أحدث الأخبار مع #GettyImagesArticleinformation


نافذة على العالم
منذ ساعة واحدة
- صحة
- نافذة على العالم
أخبار العالم : كيف يؤثر نظام المناوبات الليلية على الصحة النفسية؟
الأحد 25 مايو 2025 02:00 مساءً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images Article information في الوقت الذي يستعد فيه كثيرون إلى الخلود للنوم، تبدأ مناوبة عمل جديدة لآخرين، من أطباء وممرضين وصحفيين وعاملين في المطارات وعُمال مصانع ورجال أمن وغيرهم ممن يعملون وفق نظام المناوبات أو (الشفتات). وقد يجد البعض منا أنه مضطر للعمل ضمن نظام المناوبات وفقاً لطبيعة عمله، ونظراً لذلك، فقد يكون عرضة أكثر من غيره لعدة مشاكل صحية ونفسية وعقلية، وكذلك مشاكل على مستوى حياته الشخصية والعائلية والاجتماعية نتيجة اختلاف مواعيد العمل. منذ الثورة الصناعية، استخدمت قطاعات التصنيع والخدمات العمل وفق نظام المناوبات بهدف زيادة الإنتاجية والربحية. وقبل تسعينيات القرن الماضي، لم يكن معروفاً سوى القليل عن تأثير العمل بنظام المناوبات على صحة العاملين. وقد وجدت دراسة في منتصف التسعينيات من خلال استخدام البيانات السريرية أن الممرضات العاملات ليلاً أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي، وازداد هذا الخطر مع عدد السنوات التي قضينها في أداء العمل بنظام المناوبات. لذلك، هل فكرت يوماً إن كان عملك وفق نظام المناوبات أحد عوامل إصابتك بأمراض نفسية أو جسدية؟ صدر الصورة، Getty Images ما المخاطر الجسدية والنفسية التي قد تهدد العاملين بنظام المناوبات؟ بدايةً، لا بد من معرفة المقصود بنظام المناوبات (Shift Work) والذي يعني توزيع ساعات العمل على مدار اليوم والأسبوع، إذ يتناوب الموظفون على العمل وفق مناوبات متتابعة لضمان استمرارية العمل وتلبية احتياجاته وعدم توقف عجلة الإنتاج، وتتراوح المناوبات عادة بين مناوبتين أو ثلاث في اليوم، وقد تشمل ساعات العمل الليلية أو الصباحية المبكرة، بحيث تستمر كل مناوبة لمدة 8 إلى 9 ساعات، بشرط ألا تتجاوز عدد ساعات العمل الفعلية، وفق نظام منظمة العمل المحلية والدولية. وقد أظهرت دراسات علمية حديثة أن العمل بنظام المناوبات له آثار سلبية على الصحة النفسية والعقلية، ويزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسرطان والسمنة ومرض السكري من النوع الثاني والخرف والوفاة المبكرة بشكل عام. ففي دراسة علمية جديدة أُجريت قبل عدة أعوام ونُشرت في مجلة علم نفس الصحة المهنية (Journal of Occupational Health Psychology) التي تصدر عن الجمعية الأمريكية لعلم النفس، أشارت إلى أن الأشخاص الذين يعملون بنظام المناوبات معرضون بنسبة أعلى للإصابة بالاكتئاب والقلق واضطرابات النوم مقارنة بالعاملين وفق نظام دوام ثابت. صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، الساعة البيولوجية للإنسان "الساعة البيولوجية" و"الاكتئاب" من أكبر التحديات الصحية وهو ما يشرحه الأخصائي النفسي علي المُلقي خلال حديثه لبي بي سي قائلاً: "إن الساعة البيولوجية تتحكم في إفراز الهرمونات وتنظم عملية النوم والمزاج وعندما يُفرض على الجسم العمل في وقت الراحة الطبيعي، يتأثر نظامه بالكامل. الأمر لا يقتصر فقط على النوم، بل يشمل الذاكرة والانتباه والعلاقات الاجتماعية كذلك". وأضاف: "إن العمل وفق نظام المناوبات له تأثيرات على الجانبين العقلي والنفسي، إذ قد ينتج عنه ضعف في القدرة على أداء المهارات اليومية بالشكل الاعتيادي ووظائف الدماغ الدنيا والعليا، مثل التركيز والتفكير والتواصل والإبداع". وتؤكد الأخصائية النفسية نورة صلاح أن اضطراب الساعة البيولوجية للعاملين بنظام المناوبات يعد المشكلة الصحية الأكبر بقولها: "إن العمل بهذا النظام يؤدي إلى خلل في نظام النوم، إذ تتأثر الساعة البيولوجية وهي الساعة الداخلية للجسم المسؤولة عن تنظيم العمليات الجسدية والعقلية والسلوكية على مدار الساعة، بالضوء والظلام. وإن العمل بنظام المناوبات خلال الليل تحديداً يعطّل عملها، ويخل بتوازن أنظمة الجسم التي تتحكم بها". موضحة: "قد تزيد فرصة حدوث مشاكل تتمثل في قلة النوم والأرق لدى الأشخاص العاملين بنظام المناوبات وهذا كفيل بأن يُؤثر على مشاعر الشخص وتصرفاته فتجلعه عصبياً ومتوتراً، وفي حال لم يتم الانتباه لهذه المشاكل والتعامل معها أولاً بأول، فقد يزيد من احتمالية حدوث الاكتئاب لدى الأشخاص". وخلال حوارها مع بي بي سي قالت: "هناك دراسة حديثة نُشرت في أبريل/ نيسان الماضي أظهرت أن الأشخاص العاملين بنظام المناوبات تكون جودة نومهم أقل، وقد تزداد لديهم المشاكل النفسية". مضيفة: "هناك دراسة أخرى أظهرت أن العاملين وفق هذا النظام معرضون بنسبة 30 في المئة للاكتئاب، وأن الإناث أكثر عرضة للاكتئاب بنسبة 70 في المئة، وهو ما يشير إلى العزلة نتيجة عدم قدرة من يعملون بنظام المناوبات على قضاء وقتهم مع عائلاتهم أو أصدقائهم مما ينعكس سلباً على حالتهم المزاجية والنفسية". صدر الصورة، Getty Images "من أجل الوفاء لمعطفي الأبيض ولقبي في ملائكة الرحمة" ولمعرفة حقيقة ما يمكن وصفه بـ "معاناة" العاملين وفق نظام المناوبات ومحاولتهم إيجاد توازن بين طبيعة عملهم وحياتهم الخاصة، كنتُ قد أجريتُ عدداً من المقابلات مع أشخاص في قطاعات عملية مختلفة. قالت الممرضة تُقى عقرباوي التي تحدثّت لبي بي سي: "أنا ممرضة أعمل ضمن نظام المناوبات وأحاول دوماً التوفيق بين عملي وحياتي الخاصة، إلا أنني غالباً ما أجد نفسي أضحّي من أجل الوفاء لمعطفي الأبيض ولقبي في ملائكة الرحمة، إذ إنني لا أشارك عائلتي في أبسط الأمور ومنها تناول الطعام معهم وعدم مشاركتهم في معظم المناسبات العائلية والاجتماعية حتى أنني لا أرى وجه من أعتبرهم أغلى البشر لدي بسبب تلك المناوبات الليلية المرهقة والتعب الذي يرافقني ليجعلني أنام ساعات طويلة بمجرد انتهاء المناوبة". وأضافت: "تعد فكرة أنك المسؤول الأول عن حياة الأشخاص والتركيز للحفاظ على حياة المرضى من عدم حدوث أي خطأ طبي من العوامل التي تؤثر على حالتنا النفسية والعقلية لدرجة أنها تستنزف أرواحنا، إلى جانب عملنا وفق نظام المناوبات، إلا أنني أحاول تجاوز ذلك من خلال عدة أمور كالقيام بنشاط بدني ممتع ومفيد للتخلص من الطاقة السلبية، وأحياناً أحصل على إجازة من العمل لأجدد طاقتي، كما أن وجود زملاء عمل جيدين يسهم في مساعدتي على تجاوز التعب". وليس ببعيد عن الممرضة عقرباوي، قال الممرض عطا عقل الذي يعمل في قسم الطوارئ بأحد المستشفيات خلال حواره مع بي بي سي: "أعمل وفق نظام المناوبات الليلية وحتى خلال العطل الرسمية، باعتباري أمثل خط الاستجابة الأول للحالات الحرجة والمفاجئة. كما أنني أعمل كمحاضر جامعي، ما يضيف بعداً أكاديمياً إلى جدولي المزدحم. وعليه أشعر أحياناً باستنزاف في طاقتي الذهنية والنفسية جرّاء الضغط المستمر والتعامل اليومي مع حالات طبية طارئة، خاصة حين يتزامن ذلك مع مسؤولياتي التدريسية". وفي سؤالي حول إمكانيته لتحقيق التوازن بين عمله بالمناوبات وحياته، أجاب: "أعترف أن الأمر ليس سهلاً، إذ أحاول أن أضع حدوداً واضحة بين العمل الطبي والأكاديمي، وأحرص على تخصيص وقت للعائلة حتى لو تطلب ذلك التخطيط المسبق بدقة. كما أنني أمارس المشي والتأمل، وأخصص وقتاً للصمت والابتعاد عن الشاشات. كما أنني أجد في التعليم الجامعي نوعاً من التوازن، فهو يمدني بطاقة مختلفة تُكمل الجانب العلاجي من عملي". وفي حديثه لبي بي سي قال الطبيب مهند وهو أخصائي عناية مركزة: "إن العمل وفق نظام المناوبات يؤثر سلباً على جميع مناحي الحياة، والمشكلة الأكبر تتمثل في النوم، نتيجة تغيير أوقات المناوبات إذ لا يمكنني النوم خلال أوقات العمل إلا لفترة قصيرة جداً وأقوم بتعويض ساعات النوم على حساب الوقت المخصص لعائلتي. وعلى الرغم من التعب والنعاس الشديدين بعد انتهاء فترة المناوبة فيكون من الصعب الدخول في النوم، وتكون جودة النوم سيئة جداً". وأضاف: "إن الطريقة الوحيدة الفعالة نوعاً ما لتحقيق التوازن بين عملي في المناوبات وحياتي هي التنسيق مع زملائي حيث أقوم بوضع أكبر عدد ممكن من المناوبات في أقصر فترة ممكنة لأتمكن من الحصول على فترات بدون مناوبات، ورغم ضغط العمل في فترات معينة إلا أنني أحصل على أوقات فراغ في المقابل". ويقف على مسافة قريبة أحمد خزاعلة الذي يعمل في مجال التحاليل الطبية، وكذلك المُعالِجة الطبيعية سارة حمد، اللذان تحدثا لبي بي سي عن شعورهما بالضغوط النفسية نتيجة العمل بنظام المناوبات: "من الصعب الفصل بين هذا النوع من نظام العمل والحياة الخاصة، ولكن لا بد من تحقيق التوازن ما أمكن عبر التواصل مع العائلة والجلوس معهم ومشاركتهم الأنشطة المختلفة في وقت الإجازة". صدر الصورة، Getty Images "بتُّ أفكر جدياً بترك العمل" تحدّثت الصحفية سارة سويلم التي تعمل في أحد المواقع الإخبارية الإلكترونية عما وصفته بـ"المعاناة الحقيقية" جرّاء العمل في نظام المناوبات لبي بي سي قائلة: "أعمل في موقع إخباري في مجال إعداد وإنتاج المقابلات وتنسيق الضيوف للبرامج والأخبار والتقارير في الموقع، ورغم خبرتي الطويلة في هذا المجال، إلا أنني أعمل منذ نحو شهرين في موقع إخباري وفق نظام المناوبات التي أشعر وكأنها 20 عاماً، وليس مجرد هذه الفترة القصيرة". وتكمل بالقول: "تولّد شعوري هذا بسبب عدم الالتزام الإداري بالمناوبات، إذ غالباً ما يجري تغيير أوقات المناوبات بشكل مفاجئ، خاصةً إذا كان أحد الزملاء متعباً أو لديه ظروف خاصة أو أن هناك علاقة جيدة تربطه بالمسؤول عن الموقع تمنحه ميزة عدم العمل بنظام المناوبات، وهذا يشكل ضغطاً كبيراً على نفسي ويُحدِث فجوة بين عملي وحياتي، خاصةً وأن لدي عائلة بحاجة للقيام بمسؤولياتي اتجاهها". وعن التأثير النفسي لنظام العمل بالمناوبات قالت سويلم: "المناوبات العشوائية أثرت على صحتي، إذ غالباً ما أشعر بالتعب والإرهاق لعدم حصولي على ساعات نوم كافية، وأفكر باستمرار لإنجاز العمل وإتقانه.. بتُّ أفكر جدياً بترك العمل، خاصةً أنني تعوّدت العمل وفق ساعات عمل محددة وثابتة. والآن أحاول تحقيق التوازن بين عملي وحياتي الخاصة من خلال النوم لعدة دقائق كي أستعيد بها طاقتي وأجددها، وأستمع أحياناً لبعض الموسيقى بهدف الاسترخاء". صدر الصورة، Getty Images "أعمل بنظام الاستعداد المستمر" خلال حوارها مع بي بي سي قالت المنسقة الإعلامية بإحدى القطاعات الصحية روضى الشريف: "عملي في المجال الإعلامي وخاصة في القطاع الطبي يقوم على التغطية المستمرة للأحداث والجولات والزيارات الرسمية، مما يتطلب التواجد في مواقع متعددة خلال أوقات غير تقليدية، قد تكون في ساعات مبكرة من الصباح أو متأخرة من الليل، فنحن نعمل بنظام الاستعداد المستمر، وغالباً ما نكون في قلب الحدث". وأضافت: " بطبيعة الحال، العمل في بيئة دائمة الحركة تتطلب اليقظة والسرعة والدقة، ما قد يشكل ضغطاً نفسياً وعقلياً إذا لم نكن مدرَّبين على إدارة التوتر. وبالفعل هناك لحظات من الإرهاق، وهناك أوقات يشعر فيها الإنسان أنه بحاجة إلى التوقف. أحياناً يكمن التحدي في التفاصيل الصغيرة، في التوفيق بين أكثر من مسؤولية، وفي الغياب عن لحظات شخصية، لكنه تحدٍ نواجهه بحب واحترافية". وفي سؤالي عن الخطوات التي يمكن أن تتبعها لتحقيق التوازن بين طبيعة عملها وحياتها، أجابت الشريف: "تحقيق التوازن في ظل هذا النمط من العمل ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلاً. أؤمن أن التنظيم هو مفتاح كل شيء، إذ أحرص على تخصيص وقت نوعي لعائلتي وأطفالي. كما أحرص على تخصيص وقت لنفسي سواء من خلال التأمل، أو ممارسة الرياضة أو الكتابة لأنني كاتبة روائية أيضاً". ويتفق يزن القرعان الذي يعمل موظفاً في أحد المطارات مع روضى بقوله: "أحاول القيام بتمارين التنفس باستمرار والجلوس في مكان هادئ، كما أحرص على الحصول على قسط كافٍ من النوم لأتجنب الضغط والتوتر بسبب عملي بنظام المناوبات". أما يحيى الذي يعمل في إدارة المنتجات الرقميّة فقال: "لا أشعر بتأثير نفسي وصحي مباشر بسبب عملي في المناوبات، لأنني أحب طبيعة عملي الذي أعتبره مسلياً وفيه نوع من الابتكار والاكتشاف والتنويع والتطوير. ورغم ذلك أحاول ترتيب أولوياتي وأحرص على التواصل مع عائلتي كلما سنحت لي الفرصة". صدر الصورة، Getty Images كيف يحافظ العاملون بنظام المناوبات على صحتهم؟ يتفق الأخصائيان النفسيّان علي المُلقي ونورة صلاح على عدد من النقاط التي ينصحان بها كل شخص يعمل وفق نظام المناوبات على اتباعها وهي كالتالي: تنظيم النوم بشكل محدد، وذلك عبر المحاولة بالنوم في نفس التوقيت بعد كل مناوبة، وتوفير بيئة مظلمة وهادئة. التعرض للضوء الطبيعي، وهو ما يساعد في إعادة ضبط الساعة البيولوجية، خاصة بعد مناوبة العمل الليلية. توزيع المناوبات بطريقة صحية، إذ لا بد من تجنب التحول المفاجئ من مناوبة ليلية إلى نهارية والعكس. الحفاظ على نظام غذائي متوازن، والتقليل من تناول الكافيين والسكريات خلال فترات الليل. ممارسة النشاط البدني بانتظام، إذ يُفضل ممارسة أي نشاط رياضي لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام أسبوعياً، وذلك بهدف تحسين جودة النوم وتعزيز الصحة الذهنية. ممارسة تمارين التنفس العميق وتمارين الاسترخاء العضلي والعقلي، وذلك لزيادة اليقظة والتركيز والنشاط. طلب الدعم النفسي عند الحاجة وعدم التردد في مراجعة الطبيب أو الاخصائي النفسي عند ظهور مؤشرات كالإجهاد العقلي أو الاكتئاب. ونصحت أخصائية التغذية أَوْلا دَعْنا خلال حديثها لبي بي سي أنه لضمان توازن غذائي أثناء المناوبات أن يقوم الأشخاص بالتحضير المسبق لوجباتهم في المنزل، موضحةً: "من المهم تناول وجبات منتظمة ومتوازنة تشمل الكربوهيدرات المعقدة والبروتينات والدهون الصحية كالأسماك والخضروات، إضافةً إلى شرب الماء بانتظام لتوفير الطاقة وتقليل الإحساس المستمر بالجوع. كما يُنصح بتقليل المنتجات التي تحتوي على الكافيين والأطعمة الغنية بالدهون، واختيار وجبات خفيفة تحتوي على أوميغا-3 والمغنيسيوم لما لها من تأثير مهدئ وملطف للأعصاب وأخرى تُحسّن من مستوى التركيز كالمكسرات والحليب والموز".


نافذة على العالم
منذ 2 أيام
- صحة
- نافذة على العالم
أخبار العالم : انقطاع خدمات مراكز الخصوبة يؤجل أحلام الإنجاب في غزة لأجل غير مسمى
الجمعة 23 مايو 2025 11:00 مساءً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images Article information في زاوية صغيرة من شقة مدمّرة في البلدة القديمة في غزة، يجلس محمد قرب زوجته نورة، ينظران بصمت إلى صور بالأبيض والأسود كانت على شاشة هاتف قديم. صور لأجنة مجمّدة كانت تمثّل لهما بداية حلم انتظراه طويلًا. محمد، شاب في الثلاثينات من عمره، كان يخضع للعلاج من مشكلة صحية تُعرف بـ"الخصية المعلّقة"، واحتفظ بعينة من سائله المنوي في أحد مراكز الإخصاب في غزة، بانتظار اللحظة المناسبة لتحقيق حلم الأبوة. أما نورة، من جهتها، فخاضت رحلة طويلة للعلاج من العقم، حتى استطاعت بعد سنوات من العلاج هي وزوجها، الخضوع لعملية حقن مجهري، انتهت بحمل في توأم، دام سبعة أشهر فقط. "داومنا أنا ومحمد على العلاج لمدة ثلاث سنوات حتى جاء تحليل الحمل إيجابياً، وكان ذلك قبل شهرين فقط من بداية الحرب. لم تسعني الدنيا من الفرحة. فبعد أن أجريت عملية سحب بويضات وتمت زراعة جنينَيْنِ في رحمي والاحتفاظ بجنينين آخرين في مركز بسمة للإخصاب في غزة، قلت أخيراً تحقق حلمي. ولكن في اليوم الذي دخل فيه الإسرائيليون علينا، حدّثتني نفسي بأن كل شيء قد انتهى". مثل آلاف الغزيين، اضطرت نورة وزوجها إلى النزوح مراراً وسط أوضاع معيشية قاسية، شملت نقصاً حاداً في الغذاء والأدوية والفيتامينات الضرورية للحمل. فقدت نورة توأمها بعد سبعة أشهر إثر نزيف حاد. يقول محمد: "كنا نمشي كثيراً ونتنقل كثيراً من مكان لآخر، بالإضافة للقصف العشوائي الذي كان يثير الرعب في نفوسنا وخاصة لدى نورة وهي حامل. لن أنسى هذا اليوم أبداً. عانت من نزيف شديد ولم نستطع حتى توفير سيارة لنقلها للمستشفى، وفي النهاية تمكنّا من نقلها عبر إحدى سيارات نقل القمامة، حتى وصلت للمستشفى وبدأ الإجهاض". وُلد أحد الجنينين ميتاً، أما الثاني فخرج حيّاً، لكنه توفي بعد ساعات قليلة بسبب عدم توفر حضانات للخدج في غزة. "قالت لي إن الإجهاض تم بصورة وحشية في المستشفى. فلا أجهزة طبية متاحة ولا أطباء يستطيعون فعل شيء في ظل ما هو متاح"، يؤكد محمد. التعليق على الصورة، محمد ونورة أبو القمبز كانا يستعدان لاستقبال طفليهما بعد رحلة علاج طويلة من العقم التعليق على الصورة، خضعت نورة لعملية زرع الأجنة في مركز البسمة للإخصاب في غزة انتهت بالحمل في توأم وفي مارس/آذار الماضي، اتهمت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة إسرائيل بأنها "هاجمت ودمّرت عمداً" مركز البسمة للإخصاب الذي يعد أكبر مركز للخصوبة في القطاع. وأصدرت اللجنة تحقيقاً يقول إن السلطات الإسرائيلية "دمرت جزئياً القدرة الإنجابية للفلسطينيين في غزة عبر التدمير الممنهج لقطاع الصحة الإنجابية" - مشيرة إلى أنها ارتكتبت بذلك "أعمال إبادة". كما أشار التقرير الذي أعدّته لجنة من الخبراء بتكليف من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى أن إسرائيل فرضت حصاراً بشكل متزامن ومنعت المساعدات بما في ذلك الأدوية اللازمة لضمان سلامة الحمل والإنجاب ورعاية المواليد. وردّاً على التقرير، كانت البعثة الدائمة لإسرائيل لدى الأمم المتحدة قد أصدرت بياناً تقول فيه إنها "ترفض رفضاً قاطعاً هذه الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة". كما أدان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التحقيق واصفاً إياه بـ"السخيف والعاري من الصحة". تم إنشاء لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة من قِبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في عام 2021 - للتحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان. حلم مؤجل إلى أجل غير معروف ورغم أن الأطباء قالوا إن نورة لا تزال لديها فرصة للحمل، فإن الواقع في غزة لا يمنح هذه الفرصة بسهولة. فقد توقفت جميع مراكز الإخصاب التسعة التي كانت موجودة في غزة، وكان مركز البسمة للإخصاب أكبرها من حيث الإمكانيات الطبية. تواصلت بي بي سي مع الجيش الإسرائيلي للتعليق على ما يقوله مسؤولو المركز بشأن استهدافه، وقال الجيش الإسرائيلي: "إنه لا يستهدف عمداً عيادات الإخصاب في غزة، ولا يسعى إلى الحد من إنجاب المدنيين في القطاع". وأضاف: "إن الادعاء بأن الجيش الإسرائيلي يقصف هذه المواقع عمداً لا أساس له من الصحة، ويُظهر سوءَ فهمٍ تامّاً لهدف عملياته في غزة". وتعليقاً على قصف مركز البسمة، أشار الجيش الإسرائيلي لبي بي سي إلى أنه لا يستطيع تأكيد وقوع الهجوم على المركز نظراً لعدم توافر معلومات كافية عن التاريخ المحدد للهجوم. كما أشار الرد الإسرائيلي إلى أن قواته "تعمل وفقاً للقانون الدولي، وتتخذ الاحتياطات اللازمة لتقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين". وفي هذا السياق، قال مسؤولو المركز لبي بي سي إنهم لم يتمكنوا من تحديد تاريخ وتوقيت القصف على المركز بسبب عدم تمكنهم من زيارته منذ أواخر نوفمبر/تشرين الثاني نظراً لظروف الحرب والهجمات المستمرة على القطاع، مشيرين إلى أنهم علموا بتدميره حين زاروه في أوائل ديسمبر/تشرين الأول عام 2023. التعليق على الصورة، صورة اختبار الحمل الذي أجرته نورة وجاءت نتيجته إيجابية بالحمل في توأم صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، مختبر الأجنة في مركز البسمة للإخصاب في غزة بعد تعرّضه للقصف قصة محمد ونورة ليست استثناءً، بل واحدة من عشرات القصص لنساء في غزة اصطدمن بالواقع ذاته. إسلام لُبّد، واحدة من هؤلاء النسوة، حملت بعد سنوات من المحاولات، لكنها لم تفرح بالحمل طويلاً. "بعد الحرب، لم يكن هناك أي استقرار. كل فترة قصيرة ننتقل من مكان إلى آخر. جسمي تعب، وحملي تعب معي" - هكذا تروي إسلام قصة فقدانها لجنينها - بعد أشهر قليلة من الحمل الذي نتج عن عملية حقن مجهري أجرتها قبل الحرب. لا تملك الآن جنيناً مجمداً ولا مكاناً تعيد فيه المحاولة. آمال خليل، هي الأخرى، خاضت رحلة علاجية طويلة استمرت ست سنوات قبل أن تتمكن من الحمل عبر الحقن المجهري وتضع طفلتها الأولى. كانت تحتفظ بجنين آخر في مركز الإخصاب، تخطط لزراعته هذا العام ليكون شقيقاً لطفلتها، لكن كما تقول: "كل شيء ضاع مع تدمير المختبر". "كنت أشعر أن هناك خطوة ثانية قريبة. كان عندي أمل في أخ له… ولكن الآن لا أخ ولا مركز". أما سارة خدري، فبدأت رحلتها مع الإخصاب عام 2020، ونجحت في تجميد أجنتها بعد مشوار صعب، وكانت أيضاً تستعد لعملية الزرع، وتنتظر فقط اللحظة المناسبة، التي سبقتها الحرب. "أنا لا أستطيع حتى أن أبدأ مشوار الحقن المجهري. رأيت كل شيء ينهار وأنا في أول الطريق". "4000 جنين ذابوا في صمت" عن هذه الآمال المفقودة، تحدّث لي الدكتور بهاء الغلاييني، مدير مركز بسمة للإخصاب، بنبرة لا تخلو من الحزن والذهول، وكأنه لا يصدق أن سنوات من العمل والعناية يمكن أن تختفي في لحظة. يقول الدكتور بهاء إن أهم ما كان في المركز حاضنتان تحويان نحو 4000 جنين مجمد، وأكثر من 1000 عينة من السائل المنوي والبويضات، جميعها كانت تجسد أحلام الأمومة والأبوة لمئات النساء والرجال في غزة. "الحاضنتان اللتان دُمّرتا - وتكلفتهما أكثر من 10 آلاف دولار - كانتا مليئتين بسائل نيتروجيني يغمر العينات لحفظها، وقبل قصف المركز بنحو أسبوعين، بدأ النيتروجين بالتناقص والتبخر". حاول مدير المختبر الدكتور محمد عجور - الذي نزح بدوره إلى جنوب غزة - التواصل مع مورّد النيتروجين في مستودع بمنطقة النصيرات، في محاولة منه لإنقاذ العينات وإعادة ملء الخزانات بالسائل المطلوب، غير أن شدة القصف حالت دون استطاعته الوصول إلى المركز لإعادة ملء الحاضنتين. يقول مدير المختبر الدكتور عجور متأسفاً، "استطعت بصعوبة الوصول إلى مستودع غاز النيتروجين في النصيرات، وبالفعل استلمت أنبوبتين من الغاز وبقيتا معي، غير أنني لم أستطع الذهاب إلى المركز بسبب شدة القصف، وبعد نحو أسبوعين، قُصِفَ المركزُ نفسُه ولم تعد هناك حاجة أصلاً لهذا الغاز". "أنا أتحدث عن 4000 جنين مجمّد، هذه ليست مجرد أرقام، بل أحلام لأشخاص انتظروا سنوات، وخضعوا لعلاجات وحقن مكثفة، وعلّقوا آمالهم على هذه الخزانات التي تحطمت في النهاية"، يقول الدكتور بهاء. ويقدّر الدكتور بهاء أن ما بين 100 إلى 150 امرأة فقدن فرصتهن الوحيدة أو شبه الوحيدة في الإنجاب، لأن كثيرات منهن لا يستطعن تكرار العملية.


نافذة على العالم
منذ 4 أيام
- صحة
- نافذة على العالم
أخبار العالم : هل تحول اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه إلى "ترند" اجتماعي؟
الخميس 22 مايو 2025 05:00 صباحاً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images Article information "لن تشعر بالملل أبداً لو كان لديك صديق من المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ... نحن من نعيش الحياة بكاملها…نحن نحب الجدال والحديث ومشتتون…". هذه جمل من مقاطع فيديو قصيرة لاحقتني على منصة إنستغرام، تظهر أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بطريقة مرحة، والبعض منها يبدو كمحتوى علمي أكثر جدية. وفي الدوائر المحيطة بي، وجدت الكثير من البالغين الذين يطبقون على أنفسهم أعراض فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) المنتشرة في مقاطع الفيديو القصيرة. تقول لي لمياء (36 عاماً) -اسم مستعار بطلب منها- وتعيش في لندن وتعمل في مجال الإعلام، إنها وبسبب ما تعرضه وسائل التواصل الاجتماعي من أعراض، أصبحت تعتقد أنها مصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. وتنتظر لمياء دورها الذي قد يأتي بعد خمس سنوات لرؤية مختص نفسي يغطيه التأمين الصحي في البلد الذي تعيش فيه. لمياء ليست وحدها من تعاني من هذه الدوامة، إذ تقول الأخصائية النفسية سحر مزهر لبي بي سي، إنها لاحظت عبر محاضراتها التي تلقيها في جامعات أردنية أن أكثر من نصف الحضور يراجعونها لاعتقادهم أنهم مصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بسبب ما يعرض عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وبحسب دراسة نشرت عبر المكتبة الوطنية للطب، التي تتبع المعهد الوطني للصحة في الولايات المتحدة، بالاعتماد على التركيبة السكانية العالمية لعام 2020، بلغ معدل انتشار النوع المستمر من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لدى البالغين 2.58 في المئة، في حين بلغ معدل انتشار النوع المصحوب بأعراض 6.76 في المئة، أي ما يعادل 139.84 مليون و366.33 مليون بالغ على مستوى العالم حتى ذلك العام. لكن ما تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على خلق "ترند" ناتج عن التشخيص الذاتي لاضطراب فرطة الحركة ونقص الانتباه، وما أثر ذلك على الصحة النفسية؟ تأثير السوشيال ميديا صدر الصورة، PA سارة - فضلت عدم ذكر اسمها الحقيقي - أربعينية تعمل في مجال الإعلانات والتسويق الرقمي، عرفت في مرحلة متأخرة من العمر بأنها مصابة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. لكن توجهها للتحقق من ذلك مع طبيب نفسي في الأردن يعود لنصيحة من صديقتها المختصة في المجال أيضاً. تقول سارة إن لديها الخبرة الكافية لتعرف مدى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على المستخدمين، وأن ظهور النصائح والإعلانات المتعلقة بالاضطرابات والأمراض النفسية أو غيرها من الموضوعات للمستخدمين، يعود لنمط عمل هذه المنصات ومتابعتها لاهتمامات الأفراد. وتوضح أنها أصبحت تتعرض لمقاطع الفيديو القصيرة المتعلقة بفرط الحركة ونقص الانتباه، بعد مراجعتها للطبيب وبدء اهتمامها بالموضوع. وتحذر سارة، التي تعمل حالياً في قطر، من توجه كثيرين للتشخيص الذاتي، مما يعرضهم للاستغلال التجاري أو يدفعهم للاستسلام لأعراض قد لا تكون موجودة لديهم، مما يؤثر سلباً على مسار حياتهم اليومية. ويرى محمد العمري، طبيب عام ومختص في العلاج السلوكي، أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في زيادة الوعي باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بين الناس، وأزالت إلى حد ما وصمة العار التي كانت مرتبطة به، إذ كان فرط الحركة ونقص الانتباه مرتبطاً في السابق بعدم القدرة على النجاح أو عدم الالتزام. لكن العمري، الذي يعمل في عيادة مايند كلينك في عمّان، قال لبي بي سي إن لوسائل التواصل الاجتماعي أثراً سلبياً أيضاً، إذ أدى انتشار الأعراض والتشخيص الذاتي، إلى زيادة كبيرة في أعداد الأشخاص الذين يريدون الحصول على تشخيص طبي، وهو ما أدى إلى زيادة الضغط على الهيئات الطبية. ويضرب العمري مثالاً بالولايات المتحدة الأمريكية كواحدة من الدول التي تواجه "إفراطاً في التشخيص"، مما يعني احتمالية التشخيص الخاطئ أيضاً. ويضيف: "في العام الماضي، أفادت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بأن 11.4 في المئة من الأطفال الأمريكيين شُخِّصوا باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وهو رقم قياسي"، وهو ما جعل صحيفة نيويورك تايمز تتساءل في مقال لها: هل كنا نفكر في اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بطريقة خاطئة؟ بينما تنقل صحيفة الإيكونومست البريطانية أنه يُعتقد بأن "نحو مليوني شخص في إنجلترا، أي 4 في المئة من السكان، مصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وفقاً لمؤسسة نوفيلد ترست البحثية". ويشرح العمري أن التشخيص الخاطئ قد يعني الحصول على دواء لعلاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه المعني برفع نسبة الدوبامين، وتؤدي الأدوية المنشطة في حال كان الشخص مصاباً بالقلق على سبيل المثال وليس باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، إلى زيادة في نبضات القلب وزيادة التوتر وغيرها من الأعراض. ويقول أيضاً إن التشخيص يعتمد على خبرة المعالج النفسي وليس فقط على أسئلة الاختبار المخصصة للفحص التي تنشرها أحياناً وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تشترك أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه مع أعراض اضطرابات أخرى "مثل القلق، والاكتئاب الحاد، أو مع أعراض بعض الأمراض الجسدية الناجمة عن نقص في فيتامين ب 12 أو ب 6، أو فيتامين د". تتحدث بعض الدراسات عن أن التعرض لمقاطع الفيديو القصيرة، خاصة للأطفال بعمر صغير، يجعل قدرتهم على التركيز أقل، وكذلك الأمر بالنسبة للبالغين، مما يعني أن البعض قد يصاب بأعراض الاضطراب لأسباب بيئية وليس جينية، بمعنى أن إصابته بالأعراض لا تعني إصابته بالاضطراب، حسب العمري. وتتفق معه في ذلك الأخصائية مزهر، التي تعتقد أن كثيراً ممن يشخصون أنفسهم بسبب وسائل التواصل الاجتماعي باضطرابات نفسية مختلفة، من بينها اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، "يحرمون أنفسهم من حياة صحية". وتلفت مزهر إلى أن كل فرد من حقه أن يحصل على الوقت الكافي وعبر مختصين للتحقق من حالته الصحية، مشيرة إلى أن الإجابة على أسئلة في استبيان للاستدلال على وجود الاضطراب لا تكفي وحدها. وتوضح أنه ليس من السهل تشخيص فرط الحركة ونقص الانتباه، وخاصة عند البالغين، لأن أعراضه قد تتشابه مع أعراض أمراض أخرى مثل نقص فيتامين د أو التعرض لصدمة أو توتر مستمر، مما يرفع نسبة هرمون الكورتيزول في جسم الإنسان فيشعر أنه في حالة تأهب. ويعرف اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه بأنه "اضطراب في النمو العصبي، عادةً ما يُشخَّص لأول مرة في مرحلة الطفولة، وغالباً ما يستمر حتى مرحلة البلوغ. لكن بعض الأشخاص لا يُشخَّصون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه إلا بعد بلوغهم. وتتضمن أعراضه صعوبة في الانتباه، وصعوبة في التحكم في السلوكيات الاندفاعية، وفرط النشاط"، بحسب تعريف منصة "ميدلاين بلاس" الأمريكية. ويوضح الموقع الإلكتروني للمعهد الوطني الأمريكي للصحة العقلية أنه "من الشائع أن يُظهر الأشخاص هذه السلوكيات أحياناً. لكن الفرق أنه بالنسبة للأشخاص المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، تكون هذه السلوكيات متكررة وتحدث في مواقف متعددة، مثل المدرسة، أو المنزل، أو العمل، أو مع العائلة والأصدقاء". هل هو اضطراب أم اختلاف؟ صدر الصورة، Getty Images وبموجب الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، يصنف فرط النشاط ونقص الانتباه - ADHD، تحت بند الاضطرابات المتعلقة بالنمو العصبي. لكن دراسات علمية حديثة ومختصين في علم النفس توجهوا حديثاً لرفض وصف سمات شخصية مثل الاندفاعية والتشتت وعدم الانتباه بالأعراض، وفضلوا اعتبار ذلك ضمن التنوع العصبي وأن العديد من المصابين بفرط الحركة ونقص الانتباه ليسوا "ناقصين" ولا "مضطربين". يعلق العمري على ذلك قائلا: "هناك نقاش في الأوساط الطبية فيما يتعلق بما إذا كان فرط الحركة ونقص الانتباه اضطراباً أم تنوعا أو اختلافا عصبيا، أي بمعنى أنه لا يوجد فيه خلل لكن المجتمع ليس مهيئا للتعامل معه، مثل الأشخاص الذين يستخدمون يدهم اليسرى بينما غالبية الأدوات مصممة لمن يستخدمون اليد اليمنى. هذه الدراسات دفعت سارة لاستكمال علاجها سلوكياً بمساعدة مختص نفسي، لكن دون الحصول على الأدوية المخصصة لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. تتحدث مزهر أيضاً عن الدراسات التي ترفض اعتبار فرط الحركة ونقص الانتباه اضطراباً. وترى أيضاً أن البيئة الحالية لم تعد مفتوحة كما كان الحال في السابق، وهو ما يؤدي لوجود الأطفال غالبية الوقت داخل الشقق إضافة لتعلقهم بوسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، مما يؤدي لظهور أعراض فرط الحركة ونقص الانتباه. لكن وجود الأعراض لا يعني بالضرورة الإصابة بالمرض. وتضيف "يجب أن نأخذ بعين الاعتبار كل الظروف المحيطة بالشخص، فلا نأخذ جزئية فقط ونقول إنه مصاب بفرط الحركة ونقص الانتباه". وتتابع مزهر أن "السلوكيات مكتسبة، فمثلاً من الممكن أن يكون سلوكي انفعالي، لكن ورثته من عائلتي. تشخيص الحالة يجب أن يتم بشكل دقيق للغاية". وتروي قصة إحدى الحالات التي تعاملت معها، حيث كانت الأم تعتقد أنها ابنها مصاب بفرط الحركة ونقص الانتباه، لكن تبين لاحقاً أن الأم تعاني من القلق والتوتر، وهو ما انعكس سلباً على سلوكيات طفلها. جهازك لا يدعم تشغيل الفيديو Play video, "صراع مع ال ADHD", المدة 4,30 04:30 04:30 التعليق على الفيديو، صراع مع ال ADHD وفي مقال نشر عبر الموقع الإلكتروني لصحيفة نيويروك تايمز في ابريل/نيسان 2025، قالت الصحيفة إنه لا يوجد سبب وحيد للإصابة بفرط الحركة ونقص الانتباه، مشيرة إلى أنه ناجم عن تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية. وتنقل الصحيفة عن دراسات حديثة أن أدمغة المصابين قد تعمل بطريقة مختلفة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن فيها خللاً، بل هو اختلاف في نمط التفكير. وتناقش صحيفة الإيكونومست في مقالها المنشور في أكتوبر/تشرين الأول 2024، أن فرط الحركة ونقص الانتباه لا يجب أن يعامل معاملة الاضطراب. وتقول وجهة النظر التي تنقلها الصحيفة إنه في الوقت الحالي، يُعامل اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط على أنه شيء إما أن يكون لديك أو لا. هذا النهج الثنائي للتشخيص له نتيجتان: الأولى هي أن معاملة الجميع كما لو كانوا مرضى تملأ أنظمة الرعاية الصحية... أما النتيجة الثانية، فتتمثل في التعامل مع الاضطراب على أنه خلل وظيفي يحتاج إلى علاج. وهذا يؤدي إلى إهدار هائل للإمكانات البشرية". وتضيف الصحيفة أن "إجبار نفسك على التكيف مع الوضع الطبيعي أمر مرهق، وقد يسبب القلق والاكتئاب. ومن الأجدى والأرخص تعديل الفصول الدراسية وأماكن العمل بما يتناسب مع التنوع العصبي". لماذا يريد البعض أن يكون مصاباً بفرط الحركة ونقص الانتباه؟ صدر الصورة، Getty Images ويلفت الطبيب محمد العمري إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في أن تصبح هناك هالة خاصة بالمصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، إذ يوصفون بالمرح أو التميز، وأصبح البعض يميل للانتماء لمجتمعات من يحملون هذا التشخيص من أجل ملاحقة "الترند". في حين تعتقد مزهر أن البعض يرغب بأن يكون مصاباً باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لتبرير بعض السلوكيات المتعلقة بعدم الانضباط. ويرى العمري أن البعض قد يسعى بين الأطباء والمختصين للحصول على تشخيص بإصابته بفرط الحركة ونقص الانتباه لأسباب متعلقة بالدراسة أو العمل، فمثلاً بعض مراجعيه كانوا من طلبة المرحلة الدراسية الثانوية في برامج دولية، في حال تبين أنهم مصابون بالاضطراب يحصلون على وقت إضافي في الامتحانات.


نافذة على العالم
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- علوم
- نافذة على العالم
أخبار العالم : "سرقة الرياح": ما هي الظاهرة الغامضة التي تهدد مزارع الرياح حول العالم؟
الأحد 11 مايو 2025 12:00 صباحاً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images Article information في ظل التوسع المستمر في إنشاء "مزارع الرياح"، قد يحدث أن تتسبب بعض هذه المزارع، دون قصد، فيما يُطلق عليه "سرقة الرياح" من مزارع أخرى، الأمر الذي قد يُثير المخاوف حيال قدرة بعض الدول على تحقيق هدف صافي انبعاثات كربونية صفرية. ومع ازدياد انتشار مزارع الرياح البحرية، أي تلك المساحات البحرية المخصصة لوضع محطات توليد الطاقة بالرياح، في شتى أرجاء العالم، في إطار السعي لتحقيق أهداف الحياد الكربوني، بدأت تبرز على السطح ظاهرة تثير القلق وتحظى باهتمام كبير، إذ قد تؤدي ظروف معينة إلى "سرقة" بعض المزارع الرياح التي تستفيد منها مزارع أخرى. ويقول بيتر باس، وهو باحث علمي في شركة "ويفل" الهولندية المتخصصة في مجال الطاقة المتجددة والتنبؤ بالأرصاد الجوية: "مزارع الرياح تُولّد الطاقة عن طريق تيارات الهواء، وهذه العملية تؤدي بطبيعتها إلى تراجع سرعة الرياح". ويضيف أن الرياح تتباطأ سرعتها خلف كل توربين داخل المزرعة، مقارنةً بسرعة الرياح أمامه، وأيضاً تتباطأ خلف المزرعة بأكملها مقارنةً بالرياح التي تهب من أمامها"، وتُعرف هذه الظاهرة باسم "تأثير الذيل الهوائي". بعبارة أخرى بسيطة، تستخلص التوربينات الدوّارة في مزارع الرياح الطاقة من تلك التيارات الهوائية، ما يؤدي إلى تكوين ذيل هوائي يُضعف سرعة الرياح خلف المزرعة، ويمكن أن يمتد هذا الذيل الهوائي لمسافة تتجاوز 100 كيلومتر في حالة المزارع البحرية الكبيرة والكثيفة، وتحت ظروف جوية معينة، بيد أن باحثين يقولون إن الامتداد المعتاد لهذا الذيل غالباً يبلغ عشرات الكيلومترات. صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، يمكن أن تمتد موجة الرياح الناتجة عن توربينات الرياح لأكثر من 100 كيلومتر وتشير دراسات إلى أنه في حالة إنشاء مزرعة في اتجاه الرياح قبل مزرعة رياح أخرى، فإنها قد تُضعف إنتاج الطاقة بالنسبة للمزرعة التي تقع في اتجاه الرياح بنحو 10 في المئة أو أكثر. ويُطلق على هذه الظاهرة عموما مصطلح "سرقة الرياح"، بيد أن إيريك فينسرواس، محامٍ نرويجي متخصص في طاقة الرياح البحرية، يقول: "مصطلح (سرقة الرياح) قد يكون مضللاً إلى حد ما، إذ لا يمكن سرقة ما لا يمكن تملّكه، فالرياح ليست ملكاً لأحد". وعلى الرغم من ذلك، يلفت إلى أن هذه الظاهرة قد تترتب عليها آثار سلبية متعددة على الشركات المطوّرة في قطاع مزارع الرياح، وقد تتسبب، في بعض الحالات، في حدوث مشكلات تمتد عبر الحدود الوطنية". جدير بالذكر أن هناك بالفعل عدداً من النزاعات القائمة بين شركات قطاع مزارع الرياح بشأن ما يُشتبه بأنه "سرقة للرياح"، الأمر الذي يُثير مخاوف الدول التي تعوّل على توسيع مشاريع الرياح البحرية لتحقيق أهدافها المناخية الصفرية. وعلى الرغم من أن ظاهرة "سرقة الرياح" كانت معروفة نظرياً منذ فترة طويلة، إلا أن حدّتها تزداد في الوقت الراهن نظراً للتوسع السريع في مزارع الرياح البحرية، ولضخامة حجم هذه المشروعات وكثافتها، وفقاً لما يؤكده الخبراء. وبحسب محاكاة أجراها بيتر باس بالتعاون مع باحثين من جامعة "دلفت" للتكنولوجيا والمعهد الملكي الهولندي للأرصاد الجوية، من المتوقع أن يزداد تأثير الذيل الهوائي على إنتاج الطاقة البحرية في بحر الشمال خلال العقود المقبلة، وذلك نتيجة تزايد الاكتظاظ بمزارع الرياح في هذه المنطقة التي تشهد طفرة في التوسع البحري. ويؤكد باس أن كلما كانت مزرعة الرياح أكبر وأكثر كثافة، كان تأثير الذيل الهوائي أقوى. صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، تعمل الدول على تكثيف استخدام طاقة الرياح البحرية، مما يؤدي إلى نزاعات بين مطوري مزارع الرياح بشأن "سرقة الرياح" وأُطلق مشروع بحثي جديد في المملكة المتحدة الشهر الماضي، يهدف إلى تقديم صورة أوضح عن تأثير الذيل الهوائي، وذلك بغية مساعدة الحكومات والشركات المطوّرة في تحسين استراتيجياتها وتفادي النزاعات المستقبلية. ويلفت بابلو أورو، باحث بارز في مجال الهندسة المدنية بجامعة مانشستر والمُشرف على المشروع، إلى أن هذا المشروع سيعمل على وضع نموذج لتأثيرات الذيل الهوائي وتأثيرها على إنتاجية مزارع الرياح بحلول عام 2030، وهو الوقت الذي يُتوقع أن تحتوي فيه المياه البريطانية على آلاف التوربينات الإضافية مقارنة بالوضع الحالي. ويقول: "شهدنا تأثيرات الذيل الهوائي لعدة سنوات، وكنا على علم بحدوثها. وتكمن المشكلة في أنه من أجل الوصول إلى الحياد الكربوني، نحن بحاجة إلى نشر قدر معين من طاقة الرياح البحرية. وبالتالي، في عام 2030، نحتاج إلى ثلاثة أضعاف القدرة الحالية، الأمر الذي يعني أنه في غضون أقل من خمس سنوات، يجب علينا نشر آلاف التوربينات الإضافية". ويضيف: "بعض هذه التوربينات ستعمل على مقربة شديدة من توربينات قائمة بالفعل، مما يجعل الوضع يزداد ازدحاماً على نحو تدريجي، وبالتالي بدأت تأثيرات الذيل الهوائي تُظهر أثراً بالغاً في الوقت الراهن". وتعهدت الحكومة البريطانية بأنه بحلول عام 2030، ستتمكن المملكة المتحدة من توليد الطاقة الكافية من المصادر المتجددة، مثل الرياح، لتلبية احتياجاتها من الكهرباء. وتسلط خطة حكومية بريطانية، صدرت العام الجاري، الضوء على ضرورة فهم تأثيرات الذيل الهوائي بشكل أفضل في هذا السياق، ووصفتها بقضية ناشئة تخلق حالة من الغموض بالنسبة لمزارع الرياح البحرية. ويقول أورو إن هناك حالياً عدداً من النزاعات في المملكة المتحدة بين الشركات المطوّرة لمزارع الرياح البحرية بشأن تأثيرات الذيل الهوائي المحتملة، ويرى أن هذه النزاعات تُعزى جزئياً إلى الغموض بشأن التأثير الدقيق لهذه التيارات الهوائية. فعلى سبيل المثال، قد لا تُعبّر الإرشادات الحالية في المملكة المتحدة بشأن المسافات اللازمة لفصل مزارع الرياح البحرية لتجنب تأثيرات الذيل الهوائي، عن مدى تأثير هذه التيارات بشكل دقيق، فضلا عن ذلك وبسبب بناء مزارع الرياح البحرية في مجموعات، قد يكون من الصعب تقدير كيفية تأثير كل مزرعة على إنتاج الطاقة في مزرعة أخرى. ويوضح أورو: "عندما توجد مزرعتان للرياح، يكون من السهل جداً تقييم التفاعل بين مزرعة الرياح (أ) ومزرعة الرياح (ب)، والعكس أيضاً، لكن ماذا لو كان هناك ست مزارع رياح؟ كيف ستتفاعل هذه المزارع مع بعضها البعض؟ هذا ما لا نعرفه، ولكن من المؤكد أنه سيحدث مع التوسع المستمر في بناء مزارع الرياح". ويقول: "القضية الأخرى هي أن التوربينات أصبحت أكبر حجماً بشكل ملحوظ"، فالتوربينات أصبحت أطول، وأصبحت شفراتها أطول لزيادة قدرتها على توليد المزيد من الطاقة من الرياح. كما أن التوربينات الحديثة تحتوي على شفرات يصل طولها إلى ما يزيد على 100 متر، وهو ما يعادل طول ملعب لكرة القدم. صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، أصبحت توربينات الرياح أطول وشفراتها أكبر، في محاولة لالتقاط المزيد من الطاقة من الرياح ومن بين أكبر التوربينات البحرية، يستطيع كل توربين توليد طاقة تكفي لنحو 18 ألف إلى 20 ألف أسرة أوروبية، إلا أن هذه الزيادة في الحجم قد تؤدي إلى تفاقم تأثير الذيل الهوائي، حيث أن زيادة قُطر الدوّار قد يؤدي إلى تكوين ذيل هوائي أطول، حسبما يقول أورو، مؤكداً أن هناك حاجة للمزيد من البحث لفهم هذا التأثير. وكان فينسرواس قد أشرف على دراسة لتأثيرات الذيل الهوائي والفجوات أثناء قيامه بأبحاث الدكتوراه في جامعة بيرغن في النرويج، وركزت الدراسة على تحليل كيفية تأثير ذيل هوائي من مزرعة رياح مخطط لها في النرويج على مزرعة رياح موجودة في الدنمارك بشكل سلبي. ويحذر فينسرواس من أن عدم معالجة مشكلة إدارة تأثيرات الذيل الهوائي قد يؤدي إلى نزاعات قانونية وسياسية، مما يؤدي إلى صعوبة جذب الاستثمارات في طاقة الرياح. ويقول: "من المرجح أن يكون بحر الشمال، وخاصة بحر البلطيق، في أوروبا على الأقل، مركزاً لإنشاء مزارع رياح بحرية على نطاق أوسع. لذا فإن قضية تأثيرات الذيل الهوائي من المرجح جداً أن تؤثر على انتقال الطاقة في بحر الشمال، وفي أماكن أخرى". وعلى صعيد الفرص الاستثمارية، يمكن أن تسبب تأثيرات الذيل الهوائي الصغيرة نسبياً مشكلات للشركات المطوّرة لمزارع الرياح البحرية، كما يقول فينسرواس. ويضيف: "تكاليف بناء مزارع الرياح البحرية هائلة"، وذلك بسبب ضخامة هذه المزارع وأيضاً الأعمال المعقدة المرتبطة بها، مثل نشر السفن الخاصة، ولتبرير الاستثمار في هذا المجال وتحقيق الربح "من الضروري للغاية للشركات المطوّرة أن تكون قادرة على التنبؤ بأن المزرعة ستنتج كمية معينة من الكهرباء لمدة 25 أو 30 عاماً"، وهو العمر الافتراضي النموذجي لمزارع الرياح. ويلفت فينسرواس إلى أن حتى التراجع البسيط وغير المتوقع في تلك الطاقة المنتجة قد يخل بحسابات الاستثمار ويجعل المزرعة غير قابلة للتطبيق من الناحية المالية. ويحذر من أنه إذا حاولت الشركات المشغّلة أو الدول تجنب تأثيرات الذيل الهوائي عبر تأمين أفضل المواقع لأنفسها، فقد ينشأ خطر آخر، إذ قد تتسبب تأثيرات الذيل الهوائي في ما يعرف بـ "ظاهرة السباق نحو البحر"، أي تسريع الدول وتيرة تطوير مزارع الرياح بغية الاستفادة من أفضل موارد الرياح المتاحة حتى الآن، وقد يؤدي هذا التسريع في عملية التطوير إلى زيادة خطر إغفال جوانب أخرى هامة في تخطيط مزارع الرياح، مثل حماية البيئة البحرية. صدر الصورة، Getty Images ويرى أورو، من جامعة مانشستر، أيضاً أن هناك خطراً متزايداً من حدوث مشاكل عبر الحدود، مشيراً إلى أن "جميع الخلافات المطروحة حتى الآن في المملكة المتحدة هي بين مزارع الرياح البريطانية، ولكن ماذا لو حدث في المستقبل نزاع بين مزرعة رياح بريطانية ومزرعة رياح هولندية أو بلجيكية أو فرنسية؟ لذلك، كلما استطاعنا التنبؤ بهذه الحالة مسبقاً، وإعداد الأرضية لذلك، كان الأمر أفضل. وهذا يقلل من عدم اليقين ويحقق أكثر فائدة للصناعة". ويوصي فينسرواس الدول الأوروبية بمعالجة مشكلة سرقة الرياح من خلال التعاون والتشاور مع بعضها البعض عند تخطيط مزارع الرياح، فضلا عن وضع قوانين واضحة تساعد في إدارة الرياح كموارد مشتركة. ويقول إن الأمر في جوهره يمكن التعامل معه على أن الرياح مثلها مثل الموارد البحرية الأخرى المشتركة التي تخضع للتنظيم، مثل حقول النفط التي تعبر حدود الدول، أو الأسماك. ويضيف أنه لحل هذه المسائل المعقدة، من المفيد أن تتمتع الدول الأوروبية المعنية بعلاقات سياسية جيدة فيما بينها. ويقول: "علينا أن نلجأ إلى خفض الكربون في قطاعات الطاقة، ويجب أن يتم ذلك بسرعة كبيرة، هذا هو الطموح الذي يسعى إليه الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بسياسات الرياح البحرية". ويضيف: "لذلك، لا شك في أن كل هذا يحدث بسرعة شديدة. لكن لا يجب أن يمنعنا ذلك من إيجاد حلول جيدة لأن الأمور تحدث بسرعة"، فلا توجد مصلحة لأحد في الصراع على الرياح، بل "يوجد دافع للتعاون من أجل التوصل إلى حلول عادلة بين الدول، على الرغم من أن التوسع في إنتاج طاقة الرياح يمضي قدماً بسرعة كبيرة". وليس الاتحاد الأوروبي وحده الذي يسابق الزمن لفهم تأثيرات الذيل الهوائي بشكل أفضل، فعلى سبيل المثال، تسعى الصين إلى توسيع مزارع الرياح البحرية لديها بسرعة، وقد لفت الباحثون الانتباه إلى التأثير المتزايد للذيل الهوائي على مزارع الرياح البحرية الصينية.


نافذة على العالم
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- نافذة على العالم
أخبار العالم : هل تستطيع إسرائيل تجاهل القانون الدولي والبقاء في غزة؟
الخميس 8 مايو 2025 07:00 صباحاً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images Article information وافقت الحكومة الإسرائيلية على خطة لتوسيع هجومها العسكري على غزة واحتلال المزيد من الأراضي. وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأن مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي قرر شن "عملية عسكرية" للقضاء على حماس وإنقاذ ما تبقى من الأسرى، بينما "سينقل جميع سكان غزة البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة لحمايتهم". وقد أثارت هذه الخطوة مخاوف ونقاشاً دولياً حول عواقبها. ما هي خطة إسرائيل لغزة؟ يتضمن الاقتراح الذي أقره المجلس الأمني الإسرائيلي، يوم الأحد، "الاستيلاء" على غزة، والسيطرة على أراضيها، وتنفيذ "هجمات قوية" ضد حركة حماس، وفي الوقت نفسه حرمان الحركة من القدرة على توزيع المساعدات الإنسانية. وستؤدي هذه الحملة الموسعة إلى نقل معظم الفلسطينيين إلى جنوب غزة مع استمرار الغارات الجوية والعمليات العسكرية الأخرى. ووفقا لتقارير إعلامية إسرائيلية، ستشمل المرحلة الأولى من الخطة الاستيلاء على مناطق إضافية من غزة وتوسيع "المنطقة العازلة" التي حددتها إسرائيل على طول حدود القطاع. ويتضمن الاقتراح أيضا خطة لإيصال المساعدات عبر شركات خاصة، ما سينهي حصارا استمر شهرين، وتقول الأمم المتحدة إنه تسبب في نقص حاد في الغذاء. ويقول المنتقدون إن العمل العسكري فشل في تأمين عودة الرهائن الـ 59 المتبقين - ويُعتقد أن 24 منهم فقط على قيد الحياة - وحثوا الحكومة على إبرام اتفاق مع حماس. ولم يُحدد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساحة الأراضي التي ستسيطر عليها قواته، لكنه أكد أنها "لن تدخل وتخرج". ويُفهم أيضا أن الخطة لن تُنفذ إلا بعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة بين 13 و16 من مايو/ أيار، ما قد يوفر ما وُصف بأنه "فرصة سانحة" لحماس للموافقة على وقف إطلاق نار جديد وإطلاق سراح الرهائن. لماذا تُخشى المجاعة؟ جددت الخطة المُعلنة مؤخراً المخاوف بشأن مخاطر المجاعة في جميع أنحاء القطاع. ففي 2 مارس/ آذار، أغلقت إسرائيل جميع المعابر المؤدية إلى غزة، مانعةً دخول جميع البضائع، بما في ذلك الغذاء والوقود والأدوية، واستأنفت هجومها العسكري بعد أسبوعين، منهيةً بذلك وقف إطلاق نار دام شهرين مع حماس. وأعلنت أن هذه الخطوات تهدف إلى الضغط على حماس لإطلاق سراح الرهائن الذين لا تزال تحتجزهم. لكن الضغوط الدولية على إسرائيل تزايدت لرفع حصارها، مع تحذيرات من احتمال وقوع مجاعة جماعية وشيكة، وأن تجويع المدنيين عمدا يُعد جريمة حرب. ومؤخراً، أعلن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) استنفاد جميع مخزوناتهما من المساعدات الغذائية. صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، تتضمن الخطة مقترحات لنقل الفلسطينيين إلى جنوب غزة. ووفقاً للأمم المتحدة، يواجه السكان خطراً الجوع وسوء التغذية المتجددين، لأن المستودعات فارغة، والمخابز مغلقة، وإمدادات المطابخ المجتمعية على وشك النفاد خلال أيام. كما أدى الحصار إلى قطع إمدادات الأدوية الأساسية واللقاحات والمعدات الطبية التي يحتاجها نظام الرعاية الصحية المُثقل في غزة. لكن إسرائيل أصرت مراراً وتكراراً على عدم وجود أي نقص في المساعدات في القطاع. واتهمت إسرائيل حماس بسرقة وتخزين المساعدات الإنسانية لتقديمها لمقاتليها أو بيعها لجمع الأموال. وتنفي الأمم المتحدة ووكالات أخرى تحويل مسار المساعدات، مؤكدة أن لديها آليات مراقبة صارمة. وعقب الإعلان الأخير عن خطط إيصال المساعدات عبر شركات خاصة، صرّحت الأمم المتحدة ووكالات إغاثة أخرى بأن الاقتراح يُعدّ انتهاكاً للمبادئ الإنسانية الأساسية، وأنها لن تتعاون مع مثل هكذا قرار. كيف يٌعرف القانون الدولي المجاعة؟ تحدث المجاعة عادة عندما يُعاني بلد ما من نقص حاد في الغذاء، لدرجة أن سكانه يواجهون سوء تغذية حاد أو جوعاً أو موتاً. وتُعلن الأمم المتحدة هذا الوضع عادة، بالتعاون مع حكومة ذلك البلد، وغالبا إلى جانب منظمات إغاثة دولية أو وكالات إنسانية أخرى. ويُحدد هذا الوضع باستخدام مقياس الأمم المتحدة المُسمّى "التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي" (IPC). يُصنّف هذا الشكل من نقص الغذاء - أو انعدام الأمن الغذائي - في بلد ما وفقا لخمس "مراحل" من الشدة، وتُصنّف المجاعة تبعا لتلك المراحل وتُعد المرحلة اوالمرتبة الخامسة الأسوأ. ولإعلان المجاعة رسميا، يجب أن تتحقق ثلاثة أمور في منطقة جغرافية محددة: أن يواجه ما لا يقل عن 20 في المئة من الأسر نقصا حادا في الغذاء. أن يعاني ما لا يقل عن 30 في المئة من الأطفال من سوء تغذية حاد. أن يموت شخصان بالغان أو أربعة أطفال من كل 10 ألف شخص يومياً "بسبب الجوع الشديد أو نتيجة سوء التغذية والمرض". صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، أُثيرت مخاوف بشأن مخاطر حدوث المجاعة في القطاع. ويُحظر تجويع المدنيين كأسلوب حرب بموجب القوانين الدولية المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف. وتقول الأمم المتحدة إن إسرائيل مُلزمة بموجب القانون الدولي بضمان وصول الإمدادات إلى سكان غزة، الذين نزح معظمهم. وتؤكد إسرائيل التزامها بالقانون الدولي، وأنه لا يوجد أي نقص في المساعدات. إلا أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) أدان الخطة الأخيرة للسماح بدخول إمدادات الإغاثة إلى جنوب غزة عبر مراكز يسيطر عليها الجيش، ووصفها بأنها تبدو "محاولة متعمدة لتسليح" المساعدات. وصرح مسؤول كبير في حماس لبي بي سي بأن الحركة الفلسطينية لم تعد مهتمة بمحادثات وقف إطلاق النار، في حين يواصل الإسرائيليون منع جميع عمليات تسليم المساعدات إلى غزة. ومع ذلك، أكدت إسرائيل أنها تراقب الوضع على الأرض. وأضافت أيضاً أن أكثر من 25 ألف شاحنة محملة بنحو 450 ألف طن من البضائع دخلت غزة خلال وقف إطلاق النار. وصرح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب مؤخراً بأنه أبلغ نتنياهو بأنه "يجب أن نتعامل بشكل جيد مع غزة" وحثه على السماح بدخول المزيد من الغذاء والدواء إلى القطاع. ولم يصدر أي رد رسمي على ذلك، ولكن في وقت سابق من هذا الأسبوع، رفضت وزارة الخارجية الإسرائيلية انتقادات من المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، التي وصفت الحصار بأنه "لا يُطاق" في بيان مشترك، وأصرت على "ضرورة إنهائه". كيف وصلنا إلى هنا؟ شنّ الجيش الإسرائيلي حملةً للقضاء على حماس رداً على الهجوم غير المسبوق الذي شنته حماس عبر الحدود في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والذي قُتل فيه حوالي 1200 شخص وأُخذ فيه حوالي 251 آخرون كرهائن. في المقابل، قُتل ما لا يقل عن 52,567 شخصاً في غزة منذ ذلك الحين، منهم 2,459 منذ استئناف الهجوم الإسرائيلي، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة. دخلت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار المكون من ثلاث مراحل حيز التنفيذ في يناير/ كانون الثاني، وشهدت إطلاق حماس سراح 33 رهينة مقابل إطلاق إسرائيل سراح حوالي 1900 سجين فلسطيني والسماح بدخول المساعدات وغيرها من السلع إلى قطاع غزة. ومع توقف القتال وعودة آلاف النازحين في غزة إلى ديارهم، كان من المقرر أن تبدأ حماس وإسرائيل مفاوضات لبدء المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار. واتفق الطرفان على أن تشمل مفاوضات المرحلة الثانية إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين، بالإضافة إلى الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، ما سيؤدي إلى إنهاء الحرب بشكل دائم. وقد انتهت المرحلة الأولى في 1 مارس/ آذار، لكن مفاوضات المرحلة التالية لم تُحرز أي تقدم. ما مساحة غزة ومن يسيطر عليها؟ تسيطر حماس منذ عام 2007، بشكل فعلي على حكم غزة. ويبلغ طول هذا القطاع 41 كيلومتراً بعرض يبلغ 10 كيلومترات، تحيط به إسرائيل من الشرق والجنوب بينما يحده البحر الأبيض المتوسط، الذي تسيطر عليه إسرائيل، من الشمال، أما من الشرق فتحده مصر. فازت حماس - المُصنّفة كمنظمة إرهابية من قِبل إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الحكومات الغربية الأخرى - بالانتخابات البرلمانية في الأراضي المحتلة عام 2006، وعززت نفوذها بعد إقصاء منافستها حركة فتح من القطاع.