#أحدث الأخبار مع #AntalyaDiplomacyForumIndependent عربية٢٦-٠٤-٢٠٢٥سياسةIndependent عربيةحقبة "ما بعد الغرب" حلت وهذا ما تبدو عليهإذا كان هناك نظام عالمي في طور التشكل أخيراً، فإن "منتدى أنطاليا للدبلوماسية" Antalya Diplomacy Forum (ADF) الذي انعقد في وقت سابق من هذا الشهر، قد قدم لمحة مغرية لما قد يكون عليه هذا المستقبل. إنه مستقبل يتفاعل فيه قادة العالم وصانعو السياسات، وصانعو الرأي العام من مناطق ما يعرف بالغالبية العالمية [لدول والشعوب التي لا تعتبر جزءاً من "الغرب" التقليدي] مع بعضهم البعض، متجاوزين الأنظمة البلوتوقراطية [طبقة النخبة الحاكمة من الأثرياء] الغربية. إنه مستقبل يتحدى جوانب من الإجماع الليبرالي الديمقراطي الذي كان قد أرسي في فترة ما بعد الحرب الباردة، ويخترق الذاكرة التاريخية الضائعة التي كانت تشكل أساساته. إنه مستقبل "ما بعد الغرب"، وعلى وجه التحديد لأنه من غير الواضح ما هو النظام الذي قد يحل مكانه. وضم منتدى أنطاليا مشاركين من أفريقيا، وأميركا اللاتينية، والشرق الأوسط، وأوروبا الشرقية الذي انعقد في العاصمة السياحية لتركيا في قمة رفيعة المستوى، للتأكيد على قيم الدبلوماسية في تحقيق الاستقرار، وللتفكير في بدائل لنظام سيادة القانون الدولي الذي بدأ يتفكك. ومثله مثل جميع القمم الدولية، كان منتدى أنطاليا للدبلوماسية، مناسبة للدولة المضيفة لعرض عضلات قوتها الناعمة. ولكن وعلى عكس الدول الغربية البلوتوقراطية الكبرى التي غالباً ما لا نشعر بقوتها الناعمة، فإن تنظيم تركيا للمنتدى بعيداً من مراكز انعقاد مثل هذه المؤتمرات المعتاد أي في باريس أو لندن، أو نيويورك، أو دافوس، هو ما جعل هذا المنتدى مميزاً. ومع ذلك لم تكن وحدها الجغرافيا التي أضفت تميزاً على أهمية هذا الملتقى. الموقع الجغرافي بدا وكأنه يؤشر إلى تحول أشمل في وجهات النظر، وفي تفاعل المشاركين مع الشؤون الدولية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وكان حضور ممثلين عن الدول الغربية البلوتوقراطية الكبرى قليلاً على أرض المنتدى. ولو أنهم حضروا بأي عدد أكبر، كانوا ليتفاجؤوا على الأرجح ويشعرون بالاضطراب والارتباك بسبب النقاشات التي دارت وليس فقط لأنهم كانوا سيعترضون على مزاعم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وتأكيداته بأن هوية دولة أوكرانيا ليست متجذرة أو متميزة بما يكفي لتبرير وجودها كدولة قومية مستقلة، لكن لأن المنتدى خلق مساحة للحجج والأطر التي غالباً ما كان الغرب قد أحالها لتشكل هوامش في النقاشات وليست في صلبها. بالنسبة للكثيرين الذين يمثلون طبقة النخبة في الغرب، فقد قدم منتدى أنطاليا لمحة عن عالم ينظر إليه من مرآة معكوسة. قد يكون من السهل اعتبار منتدى أنطاليا تجمعاً للشعبويين المستبدين المعادين للغرب. ففي نهاية المطاف، يمكن للمرء أن يسلط الضوء على الفجوة بين المهمة المعلنة للمنتدى- "فتح الحوار وإعادة تعريف دور الدبلوماسية ومبادئها الأساسية في عالم يتزايد فيه الاستقطاب"- والممارسات المتناقضة في كثير من الأحيان للمشاركين الرئيسين فيه. لكن في أعقاب معتقل غوانتانامو وحرب غزة فإن السلطة الأخلاقية للغرب في رأيي قد أوشكت على الانهيار. لذا، فإنه عندما تقوم وسائل إعلام غربية بإدانة اعتقال صحافيين في مكان ما من العالم وذلك عن حق وبكل حماسة، فيما تظل صامتة أمام القتل الممنهج للصحافيين في مكان آخر من العالم، فإن ذلك يبدو للكثيرين في المنتدى أن العنصرية قد نجحت في تقويض ليس فقط المبادئ، بل حتى التضامن المهني. إن تفكك النظام الدولي القائم على سيادة القانون ليس مجرد ظاهرة جغرافية اقتصادية- نتيجة صعود الصين كأكبر قوة اقتصادية في العالم، وهو مركز لم تحتله أي دولة غير غربية منذ نحو 200 عام– ولكنها ذات أبعاد عميقة على المستوى الثقافي والأخلاقي. ووفق ما أشير إليه في المنتدى في أنطاليا، فحتى المعلقين السياسيين الذين يحنون إلى عصر التنوير الأوروبي، ينسون الفيلسوف فولتير، عندما يقومون في انتقاد التظاهرات المعارضة للإبادة الجماعية والمؤيدة للفلسطينيين. كان منتدى أنطاليا الدبلوماسي منصة لاختبار متانة الأسس الأخلاقية والفكرية للنظام العالمي الديمقراطي- الليبرالي. فقد أزال انتصار الديمقراطية الليبرالية في الحرب الباردة إمكانية تخيّل عوالم أفضل، وقادنا إلى شعور مشترك بواقع دائم تُديره "نخبة التكنولوجيا". إن الحس المشترك ليس شيئاً مسلماً به بشكل طبيعي، بل يتشكل على مر التاريخ. إنه يقوم على استخلاص عصارة المعتقدات والقيم تجسدت في الحياة اليومية. فعلى سبيل المثال، كانت الإساءات العنصرية التي تكال ضد لاعبي كرة القدم من أبناء العرق الأسود تعتبر مجرد مزاح عادة، قبل أربعين عاماً. أما اليوم، فلا توجد أصوات كثيرة تعلن وبفخر أنها عنصرية. نحن نعيش في زمن تبقى فيه العنصرية أمراً قائماً- كما تُثبت التقارير والشهادات والتحقيقات المتكررة- كون العنصريين غير موجودين. ومن الواضح أيضاً أن نهاية التاريخ لم تشتمل على نهاية العنصرية أيضاً. في منتدى أنطاليا، كان هناك شعور واضح بأن عمليات القتل الجماعي والعنف في قطاع غزة- وتواطؤ العديد من المؤسسات الغربية في المساعدة والتحريض على ذلك- قد أثر بشكل كبير على تقويض إمكانية قيام منطق سليم يتسم بالمسؤولية والتواضع والسعي لتحقيق العدالة. وفي ظل اللغة المنمقة للمبادلات الدبلوماسية، هناك اعتقاد ضمني ولكنه يتزايد بأن مركز العالم لا يتغير فحسب، بل إن الحكمة التي نتلقاها ونستقيها [من ذلك العالم]، لم تعد مناسبة للمساعدة على التعامل مع الأزمات المتدحرجة التي يواجهها العالم. هذا التحول في الحس المشترك هو ربما أكثر ما يبعث على القلق، وفي الوقت نفسه، أكثر ما يبعث على الأمل في منتدى دبلوماسي لم يعد المشاركون فيه الذين يمثلون الغالبية العالمية، محصورين في هوامش المنتدى. فغالباً ما كان يقال لنا إنه إذا لم يكن المركز متماسكاً، فإن الحقيقة نفسها قد تتشظى، ومن دون حقائق مشتركة تنبع من وعي جمعي مشترك، يصبح الحوار الجاد صعباً، وربما مستحيلاً. لكن إن ما بشر به منتدى أنطاليا لم يكن إعادة السلطة الأخلاقية لليبرالية الديمقراطية المتمركزة في الغرب، بل بناء "حس مشترك" جديد، أكثر شمولاً وعدلاً. هذه هي المعضلة الحقيقية التي كانت تلوح خلف نقاشات المنتدى- لم تكن أنطاليا [مؤتمر] باندونغ أخرى- مؤتمر عام 1955 الذي سعى إلى معارضة الاستعمار أو الاستعمار الجديد من قبل أي دولة، ورمزاً لفك الارتباط المعادي للاستعمار عن عالم تهيمن عليه قوتان عظميان مسلحتان بأيديولوجيات صريحة وسلاح قادر على تحقيق دمار متماثل. ومع ذلك، فإنه كان هناك اعتراف ضمني بين العديد من المشاركين في منتدى أنطاليا، بأن القبول وتطبيع وقوع الإبادة الجماعية يشكل تهديداً ليس فقط للشعب الفلسطيني، ولكنه أيضاً ينزع عنا إنسانيتنا جميعاً، فيما نحن نبقى جميعاً مطاردين بسؤال أساسي مطروح وهو: ما العمل إذا؟ سلمان سيد هو أستاذ فن الخطاب والفكر ما بعد الاستعماري في جامعة ليدز بالمملكة المتحدة، ورئيس كلية علم الاجتماع والسياسة الاجتماعية فيها
Independent عربية٢٦-٠٤-٢٠٢٥سياسةIndependent عربيةحقبة "ما بعد الغرب" حلت وهذا ما تبدو عليهإذا كان هناك نظام عالمي في طور التشكل أخيراً، فإن "منتدى أنطاليا للدبلوماسية" Antalya Diplomacy Forum (ADF) الذي انعقد في وقت سابق من هذا الشهر، قد قدم لمحة مغرية لما قد يكون عليه هذا المستقبل. إنه مستقبل يتفاعل فيه قادة العالم وصانعو السياسات، وصانعو الرأي العام من مناطق ما يعرف بالغالبية العالمية [لدول والشعوب التي لا تعتبر جزءاً من "الغرب" التقليدي] مع بعضهم البعض، متجاوزين الأنظمة البلوتوقراطية [طبقة النخبة الحاكمة من الأثرياء] الغربية. إنه مستقبل يتحدى جوانب من الإجماع الليبرالي الديمقراطي الذي كان قد أرسي في فترة ما بعد الحرب الباردة، ويخترق الذاكرة التاريخية الضائعة التي كانت تشكل أساساته. إنه مستقبل "ما بعد الغرب"، وعلى وجه التحديد لأنه من غير الواضح ما هو النظام الذي قد يحل مكانه. وضم منتدى أنطاليا مشاركين من أفريقيا، وأميركا اللاتينية، والشرق الأوسط، وأوروبا الشرقية الذي انعقد في العاصمة السياحية لتركيا في قمة رفيعة المستوى، للتأكيد على قيم الدبلوماسية في تحقيق الاستقرار، وللتفكير في بدائل لنظام سيادة القانون الدولي الذي بدأ يتفكك. ومثله مثل جميع القمم الدولية، كان منتدى أنطاليا للدبلوماسية، مناسبة للدولة المضيفة لعرض عضلات قوتها الناعمة. ولكن وعلى عكس الدول الغربية البلوتوقراطية الكبرى التي غالباً ما لا نشعر بقوتها الناعمة، فإن تنظيم تركيا للمنتدى بعيداً من مراكز انعقاد مثل هذه المؤتمرات المعتاد أي في باريس أو لندن، أو نيويورك، أو دافوس، هو ما جعل هذا المنتدى مميزاً. ومع ذلك لم تكن وحدها الجغرافيا التي أضفت تميزاً على أهمية هذا الملتقى. الموقع الجغرافي بدا وكأنه يؤشر إلى تحول أشمل في وجهات النظر، وفي تفاعل المشاركين مع الشؤون الدولية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وكان حضور ممثلين عن الدول الغربية البلوتوقراطية الكبرى قليلاً على أرض المنتدى. ولو أنهم حضروا بأي عدد أكبر، كانوا ليتفاجؤوا على الأرجح ويشعرون بالاضطراب والارتباك بسبب النقاشات التي دارت وليس فقط لأنهم كانوا سيعترضون على مزاعم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وتأكيداته بأن هوية دولة أوكرانيا ليست متجذرة أو متميزة بما يكفي لتبرير وجودها كدولة قومية مستقلة، لكن لأن المنتدى خلق مساحة للحجج والأطر التي غالباً ما كان الغرب قد أحالها لتشكل هوامش في النقاشات وليست في صلبها. بالنسبة للكثيرين الذين يمثلون طبقة النخبة في الغرب، فقد قدم منتدى أنطاليا لمحة عن عالم ينظر إليه من مرآة معكوسة. قد يكون من السهل اعتبار منتدى أنطاليا تجمعاً للشعبويين المستبدين المعادين للغرب. ففي نهاية المطاف، يمكن للمرء أن يسلط الضوء على الفجوة بين المهمة المعلنة للمنتدى- "فتح الحوار وإعادة تعريف دور الدبلوماسية ومبادئها الأساسية في عالم يتزايد فيه الاستقطاب"- والممارسات المتناقضة في كثير من الأحيان للمشاركين الرئيسين فيه. لكن في أعقاب معتقل غوانتانامو وحرب غزة فإن السلطة الأخلاقية للغرب في رأيي قد أوشكت على الانهيار. لذا، فإنه عندما تقوم وسائل إعلام غربية بإدانة اعتقال صحافيين في مكان ما من العالم وذلك عن حق وبكل حماسة، فيما تظل صامتة أمام القتل الممنهج للصحافيين في مكان آخر من العالم، فإن ذلك يبدو للكثيرين في المنتدى أن العنصرية قد نجحت في تقويض ليس فقط المبادئ، بل حتى التضامن المهني. إن تفكك النظام الدولي القائم على سيادة القانون ليس مجرد ظاهرة جغرافية اقتصادية- نتيجة صعود الصين كأكبر قوة اقتصادية في العالم، وهو مركز لم تحتله أي دولة غير غربية منذ نحو 200 عام– ولكنها ذات أبعاد عميقة على المستوى الثقافي والأخلاقي. ووفق ما أشير إليه في المنتدى في أنطاليا، فحتى المعلقين السياسيين الذين يحنون إلى عصر التنوير الأوروبي، ينسون الفيلسوف فولتير، عندما يقومون في انتقاد التظاهرات المعارضة للإبادة الجماعية والمؤيدة للفلسطينيين. كان منتدى أنطاليا الدبلوماسي منصة لاختبار متانة الأسس الأخلاقية والفكرية للنظام العالمي الديمقراطي- الليبرالي. فقد أزال انتصار الديمقراطية الليبرالية في الحرب الباردة إمكانية تخيّل عوالم أفضل، وقادنا إلى شعور مشترك بواقع دائم تُديره "نخبة التكنولوجيا". إن الحس المشترك ليس شيئاً مسلماً به بشكل طبيعي، بل يتشكل على مر التاريخ. إنه يقوم على استخلاص عصارة المعتقدات والقيم تجسدت في الحياة اليومية. فعلى سبيل المثال، كانت الإساءات العنصرية التي تكال ضد لاعبي كرة القدم من أبناء العرق الأسود تعتبر مجرد مزاح عادة، قبل أربعين عاماً. أما اليوم، فلا توجد أصوات كثيرة تعلن وبفخر أنها عنصرية. نحن نعيش في زمن تبقى فيه العنصرية أمراً قائماً- كما تُثبت التقارير والشهادات والتحقيقات المتكررة- كون العنصريين غير موجودين. ومن الواضح أيضاً أن نهاية التاريخ لم تشتمل على نهاية العنصرية أيضاً. في منتدى أنطاليا، كان هناك شعور واضح بأن عمليات القتل الجماعي والعنف في قطاع غزة- وتواطؤ العديد من المؤسسات الغربية في المساعدة والتحريض على ذلك- قد أثر بشكل كبير على تقويض إمكانية قيام منطق سليم يتسم بالمسؤولية والتواضع والسعي لتحقيق العدالة. وفي ظل اللغة المنمقة للمبادلات الدبلوماسية، هناك اعتقاد ضمني ولكنه يتزايد بأن مركز العالم لا يتغير فحسب، بل إن الحكمة التي نتلقاها ونستقيها [من ذلك العالم]، لم تعد مناسبة للمساعدة على التعامل مع الأزمات المتدحرجة التي يواجهها العالم. هذا التحول في الحس المشترك هو ربما أكثر ما يبعث على القلق، وفي الوقت نفسه، أكثر ما يبعث على الأمل في منتدى دبلوماسي لم يعد المشاركون فيه الذين يمثلون الغالبية العالمية، محصورين في هوامش المنتدى. فغالباً ما كان يقال لنا إنه إذا لم يكن المركز متماسكاً، فإن الحقيقة نفسها قد تتشظى، ومن دون حقائق مشتركة تنبع من وعي جمعي مشترك، يصبح الحوار الجاد صعباً، وربما مستحيلاً. لكن إن ما بشر به منتدى أنطاليا لم يكن إعادة السلطة الأخلاقية لليبرالية الديمقراطية المتمركزة في الغرب، بل بناء "حس مشترك" جديد، أكثر شمولاً وعدلاً. هذه هي المعضلة الحقيقية التي كانت تلوح خلف نقاشات المنتدى- لم تكن أنطاليا [مؤتمر] باندونغ أخرى- مؤتمر عام 1955 الذي سعى إلى معارضة الاستعمار أو الاستعمار الجديد من قبل أي دولة، ورمزاً لفك الارتباط المعادي للاستعمار عن عالم تهيمن عليه قوتان عظميان مسلحتان بأيديولوجيات صريحة وسلاح قادر على تحقيق دمار متماثل. ومع ذلك، فإنه كان هناك اعتراف ضمني بين العديد من المشاركين في منتدى أنطاليا، بأن القبول وتطبيع وقوع الإبادة الجماعية يشكل تهديداً ليس فقط للشعب الفلسطيني، ولكنه أيضاً ينزع عنا إنسانيتنا جميعاً، فيما نحن نبقى جميعاً مطاردين بسؤال أساسي مطروح وهو: ما العمل إذا؟ سلمان سيد هو أستاذ فن الخطاب والفكر ما بعد الاستعماري في جامعة ليدز بالمملكة المتحدة، ورئيس كلية علم الاجتماع والسياسة الاجتماعية فيها