلَ كلَ الصفات.
عن أي زياد نكتب؟ عن إبن عاصي وفيروز؟ عن عبقري السخرية؟ عن نصوص المسرح التي لا يضاهيه فيها أحد؟ عن البرامج الإذاعية التي لا تشبه أحدًا ؟ عن الملتزم بيساريتِه التي اقتنع بها وكان صلبًا في النقاش دفاعا عنها؟
زياد، إذا تكلَّم يتكلمُ فنًا، وإذا كتبَ يكتب بنبوغ.
ما هذا الزياد الكامل الأوصاف؟
في "نزل السرور" توقَّع الحربَ اللبنانية التي اندلعت عام 1975.
وفي "فيلم اميركي طويل" رسمَ مسرحيًا يومياتِ الحرب ولاسيما بدءًا من العام 1983.
وفي " شي فاشل" يجسِّد معاناة المسرحيين في إنتاج أي عملٍ مسرحي.
أقوالـُه تتحوَّل إلى أقوال مأثورة يحفظُها الناس ويرددونها.
يحفظ الناس من "نزل السرور": "بلدنا بدو كف تا يوعا".
ويحفظون من "فيلم أميركي طويل": " قوم فوت نام وصير حلام أنو بلدنا صارت بلد"
ومن "شي فاشل": "الاميركين وصلوا عالقمر وأنتو عم تفتشو مين لحَّن الدلعونا".
حتى أسماءَ مسرحياته كانت مسرحيات بحد ذاتها :" شي فاشل" " فيلم اميركي طويل" . وحتى برامجَه الإذاعية كبرنامج " العقل زينة".
لن نقول " زياد لا يموت" فهذه كلمة مبتذلة لا تفي بالواقع.
زياد لا يموت إذا أصبح في مناهجنا المدرسية وفي تربيتنا العائلية كناقد وثائر ولا يكتفي بما يقدَّم له، بل يَنقدُه وينقضُه.
هل أعظمَ من إنسان يكون والده العبقري عاصي ووالدته الأيقونة فيروز، ويتمرَّد ويختارُ خطًا ثالثَا وينجح حتى التفوق؟
ما هذا القدَر؟ غنت فيروز لزياد ، في غيبوبة عاصي عام 1973:
" بيعز عليي غني يا حبيبي لأول مرة ما منكون سوا"
كأن زياد الذي أعطى فيروز لحنَ هذه الأغنية، من كلمات منصور، لتغنيها لعاصي، لم يكن يدرِك بعد نصف قرن، أن الأغنيةَ تنطبق عليه، وأنه لو قًدِّر لفيروز أن تغنيَها فستغنيها له:
"لأول مرة ما منكون سوا"
زياد ... ضيعانك
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أين يولد الإبداع الحقيقي؟
أين يولد الإبداع الحقيقي؟

الميادين

timeمنذ 6 ساعات

  • الميادين

أين يولد الإبداع الحقيقي؟

لا يولد الإبداع الأصيل من رحم الرخاء والتكريس الرسمي، بل غالباً ما ينبثق من صميم تجربة إنسانية عميقة تتسم بالتمرّد والرفض. إنها معاناة، ليست بالضرورة مادية كالفقر، بل هي معاناة الفكر والروح في مواجهة القيود والمؤسسات الراسخة. فالمبدع الحقيقي، الثائر بجوهره، لا ينصاع لأطر السلطة – سياسيةً كانت أم فنيةً أم اجتماعيةً – ولا يزدهر في ظلّ الانحياز للمسيطر. إنه يبحث عن هواء الحرية في الأماكن المهمَلة والمنسية، حيث تُستلهَم الرؤى من شقوق الأرصفة وهمسات المقهورين. هناك، في الهامش الذي تتجاهله مراكز القوة، يُصاغ الإبداع النقي كفعل تحدٍ وتحرّر، مؤكداً أنّ الفن الأصيل والثورة الحقيقية لا يُولدان في القصور، بل يُستقيان من صعوبة السؤال وجرأة الاختلاف. هذا هو المنبع الذي لا ينضب. فالمبدع الحقيقي لا يعلّب روحه في قوالب مؤسسية، ولا يحتاج إلى جواز سفر أو تأشيرة دخول إلى مملكة الإبداع. زياد الرحباني في شوارع وحانات منطقة الحمرا في بيروت، وبدر شاكر السياب في أهوار البصرة العطشى، والشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم في حارات القاهرة العتيقة، وبوب مارلي في أزقة "ترينش تاون" البائسة — أولئك صاغوا وجودهم من طين الرفض، وحوّلوا هامشهم إلى مركز كوني للإبداع، ثم ظلوا يقاومون تحويل تمرّدهم إلى تماثيل جديدة تُعبَد في ساحات الأتباع. حين صارت "التجربة الرحبانية" معبداً يُشعَل فيه البخور للمنجَز المكرّس، اخترق زياد صمت التابوهات بأغنيات ساخرة. لم يختر أن يكون وريثاً متوّجاً على عرش الأسرة الفنية المبدعة، بل اندفع كعاصفة تعيد ترتيب رؤيته الخاصة للموسيقى والسياسة معاً. كان يسخر من رجال الدين الذين يبيعون السماء، والسياسيين الذين يسرقون اللقمة من أفواه الجياع. لم تُنجَز أغانيه في استوديوهات مكيّفة، بل ولدت أولاً من عرق العمال والباعة المتعبين تحت شمس بيروت. كان يعرف أنّ الفن الحقيقي لا يُصنع في قاعات المؤسسات، بل في العراء، حيث الريح تحمل همسات المقهورين. وكما كسر زياد قيود المؤسسة الفنية/الاجتماعية/السياسية في لبنان، كان بدر شاكر السياب في أطراف البصرة النائية يعلن ثورة على مملكة الشعر القديم. من قرية "جيكور" التي لا يسمع فيها إلا صوت النخيل وسقسقة المياه، انطلقت قصيدة جديدة تحمل جراح اليتم وعطش الأرض. لم تكن "أنشودة المطر" مجرد كلمات، بل كانت صرخة ضد مؤسسة الشعر التي حبست القصيدة في سجن العمود. كيف يمكن لشاعر نشأ بين "البطاحين" أن يقبل بأوزان تقطع أنفاس الصور؟ كتب بأحرف من ماء دجلة: أصيح بك المطر! أصيح بك المطر! وما في الصحراء من رجاء سوى المطر" حتى حين سجنته الحكومات، ظل السجن "هامشاً" لولادة قصيدة. أما في حارة "حوش قدم" بالقاهرة، حيث تخبز الثورات في أفران الفقر، كان ثنائي مصري ينسج من سخرية المقهورين سلاحاً يهز عروش الفراعنة. الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم — ضرير يرى بقلبه، ويتيم يكتب بغضبه — التقيا في غرفة رطبة لا تتسع لأحلامهما الكبيرة. حين عرض عليهما النظام شيكاً بعشرة آلاف جنيه (ثروة فلكية آنذاك) مقابل صمتهما، مزّقاه كالمناديل التي يمسحان بها عرقهما. أغنيتهما "بقرة حاحا" كانت سوطاً على ظهر الفساد، حتى أنّ القاضي أطلق سراحهما من السجن حين سمع كلماتها. لكنّ عبقريتهما الحقيقية كانت في تحويل السجن إلى مسرح: فمن وراء القضبان، صارت زنزانتهما استوديو يلحّن فيه الشيخ إمام، ويكتب نجم قصائد تهشّم جدران الصمت. لقد صاغا فنهما من طين الرفض — رفض التكريس الرسمي، رفض الانصياع، رفض أن يكون الفن مجرّد زينة لقصور السلطة. وفي الجانب الآخر من الكرة الأرضية، حيث تلتهب شمس البحر الكاريبي، كان صبي هجين الدم يحوّل عار العنصرية إلى هتاف للحرية. من أحياء كينغستون الفقيرة، رفع بوب مارلي صوت الريغي كسلاح ضد مؤسسات الاستعمار والدين والمال. لم تقبله الكنيسة الكاثوليكية لأنه "ابن خطيئة"، فخلق من الرستفارية "Rastafari" عقيدة للمهمّشين. وحين عرضت عليه شركات الإنتاج أموالاً مقابل أن يغيّر كلمات "No Woman, No Cry" رفض قائلاً: الحقيقة لا تباع، وفي أغنية "Redemption Song" صار صوته جسراً نحو الحرية: كسرت سلاسل أجسادنا.. فهل نكسر سلاسل عقولنا؟ كانت موسيقاه بذوراً تزرع في تراب الهامش، فتنبت في أصقاع الأرض. هؤلاء الأربعة لم يجمعهم مكان ولا زمان، لكنهم اتحدوا في رفض أن تكون المؤسسة أُمّاً للإبداع. ومع ذلك، فإن خطراً آخر يتربّص بالمبدع الحقيقي بعد موته: خطر أن يُحوَّل تمرّده إلى صنم. فكما هاجم نقّاد قصيرو النظر ألحان إمام بعد رحيله، في المقابل أيّ مبدع يهرب من سجن المؤسسة قد يقع في فخ تقديس أتباعه. زياد الذي تمرّد على موروثه حين صار مؤسسة، والسياب الذي كسر عمود الشعر ليخلق فضاء للحرية، ومارلي الذي حوّل ألم الغيتو إلى نغم يهزّ عروش المستعمرين، وإمام ونجم اللذان رفضا أن يكونا أدوات في يد السلطة — هم جميعاً لم يبحثوا عن شهادة ميلاد من سلطة، لكنهم أيضاً لم يريدوا شهادة وفاة تحوّلهم إلى تماثيل في متاحف الأيديولوجيا. ولعل أقسى امتحان يواجه المبدع الحقيقي بعد موته هو محاولة النظام الرأسمالي تحويل تمرّده إلى سلعة، وصورته إلى أيقونة فارغة تُطبَع على قمصان المراهقين وولاعات السجائر. وهذه الآلة التسويقية لا تكتفي بتحويل الفنانين إلى بضاعة، بل تطال حتى رموز الثورة العالمية مثل تشي غيفارا الذي صار وجهه سلعة في متاجر الرأسمالية ذاتها التي حاربها؛ فهذه هي "الموتة الثانية": أن يُسحق رمز التمرّد تحت آلة التسويق التي كان يقاتلها طوال حياته. زياد سخِر بقسوة ووضوح من تسليع الفن، وإمام ونجم اللذان رفضا بيع أغانيهما للإذاعات التجارية حتى في أحلك أيام الفقر، هما نفسيهما اللذين تحاول شركات التسويق اليوم توظيف تراثهما لبيع منتجات لا علاقة لها بثورتهما. فالإبداع الأصيل لا يولد في القاعات الحكومية، بل في زنازين السجون حيث يكتب الشاعر على جدران الوحشة، وفي شوارع المدن المنسية حيث يرفع المغنّي صوته فوق دوي القنابل، وفي المقاهي العتيقة حيث يضحك الفنان كي لا تبكي الأوطان. المؤسسات تموت، لكن الفن الذي ينبثق من هامش الوجود يظل كالنهر: يجفّ في المصادر الرسمية، ويجري خفياً تحت الأرض حتى يظهر فيضاناً يغمر الصحارى. وهؤلاء المبدعون لم ينحتوا تماثيلهم من رخام التكريس الرسمي، بل صاغوا وجودهم من طين الرفض والتحدّي. لذلك، كلما رأيت مبدعاً يرفض التكريس الرسمي، اعلم أنك أمام نبع لا ينضب — نبع يرفض أن يُعبَد كما يرفض أن يُسجَن. فالمبدع الحقيقي لا ينتمي إلى مكان، بل يحمل مكانه في روحه، ويصنع من هامشه كوناً لا يُؤسَّس ولا يُؤلَّه. زياد والسياب وإمام ونجم ومارلي يذكّروننا بأنّ الإبداع نهر يرفض القنوات الاصطناعية، وشمس لا تولد في الأقبية المحروسة، وصوت يبقى حراً كالرياح حتى لو حُوِّل إلى أسطورة. عندما يصير الهامش منارة، والمقهورون شعراء، والتمرّد أغنية تغنيها الشعوب فاعلم أنك صنعت كوناً لا يموت.

في وداعية زياد .. أسطورة الغياب والحضور الأبدي وصوت الموسيقى والثورة والمقاومة
في وداعية زياد .. أسطورة الغياب والحضور الأبدي وصوت الموسيقى والثورة والمقاومة

الميادين

timeمنذ 12 ساعات

  • الميادين

في وداعية زياد .. أسطورة الغياب والحضور الأبدي وصوت الموسيقى والثورة والمقاومة

غاب اليوم عن المشهد اللبناني والعربي الموسيقار زياد الرحباني تاركاً فراغاً يتمثّل في الغياب الجسدي، لكنّه ترك صدى صوته حيّاً في الوجدان. مع رحيله، انقسمت الآراء بين من يرى فيه أيقونة الجرأة الفنية والثقافية، صامداً لم يهتز أمام السلطة، مدافعاً عن كرامة الإنسان والمقاومة. ومن يرى فيه ظاهرة استفزازية، رفضت أن تتكيّف مع السياق الفني السائد أو تعزف على أوتار السياسة من خارج خشبة المسرح. بعد بدايته في مسرحية "سهرية" ذات الطابع الفني البحت، قدّم زياد سلسلة مسرحيات امتدت حتى عام 1994 مع "لولا فسحة الأمل". لكنّه، وعلى خلاف النهج الرحباني التقليدي الذي اتسم بالرمزية والرؤية المثالية، اختار أن يغوص في قلب الواقع، مسلطاً الضوء على تداعيات الحرب الأهلية وانعكاساتها على المجتمع. تميّزت أعماله المسرحية بروح النقد السياسي والاجتماعي، وبلغتها القريبة من الناس، إذ نقل عبرها تفاصيل الحياة اليومية، بأسلوب ساخر حيناً، جارح حيناً آخر، وصادق في كل الأحوال. وفي هذا، كان زياد يؤسّس لمدرسة فنية تعاين الواقع وتشرحه، وتقارع الظلم الاجتماعي والاحتلال، وتجعل من المسرح منبراً لحقيقة تتراءى للجمهور بهيئة ساخرة. لقد اختار أن يكون فناناً حرّاً، لا يُقيّد بالمجاملات ولا يُصادره السوق أو السلطة، بل ظلّ وفيّاً لقناعاته، مستنداً إلى حسّ عالٍ بالمسؤولية تجاه مجتمعه والمجتمعات المهمشة والمسلوبة حقها. شكّل عام 1974 محطة مفصلية في مسيرة زياد الرحباني، مع تقديمه مسرحية "نزل السرور" التي مثّلت قطيعة مع الخط الرحباني التقليدي، وبداية لتأسيس مسرح جديد يلامس الواقع اللبناني بلغة الناس وهمومهم. استلهم زياد المسرحية من حادثة احتجاز رهائن داخل "بنك أوف أميركا" في بيروت، لكنه أعاد تقديمها بسخرية سوداء، لكشف تناقضات النظام اللبناني، من فساد السلطة إلى اغتراب المواطن. تميّز العمل بحوارات لاذعة وأغانٍ لامست وجدان الناس، فكانت "نزل السرور" أكثر من عرض مسرحي؛ كانت إعلاناً عن ولادة "مسرح زياد"، الذي جمع بين الفن والموقف، وفتح حوار سياسي صادق مع جمهور يتوق إلى فن التمثيل الحقيقي. مثّل زياد الرحباني نموذجاً لوعي نقدي مزدوج، فني واجتماعي، رفض الاستسلام للسياسات القائمة وآمن بإمكانية تغييرها من جذورها. ظهرت هذه القناعة باكراً، إذ كتب وهو في سن صغيرة خواطر عُرفت في ما بعد تحت اسم "صديقي الله"، عبّر فيها عن مكنونه المختلف عن محيطه. بعد عامين على عرض "سهرية"، اندلعت الحرب الأهلية، فوجد نفسه منغمساً في السياسة والمجتمع، متبنياً قناعات ماركسية غذّتها مشاهد الطائفية والطبقية التي حاصرته. تحوّل المسرح عنده إلى أداة رفض، لا مجرّد فن أو مجاز. في "نزل السرور"، قدّم رؤية ثورية جمعت الكوميديا السوداء بلغة حادّة، كاشفاً التصدعات السياسية والاجتماعية. وفي "بالنسبة لبكرا شو؟" (1978)، بعد 3 أعوام على اندلاع الحرب الأهلية، أطلق صرخته الأشدّ، مجسّداً الانهيار الأخلاقي والمعيشي في وطن يتفكّك، عبر شخصية "زكريا" التي اختزلت وجع الناس وفشل النخب. ثم جاءت "فيلم أميركي طويل" (1980) لتشكّل لحظة مواجهة مع الواقع من زاوية الكرامة الوطنية، راسمة صورة لشعب عنيد، رافض للهزيمة، يتمسك بكرامته رغم التآكل والانهيار. لكنّ الصرخة الأوضح جاءت بعد سنوات، في "بخصوص الكرامة والشعب العنيد" (1993)، حيث عاد زياد ليقدّم تشريحاً لمرحلة ما بعد الحرب، في ظل "السلم الأهلي" المشوّه الذي فرضه النظام الطائفي نفسه. هنا، تصبح الكرامة قضية ساخرة، والشعب العنيد مجرّد صورة تروّجها الخطابات الرسمية، بينما الحقيقة هي خضوع الناس لحكم اقتصادي وسياسي خانق. المسرحية كانت نقداً لواقع ما بعد الطائف، وسخريتها المرّة كشفت زيف "المرحلة الجديدة" التي بُنيت على التسويات لا على العدالة. هكذا، لم يكن المسرح عند زياد مجرد انعكاس للواقع، بل فعلاً نقدياً فاضحاً، مسكوناً بهاجس التغيير، يعرّي تناقضات المجتمع اللبناني من الحرب إلى "السلم"، ويمنح الجمهور فرصة النظر إلى أنفسهم في مرآة "بلا رتوش". منذ بداياته، لم تكن فلسطين عند زياد الرحباني مجرد شعار، بل كانت جوهر الصراع ومحرك القوى العالمية في الشرق الأوسط، ومقياساً فاصلاً لفرز المواقف: إما مع الحق أو مع العدو. في مسرحيته "نزل السرور"، برزت فلسطين كجرحٍ مفتوح وسط مشهد لبناني مأزوم وممزق. أما في "بالنسبة لبكرا شو؟"، فقد تجسدت فلسطين في قلب الأزمة الأخلاقية، حيث تسخر الشخصيات من "الحياد" ومن "المقاومة اللفظية" التي تترك القضية الفلسطينية وحيدة أمام التحديات. لم يقدم زياد بطلاً يحمل السلاح، بل رسم صورة جيلاً ممزقاً بين الإيمان العميق بالقضية واليأس المرير من الواقع. فلسطين عنده لم تكن مجرد خلفية، بل كانت بوصلة وامتحاناً أخلاقياً لا ينتهي، وحافزاً دائمًا للمساءلة والتمسك بالحق. لم يكتفِ زياد الرحباني بالمسرح للمواجهة، بل انخرط ثقافياً وفنياً إلى جانب جبهة المقاومة. منذ التسعينيات، أعلن انحيازه بوضوح، وكانت مقابلاته ومناظراته أشبه ببيانات سياسية تفضح الخنوع وتعرّي دعاة التطبيع. رأى في سلاح المقاومة رمزاً للكرامة، لا أداة طائفية، وعدّه أولوية تتقدّم على كل "حداثة زائفة" أو شعارات حياد. وفي مقابلة مع قناة "المنار"، قال بوضوح: أنا لست حيادياً. لا يمكن أن أكون حيادياً بوجود كيان مثل إسرائيل. يا بكون مع المقاومة، يا بكون مع إسرائيل. وما حدا يقلّي في خيار ثالث. وفي مقابلة مع صحيفة الأخبار عام 2008، جدّد موقفه من دون تردّد: أنا أؤيد المقاومة بكل معنى الكلمة. وإذا في سلاح بوجه إسرائيل، أنا معه. وإذا هالسلاح اسمه حزب الله، فأنا مع حزب الله. ولو كل العالم ضده. بهذا الانحياز المبدئي، ثبّت زياد موقعه في صفوف من اعتبروا أن المعركة مع العدو لا تُخاض فقط في الميدان، بل أيضاً في الوعي، في الكلمة، وفي الإبداع. الفلسطينيون هم الأساس، وهم من سيحرّرون فلسطين. مهما فعلنا في لبنان أو سوريا، فإن الفلسطينيين وحدهم يصمدون بصبر يفوق التصوّر. بعد انتصار تموز 2006، شهد خطاب زياد الرحباني تحوّلاً واضحاً، حيث استقر موقفه علناً إلى جانب حزب الله كمقاومة شرعية وواقعية. في إحدى مقابلاته، عبّر قائلاً: إذا كنا نعيش اليوم بكرامة، فذلك بفضل من يقفون على الحدود، وليس لأن أحداً كتب مقالاً جميلاً أو نظم حفلة. وبعد سنوات من الصمت، أعلن زياد موقفه بوضوح عبر مقابلات في قناة "المنار" وإذاعة "النور": نحنا بعد تموز، ما بقا فينا نحكي عن سلاح المقاومة وكأنه عبء... هيدا السلاح هو اللي واقف بوجه الضياع الكامل. دافع زياد عن المقاومة بلا تردّد، وواجه حملات التشويه، معتبراً انتصار تموز أول انتصار عربي حقيقي على "إسرائيل": مش مهم مين عمل الانتصار، المهم إنه تحقق باسمنا كلنا. بينما فضل كثير من الفنانين الصمت أو الحياد، اختار زياد الاصطفاف مع من يعدّهم حماة الكرامة، قائلاً: في ناس بتخاف تقول إنو مع المقاومة. أنا بقولها عَ العلن، مش لأن عندي شجاعة خارقة، بس لأني مش قادر كون غير هيك. منذ ذلك الحين، صار صوت زياد ضميراً خارج السرب الرسمي، يذكر بقيم الكرامة والسيادة، ويقف في وجه محاولات تشويه صورة المقاومة. في إحدى حفلاته قال: إذا نحنا بعدنا عايشين، فهيدا بفضل ناس واقفين عالحدود، مش بفضل حفلاتنا. وفي مقابلة في برنامج "حوار العمر" مع الإعلامية الراحلة جيزيل الخوري أواخر التسعينيات من القرن الماضي، قال زياد رداً على سؤالها عن ما هي الوطنية: الوطنية؟ يعني ضد إسرائيل. وفي تموز/يوليو 2018، خلال مهرجانات بيت الدين وذكرى انتصار تموز الـ12، قدّم أغنية "تجّار المال هربوا" وأهداها للجنوب والمقاومة. كانت الأغنية من تأليفه عام 2014، وكان من المفترض أن تؤديها فيروز، لكنه أبقى صوته. ما فيك تبني بلد وإسرائيل عالباب، ما فيك تعمل عدالة وحرية وهني بيخلوك تختار بين أمنك وبين كرامتك. بهذا المزيج من الموقف واللحن والكلمة، أثبت زياد أن الفن الحقيقي لا يقف على الحياد حين يكون الوطن على المفترق، وأن الموسيقى مع البوصلة لا تخطئ الطريق. لم يكن زياد الرحباني مجرّد فنان يروي حكايات القهر، بل كان مرآة لعصرٍ مكسور يعاني من أوجاعه وصراعاته. حطّم الواقع وأعاد تركيبه بطريقته الخاصة، من دون مساومة أو تزييف، ليقدّم فناً يحمل صدق الألم وعمق الوعي. كان فناناً حقيقياً سخر من السلطة وفضح السوق بكل جرأة وشفافية، ولم يهادن رغم تغيّر الوجوه والسياسات، وظل وفياً لقناعاته وفنه، رافضاً أن يخضع لأيّ تلوين أو تحريف. أحبَّ فلسطين بعيداً عن الشعارات الرنانة، وانحاز للمقاومة كحقيقة جوهرية في زمن الضجيج الإعلامي والسياسي. اقترب من نبض الناس أكثر من الذين ادّعوا تمثيلهم، وكان أوفى لكرامتهم من أنظمتهم التي تخلّت عنهم. غاب زياد جسدياً، لكن صوته ظل حيّاً في شوارع الفقراء وزوايا المقاهي، وفي وجدان كل من يؤمن بأن الفن موقف والكلمة التي لا تنحاز للمظلوم محكوم عليها بالنسيان.

قصّة أغنية "كيفك إنت"... ليست عن زياد وفيروز (فيديو)
قصّة أغنية "كيفك إنت"... ليست عن زياد وفيروز (فيديو)

النهار

timeمنذ يوم واحد

  • النهار

قصّة أغنية "كيفك إنت"... ليست عن زياد وفيروز (فيديو)

لطالما أحاطت بزياد الرحباني شائعات وروايات متداولة، خصوصاً تلك التي تمسّ أعماله الفنية وعلاقته بوالدته، السيدة فيروز. ومن أكثر هذه القصص انتشاراً، الكلام المنتشر بأن أغنية "كيفك إنت"، التي كتبها زياد وغنّتها فيروز، كانت موجّهة من الأم إلى ابنها. تفاصيل الرواية المزعومة تدّعي أن فيروز التقت بزياد صدفة بعد انقطاع طويل، وقالت له: "كيفك إنت؟ مفكرتك برّات البلاد، وقال صار عندك ولاد". إلا أن الحقيقة مختلفة تماماً، وفق ما أكّده زياد الرحباني نفسه في مقابلة تلفزيونية، أوضح خلالها أن القصة الحقيقية للأغنية تعود إلى امرأة كانت تربطه بها علاقة سابقة. وقد التقاها صدفة بعد عودته إلى لبنان، وكانت هي من بادرت بتلك الجملة، التي أصبحت لاحقاً مطلع الأغنية. وبالتالي، لا علاقة للسيدة لفيروز بهذا النص. وتجدر الإشارة إلى أن الإعلامية ديما صادق كانت قد أعادت نشر هذا التوضيح حفاظاً على الأرث عبر حسابها على إنستغرام، مرفقة الفيديو الذي يوثّق كلام زياد. View this post on Instagram A post shared by Dima Sadek 🌺🌺 ديما صادق (@dimasadekofficial) وفي سياق متصل، لا يمكن تجاهل الإرث الفني والثقافي الهائل الذي يحمله اسم الرحابنة، والذي لطالما حرصت ريما الرحباني، ابنة السيدة فيروز، على صونه والدفاع عنه، في وجه القصص المختلقة والتأويلات العشوائية التي تُنسج حول العائلة وأعمالها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store