logo
التوكل على الله سر الموفقيّة في الحياة

التوكل على الله سر الموفقيّة في الحياة

شبكة النبأمنذ 3 أيام

هناك معطيات مهمة تنعكس على حياة المتوكلين على الله أهمها، فمن يتكل على الله يشعر بقوة عظيمة لأنه يستند على القوة المطلقة التي ليس فوقها قدرة أخرى، تذليل الصعاب وهي فائدة كبيرة يطلبها الناس في غير التوكل على الله ولايجدونها، بينما المتوكلين تذلّل لهم الصعاب وتيّسر لهم الأمور...
في خضم مشاكل الحياة وابتلائاتها المتعدّدة يجد الإنسان نفسه أمام طريقين لاثالث لهما: فإمّا أن يلجأ إلى تعالى في حل مشاكله ويستمدّ منه العون في صلاح أموره، أو يخلد إلى الشيطان ويتبع هوى نفسه ويخسر بذلك دنياه فضلاً عن آخرته.
بالطبع لاتخلو الحياة من الابتلاءات والمحن والفتن، قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (1).
وقال عزّ من قائل: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) (2).
ولايخفى أنّ امتحان الله العباد له حكم كثيرة منها ليميز الله الطيّب من الخبيث، قال تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (3).
بالطبع موفّقية الإنسان في امتحانات الدنيا وعدم سقوطه في مهاويها يحتاج إلى توفيق من الله، وتوكل من العبد في أموره.
ومن هنا أكد في الإسلام على التوكل بشكل كبير، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (4).
وقال تعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (5).
وقال (صلى الله عليه وآله): لو أن رجلاً توكل على الله بصدق النيّة لاحتاجت إليه الأُمراء فمن دونهم! فكيف يحتاج هو ومولاه الغني الحميد؟ (6).
بل إنّ التوكل من أركان الإيمان وإلى ذلك يشير أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: الإيمان له أركان أربعة: التوكل على الله، وتفويض الأمر إلى الله، والرضى بقضاء الله، والتسليم لأمر الله(7).
حقيقة التوكل
فسّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) التوكل في حديث له سأل فيه جبرئيل عن التوكل، فقال: وما التوكل على الله عزوجل؟
فقال: العلم بأنّ المخلوق لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع، واستعمال اليأس من الخلق، فإذا كان العبد كذلك لم يعمل لأحد سوى الله ولم يرج ولم يخف سوى الله ولم يطمع في أحد سوى الله فهذا هو التوكل (8).
وفي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) لما سئل عن حد التوكل، قال: أن لاتخاف مع الله شيئاً (9).
التوكل المنهي عنه
هناك مفهوم خاطيء للتوكل نهى عنه أهل البيت (عليهم السلام) في أحاديثهم وحذّروا منه، وهو الإتكال وترك الأخذ بالأسباب والمسبّبات، ففي أحد الأيام مرّ أمير المؤمنين (عليه السلام) على قوم، فرآهم أصحاء جالسين في زاوية المسجد، فقال (عليه السلام): من أنتم؟
قالوا: نحن المتوكلون.
قال (عليه السلام): لا بل أنتم المتأكلة، فان كنتم متوكلين فما بلغ بكم توكلكم؟
قالوا: إذا وجدنا أكلنا، وإذا فقدنا صبرنا، قال (عليه السلام): هكذا تفعل الكلاب عندنا.
قالوا: فما نفعل؟
قال: كما نفعل.
قال (عليه السلام): إذا وجدنا بذلنا، وإذا فقدنا شكرنا (10).
وذات يوم رأي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوماً لا يزرعون، قال: ما أنتم؟
قالوا: نحن المتوكلون، قال: لا بل أنتم المتّكلون (11).
وعن علي بن عبد العزيز، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): ما فعل عمر بن مسلم؟
قلت: جعلت فداك أقبل على العبادة وترك التجارة، فقال: ويحه أما علم أن تارك الطلب لا يستجاب له، إن قوماً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما نزلت: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة، وقالوا: قد كفينا فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله) فأرسل إليهم، فقال: ما حملكم على ما صنعتم؟
قالوا: يا رسول الله تكفّل لنا بأرزاقنا فأقبلنا على العبادة، فقال: إنه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب (12).
علاوة على ذلك حذّر في الإسلام عن التوكل على غير الله تعالى، وأنّ من يتكل على الآخرين يكله الله تعالى إليهم، ففي الحديث عن الإمام الجواد عليه السلام: من انقطع إلى غير الله وكله الله إليه (13).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يقول الله عزّوجلّ: مامن مخلوق يعتصم بمخلوق دوني إلا قطعت أسباب السماوات والأرض من دونه (فإن سألني لم أعطه، وإن دعاني لم أجبه، وما من مخلوق يعتصم بي دون خلقي إلا ضمنت السماوات والأرض برزقه)، فإن سألني أعطيته وإن دعاني أجبته، وإن استغفر لي غفرت له (14).
معطيات التوكل
هناك معطيات مهمة تنعكس على حياة المتوكلين على الله تعالى أهمها:
1- التوكل قوّة: فمن يتكل على الله عزّ وجلّ يشعر بقوة عظيمة لأنه يستند على القوة المطلقة التي ليس فوقها قدرة أخرى، وإلى يشير الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بقوله: من سرّه أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله (15).
وقال الإمام الباقر (عليه السلام): من توكل على الله لايغلب، ومن اعتصم بالله لايهزم (16).
2- تذليل الصعاب: وهي فائدة كبيرة يطلبها الناس في غير التوكل على الله عزّ وجلّ ولايجدونها، بينما المتوكلين على الله تذلّل لهم الصعاب وتيّسر لهم الأمور، قال (عليه السلام): من توكل على الله ذلّت له الصعاب، وتسهلّت عليه الأسباب (17).
3- التخلّص من عناء الحرص: كثير من الناس يصابون بالحرص الشديد على أمور الدنيا ويبقون حائرين كيف يتخلّصون من ذلك الداء العظيم دون أن يعلموا أنّ التوكل على الله تعالى وإيكال الأمور إليه كفيلة بطرد هذا الداء الخطير من حياتهم.
وإلى ذلك يشير (عليه السلام) في قوله: كيف يتخلّص من عناء الحرص من لم يصدق توكله؟ (18)
4- كفاية المؤونة: تعهّد الله عزّ وجلّ أن يكفي من يتوكل عليه ويصونه من الحاجة إلى الآخرين، بالطبع ذلك مشروط بالثقة بالله تعالى، ففي الحديث عن الإمام علي (عليه السلام): يا أيها الناس توكلوا على الله وثقوا به، فإنّه يكفي ممّن سواه (19).
مواطن التوكل على الله
التوكل على الله تعالى مرغوب في كل الحالات، ولكن هناك بعض المواطن يحتاج فيها الإنسان إلى الاتكال على التوكل على الله أكثر من غيرها من أهم تلك المواطن هي:
الأول: التوكل عند البلاء: لاتخلو حياة الإنسان والابتلاءات العسيرة التي تلمّ به فتكدّر عليه صفو العيش وحلو الحياة، في مثل هكذا مواطن يحتاج المرء إلى معين يسنده ويشد من أزره، ولايوجد خير من الله تعالى يتخذه العبد كسند له، ففي الدعاء نقول: يا عِمادَ مَنْ لاعِمادَ لَهُ يا سَنَدَ مَنْ لاسَنَدَ لَهُ، يا ذُخْرَ مَنْ لا ذُخْرَ لَهُ، يا حِرْزَ مَنْ لا حِرْزَ لَهُ، يا كَهْفَ مَنْ لا كَهْفَ لَهُ، يا كَنْزَ مَنْ لا كَنْزَ لَهُ، يا رُكْنَ مَنْ لا رُكْنَ لَهُ يا غِياثَ مَنْ لاغِياثَ لَهُ، يا جارَ مَنْ لا جارَ لَهُ يا جارِيَ اللّصِيقَ، يا رُكْنِيَ الوَثِيقَ، يا إِلهِي بِالتَّحْقِيقِ (20).
وبالرغم أنّ الباري تعالى تعهد بأن يكون حسيب من يتوكل عليه، فقال: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ َحسْبُهُ (21)، ولكن الأمر يحتاج إلى صدق في التوكل وثبات، وتوفيق منه تعالى، ولذا نطلب منه أن يوفقنا في التوكل عليه حين البلاء، ففي دعاء ليلة عرفة نقول: اللهم إني أعوذ بك فاعذني، واستجير بك فأجرني، واسترزقك فارزقني، وأتوكل عليك فاكفنى، واستنصرك على عدوي (عدوك) فانصرني، واستعين بك فأعني، واستغفرك يا الهي فاغفر لي، آمين آمين آمين (22).
ويقال: أنه لما أمر نمرود بجمع الحطب في سواد الكوفة عند نهر كوثا من قرية قطنانا وأوقد النار فعجزوا عن رمي إبراهيم فعمل لهم إبليس المنجنيق فرمي به، فتلقاه جبرئيل في الهواء، فقال: هل لك من حاجة؟
فقال: أمّا إليك فلا، حسبي الله ونعم الوكيل، فاستقبله ميكائيل فقال: إن أردت أخمدت النار فإن خزائن الأمطار والمياه بيدي، فقال: لا أريد، وأتاه ملك الريح، فقال: لو شئت طيرت النار، قال: لا أريد، فقال جبرئيل: فاسأل الله، فقال: حسبي من سؤالي علمه بحالي (23).
2- التوكل في الرخاء: كثير من الناس يلجأون إلى تعالى في الشدائد ولكنهم في الرخاء ينسون ماكانوا عليه من التوسل والارتباط بالله، هكذا أناس يصدق عليهم قول الله تعالى: (ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) (24).
بينما هناك ثلة من الناس ثابتي الجأش لايلهيهم عن التوكل عن الله تعالى شيء، ففي كل حال تجدهم متوكلين على الله مفوضي أمرهم إليه لاتغيرهم عن ذلك أمور الدنيا بزبارجها ومغرياته.
......................................
(1) سورة الأنبياء: 35.
(2) سورة العنكبوت: 2.
(3) سورة آل عمران: 179.
(4) سورة الطلاق: 3.
(5) سورة المائدة: 23.
(6) مشكاة الأنوار ص52.
(7) تحف العقول ص223.
(8) معاني الأخبار ص260.
(9) وسائل الشيعة ج15 ص202 ح20279.
(10) مستدرك الوسائل ج11 ص220.
(11) مستدرك الوسائل ج11 ص217.
(12) الكافي ج5 ص84.
(13) بحار الأنوار ج68 ص155.
(14) مستدرك الوسائل ج11 ص214.
(15) روضة الواعظين ص426.
(16) مشكاة الأنوار ص51.
(17) محاسبة النفس للكفعمي ص118.
(18) غرر الحكم حكمة رقم 8128.
(19) بحار الأنوار ج33 ص347.
(20) دعاء المشلول.
(21) سورة الطلاق: 3.
(22) مصباح المتهجد ص270.
(23) بحار الأنوار ج68.
(24) سورة النحل: 53-54.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تحييد شهوات الإنسان الباطلة
تحييد شهوات الإنسان الباطلة

شبكة النبأ

timeمنذ 5 ساعات

  • شبكة النبأ

تحييد شهوات الإنسان الباطلة

إن كل إنسان شابا كان أو في مرحلة عمرية أخرى، يقع عليه عبء كبير في مواجهة شهواته الباطلة، فالحقيقة هو صراع شديد ومؤلم ولا يفوز به إلا من آمن بالله تعالى، وتمسك به، ووضع في حسبانه أن يرضي ربه ويلتزم بالأحكام الشرعية، ويراعي حقوق الناس... (يجب على كل شخص أن يمتلك إرادة وعزما وتصميما، فيكون مثابراً ومجاهداً) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يُقصَد بمفردة (تحييد)، إفراغ الشيء من قدراته، وعدم منحه الفرصة للتأثير، وتحييد شهوات الإنسان، بمعنى إبطالها، وإيقافها عن الفعل والتأثير، ولكن كما هو معروف، هناك شهوات مسموح بها إذا كانت متوازنة، وإذا استخدمها الإنسان بشكل مقبول، وفق الأحكام الشرعية، والأعراف والتقاليد، وما يقبله العقل السليم. لذا من الأفضل لكل فرد أن يهيمن على شهواته، ويقودها، وليس العكس، فهناك شهوات هي التي تهيمن على صاحبها، وبالتالي هي التي تتحكم به، وهذه مشكلة كبيرة يتعرض لها الإنسان إذا كان تابعا لشهواته، حيث تأخذه إلى مآربها، فينحرف شرّ انحراف، وتغدو شهواته باطلة، كونها تسوق صاحبها إلى ما لا يقبل به الله تعالى. لذا فإن الأعمال التي يسعى الإنسان من خلالها إلى التقرب لله تعالى، سوف تتضمن هداية له، لأن العمل الذي يُنجَز تقرّبا إلى الله، لابد أن تكون فيه هداية، لذا أي شيء نقيض للهداية يعني أنه من فعل الشيطان، وأقرب إلى إبليس من سواه، ولهذا فهو عمل ملعون، والشهوة المنحرفة غالبا ما تجعل من صاحبها تابعا للشيطان ومؤتمِرا بأمره. سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، يقول في سلسلة نبراس المعرفة: محاضرة الهداية: (إنّ كل جهد ليس لله تعالى ليست ورائه هداية، ولا يكون طريقاً إلى الله تعالى، بل هو مجرد شيطنة وطريق إلى إبليس عليه لعنة الله). بالطبع ليس أمام الإنسان في قاعة الحياة سوى الحركة والفعل والإنجاز، ومن غير المقبول أن يبقى ساكنا جامدا في مكانه، ولا يُقبَل منه الكسل أو العجز والخمول، لأنه مطالَب بالعمل والحركة، على أن يكون هذا العمل والحركة معروفة الهدف مسبقا، بعد أن يفهم مغزاها، وما المطلوب منها، بمعنى عليه أن يفهم ثم يتحرك بعيدا عن الكسل. الاستجابة لأحكام الله تعالى والشرط الأهم في هذا النوع من الحركة والفعل والعمل، أن يكون في سبيل الله، وليس عكس ذلك، حتى لا تكون للشيطان أو الباطل حصة فيه، فهناك الكثير من الأعمال التي يبذل خلالها الإنسان جهدا واضحا وكبيرا، ولكن قد لا تؤتي أُكُلها، لأنها ببساطة لا تُرضي الله تعالى، وبالتالي لا فائدة منها كونها تضر من يقوم بها أكثر مما تنفعه. لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: (لا شك أن على الإنسان أن يبذل جهده وأن لا يكون كسولاً، لكنه عليه أن يعرف هدفه من وراء ذلك البذل، هل هو في سبيل الله تعالى؟!). وهناك مشكلة ظاهرة للعيان في المجتمع، يرتكبها الأفراد، عندما تكون حركتهم والجهد الذي يبذلونه بعيدا عن القبول الإلهي، ولا يستجيب لأحكام الله تعالى، بل يهدف الاستجابة لشهواتهم، حيث تأمرهم بسلوك المسالك الباطلة فلا يترددون عن ذلك، ويصبح الإنسان في هذه الحالة عبدا لشهوته المريضة الباطلة. لذا من المؤسف حقا أن يقدم الإنسان جهودا مهمة لكنها تذهب هباءً أو تضيع سدى، لأنها تهدف إلى إشباع شهوات باطلة، فتضيع جهودهم سدى. حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: (هنالك الكثير من الناس يبذلون جهدهم، لكنهم يبذلونه في تحقيق شهواتهم وملذّاتهم). لهذا فالمطلوب من كل إنسان أن يكون ذا إرادة قوية، وذا عزم كبير، وتصميم لا يلين، فيكون من المثابرين الذين يخوضون الصراع المرير مع أنفسهم أولا، فالصراع أو خوض الحرب ليس في ساحة المعركة فقط، وإنما هناك ميادين أخرى للحرب، وهي المعركة ضد شهوات النفس، حيث تدفع بصاحبها نحو الدرك الأسفل. لذا يجب أن يكون الإنسان مقاتلا من الدرجة الأولى ضد شهواته الباطلة، وضد نفسه الأمارة بالسوء، وهنا لا يكون الأمر سهلا عليه، بل سيخوض صراعا مريرا مع شهواته وضد نفسه، قد لا يقل خطرا عن خوضه المعركة ضد أعدائه الفعليين، فالصراع ضد الشهوات قد يفوق أحيانا المعركة الحقيقية ضد العدو الشاخص أمامك، لأن الشهوة الباطلة يمكن أن تذهب بك إلى نتائج لا تليق بمكانة وقيمة الإنسان. من هنا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: (يجب على كل شخص أن يمتلك إرادة وعزما وتصميما، فيكون أولاً مثابراً ويكون ثانياً مجاهداً، والجهاد هنا ليس جهاد الأعداء في ساحات الوغى والحروب فقط، بل هو أعم من ذلك، ومنه جهاد الإنسان مع شهواته الباطلة والضارّة، وجهاد الإنسان مع نفسه الأمارة بالسوء). هناك خطوتان في غاية الأهمية على الشباب (من كلا الجنسين) الالتزام بهما، وتطبيقهما جيدا، لكي تكون النتائج في صالحهم، الخطوة الأولى على كل شاب أن لا تكون حياته عبارة عن وجود هشّ وفائض في هذه الحياة، بل يجب أن يحجز لنفسه وشخصه وكيانه الحيز العملي الحركي الإنتاجي المتميز في هذه الحياة. وهذا لا يمكن تحقيقه إلا إذا عزم الإنسان الشاب بالدرجة الأولى على أن يكون مثابرا، متحركا فاعلا لا تثنيه العوائق ولا الكسل عن الإنتاج والعمل، لهذا فإن الخطوة المهمة الأولى أن لا ينصاع الشاب للكسل، ولا يبقى أسير العدم والجمود، بل المطلوب منه أن يكون في حركة دائبة ومستمرة ومتواصلة لكي يحقق أهدافه، ولا ينبغي أن يمر عمره (ايامه، شهوره، وسنواته) مرور الكرام، فلا يعرف منها شيئا. هذا ما يقوله سماحة المرجع الشيرازي دام ظله بوضوح: (على الإنسان في الوهلة الأولى لاسيما الشباب والفتيات من المؤمنين والمؤمنات أن يقوموا بأمرين، الأمر الأول: أن يبذلوا جهدهم باستمرار لكي لا تكون حياتهم كسلا وتقاعسا، فالنهار والليل واليوم والأسبوع والشهر والسنة الذي يمرّ على هؤلاء شيئاً فشيئاً يجب أن يكون مقروناً بالعمل). والخطوة الأهم الثانية، أن يكون كل عمل يقوم به الإنسان الشاب أو سواه، آتيا في سبيل الله تعالى، أو يأتي في طريق الله تعالى، هذا هو الهدف الأهم، وهذا هو المطلوب من الجميع، وهو أمر غير مختص بالرجل وحده، ولا بالمرأة وحدها، ولا بمرحلة عمرية معينة، جميع العباد مشمولين بهذه الخطوة الثانية المهمة. ولنعلم جميعا أن كل من يضع أعماله في سبيل الله فهو من المحسنين، وهؤلاء عندهم مكانة كبيرة عند الله تعالى. حيث يؤكد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله على الأمر الثاني قائلا: (أما الأمر الثاني: عليهم أن يركزوا في أن يكون الجهد مبذولاً في سبيل الله تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا) لأن الهدف الصحيح من وراء الجهد هو الله تعالى، ولا فرق يكون الإنسان المجاهد رجلاً أم امرأة، عالماً ام كاسباً، متزوجاً أم غير متزوج، فقيراً ام غنياً، فهذا التوفيق يكون من الله سبحانه وتعالى (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) وهذا التعقيب في الآية الكريمة لعله يُشير إلى هذا الإنسان المحسن الذي تظهر فيه مصادیق المحسنين). من هنا فإن كل إنسان شابا كان أو في مرحلة عمرية أخرى، يقع عليه عبء كبير في مواجهة شهواته الباطلة، فالحقيقة هو صراع شديد ومؤلم ولا يفوز به إلا من آمن بالله تعالى، وتمسك به، ووضع في حسبانه أن يرضي ربه ويلتزم بالأحكام الشرعية، ويراعي حقوق الناس، ويحترم الأعراف والتقاليد، ويساهم في بناء المجتمع الملتزم الراقي الكريم.

ضبط النفس في قول الحق
ضبط النفس في قول الحق

شبكة النبأ

timeمنذ يوم واحد

  • شبكة النبأ

ضبط النفس في قول الحق

إن الجمهور لن يتفاعل ويستجيب إلا لمن يحمل الثقة بنفسه والايمان بما يقول، فهو مسؤول عن كلامه وعن أفكاره، وهو ما جسده الأئمة الاطهار خلال معاشرتهم لمجتمعاتهم، فما كان يصدر منهم، يُعد الأول والاخير، ولا يحيدون عنه مطلقاً مهما كلفهم من استفزاز السلطة، وتسقيط المناوئين، بل حتى التضحية بأرواحهم... {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}. الصبر قيمة دينية سامية تعكس نمطاً من السلوك الانساني المترفع على اللحظة الراهنة، متطلعاً الى نتائج أفضل في ظروف وحالات متعددة، لذا نجد تصنيفاً جميلاً للصبر يستوعب جوانب عدّة من حياة الانسان، فثمة صبراً الى المصيبة، وصبراً على الذنب، وصبراً على البلاء، الى جانب تفريعات من هذه الاصناف الرئيسة تتعلق بالسلوك والثقافة، ربما يكون منها؛ الصبر على أذى الجار، او الصبر على مشاكسة الابناء، والصبر على الفشل، وما الى ذلك، ومنها ايضاً؛ الصبر لأداء الرسالة الفكرية والثقافية الى الجمهور، ولعلها من أشد ما نحتاجه في الوقت الحاضر مع كثرة وسائل الاعلام والتواصل والاتصال وتبادل الافكار والرؤى والمعلومات عبر التقنيات الحديثة، حتى أصبحت القناعة والإيمان عملتين نادرتين في ساحة التخاطب حالياً. الصبر لإيصال الحقيقة من إفرازات عصر السرعة؛ اتساع مساحة القناعة في الاذهان، وتراجع مساحة الإيمان في النفوس بكل شيء في الحياة، والسبب –من جملة اسباب-؛ صعوبة الخروج بنتيجة محددة وسريعة من دوامة "النسبية"، و"الإطلاق" في المفاهيم والقيم، الى جانب مسألة التوثيق في المصادر، فثمة من يُشكك، وآخر يُقدّس، بما يضعنا في ساحة صراع أداتها التطرّف ونحن بعد في المرقاة الأولى قبل الصعود الى مراقي التقدم العلمي والثقافي انطلاقاً من تلكم الحقائق المتعلقة بالإنسان والحياة والمجتمع والتاريخ، الامر الذي يدفع البعض لتفضيل القناعة على الإيمان بهذه الفكرة او تلك النصيحة وفق مبدأ الحاجة والمنفعة، فيكون من السهل –عند البعض- التحول بالقناعة من هذا الى ذاك. وقد رصد العلماء حالة الصدّ لأية محاولة إرشادية او تبليغية بنيّة إفادة الناس في حياتهم الشخصية والأسرية، وجوانب مختلفة اخرى، وجرى نقاش حول الآلية الحسنة للدعوة الى سبيل الله –تعالى- منطلقين من قاعدة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي أكثر من فريضة عبادية، تتعداها الى مسعً للبناء الانساني والاجتماعي والحضاري، إنما المشكلة في طريقة التعامل مع الرفض للخطاب الإرشادي رغم طابعه الايجابي المحبب الى النفوس. طائفة من العلماء والفقهاء شرطوا وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باحتمال التأثير الايجابي في المخاطب مستندين على الدليل العقلي بغياب الدليل الشرعي، وهو ما ناقشه سماحة المرجع الديني السيد صادق الشيرازي في كتابه: "نهج الشيعة، تدبرات في رسالة الامام الصادق الى شيعته"، بعدم وجود دليل شرعي على التخلّي عن التبليغ لأداء الصلاة في اوساط الشباب لعدم تفاعلهم واستجابتهم، "فان الواجب هو إتمام الحجة على الجميع عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، { لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}، وإتمام الحجة قضية مهمة بمفردها لأن الله اراد ذلك، وإن لم نولها الاهمية اللازمة". ويستشهد سماحته "بالمصاعب التي واجهها رسول الله، صلى الله عليه وآله، في عصره إذ لم تعد موجودة في العصر الراهن، فاذا ما واجه المؤمنون مصاعب ومشاكل في هذا الطريق، عليهم الاقتداء والتأسّي برسول الله، الذي جسد بحق المصداق الأول للصالحين على الأرض، وهو الذي عانا وتحمل ألوان العذاب والبلاء ولم يتنازل قيد أنملة عن حقه و واجبه"، ومن بعده واصل الطريق الأئمة المعصومون، والأولياء الصالحون، صبروا على وعورة الطريق، ومعاناة لا توصف في زمانهم، كما فعل المتأخرين من العلماء المجاهدين والمصلحين الثائرين، فهم لم يحملوا راية الإصلاح والتغيير استجابة لرغبة الناس، وإنما تأدية لواجب مقدس، وهدف انساني نبيل. وفي المؤلف المشار اليه يدعونا الامام الصادق في سياق توصياته بالصبر "وتكظّموا الغيظ الشديد في الأذى في الله"، بأن لا نضع أنفسنا في موقف الجهل، "فتدبروا هذا واعقلوه ولا تجهلوه"، وقد فسّر سماحة المرجع الشيرازي "الجهل" بالسَفَه، "إذ ان السفيه هو من يعلم الشيء ولا يعمل به"، وهو اختبار شديد لكل ذي لُبّ من اصحاب البيان والقلم والفكر، فهم مدعوون على طول الخط للصبر على و رباطة الجأش في مسيرة نشر الحقائق الى الجمهور بما يرتقي بهم الى مستوى الوعي والمسؤولية، وتجنب الاخطاء والانحرافات التي تكلف الكثير. الصبر كممارسة عملية تستند بالدرجة الاولى قاعدة نفسية في ذات صاحبه بأن الله معه في صبره على من يعارضه ويسعى لتسقيطه، مما يعطيه زخماً معنوياً، فتكون ثقته بالله –تعالى- وبنفسه في آن، فتهون عليه مختلف اشكال الضغوطات والمنغّصات خلال تأدية دوره الرسالي بإيصال الكلمة والحقيقة الى الجمهور. إن الجمهور لن يتفاعل ويستجيب إلا لمن يحمل الثقة بنفسه والايمان بما يقول، فهو مسؤول عن كلامه وعن أفكاره، وهو ما جسده الأئمة الاطهار خلال معاشرتهم لمجتمعاتهم، فما كان يصدر منهم، يُعد الأول والاخير، ولا يحيدون عنه مطلقاً مهما كلفهم من استفزاز السلطة، وتسقيط المناوئين، بل حتى التضحية بأرواحهم.

تعليق رسمي على "حادثة سقوط طائرة موريتانية" قبالة البحر الأحمر.. ما الحقيقة؟
تعليق رسمي على "حادثة سقوط طائرة موريتانية" قبالة البحر الأحمر.. ما الحقيقة؟

صوت لبنان

timeمنذ يوم واحد

  • صوت لبنان

تعليق رسمي على "حادثة سقوط طائرة موريتانية" قبالة البحر الأحمر.. ما الحقيقة؟

وكالة الوئام الوطني للأنباء الموريتانية تداولت بعض صفحات التواصل الاجتماعي الأجنبية شائعات مغرضة تتحدث عن سقوط طائرة تقل حجاجًا موريتانيين قبالة البحر الأحمر، وهي أخبار لا أساس لها من الصحة. تؤكد الموريتانية للطيران أن جميع الحجاج الموريتانيين قد وصلوا بحمد الله بسلام وأمان إلى الأراضي المقدسة، ولم يتم تسجيل أي حادث يخص الرحلات المنظمة في هذا الإطار. وقد قامت الشركة بتنظيم ثلاث رحلات جوية في مرحلة الذهاب، وذلك أيام 23 و24 و25 مايو 2025، في إطار خطة نقل الحجاج الموريتانيين إلى المملكة العربية السعودية. أما رحلات العودة، فمقررة بإذن الله تعالى أيام 12 و13 و14 يونيو 2025، وفقًا للجدول المعتمد بالتنسيق مع الجهات المعنية. تدعو الموريتانية للطيران الجميع إلى تحري الدقة وعدم الانسياق وراء الأخبار الزائفة، وتحتفظ بحقها في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد مروّجي الشائعات التي تمس أمن وسلامة المسافرين وسمعة الشركة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store