
"الشوفار"... بوق يضع اليهود بين زمنين منفصلين
إلا أن "الشوفار" الذي يُصنع عادة من قرن كبش مجوف أو ماعز أو غزال يُعزف عليه كالبوق ويُعرف أيضاً باسم قرن الكبش اليهودي أو القرن اليهودي، كانت له الحصة الكبرى في الشرح والحديث، فالنفخ فيه يتطلب تقنية معينة للحصول على الأصوات المطلوبة، ويحتاج إلى ممارسة وتدريب للوصول إلى مستوى الإتقان الذي قد يتيح لهم فرصة تطبيق ما تعلموه في سياق العبادة، خلال المناسبات الدينية والروحية لإحداث أصوات مميزة لها دلالات ورموز عميقة لدى اليهود.
وفقاً للديانة اليهودية فإن النفخ ببوق "الشوفار" يدلل على الانتقال بين زمنين مفصليين، فينفخ فيه في العام مرتين فقط، الأولى يومي رأس السنة العبرية مع شروق شمس اليوم الأول إلى ظهيرة اليوم الثاني إعلاناً ببدء أيام التوبة الـ10 عند اليهود، ويكون عدد النفخات 100 نفخة، والنفخ الثاني يكون في غروب شمس يوم الغفران إعلاناً بانتهاء أيام التوبة.
وتذكر الكتب اليهودية أن النفخ يذكر بقصة الذبح التي أمر الله بها نبيه إبراهيم عليه السلام، لكنهم يعتقدون أن الذبيح هو النبي إسحاق عليه السلام، وللنفخ ببوق "الشوفار" نوعان من المعاني، يتعلق الأول بالدلالات التوراتية، واستحضار الموتى وإعلان يوم القيامة، ومعنى الحاجة إلى الغفران والتوبة، واستحضار الحروب التي خاضها بنو إسرائيل وكانوا يستخدمون البوق فيها للإعلان عن الانتصار والسيطرة، في حين يتعلق النوع الثاني من المعاني "بجماعات الهيكل" التي ترى في النفخ بالبوق إيذاناً باقتراب قدوم المسيح المخلص.
عهد قديم
يفترض بعض العلماء اليهود أن آلة "الشوفار" كانت تستخدم في العصور القديمة، لإصدار أصوات من شأنها تخويف الشياطين، قبل رأس السنة الجديدة، وتم ذكره في كثير من النصوص المهمة في التاريخ اليهودي، في كل من العهد القديم والكتاب المقدس العبري، والتي كُتبت باللغة العبرية بين عامي 1200 و100 قبل الميلاد.
وغالباً ما تظهر الآلة في "التناخ"، الذي يتضمن التوراة والتلمود والأدب الحاخامي، وبحسب المصادر كان يستخدم "الشوفار" للإعلان عن الأعياد والاحتفال بالحرب وفي المواكب، وقد ابتكرت مجتمعات يهودية مختلفة أنماطاً فريدة منه ففي شمال أفريقيا، يكون الـ"شوفار" عادةً مستقيماً ويصدر صوتاً عميقاً، فيما يستخدم اليهود في هولندا قرن الماعز عادة، أما المجتمعات اليهودية في بولندا فتميل لاستخدام "شوفار" مسطح ومستقيم يصدر نغمة منخفضة أو منحنياً يصدر نغمة عالية للغاية.
وإلى جانب أهميته في اليهودية، يحتفل بعض المسيحيين الصهاينة والمسيحيين الإنجيليين بنفخ الـ"شوفار" كحلقة وصل بتراث إيمانهم القديم.
وعلى رغم الجدل حول تاريخيه، فقد تمكن علماء آثار إسرائيليون من استعادة القطع الأثرية التي قد تشير إلى أن بعض قصص الكتاب المقدس كانت روايات تاريخية، ويشير موقع "إسرائيل تتكلم بالعربية" إلى أن الكتاب المقدس ذكر آلة الـ"شوفار" 72 مرة، ويُنظر إليه على أنه "آلة يستخدمها الرب ومظهر من مظاهر صوته المقدس".
أصوات ونغمات
وللنفخ في البوق (الشوفار) مدة ودرجات معينة، وحسب المعتقدات اليهودية هي أربعة أصوات "التكية" و"الشيفريم" و"التروح" و"التقية جدولة"، وتحمل كل واحدة منها دلالات معينة، فالتكية نغمة طويلة تدعو إلى الاستماع، و"الشيفريم" تتكون من ثلاث نغمات متوسطة الطول، أما "التروحة" السريعة فتتميز بنغمات قصيرة متقطعة، فيما التقية جدولة، هي تكية مطولة تُختتم بها أغنية.
ويختلف كل "شوفار" عن الآخر، كذلك فإن الحجم والشكل وعوامل أخرى تسهم جميعها في الصوت الذي يصدره، إلا أنها في المجمل تدعو إلى "التأمل الروحي والاحتفال بالرب"، بحسب المعتقدات اليهودية، ويتمتع أي عازف على آلة موسيقية نفخية مشابهة بأفضلية في البداية، إذ يعد الـ"شوفار" القصير أسهل عزفاً من الطويل، لاستهلاكه هواءً أقل.
لكن بالنسبة إلى خبير نفخ الشوفار المقيم في إسرائيل روبرت وينجر، الذي يملك معظم مركز للشوفار في برية الخليل (صحراء يهودا) أصبح يرى نفسه بمثابة سفير لهذه الآلة، وقال لموقع (Jewish News Syndicate) إنه "تاريخياً استُخدم الشوفار كدعوة للمعركة وكإنذار وصرخة نصر. هناك سرٌّ وراءه".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووصف الحاخام والفيلسوف اليهودي المصري سعديا جاؤون مؤسس الأدب العربي اليهودي، صوت الشوفار "بمثابة صرخة معركة رمزية للشعب اليهودي، وتذكيرهم بالعهد بينهم وبين الله"، في حين قال الفيلسوف اليهودي السفاردي موسى بن ميمون إن الشوفار "تذكير للقيام بالتوبة، وجرس إنذار في التقرّب من الله، وصولاً إلى المعنى والاكتمال لإثبات الولاء والالتزام".
معان سياسية
في إسرائيل تجاوز النفخ بـ"الشوفار" المناسبات الدينية، إذ ينفخ فيه حين يؤدي رئيس الحكومة اليمين والإعلان عن بدء رأس السنة اليهودية وعند الانتصارات التي تحققها، كما جرى عند احتلال القدس وحائط البراق وكذلك عند احتلال إسرائيل أرض سيناء، حيث نفخ الجنود فوق جبل سيناء لأول مرة في عام 1956.
وفي عام 2022 سمحت محكمة إسرائيلية لمتشددين إسرائيليين بنفخ البوق "الشوفار" في مقبرة "باب الأسباط"، شرق المسجد الأقصى.
ولم يكتف ما يعرف بـ"المجلس الحاخامي" (السنهدرين) باستعراض البوق الجديد في الأعوام الأخيرة بنفس المواصفات المذكورة في "المشناة"، بل لجأت لمسار قانوني في محاولة لانتزاع قرار قضائي يسمح بممارسة هذا الطقس في ساحات المسجد بحجة أن محكمة إسرائيلية اعتبرت عام 2015 أن النفخ في البوق ليس عملاً استفزازياً، بل جزءاً من الوضع القائم الذي فُرض بعد يونيو (حزيران) 1967.
وبحسب ناشطين ومتابعين مقدسيين، فقد أعلن الحاخام هيلل فايس برفقة عدد من حاخامات معهد الهيكل، وأعضاء "السنهدرين الجديد"، أنهم جاهزون لتنفيذ "ميتزافوت" الخاصة بـ "الشوفار" داخل المسجد الأقصى، في كل رأس سنة عبرية وأيام التوبة، وهو ما دفع محللين إلى القول إن خطر الشوفار لم يعد يقتصر على نية "جماعات الهيكل" النفخ فيه بداخل باحات المسجد الأقصى، بل قد يمتد الأمر لتكريس فكرة اقتحام الأقصى بالثياب البيضاء، وهي رداء طبقة الكهنة التي تقود الصلوات في الهيكل.
وكانت منظمة "سلام أورشليم" التابعة للحاخام يهودا غليك، ومنظمة "جبل الهيكل بأيدينا" "بيدينو" ومديرها "تومي نيساني"، قاما بمبادرة للنفخ بالبوق عند باب الرحمة من الخارج في عام 2022 كإعلان عن بداية عهد البناء (بناء الهيكل) إذ إن المعتقد اليهودي يقول إن بناء الهيكل الثالث ودخول المسيح المنتظر يكون من الباب الشرقي للحرم القدسي، وقد تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو يظهر جندياً إسرائيلياً ينفخ "الشوفار" على شواطئ غزة في سبتمبر (أيلول) العام الماضي.
أدوات طقسية
الباحث المتخصص في شؤون القدس زياد ابحيص، حذّر من سياسة التدرج التي تنتهجها منظمات "الهيكل" في التعامل مع "الشوفار" خصوصاً أنه قد سبقها إدخال أدوات طقوس توراتية إلى المسجد الأقصى، وخلال الأعوام الماضية تمكن حاخامات ومنظمات استيطانية من إدخال شال الصلاة "طاليت"، واللفائف السوداء "تيفلين"، وكتب الأذكار التوراتية "السيدور"، وملابس التوبة، والقرابين النباتية، وسط تواطؤ من الشرطة الإسرائيلية.
وأوضح ابحيص في تغريدة عبر حسابه على منصة "إكس" أن هناك منظمات تسعى إلى إدخال أدوات أكثر رمزية وخطورة، مثل لفائف التوراة والشمعدان والأبواق المعدنية وثياب الكهنة والمذبح، وحتى القربان الحيواني، مما يعني أننا أمام مرحلة جديدة وخطرة من التهويد الصريح.
وأكد المتحدث أن نجاح منظمات توراتية في إدخال هذه الأدوات تدريجياً، من دون ردع فعلي، يشجعها اليوم على المضي قدماً بشكل أوسع وأخطر، محذراً من أن "النفخ العلني للشوفار في باحات المسجد الأقصى يعد أكبر وأخطر مرحلة في تاريخه الحديث".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سودارس
منذ 3 ساعات
- سودارس
شاهد بالفيديو.. بعد عودتهم لمباشرة الدراسة.. طلاب جامعة الخرطوم يتفاجأون بوجود "قرود" الجامعة ما زالت على قيد الحياة ومتابعون: (ما شاء الله مصنددين)
وبحسب رصد ومتابعة محرر موقع النيلين, فقد وثق طلاب بجامعة الخرطوم, بعد عودتهم لمقر الجامعة لأول مرة منذ الحرب التي اندلعت في الخرطوم, ليومهم الأول داخل الجامعة الشهيرة. حيث قام أحدهم بتصوير مباني الجامعة عبر مقطع فيديو أظهر وجود "قرود" الجامعة الشهيرة وهي تتجول بين الأشجار داخل الحرم الجامعي. وبحسب متابعات محرر موقع النيلين, فقد تفاجأ الطلاب وجمهور مواقع التواصل الاجتماعي بوجود "القرود" على قيد الحياة رغم الحرب وتوقف الحياة فيها لأكثر من عامين, وعلق متابعون على المقطع: (ما شاء الله مصنددين).


الأمناء
منذ 11 ساعات
- الأمناء
مدير عام خور مكسر يهنئ القنصل احمد حسين السعدي بمناسبة زفاف نجله محمود
قدّم مدير عام مديرية خور مكسر الأستاذ عواس الزهري، تهانيه الحارة ومباركته الخالصة للقنصل أحمد حسين السعدي ، وذلك بمناسبة زفاف نجله الشاب محمود أحمد السعدي . وأعرب الزهري في تهنئته عن سعادته بهذه المناسبة السعيدة، سائلاً الله أن يبارك لهما ويجمع بينهما في خير، وأن يرزقهما حياة مليئة بالمودة والرحمة والسعادة.

سعورس
منذ 11 ساعات
- سعورس
مكتبة الحفظي البحث في الأدراج
مكتبة منزلية لا تُشبه أغلب المكتبات، ليست رسالتها رص المصنفات في صفوف، ولا استعراض الكتب في الرفوف، بل حياة تملأ الأعين بثمرات الأوراق، وتُشنف الآذان ببهاء القصيد، وإبداع الفكر الذي جال في الآفاق. والزائر لها يشعر أنه في قاعة بحث، وورشة عمل لمشروعات ثقافية واعدة، تحف بها جهود متواصلة بطريقة علمية للتنقيب في الملفات المخطوطات، المنقولات ودراستها وإظهارها، إضافة إلى الفهرسة والتدوين، والرسائل المتبادلة مع العلماء والأئمة في مراحل تاريخية مهمة. وجميعها موروث جميل رافقه الصبر، والمغامرة، ورحلات في طلب العلم، فكان الأثر والتأثير الثقافي الذي لازال يتوهج حتى اليوم. واحتوت المكتبة على أكثر من ألفي كتاب من أمهات الكتب في شتى صنوف المعرفة، إلى جانب قواميس اللغة، الموسوعات، والتراجم، والسير الذاتية، والمراجع، والوثائق، وبعض الأعداد الأولى من المجلات والدوريات.. ولأبي محمد طريقة رائدة في كيفية صيد الدرر من تلك الكنوز، وغالبًا ما تكون في المساء، يقتطع التخريج، والتدقيق، والتصويب، والمراجعة الجزء الأكبر من وقته. واطلعت على مجموعة معرفية تراثية وتاريخي يرجع تأليفها إلى مئات السنين، ولا زالت بحالة جيدة، وهي مليئة بمعلومات متنوعة وثرية عن الرحلات الخواطر، المذكرات قصائدالشعرالمراسلات. ومن أجمل ما رأيت صور خُطب الجمعة للشيخ محمد بن أحمد الحفظي 1237ه، إبان امامته في جامع بلدة رُجال، وكان نهجه في خُطبه أن يعتمد حرفًا من حروف الهجاء لكل خطبة، وبأسلوب أدبي في غاية الروعة. واطلعت على قصيدة أنشأها الشيخ علي بن الحسن الحفظي يعود تاريخها إلى 1259ه، تناول رحلته إلى الحج بداية من ميقات يلملم، ثم أداء المناسك حتى عودته إلى بلدته، وكأني أمام فيلم سينمائي يُسلط الضوء على مشاهدات متعددة، ويصف الأماكن، طُرق الجمالة، ومواقف تعرض لها. وتصفحت ملفًا توثيقيًا، جمعه صاحب المكتبة بإتقان وترتيب لأهم حدث ثقافي «ملتقى أبها الثقافي»، الذي كان يُقام في منطقة عسير قبل أكثر من ثلاثة عقود، وما كتبه عدد من كبار الإعلاميين والأدباء والمفكرين آنذاك في الصحف المحلية، ومنها صحيفة «الوطن» من مقالات، وآراء واستطلاعات عن المنطقة، وانعكاساته الإيجابية، على السياحة والثقافة. ولفت نظري الحرص على تدوين المعلومات التفصيلية عن أسرة الحفظي التي قارب عددها 1500 شخص في مجموع شاملاً المتوفين والتصنيف الوظيفي للأحياء منهم. وقد صدر من المكتبة عدد من الكتب، منها «رحيق الأقلام في كتابة سير الأعلام- عبق الراحلين- ترجمة موسعة لبعض العلماء- رحلة عمر سيرة الشيخ الحسن بن علي لحفظي- سير زاهية لبعض سيدات آل الحفظي». وأخذت أسأل نفسي سؤلاً لم يطرح من قبل وأنا أغادر المكتبة: هل يمكن العثور بين هذا النتاج الفكري الضخم على وثائق رصدت الحياة الفطرية بأنواعها خلال القرون الماضية على مستوى منطقة عسير سراة وتهامة؟، وأكاد أجزم بوجودها لأسباب منطقية لا يتسع المقال لشرحها، ربما أن صاحب المكتبة، وهو من أهل الدار يجد الإجابة قريبًا، ويأتي بالمفاجأة، خاصة وقد بدأ رحلة البحث المتواصلة مستعينًا بالله ثم بهمة عالية، وطموح ليس له حدود، وهذا ما يُشير إلى أن القادم أجمل بحول الله. وقفة: جاءت مقدمة كتاب مجموع في تاريخ عسير ، الطبعة الأولى، الذي صدر قبل عشر سنوات وحققه علي الحسن الحفظي، والدكتور علي آل قطب: «أن البيت الحفظي كانت مشاغله المعرفية كثيرة تدعو إلى الدهشة والتأمل، من خلال حضوره التاريخي بالعلم الشرعي، والفكرالديني». كما اشتغل كثيرًا بالأدب والشعر، وكان رجاله وأعلامه ورموزه يُؤدون مهمات وظيفية كبيرة تتعلق بالتعليم والقضاء، والإمامة، والإصلاح بين أفراد المجتمع، ونتج عن هذا كله تراث ضخم في حقول متعددة شملت التاريخ والأنساب، والتراجم، والعقيدة، والتفسير، والنحو، والفلك، فضلاً عن مئات المواعظ والخطب، والوثائق، والرسائل، والقصائد ذات الموضوعات المختلفة.