أحدث الأخبار مع #هربرتجورجويلز

سعورس
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- سعورس
الرِّوَايَةُ الحِرَفِيَّةُ
إن من يتأمل الروايات العالمية سيجد في عنوانات بعضها مزيداً من التفاصيل الحِرَفية، سواء أكانت تلك التفاصيل صريحة مباشرة، أم ضمنية غير مباشرة، فمن ذلك مثلاً: رواية (الفلّاحون)، و(الصيّادون) للروسي (أنطون بافلوفيتش تشيخوف 1904م)، ومثلها رواية (صانع الألماس) للإنجليزي (هربرت جورج ويلز 1946م)، كما دّلت روايات أخرى على بعض المعاني الحِرفية، كرواية (مانديل بائع الكتب القديمة) للنمساوي (ستيفان تزفايج 1942م)، ورواية (السيمفونية الرعوية)، أو (سيمفونية الحقول) للفرنسي (أندريه جيد 1951م)، ورواية (ساعي بريد نيرودا) للتشيلي (أنطونيو سكارميتا 2024م). كما تناولت بعض الروايات العالمية في موضوعاتها الرئيسة عملاً حرفيًّا مؤسساً، بمعنى أنها قد تشكّل جزءاً من الأحداث، أو الشخصيات الفاعلة التي قد تؤثر في صنع الرواية، وقد رأينا نماذج كثيرة من ذلك، هي في أصلها ذات عمل حِرفي، كما في حرفة الصيد التي لوحظت في رواية (الشيخ والبحر) للأمريكي (أرنست ميلر همنغواي 1961م)، حيث نهضت أحداثها مع (سانتياغو) الصياد العجوز الذي لا يزال متمتعًا بحيويته ونشاطه. وكما في حرفة الرعي عند البرازيلي (باولو كويلو) في روايته (الخيميائي) التي تحدثت عن الراعي الإسباني الشاب (سنتياغو) في رحلته نحو تحقيق حلمه. وإذا بحثنا في الروايات العربية فإننا لا نعدم وجود نماذج مشابهة في أثرها الحِرَفي، ويمكن رصد ذلك مثلاً في الروايات التي توظف الحرفة توظيفًا متنوعاً، كأن تشير إلى حدث حِرفي من قبيل: (كوية على العلباة) لإبراهيم الخضير، أو تشير إلى شخصية ذات عمل حِرفي كما في رواية (بائع الخردة) للمؤلف نفسه، أو تشير إلى الحدث والشخصية معاً، كما في رواية (قهقهة الجزّار) لكرم ملحم كرم، ورواية (عندما يحلم الراعي) لمنصور آل سيف، ونجيبة سيد علي، أو تشير إلى مكان ذي طابع حِرفي، كما في روايتي (حارة البحارة)، و(قصة حي المنجارة) لعبدالكريم الخطيب. كما قد نلمس الأثر الحِرَفي في الروايات العربية بشكل ضمني، بمعنى أن يُفهم بشكل غير مباشر، كحرفة الزراعة والري التي نجدها في رواية (وانتهى موسم الحصاد) لأحمد الحربي، ورواية (أثمر زرعي شوكاً) لمحمد الغامدي، ورواية (الحصاد) لسليمان الحماد، ومثل ذلك حرفة الصيد في رواية (قنص) لعواض العصيمي. ويمكن أن نجد في متن الروايات العالمية، والعربية كثيراً من المظاهر والدلالات الحِرَفية، وهي مظاهر ودلالات قد تكون متحكّمةً في نسيج الرواية، ومؤثرة في نسقها، ومتفاعلة مع مكوناتها وعناصرها، وعندئذ يصبح الطابع الحِرَفي أكثر إبداعاً وجمالاً.


النهار
١٨-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- النهار
في مطاردة التضليل.. هل نضيع الحقيقة؟
لندن – "النهار" تتزايد المخاوف بشأن المعلومات المضللة في العصر الرقمي، حيث يُنظر إليها على أنها تؤثر في قدرتنا على التمييز بين الحقيقة والخيال. لكن هل يمكن أن يكون القلق بشأنها مفرطاً؟ يستند هذا النص إلى مقال نشرته صحيفة "الغارديان"، أعيدت صياغته بتصرّف لمناقشة ما إن كانت المبالغة في رؤية التضليل في كل مكان قد تكون ضارة بقدر تصديق المعلومات الخاطئة، ولماذا ينبغي التركيز على تعزيز القدرة على تحليل المعلومات وتفسيرها بشكل صحيح بدلاً من الاقتصار على مكافحة التضليل. في 30 تشرين الأول (أكتوبر) 1938، بثت محطة إذاعية أميركية دراما تستند إلى رواية هربرت جورج ويلز "حرب العوالم"، التي تصوّر غزواً فضائياً للأرض. بحسب الروايات، فشل بعض المستمعين في إدراك أن ما يسمعونه كان مجرد تمثيلية، وأدى ذلك إلى انتشار تقارير عن موجة من الذعر العام بسبب الاعتقاد بأن الغزو حقيقي. وقدّرت دراسة أكاديمية لاحقة أن أكثر من مليون شخص اعتقدوا أنهم يشهدون اجتياحاً مريخياً حقيقياً. لكن هذا المثال المذهل عن مدى سهولة انتشار المعلومات المضللة ليس كما يبدو، إذ إن الأدلة الفعلية تشير إلى أن الذعر الجماعي لم يحدث على النحو الذي صُوّر، فقد أظهرت استطلاعات الرأي في ذلك الوقت أن 2% فقط من الجمهور استمعوا إلى أيّ شيء يشبه "حرب العوالم"، وأن معظمهم كانوا على دراية بأنها قصة خيالية، حيث أشاروا إلى "المسرحية" أو إلى مخرجها أورسون ويلز دون أي ذكر لنشرة أخبار. بعد مرور قرن تقريباً، لا تزال قضية المعلومات المضللة تتصدر المشهد، بل ربما أصبحت أكثر بروزاً. تُنشر تقارير دورية عن الملايين الذين يتعرضون لمعلومات زائفة عبر الإنترنت. ففي استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" عام 2018، اعتقد الأميركيون أن ثلثي الأخبار التي يواجهونها على وسائل التواصل الاجتماعي كانت مضللة. لكن كما الحال مع قصة "حرب العوالم"، قد لا تكون المشكلة بالحجم الذي نتخيله. فمع تفشي جائحة كوفيد-19 في ربيع 2020، ارتفعت زيارات مواقع الأخبار المصنفة على أنها "غير موثوقة" مثل "بريتبارت" Breitbart و"ديلي واير" the Daily Wire من 163 مليون إلى 194 مليون زيارة شهرياً. لكن في الفترة نفسها، زادت زيارات المواقع الموثوقة مثل "بي بي سي" و"الغارديان" من 5 مليارات إلى 8 مليارات، أي إن المصادر الموثوقة حصدت زيارات أكثر بـ40 مرة من المواقع المشكوك فيها. المعلومات المضللة الصريحة قد تكون أقل شيوعاً مما نتصوّر، ولكنها ليست المشكلة الوحيدة التي نواجهها عند التمييز بين الحقيقة والخيال. هناك خطآن يجب تجنبهما: الأول، تصديق أشياء خاطئة؛ والثاني، رفض تصديق أشياء صحيحة. إذا ركزنا فقط على تقليل الإيمان بالمحتوى الزائف، كما تفعل معظم الجهود الحالية، فإننا نخاطر بتعزيز الشك في الحقائق كذلك. فمحاربة المعلومات المضللة قد تؤدي إلى فقدان الثقة حتى بالحقائق المؤكدة. تتجلى هذه المشكلة في البحث العلمي، فالمبتدئون في هذا المجال يميلون في البداية إلى الاعتقاد بأن أي ورقة علمية منشورة في مجلة أكاديمية موثوقة هي صحيحة تماماً. ولكن بمجرد أن يدركوا أن الأبحاث قد تحتوي على أخطاء أو حتى تزييف، يمكن أن يتحول الأمر إلى حالة من الشك الكامل، بحيث لا يثقون بأي شيء. هذه الإشكالية ليست جديدة. فقد حذر عالم الرياضيات الفرنسي هنري بوانكاريه في مطلع القرن العشرين من مخاطر الإفراط في الثقة أو الشك، قائلاً: "التشكيك في كل شيء أو تصديق كل شيء هما حلان مريحان بنفس القدر، فكل منهما يعفينا من التفكير". وبالتالي، بدلاً من الانجراف بين التصديق الأعمى والشك القاتل، يجب أن نتعلم كيفية تقييم المعلومات بطريقة أكثر دقة. في المجال الطبي، تُصمّم التجارب السريرية للحد من احتمالين: الأول، استنتاج أن علاجاً معيناً فعال بينما هو غير ذلك؛ والثاني، استنتاج أن العلاج غير فعال بينما هو في الواقع مفيد. لا يمكننا الوصول إلى يقين مطلق، لكن يمكننا بناء درجة كافية من الثقة لاتخاذ قرارات مستنيرة. تُستغل المبالغة في التشكيك أحياناً كأداة لإضعاف الحقيقة. ففي عام 1969، عندما تصاعدت المخاوف بشأن أضرار التدخين، أصدر أحد مستشاري صناعة التبغ مذكرة جاء فيها: "منتجنا هو الشك، لأنه أفضل وسيلة لمواجهة مجموعة الحقائق التي يحملها الرأي العام". لم تكن الشركات تحاول تغيير الحقائق، بل كانت تهدف إلى زعزعة ثقة الناس بوجود أدلة كافية لاتخاذ إجراءات ضد التدخين. غالباً لا يكون التضليل ناتجاً عن معلومات خاطئة صريحة، بل عن إساءة تفسير المعلومات الصحيحة. ففي عام 2021، وجدت دراسة أن نسبة الأخبار المضللة التي تم تمييزها على "فايسبوك" أثناء إطلاق لقاحات كوفيد-19 لم تتجاوز 0.3%. ومع ذلك، فإن أكثر الروابط التي أثرت على ثقة الناس باللقاح لم تكن معلومات زائفة، بل عناوين قابلة لسوء الفهم. على سبيل المثال، كان أكثر من أكثر الروابط مشاهدةً عنوان من صحيفة شيكاغو تريبيون: "طبيب صحي توفي بعد أسبوعين من تلقي لقاح كوفيد؛ مركز مكافحة الأمراض يحقق". لم يكن العنوان خاطئاً، لكنه لم يقدّم سياقاً كافياً لفهم المخاطر الفعلية. عند التعامل مع أصحاب نظريات المؤامرة، غالباً ما أجد أن الكثير من المعلومات التي يستشهدون بها صحيحة من الناحية الفنية، ولكن المشكلة تكمن في الاستنتاجات التي يستخلصونها منها. فالأمر لا يقتصر على تمييز الحقيقة من الكذب، بل في القدرة على اكتشاف المغالطات المنطقية، والبيانات المنتقاة، والخلط بين العلاقة والسببية. لهذا السبب، يجب أن ننتقل من القلق بشأن "تسونامي المعلومات المضللة" إلى التركيز على كيفية تحليل وفهم المعلومات. إن تصنيف أخبار صحيحة تقنياً على أنها زائفة يضرّ بالثقة العامة، بينما التحذير من أن معظم المحتوى على الإنترنت مزيّف قد يؤدي إلى تشتيت الانتباه عن المشكلة الحقيقية، وهي كيفية تفسير المعلومات بنحو صحيح. وقال بوانكاريه: "الاعتقاد بأن الأكاذيب منتشرة ويسهل تمييزها، أو الاعتقاد بأن معظم المحتوى صحيح ولا يحتاج إلى تحليل، كلاهما حلّ مريح لكنه مضلل". فالتحدي الحقيقي لا يكمن فقط في كشف الأكاذيب، بل في تطوير أدواتنا لفهم الحقيقة بشكل أعمق وأكثر دقة.