
49 عامًا.. الأنبا بفنوتيوس الراهب الذي صنع المجد
جمال رشدي
بقلم - جمال رشدي
في حياة الشعوب، لا يُقاس الزمن بعدد السنين، بل بما تصنعه الأرواح النادرة في عمق الواقع، حين تعيد تشكيله برؤية تتجاوز اللحظة، وتغزل من الصمت حركة، ومن العدم حضورًا. وفي الكنيسة، هناك من مرّوا، وهناك من تركوا أثرًا، وهناك من صاروا مسارًا. هكذا كان، ولا يزال، نيافة الأنبا بفنوتيوس، مطران إيبارشية سمالوط.
على مدار تسعة وأربعين عامًا، منذ يوم سيامته في 13 يونيو 1976، لم تكن رحلته مجرد إدارة لشؤون إيبارشية، بل كانت نهجًا فريدًا في الفهم الروحي والتنموي لدور الكنيسة في خدمة الإنسان، عقلًا وروحًا وجسدًا.
منذ لحظة وصوله إلى سمالوط، لم يكن الواقع مشجعًا. الإيبارشية لم تكن موجودة وكانت تفتقر إلى البنية الأساسية، وتعاني من التهميش والخدمات المحدودة، والمجتمع نفسه يحمل من التقاليد والتحديات ما يكفي لتثبيط الطموح. لكن الرجل الذي جاء من عمق الرهبنة، لم يرَ ذلك عائقًا، بل بوابة. فهو لم يأتِ ليدير واقعًا، بل ليصنع واقعًا جديدًا. رؤيته كانت واضحة منذ اللحظة الأولى: بناء الإنسان قبل الحجر، وتأسيس منظومة خدمة لا تعتمد على التبرعات، بل على موارد ذاتية مستدامة، تعيد للكنيسة استقلالها وكرامتها.
خطواته الأولى بدأت ببناء هيكل إداري فعال، ثم تحولت إلى مشروعات حقيقية أحدثت تحولًا في المشهد الاجتماعي والخدمي للإيبارشية. فكانت مستشفى الراعي الصالح بمدينة سمالوط، أول مستشفى خاص في صعيد مصر بمواصفات تضاهي كبرى المؤسسات الطبية، أصبحت منارة للشفاء، ومصدر عمل لمئات الأسر. وتأسست مدارس العهد الجديد، كمشروع تربوي وتعليمي متكامل حافظ على هوية التعليم وأعاد صياغة العلاقة بين المعرفة والقيم، حتى أصبحت اليوم من أفضل المدارس على مستوى الجمهورية.
ثم جاء فندق العائلة المقدسة، مقامًا على سفح جبل دير العذراء بجبل الطير، يحتضنه الجمال الطبيعي ويطل على نهر النيل في مشهد روحي وسياحي نادر، ليصبح نقطة ارتكاز حقيقية لمسار العائلة المقدسة، يربط الجنوب بالشمال، والتاريخ بالحاضر. كما أطلق مشروع "لقمة هنية"، وهو منظومة خدمية متكاملة توفر السلع الغذائية للمواطنين بأسعار مناسبة، وتحقق التكافل دون اتكال. وأطلق نظامًا فريدًا لسيامة الكهنة على مذبح المطرانية ثم توزيعهم وفق احتياجات الخدمة، مع مراعاة التوافق المجتمعي بينهم وبين الشعب، وهو مسار لم تطبقه أي إيبارشية أخرى حسب علمي.
ما يميز الأنبا بفنوتيوس ليس حجم الإنجاز فحسب، بل الطريقة التي أنجز بها. هدوء العارف، وبعد نظر المفكر، وحكمة الراهب. وجهه المضيء، الذي يحمل هدوء شيوخ البراري، هو ذات الوجه الذي يقود بعينين ثابتتين نحو المستقبل، لا يعرف التردد ولا الضوضاء. هو لا يتحدث كثيرًا عن الإنجازات، لأنه يرى أن الفعل وحده هو ما يبقى. ولأنه اختار أن يكون خادمًا لا متصدرًا، ترك للتاريخ أن يشهد، وللناس أن تقول.
في زمن أصبحت فيه المعايير ضبابية، يظل الأنبا بفنوتيوس نموذجًا لرجل الدين المتكامل: قائد بروح الراهب، ومفكر بعين المعلّم، وخادم يضع المحبة فوق كل اعتبار. هو أكثر من مطران، هو حالة نادرة في تاريخ الكنيسة، ورحلة روحية وإنسانية تستحق أن تُدرّس، وأن تُروى، وأن تُحتذى.
وفي كل عام، في يوم سيامته، نُدرك أن بعض الرجال لا يُحتفل بهم في يوم، بل في كل إنجازٍ تركوه، وكل روحٍ لمسوه، وعلى إثر ذلك أقف عاجزا عن اختيار كلمات اكتبها أو حروف أسطرها لأن الأنبا بفنوتيوس ليس شخص بل فكره أيدتها الروح القدس فسار صوره حيه لحكمة سيده، كل عام ونيافتك تنجز إنجازات جديدا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


فيتو
منذ 20 ساعات
- فيتو
حين احترق الجسد بنور السماء، الكنيسة تحيي ذكرى نياحة السائح أبو نفر
تحيي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ذكرى نياحة القديس أبو نفر السائح، أحد أشهر آباء البرية الذين عاشوا حياة النسك والانفراد والتجرد الكامل عن العالم. قصة القديس أبو نفر ويُعد القديس أبو نفر من أعلام السواح الذين تركوا كل شيء وخرجوا إلى براري الصعيد، باحثين عن الله في صمت الوحدة وخشوع التأمل. وقد روت سيرته القديس بفنوتيوس، الذي قاده الشوق الإلهي لرؤية عبيد الله السواح، حتى وجده في برية نائية، مستور الجسد بشعر رأسه ولحيته، لا يملك من الدنيا سوى نخلة وعين ماء. وبحسب الرواية الكنسية، دخل القديس بفنوتيوس عمق البرية ليقابل مجموعة من السواح، كان من بينهم القديس أبو نفر، الذي عاش ستين عامًا لم يرَ فيها وجه إنسان. وكان طعامه من نخلة تطرح اثني عشر عرجونًا في السنة، يتناول منها عرجونًا واحدًا كل شهر، ويشرب من عين ماء بجوارها. وكشف القديس أبو نفر خلال اللقاء عن رحلته الروحية، مشيرًا إلى أنه ترك ديرًا عامرًا بالرهبان بعدما سمع منهم عن السواح الذين يعيشون في عزلة تامة عن العالم. وقال بفنوتيوس في كتابه إنه حين رآه لأول مرة ظنه روحًا، لكنه طمأنه، وصلى أمامه، ودعاه باسمه، فهدأ روعه، وجلسا معًا يتحدثان بعظائم الله. وفي ختام اللقاء، نزل ملاك من السماء ليخبر القديس أبو نفر بقرب ساعة انتقاله، فاحتدم جسده كالنار، وسجد للرب، ثم أسلم الروح بين يدي القديس بفنوتيوس، الذي دفنه في مغارته. ويُروى أنه ما إن تم الدفن، حتى جفت عين الماء، وسقطت النخلة، وكأن الطبيعة أنهت رسالتها مع قديسها، فعاد بفنوتيوس إلى العالم، حاملًا شهادة حية عن رجال نذروا حياتهم في البرية، بعيدًا عن ضجيج البشر، صامتين، لكن صلاتهم كانت تملأ السماء. تُخلد الكنيسة ذكراهم، لا باعتبارهم مجرد نسّاك، بل شهودًا لحياة روحية متجردة، تُلهب قلوب الباحثين عن النور الإلهي، وتُعيد تعريف الصمت كأعلى مراتب العبادة. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.


مستقبل وطن
منذ 2 أيام
- مستقبل وطن
ننشر أسماء أوائل الشهادة الإعدادية محافظة السويس
أوائل الشهادة الإعدادية محافظة السويس.. أعلنت مديرية التريبة والتعليم بمحافظة السويس برئاسة وكيل الوزارة الدكتور ياسر محمود، أسماء أوائل الشهادة الإعدادية بالمحافظة عقب اعتمادها صباح اليوم الأحد، من محافظ السويس طارق حامد الشاذلي، بنسبة النجاح 84.24 %. أسماء أوائل الشهادة الإعدادية محافظة السويس وأشار بيان صادر من المديرية، إلى أن الطالب إبراهيم محمد إبراهيم الدسوقي حصل على المركز الأول بمجموع 279.75 درجة بمدرسة اللغات الإسلامية الخاصة الجديدة، وفي المركز الثاني رغد عبد الفتاح رفاعي عبد الفتاح شحاته 279.5 بمدرسة فتية الإسلام الخاصة، وفي المركز الثاني مكرر داليين سامر محمد حسانين الشبراوي بمجموع 279.5 بمدرسة الشبان المسلمين الخاصة، والمركز الثاني مكرر حبيبه محمد خير إسماعيل بمجموع 279.5 درجة بمدرسة أمون بورتوفيق الخاصة. وأضاف أن الطالبة إيمان حمدي أحمد حسين حصلت على المركز الثاني مكرر بمجموع 279.5 درجة بمدرسة زيد بن حارثة للتعليم الأساسي، والمركز الثاني مكرر ماريان مجدي سعيد بمجموع 279.5 بمدرسة الراعي الصالح الخاصة، والمركز الثاني مكرر زياد محمد يوسف ضيف الله بمجموع 279.5 بمدرسة طه حسين الرسمية للغات. وتابع البيان بأن المركز الثالث فازت به ندى وائل خلف عبد الرحيم على بمجموع 279.25 بمدرسة الدكتور أحمد زكي للتعليم الأساسي، والمركز الثالث مكرر ملك أحمد على حنفي محمد بمدرسة سويس هليز الخاصة اللغات، والمركز الثالث مكرر جنى محمد سيد إبراهيم على بمجموع 279.25، والمركز الثالث مكرر ياسمينه محمد محمود على رمضان بمجموع 279.25 بمدرسة نبوية موسى الإعدادية المشتركة، والمركز الثالث مكرر معاذ أحمد سعيد عبد المنعم داود بمجموع 279.25 بمدرسة أمون بورتوفيق الخاصة. وكان محافظ السويس اعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية اليوم بنسبة 84.24 %، بحضور نائب محافظ السويس الدكتور عبد الله رمضان، ووكيل وزارة التريبة والتعليم.


الأسبوع
١٢-٠٦-٢٠٢٥
- الأسبوع
49 عامًا.. الأنبا بفنوتيوس الراهب الذي صنع المجد
جمال رشدي بقلم - جمال رشدي في حياة الشعوب، لا يُقاس الزمن بعدد السنين، بل بما تصنعه الأرواح النادرة في عمق الواقع، حين تعيد تشكيله برؤية تتجاوز اللحظة، وتغزل من الصمت حركة، ومن العدم حضورًا. وفي الكنيسة، هناك من مرّوا، وهناك من تركوا أثرًا، وهناك من صاروا مسارًا. هكذا كان، ولا يزال، نيافة الأنبا بفنوتيوس، مطران إيبارشية سمالوط. على مدار تسعة وأربعين عامًا، منذ يوم سيامته في 13 يونيو 1976، لم تكن رحلته مجرد إدارة لشؤون إيبارشية، بل كانت نهجًا فريدًا في الفهم الروحي والتنموي لدور الكنيسة في خدمة الإنسان، عقلًا وروحًا وجسدًا. منذ لحظة وصوله إلى سمالوط، لم يكن الواقع مشجعًا. الإيبارشية لم تكن موجودة وكانت تفتقر إلى البنية الأساسية، وتعاني من التهميش والخدمات المحدودة، والمجتمع نفسه يحمل من التقاليد والتحديات ما يكفي لتثبيط الطموح. لكن الرجل الذي جاء من عمق الرهبنة، لم يرَ ذلك عائقًا، بل بوابة. فهو لم يأتِ ليدير واقعًا، بل ليصنع واقعًا جديدًا. رؤيته كانت واضحة منذ اللحظة الأولى: بناء الإنسان قبل الحجر، وتأسيس منظومة خدمة لا تعتمد على التبرعات، بل على موارد ذاتية مستدامة، تعيد للكنيسة استقلالها وكرامتها. خطواته الأولى بدأت ببناء هيكل إداري فعال، ثم تحولت إلى مشروعات حقيقية أحدثت تحولًا في المشهد الاجتماعي والخدمي للإيبارشية. فكانت مستشفى الراعي الصالح بمدينة سمالوط، أول مستشفى خاص في صعيد مصر بمواصفات تضاهي كبرى المؤسسات الطبية، أصبحت منارة للشفاء، ومصدر عمل لمئات الأسر. وتأسست مدارس العهد الجديد، كمشروع تربوي وتعليمي متكامل حافظ على هوية التعليم وأعاد صياغة العلاقة بين المعرفة والقيم، حتى أصبحت اليوم من أفضل المدارس على مستوى الجمهورية. ثم جاء فندق العائلة المقدسة، مقامًا على سفح جبل دير العذراء بجبل الطير، يحتضنه الجمال الطبيعي ويطل على نهر النيل في مشهد روحي وسياحي نادر، ليصبح نقطة ارتكاز حقيقية لمسار العائلة المقدسة، يربط الجنوب بالشمال، والتاريخ بالحاضر. كما أطلق مشروع "لقمة هنية"، وهو منظومة خدمية متكاملة توفر السلع الغذائية للمواطنين بأسعار مناسبة، وتحقق التكافل دون اتكال. وأطلق نظامًا فريدًا لسيامة الكهنة على مذبح المطرانية ثم توزيعهم وفق احتياجات الخدمة، مع مراعاة التوافق المجتمعي بينهم وبين الشعب، وهو مسار لم تطبقه أي إيبارشية أخرى حسب علمي. ما يميز الأنبا بفنوتيوس ليس حجم الإنجاز فحسب، بل الطريقة التي أنجز بها. هدوء العارف، وبعد نظر المفكر، وحكمة الراهب. وجهه المضيء، الذي يحمل هدوء شيوخ البراري، هو ذات الوجه الذي يقود بعينين ثابتتين نحو المستقبل، لا يعرف التردد ولا الضوضاء. هو لا يتحدث كثيرًا عن الإنجازات، لأنه يرى أن الفعل وحده هو ما يبقى. ولأنه اختار أن يكون خادمًا لا متصدرًا، ترك للتاريخ أن يشهد، وللناس أن تقول. في زمن أصبحت فيه المعايير ضبابية، يظل الأنبا بفنوتيوس نموذجًا لرجل الدين المتكامل: قائد بروح الراهب، ومفكر بعين المعلّم، وخادم يضع المحبة فوق كل اعتبار. هو أكثر من مطران، هو حالة نادرة في تاريخ الكنيسة، ورحلة روحية وإنسانية تستحق أن تُدرّس، وأن تُروى، وأن تُحتذى. وفي كل عام، في يوم سيامته، نُدرك أن بعض الرجال لا يُحتفل بهم في يوم، بل في كل إنجازٍ تركوه، وكل روحٍ لمسوه، وعلى إثر ذلك أقف عاجزا عن اختيار كلمات اكتبها أو حروف أسطرها لأن الأنبا بفنوتيوس ليس شخص بل فكره أيدتها الروح القدس فسار صوره حيه لحكمة سيده، كل عام ونيافتك تنجز إنجازات جديدا.