
موجز أحوال قرن خلال شهر « 3 ـ 4 » فى رمضان الخمسينيات .. المصريون يسألون: «أين قمر الدين؟» .. وسليمان جميل يكتب عن الموجى و«الراجل ده حيجننى» فى تليفزيون 1963
ولما جاءت الخمسينيات، وجاء رمضان 1953، ليكون الأول منذ قيام ثورة 23 يوليو وتبدل أحوال مصر. كانت فترة انتقالية بين الملكية والجمهورية، بين فاروق الأول الذى غادر إلى منفاه، ومحمد نجيب الذى تولى رئاسة وزراء البلاد قبل أن يصبح أول رئيس لجمهوريتها. راقب الصائمون أخبار المحاكمات التى مثل أمامها كثيرون من رجال العهد الملكى وغيرهم. وتابعوا كيف بدأت حكومة الثورة تخلق وسائط وعادات جديدة للتواصل خلال الشهر الكريم. لكن ذلك كله لم يمنعهم من السؤال عن مصير موائد الإفطار فى ظل الغياب المريب لـ«قمر الدين» وبصحبته الطماطم والتفاح.
أما رمضان الستينيات، فتراجع خلاله كل شيء أمام حضور التليفزيون وبدء بث برامجه.
كانت بداية لعهد جديد من الترفيه وصناعة الفنون والثقافة، ولكنها كانت بداية قوية لم يبخل عليها المسئولون من المال والجهد شيئا، فكانت البداية التى غيرت الكثير بعدها، وفقا لما ورد فى «الأهرام».
التليفزيون يحل ضيفا على الأسرة منذ عام 1960
خلال أيام رمضان 1953، كانت «الأهرام» تنشر مذكرات العسكرى الألمانى إرفين روميل حول وقائع الحرب العالمية الثانية، والتى زاحمت إعلانا حول أحدث ما نشر للأديب والمفكر الكبير عباس محمود العقاد، والإعلان يقول:
«ظهر اليوم لمناسبة شهر رمضان المعظم الصديقة بنت الصديق فى سلسلة اقرأ للأستاذ عباس محمود العقاد الثمن 5 قروش».
صباح وفؤاد المهندس و«الراجل ده حيجننى»
محاكمات وتهانى:
وتزاحمت أيضا، أخبار التحقيق مع موظفى القصور الملكية، وفى مقدمتهم أنطون بوللى، مدير الأعمال الخصوصية للملك فاروق بتهمة التزوير فى محاضر رسمية والتحايل للاستيلاء على 600 قطعة من الأثاث الفاخر المودع لديهم. لتزاحم أخبار أول حديث يدلى به البكباشى جمال عبد الناصر، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة حينذاك، للإذاعات الأمريكية. الحديث الذى دام خمس دقائق وأدلى به عبدالناصر بالإنجليزية تضمن شرحا لموقف مصر بشأن جلاء القوات الإنجليزية من منطقة القنال، وتأكيد قدرة القوات المصرية على إدارة هذه المنطقة دون أن تفقد أهميتها الإستراتيجية.
وفيما تنشر الصفحة الأولى لـ«الأهرام» فى رمضان 1953 إعلانا عن «طربوش التحرير» الملقب بـ «شعار القومية المصرية» ونتاج «جمعية القرش لإحياء الصناعات المصرية»، كانت تذيع أيضا قبول تظلم أحمد حسين، أحد مؤسسى «جمعية القرش» وزعيم الحزب الاشتراكى، مع ثلاثة من أعضاء حزبه فى قضية التحريض على حريق القاهرة الذى جرت وقائعه فى يناير 1952.
وكان قد استمر نظر القضية منذ مايو 1952، وحتى قبول تظلم حسين وزملائه ليصدر الحكم بعدم مسئولية مقالات صاحب «مشروع القرش» عن الدفع إلى وقائع الحريق المروع.
كان عهدا جديدا، وبالتالى فإن استقبال شهر رمضان استلزم سن قواعد جديدة. فتنشر «الأهرام» فى عدد 17 مايو 1953، الموافق الرابع من رمضان 1372، العنوان التالى: «الرئيس يهنىء بالصوم المبارك»، وأدنى العنوان: «وضع الرئيس اللواء محمد نجيب لمناسبة حلول شهر الصوم المبارك تقليدا جديدا هو الأول من نوعه فى تاريخ رؤساء الوزارات المصرية. ومؤدى هذا التقليد الجديد هو تقديم أصدق التهانى وأطيب التمنيات لهذه المناسبة الدينية الكبرى إلى ملوك الدول الإسلامية ورؤساء حكوماتها.
وفيما تتوالى التهانى، كان المترددون على أسواق رمضان 1953 يعانون بسبب نقص بعض السلع مثل الطماطم والتفاح وقمر الدين.
وعن هذه الأزمة، أورد «الأهرام» رد وزير التموين حينها، الدكتور محمد صبرى منصور حول أسباب الأزمة. ومما جاء فى رد الوزير: «أين التفاح؟ الرد على ذلك أن هذا السؤال قد جاء فى غير أوانه لانتهاء موسم عرض التفاح فى البلاد المنتجة له والتى يسهل التعامل بيننا وبينها. وإنى استغرب هذا السؤال من نفس بعض من سبق لهم أن أخذوا على وزارة التموين تساهلها فى استيراد كميات كبيرة من التفاح حتى كثر المعروض منه فى الأسواق بشكل ظاهر، فقامت بعض الصحف تنادى بوضع حد لذلك لأن التفاح صنف كمالى وأن استيراده بهذه المقادير الكبيرة لا يتفق مع الحالة الاقتصادية ومع سياسة التقشف».
ويكمل الوزير: «أما قصة قمر الدين وسوريا البلد الوحيد المنتج له، فإنها أصيبت فى ربيع العام الماضى بقلة محصول المشمش الذى يصنع منه قمر الدين فقل الناتج من الصنف الأخير وكان شهر رمضان متأخرا عن هذا العام، فاستهلكت معظم كميته فى العام السابق، ولم تبق منه إلا كمية ضئيلة جدا فى موسم إنتاجه وجزء من هذه الكمية هو الذى عرض فى الأسواق المصرية فى الموسم الحالى. ويكفى القول إن كميات قمر الدين التى وصلت إلى مصر لم تتجاوز 22% مما كانت تستهلكه البلاد عادة فى السنوات السابقة». وتشير توضيحات الوزير إلى أن نقص الطماطم يعود إلى تقلص المساحة المزروعة بمحصوله حتى 30% مما كانت عليه الأعوام السابقة، فضلا عن تسبب موجات الحر فى سرعة إنضاجه ليطرح فى الأسواق باكرا، وبالتالى يتم استهلاكه باكرا.
وإن كانت مائدة الصائمين قد افتقدت الطماطم وقمر الدين، فإن موائد الترفيه كانت عامرة فى رمضان الخمسينيات. تواصلت عروض فرقة الريحانى كما فى عرض «استنى بختك». ولمع نجم فنانين جدد مثل شكوكو الذى عرضت له «الكازينوهات» استعراضات شائقة مثل «شكوكو والأربعين حرامى»، و«استعراض رمضان الكبير». وغير شكوكو، ارتبط الجمهور بغناء كارم محمود ونجاة الصغيرة. أما السينما، فلم تكن عادة تراجع عروضها خلال رمضان قد بدأت، فتزدحم زاوية «أين تذهب هذا المساء؟» مطلع الخمسينيات بإعلانات أفلام «المنزل رقم 13» لفاتن حمامة وعماد حمدى، و«فى الهوا سوا» لكمال الشناوى وشادية وإسماعيل ياسين.
عبدالقادر حاتم
مليون وألف جنيه
جاءت الستينيات بمرحلة جديدة فى تاريخ الفنون والترفيه المصرى. كان عهد التليفزيون الذى بدأ بثه فى يوليو 1960، بعد انتهاء موسم رمضان للعام نفسه بحوالى أربعة شهور. لكن أخبار التليفزيون المنتظر كانت الشغل الشاغل للصائمين، ومن قبل بدء بث برامجه فعليا. كان «الأهرام» قد أرسى زاوية بعنوان «إذاعة وتليفزيون» بصفحته الأخيرة الشهيرة «من غير عنوان».
وتنشر هذه الزاوية فى رمضان 1960 ما يلى: «ما زال التليفزيون يطلب المواهب فى كل فرع من فروع الحياة غير التمثيل والغناء، أصحاب المواهب الفكرية والعلمية والثقافية..» كما أوردت أخبار التواصل مع النقابيين من الممثلين القدامى والجدد لإنجاز بطاقة لكل منهم تشمل المعلومات الأساسية، سعيا لإنشاء أرشيف ييسر عملية التواصل مع الممثلين فى أى لحظة.
وكان قد تم تسجيل حوالى مائة برنامج جاهزة للعرض، وذلك فيما كان عبد الحميد يونس، المدير العام للتليفزيون وقتها، مشغولا فى مناقشة سبل عرض أعمال فرق الباليه والأوبرا والفنون الشعبية التى تقدمها الفرق التى تزور مصر بشكل منتظم.
وفى رمضان التالى، ورد فى عدد الخامس من مارس 1961، الموافق 18 رمضان 1380 هجريا، أنباء حول: «فتح اعتماد إضافى قدره مليون جنيه فى ميزانية إذاعة الجمهورية العربية للسنة المالية الحالية لزيادة الاعتماد المخصص لمشروع التليفزيون.. وذلك للإسراع فى استكمال تنفيذ المشروع خلال السنة المالية الحالية».
وتأتى أنباء المليون جنيه مع النتائج الأولى لاستفتاء التليفزيون، والذى شارك فيه 30 ألف مواطن والتى شجعت عبد القادر حاتم، وكان وقتها وزير الدولة المسئول عن الإذاعة والإعلام، على زيادة الأفلام والتمثيليات الأجنبية لتأتى مصحوبة بالترجمة، وكذلك أفلام المصارعة الحرة.
وقد طالب أغلب المشاركين فى الاستفتاء بزيادة ساعات الإرسال.
ووفقا إلى ما يزيد على 91% منهم، فإن برنامج «نافذة على العالم» جاء فى المرتبة الأولى بالنسبة لهم.
لم يبخل القائمون على التليفزيون منذ أيامه الأولى بأى شيء، دراسات واستفتاءات وأيضا ألف جنيه تم دفعها لتصوير وإذاعة مبارة «ريال مدريد والزمالك». وبالفعل تمت إذاعة هذه المبارة التاريخية فحازت على عظيم متابعة الصائمين فى رمضان 1961، وانتهت بفوز الـ«ريال» على الزمالك بواقع 4/1.
وتمر المواسم والأعوام ، وتصبح تجربة التليفزيون أكثر استقرارا وتأثيرا، فيكتب الموسيقار الكبير سليمان جميل على صفحات «الأهرام» فى رمضان 1963، وتحديدا فى العدد المؤرخ 26 مارس 1963، تحليلا فنيا بديعا لما باتت واحدة من أشهر الأغانى المرتبطة بشهر رمضان. كتب جميل عن «الراجل ده حيجننى» بين صباح وفؤاد المهندس، فقال: «الجديد فى هذه الأغنية أن فؤاد المهندس لا يغنى لحنا مكونا من الأنغام مع (صباح) بل يؤدى الحوار بالكلام العادى على الأوزان الموسيقية، وهذا الأداء هو المعروف بأسلوب الإلقاء الموسيقى. ولكن الحوار فى أغنية ( الراجل ده حيجنني) غير متوازن بين صباح والمهندس. وهذا يجعل المستمع يشعر أنه يستمع إلى أغنية عادية تغنيها صباح بمفردها، بينما يشاهد المهندس وقد أجهد نفسه فى التمثيل ليخلق شيئا غير موجود أصلا فى لحن الأغنية».
ويكمل قائلا: «والحقيقة أن الملحن التليفزيونى لابد أن يضع خطة للألحان وإيقاعاتها، بحيث تصبح الأغنية صالحة لأن تتحول إلى حركة مجسدة داخل كادر الكاميرا. أما الملحن محمد الموجى فلحن (الراجل ده حيجنني) دون ان يضع فى اعتباره أنها أغنية + كاميرا». ويكمل جميل شارحا أن ألحان الأغنية لم تبرز الصراع بين الزوج الصائم كثير الطلبات بسبب الصيام، والزوجة المجتهدة التى ضاق صدرها.
ويقول «هى أغنية تتكون من مذهب ثم لازمة موسيقية ثم كوبليه، وبعد كل كوبليه يتكرر المذهب واللازمة الموسيقية.. إذن صباح وفؤاد المهندس لا يقدمان لنا فى الحقيقة أغنية ثنائية ذات تأثير فكاهى، وإنما هما يقدمان أغنية فردية تتكون من المقاطع اللحنية المفككة، تناولها المخرج التليفزيونى على علاتها..»، وذلك قبل أن يختم مؤكدا: «على كل حال فإن ظهور الأغنية دليل على اتجاه طيب فى فن الغناء، هو ببساطة أن يكون للأغنية موضوع».
ذلك بعض ما كان من تأثير حضور التليفزيون على رمضان الستينيات وفقا لما ورد فى «الأهرام».
مباراة كرة القدم بين فريقى الزمالك وريال مدريد عام 1961 - تصوير ــ أنطون ألبير

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


يمني برس
منذ 5 ساعات
- يمني برس
اعتراف رسمي أمريكي بهزيمة محرجة للقوات البحرية والجوية في اليمن
أعلن نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، خلال مشاركته في حفل تخرج دفعة من الأكاديمية البحرية الأمريكية، أن عصر الهيمنة الأمريكية في المجالات الجوية والبحرية والفضائية قد انتهى، مؤكداً أن الولايات المتحدة بحاجة إلى التكيف مع التغيرات الجيوسياسية والتكنولوجية المتسارعة. وأوضح فانس أن إدارة ترامب غيرت المسار باتجاه استراتيجية الواقعية، مشيراً إلى أن الصراع الذي خاضته الولايات المتحدة مع 'الحوثيين' كان قائماً على هذا الأساس. وأضاف أن على القوات الأمريكية مواكبة واقع جديد أصبحت فيه الطائرات المسيرة الرخيصة وصواريخ كروز المتوفرة قادرة على إلحاق أضرار جسيمة بالأصول والقوات المنتشرة حول العالم. وفي سياق حديثه عن تدخل واشنطن في اليمن، بين نائب الرئيس أن الهدف منه كان دبلوماسياً بالدرجة الأولى، مشدداً على أن بلاده لا تسعى للتورط في صراع طويل الأمد في المنطقة. من جانبها، أكدت مجلة 'ناشيونال إنترست' أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمه الرئيس ترامب مع 'الحوثيين' مثل هزيمة عسكرية نكراء لأمريكا، مشيرة إلى أن المهمة في البحر الأحمر كانت أعنف عملية قتالية تخوضها البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية. كما كشفت المجلة عن تعرض القوات الأمريكية لهزائم تكتيكية محرجة خلال الحملة الجوية في اليمن، وأشارت إلى أن طائرة 'F-35' واجهت خطر الموت في أجواء اليمن رغم تقنيات التخفي من الجيل الخامس، فيما أعلنت عن تغيير قائد حاملة الطائرات 'ترومان' عند وصولها إلى نورفولك في ولاية فيرجينيا خلال الأسابيع المقبلة.


يمني برس
منذ 7 ساعات
- يمني برس
مجلة أمريكية تفضح القوات البحرية الأمريكية وتكشف ماحدث لها خلال المواجهة مع اليمن
أكدت مجلة ناشونال إنترست الأمريكية أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمه الرئيس ترامب مع 'الحوثيين' يمثل هزيمة عسكرية نكراء لأمريكا. وتشير إلى أن المهمة في البحر الأحمر ضد 'الحوثيين' كانت أعنف عملية قتالية تخوضها البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية. كما أعلنت عن تغيير قائد حاملة الطائرات ترومان عند وصولها إلى نورفولك في ولاية فيرجينيا خلال الأسابيع المقبلة.


نافذة على العالم
منذ 9 ساعات
- نافذة على العالم
أخبار العالم : "حماس": دعوة نائب أمريكي لقصف غزة نوويا تحريض على الإبادة وجريمة ضد الإنسانية
السبت 24 مايو 2025 12:30 صباحاً نافذة على العالم - أعربت حركة "حماس" عن إدانتها لتصريحات عضو الكونغرس الأمريكي عن الحزب الجمهوري راندي فاين، التي دعا فيها إلى قصف غزة بالسلاح النووي. واعتبرت الحركة هذه "الدعوة المتطرفة جريمة مكتملة الأركان، ودليلا على العنصرية الفاشية التي تحكم تفكير بعض الساسة الأمريكيين، وهو ما يستوجب الإدانة من الإدارة الأمريكية ومن الكونغرس، الذي بات منصة لتبرير جرائم الاحتلال وتشجيعها، عندما استقبل مجرم الحرب نتنياهو". وأضافت: "تمثل هذه التصريحات انتهاكا صارخا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف، وتحريضا علنيا على استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد أكثر من مليوني مدني". وأكد أنه "ورغم هذه الدعوات الوحشية، فإنها لن تُضعف عزيمة شعبنا، ولا إيمانه بعدالة قضيته، بل تفضح مجددا الوجه الحقيقي للاحتلال وداعميه". ووصف فاين في وقت سابق القضية الفلسطينية بـ "الشريرة". وقال: "في الحرب العالمية الثانية، لم نتفاوض على استسلام مع النازيين، ولم نتفاوض مع اليابانيين. لقد استخدمنا القنابل النووية مرتين ضد اليابان من أجل تحقيق استسلام غير مشروط". وأضاف: "ينبغي أن يكون الموقف ذاته في هذا السياق، فهناك خلل عميق جدًا في هذه الثقافة ويجب القضاء عليه".