logo
في مطاردة التضليل.. هل نضيع الحقيقة؟

في مطاردة التضليل.. هل نضيع الحقيقة؟

النهار١٨-٠٣-٢٠٢٥

لندن – "النهار"
تتزايد المخاوف بشأن المعلومات المضللة في العصر الرقمي، حيث يُنظر إليها على أنها تؤثر في قدرتنا على التمييز بين الحقيقة والخيال. لكن هل يمكن أن يكون القلق بشأنها مفرطاً؟ يستند هذا النص إلى مقال نشرته صحيفة "الغارديان"، أعيدت صياغته بتصرّف لمناقشة ما إن كانت المبالغة في رؤية التضليل في كل مكان قد تكون ضارة بقدر تصديق المعلومات الخاطئة، ولماذا ينبغي التركيز على تعزيز القدرة على تحليل المعلومات وتفسيرها بشكل صحيح بدلاً من الاقتصار على مكافحة التضليل.
في 30 تشرين الأول (أكتوبر) 1938، بثت محطة إذاعية أميركية دراما تستند إلى رواية هربرت جورج ويلز "حرب العوالم"، التي تصوّر غزواً فضائياً للأرض. بحسب الروايات، فشل بعض المستمعين في إدراك أن ما يسمعونه كان مجرد تمثيلية، وأدى ذلك إلى انتشار تقارير عن موجة من الذعر العام بسبب الاعتقاد بأن الغزو حقيقي. وقدّرت دراسة أكاديمية لاحقة أن أكثر من مليون شخص اعتقدوا أنهم يشهدون اجتياحاً مريخياً حقيقياً.
لكن هذا المثال المذهل عن مدى سهولة انتشار المعلومات المضللة ليس كما يبدو، إذ إن الأدلة الفعلية تشير إلى أن الذعر الجماعي لم يحدث على النحو الذي صُوّر، فقد أظهرت استطلاعات الرأي في ذلك الوقت أن 2% فقط من الجمهور استمعوا إلى أيّ شيء يشبه "حرب العوالم"، وأن معظمهم كانوا على دراية بأنها قصة خيالية، حيث أشاروا إلى "المسرحية" أو إلى مخرجها أورسون ويلز دون أي ذكر لنشرة أخبار.
بعد مرور قرن تقريباً، لا تزال قضية المعلومات المضللة تتصدر المشهد، بل ربما أصبحت أكثر بروزاً. تُنشر تقارير دورية عن الملايين الذين يتعرضون لمعلومات زائفة عبر الإنترنت. ففي استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" عام 2018، اعتقد الأميركيون أن ثلثي الأخبار التي يواجهونها على وسائل التواصل الاجتماعي كانت مضللة. لكن كما الحال مع قصة "حرب العوالم"، قد لا تكون المشكلة بالحجم الذي نتخيله. فمع تفشي جائحة كوفيد-19 في ربيع 2020، ارتفعت زيارات مواقع الأخبار المصنفة على أنها "غير موثوقة" مثل "بريتبارت" Breitbart و"ديلي واير" the Daily Wire من 163 مليون إلى 194 مليون زيارة شهرياً. لكن في الفترة نفسها، زادت زيارات المواقع الموثوقة مثل "بي بي سي" و"الغارديان" من 5 مليارات إلى 8 مليارات، أي إن المصادر الموثوقة حصدت زيارات أكثر بـ40 مرة من المواقع المشكوك فيها.
المعلومات المضللة الصريحة قد تكون أقل شيوعاً مما نتصوّر، ولكنها ليست المشكلة الوحيدة التي نواجهها عند التمييز بين الحقيقة والخيال. هناك خطآن يجب تجنبهما: الأول، تصديق أشياء خاطئة؛ والثاني، رفض تصديق أشياء صحيحة. إذا ركزنا فقط على تقليل الإيمان بالمحتوى الزائف، كما تفعل معظم الجهود الحالية، فإننا نخاطر بتعزيز الشك في الحقائق كذلك. فمحاربة المعلومات المضللة قد تؤدي إلى فقدان الثقة حتى بالحقائق المؤكدة.
تتجلى هذه المشكلة في البحث العلمي، فالمبتدئون في هذا المجال يميلون في البداية إلى الاعتقاد بأن أي ورقة علمية منشورة في مجلة أكاديمية موثوقة هي صحيحة تماماً. ولكن بمجرد أن يدركوا أن الأبحاث قد تحتوي على أخطاء أو حتى تزييف، يمكن أن يتحول الأمر إلى حالة من الشك الكامل، بحيث لا يثقون بأي شيء.
هذه الإشكالية ليست جديدة. فقد حذر عالم الرياضيات الفرنسي هنري بوانكاريه في مطلع القرن العشرين من مخاطر الإفراط في الثقة أو الشك، قائلاً: "التشكيك في كل شيء أو تصديق كل شيء هما حلان مريحان بنفس القدر، فكل منهما يعفينا من التفكير". وبالتالي، بدلاً من الانجراف بين التصديق الأعمى والشك القاتل، يجب أن نتعلم كيفية تقييم المعلومات بطريقة أكثر دقة.
في المجال الطبي، تُصمّم التجارب السريرية للحد من احتمالين: الأول، استنتاج أن علاجاً معيناً فعال بينما هو غير ذلك؛ والثاني، استنتاج أن العلاج غير فعال بينما هو في الواقع مفيد. لا يمكننا الوصول إلى يقين مطلق، لكن يمكننا بناء درجة كافية من الثقة لاتخاذ قرارات مستنيرة.
تُستغل المبالغة في التشكيك أحياناً كأداة لإضعاف الحقيقة. ففي عام 1969، عندما تصاعدت المخاوف بشأن أضرار التدخين، أصدر أحد مستشاري صناعة التبغ مذكرة جاء فيها: "منتجنا هو الشك، لأنه أفضل وسيلة لمواجهة مجموعة الحقائق التي يحملها الرأي العام". لم تكن الشركات تحاول تغيير الحقائق، بل كانت تهدف إلى زعزعة ثقة الناس بوجود أدلة كافية لاتخاذ إجراءات ضد التدخين.
غالباً لا يكون التضليل ناتجاً عن معلومات خاطئة صريحة، بل عن إساءة تفسير المعلومات الصحيحة. ففي عام 2021، وجدت دراسة أن نسبة الأخبار المضللة التي تم تمييزها على "فايسبوك" أثناء إطلاق لقاحات كوفيد-19 لم تتجاوز 0.3%. ومع ذلك، فإن أكثر الروابط التي أثرت على ثقة الناس باللقاح لم تكن معلومات زائفة، بل عناوين قابلة لسوء الفهم. على سبيل المثال، كان أكثر من أكثر الروابط مشاهدةً عنوان من صحيفة شيكاغو تريبيون: "طبيب صحي توفي بعد أسبوعين من تلقي لقاح كوفيد؛ مركز مكافحة الأمراض يحقق". لم يكن العنوان خاطئاً، لكنه لم يقدّم سياقاً كافياً لفهم المخاطر الفعلية.
عند التعامل مع أصحاب نظريات المؤامرة، غالباً ما أجد أن الكثير من المعلومات التي يستشهدون بها صحيحة من الناحية الفنية، ولكن المشكلة تكمن في الاستنتاجات التي يستخلصونها منها. فالأمر لا يقتصر على تمييز الحقيقة من الكذب، بل في القدرة على اكتشاف المغالطات المنطقية، والبيانات المنتقاة، والخلط بين العلاقة والسببية.
لهذا السبب، يجب أن ننتقل من القلق بشأن "تسونامي المعلومات المضللة" إلى التركيز على كيفية تحليل وفهم المعلومات. إن تصنيف أخبار صحيحة تقنياً على أنها زائفة يضرّ بالثقة العامة، بينما التحذير من أن معظم المحتوى على الإنترنت مزيّف قد يؤدي إلى تشتيت الانتباه عن المشكلة الحقيقية، وهي كيفية تفسير المعلومات بنحو صحيح.
وقال بوانكاريه: "الاعتقاد بأن الأكاذيب منتشرة ويسهل تمييزها، أو الاعتقاد بأن معظم المحتوى صحيح ولا يحتاج إلى تحليل، كلاهما حلّ مريح لكنه مضلل". فالتحدي الحقيقي لا يكمن فقط في كشف الأكاذيب، بل في تطوير أدواتنا لفهم الحقيقة بشكل أعمق وأكثر دقة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لينيكر يُودّع "بي بي سي" بعد مسيرة استثنائية منذ 1999
لينيكر يُودّع "بي بي سي" بعد مسيرة استثنائية منذ 1999

Elsport

timeمنذ 5 أيام

  • Elsport

لينيكر يُودّع "بي بي سي" بعد مسيرة استثنائية منذ 1999

أعلن ​غاري لينيكر​، نجم إنكلترا السابق وأيقونة الإعلام الرياضي، رحيله عن شبكة "بي بي سي" بعد مسيرة امتدت لأكثر من 25 عامًا. ستكون حلقة "ماتش أوف ذا داي" في 25 ايار هي الأخيرة له، ولن يشارك في تغطية ​كأس العالم 2026​ كما كان مقرراً. القرار جاء عقب جدل أُثير مؤخراً بسبب منشور اعتُبر معادياً للسامية، قدّم لينيكر بشأنه اعتذارًا من دون تحفظ. لينيكر، الذي انضم إلى "بي بي سي" العام 1999، ظل الأعلى أجرًا لسنوات. ابتداءً من الموسم المقبل، سيُقدّم البرنامج ​مارك تشابمان​ و​كيلي كيتس​ وغابي لوغان، في نقلة جديدة لتاريخ البرنامج الشهير.

"لن أنشر مجددًا"... منشور على إنستغرام يُقصي إعلاميًا بارزًا من BBC!
"لن أنشر مجددًا"... منشور على إنستغرام يُقصي إعلاميًا بارزًا من BBC!

ليبانون ديبايت

timeمنذ 5 أيام

  • ليبانون ديبايت

"لن أنشر مجددًا"... منشور على إنستغرام يُقصي إعلاميًا بارزًا من BBC!

أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، اليوم الإثنين، إنهاء تعاونها مع الإعلامي البريطاني البارز ونجم منتخب إنجلترا السابق، غاري لينيكر، على خلفية مشاركته منشورًا مؤيدًا لفلسطين عبر حسابه الرسمي على "إنستغرام"، قبل أن يقوم بحذفه لاحقًا ويعتذر عنه، بعد اتهامه بـ"معاداة السامية". وقال المدير العام لـ"بي بي سي"، تيم ديفي، في بيان رسمي: "لقد اعترف غاري بالخطأ الذي ارتكبه، لذا اتفقنا على عدم استمراره في تقديم البرامج بعد نهاية الموسم الجاري. لقد كان صوتًا بارزًا للشبكة لأكثر من عقدين، ونشكره على مساهمته الكبيرة". من جهته، قال لينيكر في بيان: "كرة القدم كانت جزءًا أساسيًا من حياتي، سواء داخل الملاعب أو عبر أستوديوهات التحليل، وعملي مع (بي بي سي) كان محطة مهمة لسنوات طويلة. أكرر اعتذاري وأسفي الشديد، وأقر بالخطأ والانزعاج الذي تسببت به. لن أنشر مجددًا أي شيء قد يُفهم على أنه معادٍ للسامية، فهذا يتعارض تمامًا مع قيمي". وكان لينيكر قد وقّع في شباط الماضي ضمن 500 شخصية عامة على رسالة تطالب "بي بي سي" بإعادة عرض فيلم وثائقي بعنوان "غزة.. كيف تنجو من منطقة حرب" عبر منصتها الرقمية "BBC iPlayer". يُذكر أن لينيكر كان قد أُوقف مؤقتًا عن العمل في آذار 2023، بسبب تعليقات انتقد فيها سياسة الحكومة البريطانية بشأن اللجوء، وسط جدل متجدد حول مبدأ الحيادية داخل الهيئة. وبحسب تقارير صحافية، فإن غاري لينيكر لن يشارك في تغطية "بي بي سي" لكأس العالم 2026، كما سيغيب عن تقديم برنامج "ماتش أوف ذا داي" الشهير اعتبارًا من الموسم المقبل. وسيحل مكانه كل من غابي لوجان، كيلي كايتس، ومارك تشابمان الذين سيتناوبون على تقديم البرنامج.

بعد عقود من إخفائها... صور نادرة تجمع الأميرة ديانا وديفيد بوي تخرج للنور
بعد عقود من إخفائها... صور نادرة تجمع الأميرة ديانا وديفيد بوي تخرج للنور

النهار

time١٣-٠٥-٢٠٢٥

  • النهار

بعد عقود من إخفائها... صور نادرة تجمع الأميرة ديانا وديفيد بوي تخرج للنور

كُشف أخيراً عن صور لم يسبق أن شوهدت للأميرة ديانا مع أسطورة البوب ديفيد بوي، وذلك بعد مرور نحو 40 عاماً على التقاطها. تُظهر إحدى الصور، التي التقطها المصوّر دينيس أوريجان، الليدي ديانا مبتسمة إلى جانب بوي في كواليس حفله في ملعب ويمبلي عام 1987، وقد بدا الاثنان متحمّسين للحظة. وفي حديثه إلى "ديلي ميل"، كشف دينيس أن المروّج الموسيقي الأسطوري هارفي غولدسميث هو الذي كان له دور أساسي في جمع بوي وديانا معاً لالتقاط صورة تذكارية. وقال دينيس: "كنت أعمل مع ديفيد في جولة "العنكبوت الزجاجي" عام 1987. كنت مع والدي وأخي أساعدهما في العثور على مكان جيد وسط الجمهور. وبمجرد أن عدت إلى ديفيد قيل لي أن ديانا في طريقها". وأضاف: "وصلت ديانا مع هارفي غولدسميث، وسألت هارفي إذا كان بإمكاني التقاط صورة لديانا وديفيد معاً فقال لي: اسألها". وبخجل، سألت الأميرة، التي كانت تبلغ 25 عاماً آنذاك، عما إذا كان بوي سيوافق على التقاط صورة معها، فردّ دينيس قائلاً: "أعتقد أنه سيرغب في ذلك". وفي اليوم التالي، تلقى دينيس "طلباً مهذباً" من القصر بعدم نشر الصور. لكن السبب في إبقائها مخفية قرابة أربعة عقود لم يكن بسبب من ظهر فيها، بل بسبب من لم يظهر. فقد حضرت ديانا الحفل برفقة الضابط في الجيش جيمس هيويت، الذي جمعتهما علاقة غرامية بين عامي 1986 و1991. وعلى رغم انتشار الشائعات حينها، لم تُلتقط أي صور توثّق وجودهما معاً. قال دينيس إن هيويت "حافظ على مسافة آمنة من عدسات المصورين لتفادي الظهور مع ديانا"، مضيفاً أنه لا يندم على تفويت فرصة التقاط واحدة من أبرز صور الأميرة. وتابع: "لم يكن أحد يعرف من هو، ولم تكن العلاقة قد كُشفت بعد، لذا لم تكن هناك دواعٍ لتصويره". وقالت ديانا في حديثها مع مورتون: "ذهبت مرتديةً بنطلوناً جلدياً، واعتقدت أن هذا هو الشيء الصحيح الذي يجب أن أفعله، واضعين في اعتباري تماماً أنني كنت ملكة المستقبل وملكات المستقبل لا يرتدين الجلد هكذا في الأماكن العامة". وأضافت: "اعتقدت أن ذلك كان عصرياً للغاية. كنت سعيدة جداً لأنني تصرفت بعمري الحقيقي". وقال مورتون إن ديانا تلقّت "توبيخاً خفيفاً" بسبب اختيارها البنطال، مشيراً إلى أنها كانت "تحاول مرة أخرى تقليد فيرغي (دوقة يورك آنذاك)، لكن حاشية قصر باكنغهام لم يعتبروا ملابسها مناسبة لملكة مستقبلية". ومن المقرر أن تُعرض صورة ديانا مع بوي في كتاب المصوّر دينيس أوريجان الجديد "David Bowie by Denis"، والذي يروي فيه تجربته في تصوير النجم الراحل خلال الحقبة الممتدة من عام 1974 حتى 1994. يُذكر أن الأميرة ديانا خاضت علاقة غرامية مع جيمس هيويت بين عامي 1986 و1991، واعترفت بها علناَ في مقابلتها الشهيرة مع برنامج بانوراما على قناة "بي بي سي" عام 1995. وكانت قد تزوجت من الأمير تشارلز، ولي العهد آنذاك، عام 1981، وانفصلا في 1992، قبل أن يُعلَن طلاقهما رسمياً في 1996.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store