١٧-٠٧-٢٠٢٥
عقل رقمي وقلب كهربائي.. صناعة السيارات تتغير إلى الأبد
في مصنع «فاكتوري زيرو» التابع لشركة جنرال موتورز بمدينة ديترويت، عاصمة صناعة السيارات الأميركية، والمخصص لإنتاج السيارات الكهربائية، بات الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي عنصرين أساسيين يقودان عمليات الإنتاج والتطوير، مما يعكس التحول العميق في صناعة السيارات نحو مستقبل أكثر ذكاءً وكفاءة.
تعتمد الشركة على أنظمة رؤية ذكية لرصد الأعطال بسرعة، مثل تسربات البطارية، وتلف المكونات المعدنية، وعيوب الطلاء، مما يسرّع عمليات الصيانة ويقلل من الهدر. وفي الجانب التسويقي، توظف جنرال موتورز أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك المستهلكين وتخصيص الحملات الإعلانية والعروض الترويجية بدقة أعلى.
وفي ظل احتدام المنافسة مع الشركات الأخرى، تراهن الشركة على هذه التقنيات المتقدمة للحفاظ على موقعها كأكبر مُصنّع للسيارات في الولايات المتحدة، واضعة الذكاء الاصطناعي في صلب استراتيجيتها للنمو المستقبلي.
توقيت الوصول المثالي
قال جون فرانسيس، كبير مسؤولي البيانات والتحليلات في جنرال موتورز، إن الذكاء الاصطناعي أصبح محركًا لتحوّل واسع داخل جنرال موتورز، بدءًا من تمكين فرق التسويق من استهداف المستهلكين في اللحظة الحاسمة ضمن مسار اتخاذ قرار الشراء، ووصولًا إلى تعديل خطوط الإنتاج في الوقت الفعلي استجابة لتغيرات الطلب.
وأوضح فرانسيس، أن خوارزميات الشركة تحلل كمًا هائلًا من البيانات، تشمل تفاعلات العملاء ومؤشرات المبيعات وسجلات الإنتاج، لتوليد رؤى دقيقة تمكّن الشركة من تصنيع سيارات بخصائص تلبي ما يريده العملاء فعليًا، مثل تقنيات الاتصال السلس، وأنظمة الأمان المصممة حسب الاحتياج، وخيارات المحركات التقليدية والهجينة والكهربائية.
تجربة قيادة ذكية
أكّد فرانسيس أن الذكاء الاصطناعي لا يقتصر دوره على تحسين كفاءة الإنتاج، بل يمتد أيضًا إلى تعزيز تجربة القيادة للمستهلكين.
وأشار إلى أن جنرال موتورز تتعاون حاليًا مع شركاء مثل Pilot وEVgo لتحديد المواقع المثلى لمحطات شحن السيارات الكهربائية، مستندة إلى تحليلات تدفق حركة المرور، وبيانات التوزيع الجغرافي، بالإضافة إلى خبرة المهندسين في المجال، بما يضمن توفير خدمات شحن أكثر ذكاءً وملاءمة للمستخدمين.
أنظمة مساعدة متقدمة
لا تقتصر التحولات الرقمية على جنرال موتورز فحسب، بل تشمل قطاع السيارات بأكمله. وتشير بيانات شركة Global Market Insights إلى أن سوق تقنيات الذكاء الاصطناعي في صناعة السيارات بلغ نحو 4.8 مليار دولار، ومن المتوقع أن يقفز إلى 186.4 مليار دولار خلال العقد المقبل.
وإلى جانب رفع الكفاءة التشغيلية في خطوط الإنتاج ومستودعات الصيانة، بات الذكاء الاصطناعي يقدم مزايا مباشرة للمستخدم النهائي من خلال تحسين تجربة القيادة وتطوير وظائف السلامة.
ويؤكد وايت ميهام، الشريك المؤسس لشركة Northwest AI Consulting، أن شركات السيارات أصبحت قادرة بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي على تصميم أنظمة مساعدة متقدمة، مثل الكبح التلقائي الذكي، والمساعدة في التوجيه بدقة أعلى.
ويتفق معه طارق منير، مستشار التحول الرقمي بالذكاء الاصطناعي، الذي يرى أن القطاع يتجه بسرعة نحو تبني أنظمة ذاتية التحسين، قادرة على تخطيط سلاسل الإمداد بكفاءة شبه مثالية، وتقليص تكاليف الاختبار من خلال الاعتماد على تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز.
وأضاف منير: «نحن أمام ثورة مصانع ذكية قيد التشكّل، ستجعل الصناعة أكثر سرعة، وأقل تكلفة، وأكثر استدامة من أي وقت مضى».
التحديات لم تنتهِ بعد
رغم النجاحات، ما تزال جنرال موتورز تواجه تحديات في رحلتها مع الذكاء الاصطناعي. وأبرزها ضمان تحقيق نتائج ملموسة طويلة الأمد لجميع العملاء، وهو ما يتطلب توفر كميات كبيرة من البيانات. لذلك، كرّس فريق فرانسيس جهودًا كبيرة لتطوير بنية تحتية رقمية قوية قادرة على معالجة وتحليل كميات هائلة من البيانات.
كما كان من الضروري بناء بيئة رقمية قابلة للتوسع، مع موارد حوسبة قابلة تتكيف تلقائيًا مع الاحتياجات الموظفين والأقسام المتغيرة.
واحدة من العقبات الشائعة كانت مقاومة التغيير من بعض العاملين، بسبب المخاوف من فقدان الوظائف. وأكد فرانسيس أن الإدارة تولي أهمية خاصة لفهم هذه المخاوف، وتوفير الدعم اللازم للموظفين من أجل استيعاب التكنولوجيا والاستفادة القصوى منها.
وقال فرانسيس: «نحن في جنرال موتورز نعتبر الذكاء الاصطناعي أداة لتعزيز أداء الوظائف، وليس لاستبدال البشر. عندما يبدأ الموظفون برؤية فوائد هذه التقنية، تقلّ مقاومة التغيير بسرعة».
تجربة محسّنة لكل عميل
رغم التحديات، يبقى التفاؤل سيد الموقف لدى قادة صناعة السيارات. ويتوقع فرانسيس أن الطلب على السيارات المخصّصة التي تلبي احتياجات العملاء بشكل دقيق سيشهد ارتفاعًا متزايدًا، مع ميزات متقدمة في مجالات الأمان والاتصال.
وأضاف فرانسيس: «الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات تساعدنا على تحقيق ذلك في جميع فئات السيارات، سواء التقليدية أو الكهربائية. هذه الأدوات تمكّننا من تقديم تجربة محسّنة لكل عميل، مهما كان مستوى السعر».
وأيد هذه الرؤية رويسطن جونز، رئيس قطاع السيارات في شركة Altair، مشيرًا إلى أن العملاء يبحثون عن سيارات أكثر تخصيصًا وكفاءة في استهلاك الطاقة وأعلى مستويات الأمان. وأضاف: «سيساعد الذكاء الاصطناعي في تحقيق هذه المطالب بشكل متزايد».
وختم جونز بالقول: «على المدى البعيد، سيدفع الذكاء الاصطناعي القطاع نحو التخصيص الشامل، ودورات تطوير أقصر، وابتكار مستدام يتماشى مع تغيرات قيم المستهلكين والمتطلبات التنظيمية».
أسامة عثمان (أبوظبي)