logo
سوريا والمثقفون الانتهازيون: المسامحة ولكن ليس النسيان

سوريا والمثقفون الانتهازيون: المسامحة ولكن ليس النسيان

Independent عربية٢٢-١٢-٢٠٢٤

مواقع "السوشيال ميديا" باعتبارها سوق عكاظ المثقفين، أو "هايد بارك" الثقافة العربية، اكتظت بآراء وأحكام عن المثقفين والفنانين السوريين "التائبين". كانت الآراء قاسية في حق الذين اعتبروا من "عظام رقبة" النظام السابق، إذ كانوا يذودون عنه ويدافعون عن خياراته ويهاجمون المخالفين ويتهمونهم بأنهم "إرهابيون" و"خونة"، ومن ثم يستحقون ما يفعله النظام بهم، حتى لو قصفهم بالسلاح الكيماوي وغاز السارين السام وغاز الكلور وغاز الخردل، كما حدث في الغوطة الشرقية ومعظمية الشام ومدينة دوما ومدينة خان شيخون وبلدة اللطامنة ومناطق في إدلب وحلب وسواها، بحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة.
وساد في الأوساط السورية منذ اندلاع الثورة في 2011 مصطلح "الشبيحة" الذي يلتصق بكل من يؤيد النظام السابق، ويجمّل صورته، أو يرسل ابتسامة عابرة للجغرافيا وهو يقابل الأسد الفار الذي ألقى مواعظه العميقة الخالدة حول كيفية تطوير الدراما السورية، في لقاء عُقد في قصر المهاجرين بدمشق في آذار (مارس) الماضي.
وإذا كان ثمة من أُجبر على حضور اللقاء (كما تسرب حينها) فإن أحداً لم يجبر "فنانة" على أن تنشر في حسابها على "إنستغرام": "كان يوماً مميزاً في حياتنا وأنت تستقبلنا يا سيادة الرئيس بوجهك الباسم المشرق.. وبقامتك الشامخة شموخ الجبال...".
بعض الحاضرين ذلك اللقاء (وعددهم قرابة 15) خاضوا مع الخائضين في هجاء الرئيس "صاحب الوجه الباسم المشرق" بعد فراره. وقالت صاحبة التعليق "الباسم": "من لحظة سقوط النظام، أدركت كم كنا مخدوعين... فقد زرعوا الخوف في أعماقنا ولسنين طويلة من فكرة التغيير". أما بعض "المؤلَّفة قلوبهم" من الفنانين الـ15، فقد لاذوا بالصمت.
الجدران السورية فسحة لفن الغرافيتي (أ ف ب)
بيد أن العدالة والإنصاف يقتضيان أن نضع ردود الفعل بعد سقوط النظام، وتلك التي كانت قبل السقوط، على مشرحة التحليل المنطقي الهادئ الذي يقر بأن الناس ليسوا كلهم سواءً، في ما خص طبيعتهم النفسية، وقدرتهم على التحمل، ومجازفاتهم الثمن الباهظ ذاته. هنا الخوف محرك أساس في جنوح بعض المثقفين والفنانين عن الصراط الأخلاقي، لأنهم يعلمون، ومعهم بعض الحق، بأن النظام لا يتورع أن ينكل بهم وبأهاليهم وأقربائهم. الخوف له أسماء عدة في نظام الأسد الساقط، ويكفي أن يُبلّغ أحدهم بأنه مطلوب لأحد أفرع أجهزة الاستخبارات حتى يشمله الذعر، ويبتلعه الرعب، ويودع أحبابه، لأنه قد لا يلقاهم بعد يومه ذاك.
والخوف قد يحول الإنسان إلى انتهازي، أو قناص فرص، أو يجعله مرتدياً لبوس "التقية"، كي يحمي نفسه، لأن الطرق أمامه مسدودة. وحتى لو لاذ بالصمت واختار العزلة، فإنه يضع نفسه في مهب الشكوك والريبة.
هشاشة إنسانية
الأحكام القاسية على هذه الفئة تظلمهم، وتتجاهل هشاشة إنسانيتهم. صحيح أن بعضهم مالأ النظام السابق حتى أهرق ماء وجهه، طمعاً في حظوة أو مال أو موقع أو حتى دور في مسلسل. بيد أن بعضاً آخر ظل محتفظاً بالحد الأقصى من كرامته ولم يبتذلها.
ما المعيار إذاً لنقول إن فلاناً "شبيح" وفلاناً "معارض"؟ هذا سؤال يؤول إلى تفاصيل عدة، فثمة فنانون معارضون هُجّروا واقتلعوا من ديارهم، وبعضهم اعتُقل وعُذب وقُتل، وبعضهم نُكّل بأهله. هؤلاء دفعوا ضرائب باهظة من حياتهم ورزقهم وسكينتهم وأمانهم النفسي والروحي، وبعضهم انخرط مع تيارات المعارضة، وناضل من أجل صناعة فجر سوري نأمل في أن تكون بشائره معلقة على الإدارة الحالية التي تحكم الآن، وتطلق الوعد ذاته.
وحتى لا يختلط الحابل بالنابل، ويأتي من يقول إننا نكيل بمكيالين، أو إننا نتواطأ مع "المتخاذلين" الذين أطالوا، بنفاقهم، عمر النظام السابق، وجمّلوا جرائمه، يمكننا السير في طريق "العدالة الانتقالية" التي تقود إلى مصالحات واسعة، من أجل تجفيف إرث النظام السابق، والعمل على بناء دولة جديدة بأدوات حيوية وخلاقة وسريعة.
أما من تلطخت أياديهم بالدماء، ونهبوا المال العام، وكانت لهم سلطة قهرية ظلمت الناس ونكلت بهم، فإن آليات العدالة الانتقالية ستتكفل بهم، لأن الهدف الأخير هو محاكمة النظام السابق المتورط في هذه الجرائم من رأسه حتى قدميه.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سيقول قائل إن الفنان أو المثقف الذي يطبل للنظام القاتل وهو يقتلع حناجر المعارضين، هو قاتل حتى لو لم تسل الدماء على كفيه، لأنه قيل لـ"فرعون" لماذا تفرعنت؟ فأجاب، لأنني لم أجد من يردعني أو ينصحني!
الكلمة تكون أحياناً كالرصاصة، تقتل الحق أو تُزهق الباطل، لكن الانتهازيين لا يفكرون إلا بالنجاة الذاتية، ولتهلك سوريا بعد ذلك، فماذا نحن فاعلون بهؤلاء؟ إنه سؤال صعب، لا سيما إذا استعدنا صورة القاتل والضحية، وحدقنا في الفروق الهائلة بينهما. المثقف الانتهازي هو ضحية في المآلات النهائية. إنه ضحية جُبنه وتخاذله وطمعه وهشاشته النفسية، وأيضاً وفي الوقت نفسه هو ضحية الخوف الذي عمّره النظام في داخله ذرة فذرة، فأخرجه من سياقه البشري، وعمل على "حيونته". ومن هؤلاء المثقفين الانتهازيين من تحيوَن واستعذب الأمر وراق له، ومنهم من أبت ميكانيزماته أن ينحدر إلى الدرك الأسفل، فظل معلقاً يتأرجح بأهداب بشريته.
التاريخ سيذكر آلام الذين ظلوا قابضين على الجمر، ولم يقايضوا أفكارهم بشيء، ولا تخلوا عنها من أجل موقع أو بريق مال، كما سيذكر أيضاً أولئك الذين اختاروا الوقوف على الضفة النقيضة الأخرى. الناس تحب الشجعان وترفعهم على أكتافها، فالذين دفعوا الثمن سيكون لهم الحظوة الكبرى في سياق التعمير والبناء والإدارة... والذاكرة، لكن الحكمة تقتضي أن ندعو الواقفين على الضفة الأخرى، ونمكّنهم من الانضمام إلى الهتاف الموحد الذي يتوخى التسامح وجمع الصف، ولأْم الجروح، وتشييد منائر الأمل.
وكيلا يكون التسامح ديباجة فضفاضة (وظالمة) يتساوى تحت عباءتها "الشبيح" السابق، والمناضل والناشط، فإننا سنبقى معتصمين بالمبدأ العادل والمنصف، ولو على المستوى النفسي: "نغفر، ولكننا لن ننسى"!

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

نسرين طافش تستعرض أناقتها بفستان لافت
نسرين طافش تستعرض أناقتها بفستان لافت

سودارس

timeمنذ 3 ساعات

  • سودارس

نسرين طافش تستعرض أناقتها بفستان لافت

تألقت نسرين طافش في الصور بإطلالة ملفتة، حيث ظهرت مرتدية فستانا طويلا بكم واحد باللون الأبيض الذي لا يحمل أي نقوشات أو تطريزات. وتزينت نسرين طافش بمجموعة من الإكسسوارات التي منحتها إطلالة متكاملة، وقد نالت صورها إعجاب متابعيها على السوشيال ميديا. ومن الناحية الجمالية، اعتمدت نسرين طافش على الشعر المرفوع، ووضعت مكياجا جذابا مرتكزا على الألوان المتناسقة مع لون بشرتها. صدى البلد script type="text/javascript"="async" src=" defer data-deferred="1" إنضم لقناة النيلين على واتساب مواضيع مهمة ركوب الخيل لا يناسب الجميع؟ أيهما أصعب تربية الأولاد أم البنات؟ جسر الأسنان هل تعقيم اليدين مفيد؟ الكركم والالتهابات أفضل زيوت ترطيب البشرة

كيف تغيرت اختيارات أسيل عمران الفنية بعد تألقها في السينما والدراما المصرية؟
كيف تغيرت اختيارات أسيل عمران الفنية بعد تألقها في السينما والدراما المصرية؟

مجلة هي

timeمنذ 3 ساعات

  • مجلة هي

كيف تغيرت اختيارات أسيل عمران الفنية بعد تألقها في السينما والدراما المصرية؟

النجمة السعودية أسيل عمران تعيش فترة تألق فني في المرحلة الحالية من مسيرتها الفنية، وذلك بعد أعمالها الناجحة في الدراما والسينما المصرية في الفترة الأخيرة، وهو النجاح الذي جعلها تستعد لخطتها الفنية الجديدة في المرحلة المقبلة من مسيرتها الفنية. أسيل عمران تعود بعمل سعودي جديد وكشفت النجمة السعودية أسيل عمران ملامح خطتها الفنية الجديدة، وذلك بعد تألقها اللافت في الدراما المصرية مؤخراً من خلال مسلسل "لام شمسية" في موسم رمضان الماضي، وكذلك بعد النجاح الكبير لفيلم "ضي" مؤخراً في المهرجانات السينمائية، وأعلنت أسيل عمران استعدادها للعودة إلى تقديم عمل سعودي جديد، ولكنها تكتمت على تفاصيله، وذلك خلال لقاء لها مؤخراً مع برنامج "سينماتك". أسيل عمران وقالت الفنانة أسيل عمران إنها تحضر حالياً لعمل فني سعودي، ولكن هناك تحدي بالنسبة إليها في العمل لأنه يحتاج إلى التطوير والمزيد من الأعمال وأكدت إعجابها الشديد بالسيناريو المقدم إليها في العمل، وكشفت أن هناك جانب جديد في مسيرتها أصبحت تستمتع به، وهو أنا أصبحت في المراحل الأولى من صنع الأعمال الفنية، وتستطيع المشاركة في تطويرها وتعديلها والمشاركة بأفكارها الخاصة في العمل في كواليسه وقبل بداية التصوير، وهو الأمر الذي جعلها سعيدة بهذه التطورات في مسيرتها الفنية. الفنانة أسيل عمران ملامح خطة أسيل عمران الفنية الجديدة وأضافت أسيل عمران في تصريحاتها إنها أخبرت صناع العمل الجديد إنها لا تريد تقديم عمل سعودي من أجل أنه سعودي فقط، لأنها لا ترغب في تقديم عمل فني سعودي ضعيف، وذلك بعد مطالبة البعض لها بضرورة تقديم عمل سعودي بعد النجاحات الفنية الأخيرة لها، وقالت إنها طلبت العمل على سيناريو العمل بشكل صحيح وتطويره حتى توافق على تقديمه، أو أنها تعمل مع فريق معين على فكرة جديدة من أجل تقديمها، خاصة أنها متحمسة لتقديم عمل فني سعودي قوي ومميز، خاصة أنها ظلت لفترة طويلة لا توافق على الأعمال التي تعرض عليها بسبب عدم رضاها عنها. أسيل عمران وقالت أسيل عمران في تصريحاتها أن ما تبحث عنه حالياً هو التحدي الفني وتقديم الأعمال الفنية المختلفة عنها، مثل تعلم ثفافة ولهجة مختلفة من أجل تقديمها على الشاشة، وخلق شخصيات جديدة وغيرها من التحديات التي ترغب في خوضها في أعمالها الجديدة، وشعرت في السابق بمرورها بفترة فراغ في مسيرتها الفنية بسبب غياب هذه التحديات، لذلك أصبحت ترفض الأدوار المقدمة إليها بسبب أنها قدمت مثلها في السابق كثيراً، وترى أن هذه الأدوار جميلة وقد تكون مناسبة لفنانة أخرى لم تقدمها من قبل أو فنانة صاعدة تريد تقديم نفسها، ولكنها توقفت عن ذلك بسبب شعورها بالسأم من الأدوار المكررة والمتشابهة التي تعرض عليها في تلك الفترة. أسيل عمران في مهرجان كان وذكرت أسيل عمران أنها حين عرض عليها أعمال مصرية في الفترة الأخيرة لم توافق عليها لكونها مصرية أو غيرها ولكن لأن الأدوار التي تقدمها جديدة ومختلفة عليها، ووجدت بها الفرصة لتقديم طاقتها الكامنة في التمثيل، وكشفت الفنانة أسيل عمران في تصريحاتها الأخيرة سراً عن دورها المميز في مسلسل "لام شمسية"، وقالت إنه عرض عليها شخصيتين مختلفتين في المسلسل، ولكنها اختارت الشخصية التي قدمتها "هبة"، خاصة أن الشخصية تمثل موضوع مسكوت عنه في المجتمع، وهي المرأة التي تخشى الإنجاب وتشعر إنها غير صالحة أو مستعدة له، خاصة أن المجتمع ينتقص من قيمة المرأة التي لم تنجب، وهناك حالة "استنقاص للمرأة التي لا تريد ان تصبح أم". أسيل عمران تصريحات ملهمة من أسيل عمران وتصدرت الفنانة أسيل عمران الواجهة مؤخراً بتصريحاتها اللافتة في برنامج "كلام نواعم"، وتذكرت النجمة السعودية بداياتها الفنية وتحقيقها للشهرة في سن مبكرة في حياتها، وقالت إنها لم تكن تفكر في الشهرة أو تسعى إليها، ولكن تفكيرها كان في ممارسة الفن فقط، وهو الشيء الذي كانت تريده وتطمح إليه، وأضافت أسيل عمران في تصريحاتها في البرنامج إن الشهرة تسبب الخوف، ولكن مع الوقت تصبح أكثر عقلانية في التحكم بخوفها من الشهرة، لأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش مع خوفه دائماً، وكشفت مصدر الخوف من الشهرة في سن مبكرة. أسيل عمران في مسلسل "لام شمسية" وأطلقت أسيل عمران في البرنامج العديد من التصريحات اللافتة، وقالت إنها لم تصرح أبداً من قبل بأنها ضد الزواج أو ضد الأمومة، ولكنها ترى أن لكل سيدة أن تختار قرارها بعد تفكير، وليس مع تحقيق ذلك من أجل اعتبارات اجتماعية فقط، وترى أن الزواج قرار يجب أن يتخذ في وقته وعن وعي كامل ويعتمد على رغبة كل سيدة وفق تفكيرها وظروفها، لأنه من الممكن أن يكون قراراً إيجابياً أو سلبياً في حياة كل شخص، وقالت أسيل عمران أن أجمل شيء هو حرية الاختيار والاختلاف وعدم فرض هذه الأمور على الناس، وأضافت أن الأمر ليس متعلق بالزواج كزواج فقط ولكن في القرار نفسه، لأن هناك العديد من السيدات متزوجات ويشعرن بالوحدة والتعاسة ويتولين مسئولية تربية الأبناء بمفردهن. الصور من حساب أسيل عمران على انستقرام.

في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. الكلمة تُذبح في فلسطين.. بين قصف العدسة ودفن الحقيقة.. صحافيو غزة في مرمى المجزرة
في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. الكلمة تُذبح في فلسطين.. بين قصف العدسة ودفن الحقيقة.. صحافيو غزة في مرمى المجزرة

البلاد السعودية

timeمنذ 4 ساعات

  • البلاد السعودية

في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. الكلمة تُذبح في فلسطين.. بين قصف العدسة ودفن الحقيقة.. صحافيو غزة في مرمى المجزرة

البلاد – رام الله بينما يحتفل الكوكب في الثالث من مايو كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، ويُكرّم أصحاب الكلمة الحرة بصفتهم حماة الحقيقة، كانت شوارع غزة شاهدو على إراقة دماء الصحافيين، ومكاتبهم مدمرة، وكاميراتهم مكسورة تحت الركام. ففي وقتٍ يُفترض أن يُصان فيه القلم، اختارت آلة الحرب الإسرائيلية أن تُسكت الصوت الفلسطيني بإبادة منهجية للصحافة والصحافيين، في واحدة من أفظع الجرائم ضد الإعلام المعاصر. 210 شهيدًا من الصحافيين والصحافيات قضوا نحبهم خلال قرابة 19 شهرًا من العدوان الإسرائيلي، فيما أُصيب 409 آخرون، بعضهم فقد أطرافه، وجميعهم فقدوا الإحساس بالأمان. لم ينجُ حتى ذووهم، إذ قُتلت عائلات بكاملها، ودُفنت معهم الكاميرات والأقلام تحت أنقاض المنازل المستهدفة. الاستهداف لم يتوقف عند الإنسان، بل طاول البنية التحتية الإعلامية بشكل شامل. فقد دُمّرت 143 مؤسسة إعلامية في غزة وحدها، منها 12 صحيفة ورقية، و23 صحيفة إلكترونية، و11 إذاعة، و4 قنوات فضائية، إلى جانب مقرات 12 فضائية عربية ودولية، وسط خسائر تتجاوز 400 مليون دولار. كما دُمّرت 44 منزلًا لصحافيين، وقُتل 21 ناشطًا إعلاميًا على منصات التواصل. وعلى الأرض، تم اعتقال 177 صحافيًا منذ السابع من أكتوبر، لا يزال 55 منهم في سجون الاحتلال، يتعرض كثيرون منهم للتعذيب والإهانة. ورغم كل ذلك، لم تنطفئ شرارة الحقيقة. الصحافيون الفلسطينيون ما زالوا هناك، في الميدان، تحت النار، ينقلون بالصوت والصورة وجع الناس، ويواجهون القصف بالكاميرا، والعتمة بالميكروفون، والموت بالكلمة. هم لا يسكنون مكاتب محصّنة، بل يتنقلون بين الركام والمقابر الجماعية، يبحثون عن جملة تُنقذ ذاكرة شعب، أو صورة تُدين جلادًا. هذه الانتهاكات التي ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، تُعد خرقًا فاضحًا لكل المواثيق الدولية. فبموجب القانون الإنساني الدولي واتفاقيات جنيف، يُصنف الصحافي كمدني يجب أن يتمتع بالحماية التامة أثناء النزاعات. أما استهدافهم المتعمد، فهو انتهاك صارخ لمبدأ عدم الإفلات من العقاب، ويستلزم تحركًا دوليًا عاجلًا لمحاسبة المرتكبين. في ظل هذه المأساة، يحلّ اليوم العالمي لحرية الصحافة كتاريخ موجِع لا مُفرح. فقد تقرر هذا اليوم في الثالث من مايو من كل عام، تخليدًا لإعلان 'ويندهوك' الصادر عام 1991 عن صحافيين أفارقة طالبوا بإعلام 'حر، مستقل، وتعددي'، في وجه الرقابة والقمع. وتبنّت الأمم المتحدة هذا التاريخ عام 1993، ليُصبح مناسبة دولية لتكريم الصحافة، وتذكير العالم بأن لا حرية بلا إعلام حر، وأن الكلمة الصادقة ليست رفاهية، بل حقٌّ وضرورة. لكن في غزة، الكلمة لا تجد احتفاء، بل يُطلق عليها النار. فهناك، لا يحمل الصحافي الكاميرا فقط، بل يحمل الحقيقة. لا يكتب ليُعجب، بل ليُبلّغ، ويُعرّي، ويصرخ من تحت الحصار بأن هناك شعبًا يُباد، وقضية تُغتال، وعدالة تُدفن. إن ما يتعرض له الصحافيون في فلسطين ليس استهدافًا فرديًا، بل سياسة ممنهجة لكتم الصوت الفلسطيني، ومحو الذاكرة الجماعية، وتغييب الشهود عن الجريمة. والصمت العالمي أمام هذه المذابح الإعلامية هو مشاركة في الجريمة بصيغة الصمت. في زمنٍ تُحتفى فيه الكلمة، يُقتل أصحابها في غزة، ويُدفنون مع الحقيقة. في اليوم العالمي لحرية الصحافة، لا نملك إلا أن نُحيّي أرواح الذين ارتقوا وهم يحملون الكاميرا والقلم، ونشدّ على أيادي من بقوا يُصارعون الموت لينقلوا الحياة. هذا النزيف لن يُنسى، وهذه الجرائم لن تسقط بالتقادم، وهذه الأرض ستكتب بدم صحافيّيها تاريخًا لا يُزوّر.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store