
أخبار العالم : كيف يؤثر نظام المناوبات الليلية على الصحة النفسية؟
الأحد 25 مايو 2025 02:00 مساءً
نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images
Article information
في الوقت الذي يستعد فيه كثيرون إلى الخلود للنوم، تبدأ مناوبة عمل جديدة لآخرين، من أطباء وممرضين وصحفيين وعاملين في المطارات وعُمال مصانع ورجال أمن وغيرهم ممن يعملون وفق نظام المناوبات أو (الشفتات).
وقد يجد البعض منا أنه مضطر للعمل ضمن نظام المناوبات وفقاً لطبيعة عمله، ونظراً لذلك، فقد يكون عرضة أكثر من غيره لعدة مشاكل صحية ونفسية وعقلية، وكذلك مشاكل على مستوى حياته الشخصية والعائلية والاجتماعية نتيجة اختلاف مواعيد العمل.
منذ الثورة الصناعية، استخدمت قطاعات التصنيع والخدمات العمل وفق نظام المناوبات بهدف زيادة الإنتاجية والربحية. وقبل تسعينيات القرن الماضي، لم يكن معروفاً سوى القليل عن تأثير العمل بنظام المناوبات على صحة العاملين.
وقد وجدت دراسة في منتصف التسعينيات من خلال استخدام البيانات السريرية أن الممرضات العاملات ليلاً أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي، وازداد هذا الخطر مع عدد السنوات التي قضينها في أداء العمل بنظام المناوبات.
لذلك، هل فكرت يوماً إن كان عملك وفق نظام المناوبات أحد عوامل إصابتك بأمراض نفسية أو جسدية؟
صدر الصورة، Getty Images
ما المخاطر الجسدية والنفسية التي قد تهدد العاملين بنظام المناوبات؟
بدايةً، لا بد من معرفة المقصود بنظام المناوبات (Shift Work) والذي يعني توزيع ساعات العمل على مدار اليوم والأسبوع، إذ يتناوب الموظفون على العمل وفق مناوبات متتابعة لضمان استمرارية العمل وتلبية احتياجاته وعدم توقف عجلة الإنتاج، وتتراوح المناوبات عادة بين مناوبتين أو ثلاث في اليوم، وقد تشمل ساعات العمل الليلية أو الصباحية المبكرة، بحيث تستمر كل مناوبة لمدة 8 إلى 9 ساعات، بشرط ألا تتجاوز عدد ساعات العمل الفعلية، وفق نظام منظمة العمل المحلية والدولية.
وقد أظهرت دراسات علمية حديثة أن العمل بنظام المناوبات له آثار سلبية على الصحة النفسية والعقلية، ويزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسرطان والسمنة ومرض السكري من النوع الثاني والخرف والوفاة المبكرة بشكل عام.
ففي دراسة علمية جديدة أُجريت قبل عدة أعوام ونُشرت في مجلة علم نفس الصحة المهنية (Journal of Occupational Health Psychology) التي تصدر عن الجمعية الأمريكية لعلم النفس، أشارت إلى أن الأشخاص الذين يعملون بنظام المناوبات معرضون بنسبة أعلى للإصابة بالاكتئاب والقلق واضطرابات النوم مقارنة بالعاملين وفق نظام دوام ثابت.
صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
الساعة البيولوجية للإنسان
"الساعة البيولوجية" و"الاكتئاب" من أكبر التحديات الصحية
وهو ما يشرحه الأخصائي النفسي علي المُلقي خلال حديثه لبي بي سي قائلاً: "إن الساعة البيولوجية تتحكم في إفراز الهرمونات وتنظم عملية النوم والمزاج وعندما يُفرض على الجسم العمل في وقت الراحة الطبيعي، يتأثر نظامه بالكامل. الأمر لا يقتصر فقط على النوم، بل يشمل الذاكرة والانتباه والعلاقات الاجتماعية كذلك".
وأضاف: "إن العمل وفق نظام المناوبات له تأثيرات على الجانبين العقلي والنفسي، إذ قد ينتج عنه ضعف في القدرة على أداء المهارات اليومية بالشكل الاعتيادي ووظائف الدماغ الدنيا والعليا، مثل التركيز والتفكير والتواصل والإبداع".
وتؤكد الأخصائية النفسية نورة صلاح أن اضطراب الساعة البيولوجية للعاملين بنظام المناوبات يعد المشكلة الصحية الأكبر بقولها: "إن العمل بهذا النظام يؤدي إلى خلل في نظام النوم، إذ تتأثر الساعة البيولوجية وهي الساعة الداخلية للجسم المسؤولة عن تنظيم العمليات الجسدية والعقلية والسلوكية على مدار الساعة، بالضوء والظلام. وإن العمل بنظام المناوبات خلال الليل تحديداً يعطّل عملها، ويخل بتوازن أنظمة الجسم التي تتحكم بها". موضحة: "قد تزيد فرصة حدوث مشاكل تتمثل في قلة النوم والأرق لدى الأشخاص العاملين بنظام المناوبات وهذا كفيل بأن يُؤثر على مشاعر الشخص وتصرفاته فتجلعه عصبياً ومتوتراً، وفي حال لم يتم الانتباه لهذه المشاكل والتعامل معها أولاً بأول، فقد يزيد من احتمالية حدوث الاكتئاب لدى الأشخاص".
وخلال حوارها مع بي بي سي قالت: "هناك دراسة حديثة نُشرت في أبريل/ نيسان الماضي أظهرت أن الأشخاص العاملين بنظام المناوبات تكون جودة نومهم أقل، وقد تزداد لديهم المشاكل النفسية". مضيفة: "هناك دراسة أخرى أظهرت أن العاملين وفق هذا النظام معرضون بنسبة 30 في المئة للاكتئاب، وأن الإناث أكثر عرضة للاكتئاب بنسبة 70 في المئة، وهو ما يشير إلى العزلة نتيجة عدم قدرة من يعملون بنظام المناوبات على قضاء وقتهم مع عائلاتهم أو أصدقائهم مما ينعكس سلباً على حالتهم المزاجية والنفسية".
صدر الصورة، Getty Images
"من أجل الوفاء لمعطفي الأبيض ولقبي في ملائكة الرحمة"
ولمعرفة حقيقة ما يمكن وصفه بـ "معاناة" العاملين وفق نظام المناوبات ومحاولتهم إيجاد توازن بين طبيعة عملهم وحياتهم الخاصة، كنتُ قد أجريتُ عدداً من المقابلات مع أشخاص في قطاعات عملية مختلفة.
قالت الممرضة تُقى عقرباوي التي تحدثّت لبي بي سي: "أنا ممرضة أعمل ضمن نظام المناوبات وأحاول دوماً التوفيق بين عملي وحياتي الخاصة، إلا أنني غالباً ما أجد نفسي أضحّي من أجل الوفاء لمعطفي الأبيض ولقبي في ملائكة الرحمة، إذ إنني لا أشارك عائلتي في أبسط الأمور ومنها تناول الطعام معهم وعدم مشاركتهم في معظم المناسبات العائلية والاجتماعية حتى أنني لا أرى وجه من أعتبرهم أغلى البشر لدي بسبب تلك المناوبات الليلية المرهقة والتعب الذي يرافقني ليجعلني أنام ساعات طويلة بمجرد انتهاء المناوبة".
وأضافت: "تعد فكرة أنك المسؤول الأول عن حياة الأشخاص والتركيز للحفاظ على حياة المرضى من عدم حدوث أي خطأ طبي من العوامل التي تؤثر على حالتنا النفسية والعقلية لدرجة أنها تستنزف أرواحنا، إلى جانب عملنا وفق نظام المناوبات، إلا أنني أحاول تجاوز ذلك من خلال عدة أمور كالقيام بنشاط بدني ممتع ومفيد للتخلص من الطاقة السلبية، وأحياناً أحصل على إجازة من العمل لأجدد طاقتي، كما أن وجود زملاء عمل جيدين يسهم في مساعدتي على تجاوز التعب".
وليس ببعيد عن الممرضة عقرباوي، قال الممرض عطا عقل الذي يعمل في قسم الطوارئ بأحد المستشفيات خلال حواره مع بي بي سي: "أعمل وفق نظام المناوبات الليلية وحتى خلال العطل الرسمية، باعتباري أمثل خط الاستجابة الأول للحالات الحرجة والمفاجئة. كما أنني أعمل كمحاضر جامعي، ما يضيف بعداً أكاديمياً إلى جدولي المزدحم. وعليه أشعر أحياناً باستنزاف في طاقتي الذهنية والنفسية جرّاء الضغط المستمر والتعامل اليومي مع حالات طبية طارئة، خاصة حين يتزامن ذلك مع مسؤولياتي التدريسية".
وفي سؤالي حول إمكانيته لتحقيق التوازن بين عمله بالمناوبات وحياته، أجاب: "أعترف أن الأمر ليس سهلاً، إذ أحاول أن أضع حدوداً واضحة بين العمل الطبي والأكاديمي، وأحرص على تخصيص وقت للعائلة حتى لو تطلب ذلك التخطيط المسبق بدقة. كما أنني أمارس المشي والتأمل، وأخصص وقتاً للصمت والابتعاد عن الشاشات. كما أنني أجد في التعليم الجامعي نوعاً من التوازن، فهو يمدني بطاقة مختلفة تُكمل الجانب العلاجي من عملي".
وفي حديثه لبي بي سي قال الطبيب مهند وهو أخصائي عناية مركزة: "إن العمل وفق نظام المناوبات يؤثر سلباً على جميع مناحي الحياة، والمشكلة الأكبر تتمثل في النوم، نتيجة تغيير أوقات المناوبات إذ لا يمكنني النوم خلال أوقات العمل إلا لفترة قصيرة جداً وأقوم بتعويض ساعات النوم على حساب الوقت المخصص لعائلتي. وعلى الرغم من التعب والنعاس الشديدين بعد انتهاء فترة المناوبة فيكون من الصعب الدخول في النوم، وتكون جودة النوم سيئة جداً".
وأضاف: "إن الطريقة الوحيدة الفعالة نوعاً ما لتحقيق التوازن بين عملي في المناوبات وحياتي هي التنسيق مع زملائي حيث أقوم بوضع أكبر عدد ممكن من المناوبات في أقصر فترة ممكنة لأتمكن من الحصول على فترات بدون مناوبات، ورغم ضغط العمل في فترات معينة إلا أنني أحصل على أوقات فراغ في المقابل".
ويقف على مسافة قريبة أحمد خزاعلة الذي يعمل في مجال التحاليل الطبية، وكذلك المُعالِجة الطبيعية سارة حمد، اللذان تحدثا لبي بي سي عن شعورهما بالضغوط النفسية نتيجة العمل بنظام المناوبات: "من الصعب الفصل بين هذا النوع من نظام العمل والحياة الخاصة، ولكن لا بد من تحقيق التوازن ما أمكن عبر التواصل مع العائلة والجلوس معهم ومشاركتهم الأنشطة المختلفة في وقت الإجازة".
صدر الصورة، Getty Images
"بتُّ أفكر جدياً بترك العمل"
تحدّثت الصحفية سارة سويلم التي تعمل في أحد المواقع الإخبارية الإلكترونية عما وصفته بـ"المعاناة الحقيقية" جرّاء العمل في نظام المناوبات لبي بي سي قائلة: "أعمل في موقع إخباري في مجال إعداد وإنتاج المقابلات وتنسيق الضيوف للبرامج والأخبار والتقارير في الموقع، ورغم خبرتي الطويلة في هذا المجال، إلا أنني أعمل منذ نحو شهرين في موقع إخباري وفق نظام المناوبات التي أشعر وكأنها 20 عاماً، وليس مجرد هذه الفترة القصيرة".
وتكمل بالقول: "تولّد شعوري هذا بسبب عدم الالتزام الإداري بالمناوبات، إذ غالباً ما يجري تغيير أوقات المناوبات بشكل مفاجئ، خاصةً إذا كان أحد الزملاء متعباً أو لديه ظروف خاصة أو أن هناك علاقة جيدة تربطه بالمسؤول عن الموقع تمنحه ميزة عدم العمل بنظام المناوبات، وهذا يشكل ضغطاً كبيراً على نفسي ويُحدِث فجوة بين عملي وحياتي، خاصةً وأن لدي عائلة بحاجة للقيام بمسؤولياتي اتجاهها".
وعن التأثير النفسي لنظام العمل بالمناوبات قالت سويلم: "المناوبات العشوائية أثرت على صحتي، إذ غالباً ما أشعر بالتعب والإرهاق لعدم حصولي على ساعات نوم كافية، وأفكر باستمرار لإنجاز العمل وإتقانه.. بتُّ أفكر جدياً بترك العمل، خاصةً أنني تعوّدت العمل وفق ساعات عمل محددة وثابتة. والآن أحاول تحقيق التوازن بين عملي وحياتي الخاصة من خلال النوم لعدة دقائق كي أستعيد بها طاقتي وأجددها، وأستمع أحياناً لبعض الموسيقى بهدف الاسترخاء".
صدر الصورة، Getty Images
"أعمل بنظام الاستعداد المستمر"
خلال حوارها مع بي بي سي قالت المنسقة الإعلامية بإحدى القطاعات الصحية روضى الشريف: "عملي في المجال الإعلامي وخاصة في القطاع الطبي يقوم على التغطية المستمرة للأحداث والجولات والزيارات الرسمية، مما يتطلب التواجد في مواقع متعددة خلال أوقات غير تقليدية، قد تكون في ساعات مبكرة من الصباح أو متأخرة من الليل، فنحن نعمل بنظام الاستعداد المستمر، وغالباً ما نكون في قلب الحدث".
وأضافت: " بطبيعة الحال، العمل في بيئة دائمة الحركة تتطلب اليقظة والسرعة والدقة، ما قد يشكل ضغطاً نفسياً وعقلياً إذا لم نكن مدرَّبين على إدارة التوتر. وبالفعل هناك لحظات من الإرهاق، وهناك أوقات يشعر فيها الإنسان أنه بحاجة إلى التوقف. أحياناً يكمن التحدي في التفاصيل الصغيرة، في التوفيق بين أكثر من مسؤولية، وفي الغياب عن لحظات شخصية، لكنه تحدٍ نواجهه بحب واحترافية".
وفي سؤالي عن الخطوات التي يمكن أن تتبعها لتحقيق التوازن بين طبيعة عملها وحياتها، أجابت الشريف: "تحقيق التوازن في ظل هذا النمط من العمل ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلاً. أؤمن أن التنظيم هو مفتاح كل شيء، إذ أحرص على تخصيص وقت نوعي لعائلتي وأطفالي. كما أحرص على تخصيص وقت لنفسي سواء من خلال التأمل، أو ممارسة الرياضة أو الكتابة لأنني كاتبة روائية أيضاً".
ويتفق يزن القرعان الذي يعمل موظفاً في أحد المطارات مع روضى بقوله: "أحاول القيام بتمارين التنفس باستمرار والجلوس في مكان هادئ، كما أحرص على الحصول على قسط كافٍ من النوم لأتجنب الضغط والتوتر بسبب عملي بنظام المناوبات".
أما يحيى الذي يعمل في إدارة المنتجات الرقميّة فقال: "لا أشعر بتأثير نفسي وصحي مباشر بسبب عملي في المناوبات، لأنني أحب طبيعة عملي الذي أعتبره مسلياً وفيه نوع من الابتكار والاكتشاف والتنويع والتطوير. ورغم ذلك أحاول ترتيب أولوياتي وأحرص على التواصل مع عائلتي كلما سنحت لي الفرصة".
صدر الصورة، Getty Images
كيف يحافظ العاملون بنظام المناوبات على صحتهم؟
يتفق الأخصائيان النفسيّان علي المُلقي ونورة صلاح على عدد من النقاط التي ينصحان بها كل شخص يعمل وفق نظام المناوبات على اتباعها وهي كالتالي:
تنظيم النوم بشكل محدد، وذلك عبر المحاولة بالنوم في نفس التوقيت بعد كل مناوبة، وتوفير بيئة مظلمة وهادئة.
التعرض للضوء الطبيعي، وهو ما يساعد في إعادة ضبط الساعة البيولوجية، خاصة بعد مناوبة العمل الليلية.
توزيع المناوبات بطريقة صحية، إذ لا بد من تجنب التحول المفاجئ من مناوبة ليلية إلى نهارية والعكس.
الحفاظ على نظام غذائي متوازن، والتقليل من تناول الكافيين والسكريات خلال فترات الليل.
ممارسة النشاط البدني بانتظام، إذ يُفضل ممارسة أي نشاط رياضي لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام أسبوعياً، وذلك بهدف تحسين جودة النوم وتعزيز الصحة الذهنية.
ممارسة تمارين التنفس العميق وتمارين الاسترخاء العضلي والعقلي، وذلك لزيادة اليقظة والتركيز والنشاط.
طلب الدعم النفسي عند الحاجة وعدم التردد في مراجعة الطبيب أو الاخصائي النفسي عند ظهور مؤشرات كالإجهاد العقلي أو الاكتئاب.
ونصحت أخصائية التغذية أَوْلا دَعْنا خلال حديثها لبي بي سي أنه لضمان توازن غذائي أثناء المناوبات أن يقوم الأشخاص بالتحضير المسبق لوجباتهم في المنزل، موضحةً: "من المهم تناول وجبات منتظمة ومتوازنة تشمل الكربوهيدرات المعقدة والبروتينات والدهون الصحية كالأسماك والخضروات، إضافةً إلى شرب الماء بانتظام لتوفير الطاقة وتقليل الإحساس المستمر بالجوع. كما يُنصح بتقليل المنتجات التي تحتوي على الكافيين والأطعمة الغنية بالدهون، واختيار وجبات خفيفة تحتوي على أوميغا-3 والمغنيسيوم لما لها من تأثير مهدئ وملطف للأعصاب وأخرى تُحسّن من مستوى التركيز كالمكسرات والحليب والموز".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


نافذة على العالم
منذ 2 ساعات
- نافذة على العالم
أخبار العالم : عندما يرى العقل ما لا يراه الآخرون: هل الفُصام هو تعدّد في الشخصيات؟
الثلاثاء 27 مايو 2025 05:00 مساءً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، غالباً ما تفشل الأعمال الدرامية والسينمائية في تقديم صورة دقيقة للاضطرابات النفسية كالفصام واضطراب الهوية التفارقي، مما يُسهم في تشويه فهم الجمهور لهذه الحالات Article information Author, ظافر عبد الحق Role, بي بي سي نيوز عربي قبل 3 ساعة ماذا لو شعرت أن ذاتك تُفلت من سيطرتك لساعات دون وعي؟ أو استيقظت ذات صباح لتجد منزلك مطلياً بلونٍ جديد لم تختره؟ ماذا لو وجدت نفسك تخوض جدالاً مع أصوات لا يسمعها سواك، أو تتلقى أوامر من شخصٍ أو كائن لا يراه أحد غيرك؟ هذه ليست مشاهد من رواية تشويق أو فيلم إثارة، بل تجارب واقعية يمر بها الملايين حول العالم، ممن يعانون من حالتين نفسيتين يُساء فهمهما باستمرار في مجتمعاتنا: "الفصام" و"اضطراب تعدد الشخصيات" الذي بات يُعرف اليوم بـ"اضطراب الهوية التفارقي". بين الحكاية والعلم صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، كان إسحاق يسرق دجاجة كل يوم، مبرراً ذلك بجنية من نار تُدعى "الساكونة" تهدده بإحراق القرية إن لم يفعل ذلك. من بين حكايات أمي التي كانت ترويها لي قبل النوم، بقيت حكاية إسحاق محفورة في ذاكرتي. كانت أمي تؤكّد أنها حقيقية، ودارت أحداثها في قريتها ديراستيا - قرب نابلس، منتصف القرن العشرين. كان إسحاق يسرق دجاجة كل يوم، مبرراً ذلك بجنية من نار تُدعى "الساكونة" تهدده بإحراق القرية إن لم يفعل ذلك. وكان يأخذ أهل القرية إلى مقام وليّ يُدعى "الشيخ خاطر" ليُريهم الدجاج مذبوحاً. تقول أمي: "قرأ عليه شيخ الحارة رُقية بعدما أجمع أهل القرية أن الجنّ قد تلبّسه، لكن ذلك لم يُجْدِ نفعاً، وبقي يسرق ويذبح الدجاج حتى توفاه الله". في طفولتي، كنت أرتجف من وصف تلك الجنية. أما اليوم، فأرى القصة بعينٍ مختلفة. أدركت أن إسحاق ربّما كان صادقاً، ورأى ما أملاه عليه عقله. وعلى الرغم من تقدم الطب كثيراً مقارنة بما كان عليه قبل سبعين عاماً — حين دارت حكاية إسحاق — لا تزال مفاهيم كثيرة متعلقة بالصحة النفسية يكتنفها الغموض، ويحيط بها قدر كبير من الخلط والتبسيط الخاطئ. من أبرز هذه المفاهيم المغلوطة، الخلط بين "الفصام" و"اضطراب تعدد الشخصيات" الذي بات يُعرف اليوم بـ"اضطراب الهوية التفارقي". توضح الدكتورة مايا بزري، أخصّائية الطب النفسي في كليفلاند كلينك، لبي بي سي أن "الفُصام اضطراب ذُهاني، يتّسم بفقدان القدرة على التمييز بين الواقع والخيال، ويظهر في شكل هلوسات وأوهام، واضطراب في التفكير، إضافة إلى أعراض سلبية مثل الانسحاب الاجتماعي وفقدان الدافعية". والهلوسات هي رؤية أو سماع أشياء لا وجود لها (كجنيّة إسحاق)، أمّا الأوهام فهي معتقدات راسخة لا يزعزعها أي دليل يثبت خطأها. أما اضطراب الهوية التفارقي، فهو "ليس ذهانياً، بل اضطراب يأتي استجابة نفسية لصدمة ما، يتجلى في حضور أكثر من هوية مستقلة داخل المريض"، إلّا أن هذه الهويّات لا تفقد صلتها بالواقع — كما في الفُصام، لكنها تتبدل. هذا التمييز ليس تفصيلاً طبياً فقط، بل مدخل أساسي لفهم الفروقات بين حالتين متمايزتين كثيراً ما يخلط الناس بينهما. الفُصام - حين ينفصل العقل عن الواقع صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، يؤثر الفصام على ما يقرب من 24 مليون شخص أو 1 من كل 300 شخص (0.32 في المئة) في جميع أنحاء العالم. 1 من كل 222 شخص (0.45 في المئة) بين البالغين. (منظمة الصحة العالمية) مصطلح "فُصام" أو شيزوفرينيا جاء من كلمتين يونانيتين: "شيزو" وتعني انقسام، و"فرين" وتعني عقل. وقد يكون هذا الأصل اللغوي مسؤولاً جزئياً عن المفهوم الخاطئ المنتشر بأن الفُصام يعني "انقسام الشخصية" — بينما هو في الحقيقة أمرٌ مختلف. وبحسب منظمة الصحة العالمية، يؤثر الفصام على ما يقرب من 24 مليون شخص أو 1 من كل 300 شخص في جميع أنحاء العالم، ما يشكّل واحداً من كل 222 شخصاً بين البالغين. تروي الدكتورة بزري مثالاً من واقع عملها: "أحد مرضاي من الرجال، في العشرينات من عمره، دخل المستشفى للتو، يعتقد أن جيرانه يتحكّمون بأفكاره عبر الأقمار الصناعية، ويراقبونه بالكاميرات". وتضيف: "هذه الأوهام مثيرة للقلق له ولعائلته، وقد تؤدي إلى سلوك خطير إذا كانت الأصوات تأمره بإيذاء نفسه أو الآخرين". بالإضافة إلى الهلاوس والأوهام، يعاني مريض الفُصام من "الأعراض السلبية" التي قد تكون أقل وضوحاً من الأعراض الذهانية، لكن أثرها يبقى حاضراً في حياته. تشمل هذه الأعراض الانسحاب الاجتماعي، وفقدان الحافز، والتبلد العاطفي، وعدم العناية بالنفس، بحسب بزري — وهي الأعراض التي ربما تفسّر مظهر إسحاق المهلهل في حكاية أمي. عندما تستحوذ الهلاوس والأوهام على المريض، فإنها تطغى على وعيه وتشوه إدراكه للواقع، ليصبح عالمه الداخلي منفصلاً عن العالم المشترك الذي يراه الآخرون، وليس "منقسماً بين شخصيات مختلفة" كما يُشاع. الفُصام ليس تحولاً درامياً نحو الجنون كما تصوره بعض الأعمال الفنية أو الروايات الشعبية، بل هو تشوش في العلاقة مع الواقع، تتداخل فيه الأصوات مع الأفكار، وتتشكل فيه أوهامٌ وهلاوس لها حضور طاغٍ في وعي المريض. لعل إسحاق لم يكن مُخادعاً كما ظنه أهل قريته، ولا مُتلبّساً كما أجمعوا، بل ربما كان شاهداً مبكراً على الإدراك المضطرب للواقع الذي يرافق الفُصام. لم يكن يرى جنية حقيقية (على الأرجح)، بل كان يرى ما أملاه عليه دماغه المضّطرب. اضطراب الهوية التفارقي - عندما تصبح الهوية ملاذاً آمناً صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، تشير التقديرات، بحسب دراسة منشورة على موقع المكتبة الوطنية للطب، إلى أن اضطراب الهوية التفارقي يصيب حوالي 1.5٪ من سكان العالم. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن معدلات الانتشار يمكن أن تختلف عبر الدراسات المختلفة. أُدخلت ليندا (اسم مستعار) وهي امرأة في الأربعين من عمرها إلى المستشفى على خلفية مشاكل قانونية. فقد تبيّن أنها وقّعت عقد تأجير لأرض ورثتها ولا تتذكر عنها شيئاً. أصرّت عائلتها على أنها 'لم تكن في حالها الطبيعي' وقتها، وأن شيئاً غير معتاد كان يحدث لها. ومع مرور أيام المراقبة في المستشفى، بدأ يتضح ما قصدته عائلة ليندا. لم يكن الأمر مجرد نسيان عادي. لاحظ الفريق الطبي تبدلاً في شخصيتها. كانت أحياناً تظهر كامرأة ناضجة، مرتبة ومنظمة، تتحدث بوضوح وعقلانية. وفي أحيان أخرى، كانت تتحول إلى شخصية مختلفة تماماً؛ تتحدث بصوت طفولي، وتستخدم اسماً مختلفاً لنفسها، وتهدي الممرضين أساور صداقة، وتبحث عن الطمأنينة والدعم العاطفي. تقول الدكتورة بزري: "كانت هذه التحولات واقعية وعميقة، وليست مصطنعة أو متعمدة، والأهم أن ليندا البالغة لم تكن تتذكر شيئاً مما فعلته أو قالته ليندا الطفلة." لم تكن ليندا تعاني من فقدان صلتها بالواقع (كما يحدث في الفُصام)، بل كان عقلها قد لجأ إلى آلية دفاعية معقدة لحمايتها من الألم، كما توضّح بزري. شُخّصت ليندا باضطراب الهوية التفارقي (اضطراب تعدد الشخصية سابقاً). ينشأ هذا المرض غالباً في مرحلة الطفولة المبكرة، نتيجة صدمات شديدة مثل الإهمال أو العنف الأسري. ولأن الطفل لا يملك الأدوات النفسية الكافية لمواجهة هذا الألم، فإن عقله يلجأ إلى آلية دفاعية شديدة: تفتيت الهوية إلى ذوات متعددة، تحمل كل واحدة منها مشاعر وذكريات وتجارب مختلفة، كما تصف بزري، المختصة في الطب النفسي الجسدي والتكاملي. وقد يكون لكل من هذه الشخصيات البديلة خصائصها الفريدة: كأن تحمل كل شخصية اسماً مختلفاً، أو صوتاً مميزاً، وذاكرة منفصلة، وحتى طريقة كتابة أو خط يد خاص بها. وفي بعض الحالات، قد تختلف في السلوكيات أو حتى في الاحتياجات الجسدية، مثل حاجة إحدى الهويّات، دون غيرها، لنظارة طبية، بحسب مايو كلينيك. وإن جاز التعبير، فإن عقل المريض بهذا الاضطراب يختبئ في غرفة داخلية؛ يهرب فيها من الألم ويُغلق الباب. تشخيصان مختلفان... لكن الارتباك الثقافي مستمر صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، كثيراً ما تُقدَّم اضطرابات كالفُصام واضطراب الهوية التفارقي في الأعمال الدرامية بصورة غير دقيقة، مما يُكرّس مفاهيم مغلوطة ويُعمّق الوصمة الاجتماعية غالباً ما تفشل الأعمال الدرامية والسينمائية في تقديم صورة دقيقة للاضطرابات النفسية كالفصام واضطراب الهوية التفارقي، مما يُسهم في تشويه فهم الجمهور لهذه الحالات. يؤكّد ذلك مقال نشره موقع التحالف الوطني للأمراض العقلية، وهي منظمة أمريكية تُعنى بالمصابين بأمراض نفسية وعقلية. كثيراً ما تُقدَّم اضطرابات كالفُصام واضطراب الهوية التفارقي في الأعمال الدرامية، لا سيما في هوليوود، بصورة غير دقيقة، مما يُكرّس مفاهيم مغلوطة ويُعمّق الوصمة الاجتماعية. إذ يُختزل اضطراب الهوية التفارقي، في كثير من الأحيان، إلى تحوّلات مسرحية بين شخصيات متضادة، أو يُصوَّر كحالة مرتبطة بالعنف أو السلوك الإجرامي. أما الفُصام، فنادراً ما يظهر في الإعلام دون أن يُقرَن بالعنف أو السلوك غير المتوقع، وهي صورة تعتبرها منظمات الصحة النفسية "مجحفة وموصِمة". فمرضى الفصام عرضة أن يكونوا ضحايا للعنف لا مسببين له. ويُستخدم في هذا السياق مصطلحات مُسيئة وغير دقيقة، ما يُعزز الربط الخاطئ بين المرض العقلي والعنف، ويُفاقم عزلة المصابين ويجعلهم أكثر تردداً في طلب المساعدة نتيجة للوصمة. وقد يؤدي هذا الوصم أيضاً إلى فقدان البعض لوظائفهم أو تضرر علاقاتهم الاجتماعية، وفق ما يحذر منه المقال. ولا يقتصر أثر هذه الصور غير الدقيقة على المستوى الفني، بل يُشكّل حاجزاً حقيقياً أمام فهم مجتمعي منصف للاضطرابات النفسية، ويُضعف الجهود المبذولة لمكافحة الوصمة وتقديم الرعاية اللازمة لمن يحتاجونها. وتعلق برزي: "أحد مرضاي الذين عانوا من الفصام حصل على درجة الماجستير بامتياز، وأنشأ شركته الخاصة، وكل ذلك أثناء تلقيه العلاج. أذكره دائماً لأُبيّن أن الفُصام لا يعني نهاية الطموح." وهذا مثال حيّ على التصورات المغلوطة التي يبنيها الإعلام والمجتمع على حد سواء، عن المرضى النفسيين. مسارات نحو الشفاء: طرق مختلفة، ولكن إنسانية مشتركة صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، أكثر من ثلثي الأشخاص المصابين بالذهان في جميع أنحاء العالم لا يحصلون على رعاية نفسية متخصصة. (منظمة الصحة العالمية) في حين لا يوجد علاج شافٍ لمرض الفصام، يمكن السيطرة على أعراضه من خلال العلاج مدى الحياة، الذي يتضمن عادة الأدوية كعنصر رئيسي، بحسب مايو كلينك. يشكل العلاج الدوائي حجر الأساس، خاصةً الأدوية المضادة للذهان التي تُعيد التوازن في كيمياء الدماغ. تُستخدم هذه الأدوية لتخفيف الهلاوس والأوهام، وتساعد على استعادة قدر من الاستقرار الذهني والسلوكي. ويُضاف إليها العلاج النفسي (مثل العلاج السلوكي المعرفي)، والدعم الاجتماعي والتأهيلي، خصوصاً في الحالات المزمنة التي تتطلب دخول المستشفى أو إشرافاً طويل الأمد. التدخلات النفسية والاجتماعية ضرورية أيضاً، وتشمل العلاج الفردي لتحسين أنماط التفكير ومهارات التأقلم، والتدريب على المهارات الاجتماعية لتعزيز التواصل والأداء اليومي، والعلاج الأسري للدعم والتثقيف، والتأهيل المهني للمساعدة في التوظيف والحفاظ عليه، ولكنها تأتي ثانياً بعد الأدوية، بحسب مايو كلينيك. أما اضطراب الهوية التفارقي، فالمسار يكون مختلفاً. لا تُعالج الأعراض بالأدوية في المقام الأول، بل تُعالج الصدمة — الجذر النفسي العميق للحالة. وبحسب برزي فإن الأدوية قد تُستخدم لأعراض مصاحبة مثل الاكتئاب أو القلق، لكن الشفاء الحقيقي يحصل من خلال علاقة علاجية آمنة تعالج الصدمة. كلتا الحالتين إذاً تتطلبان خططاً علاجية مُركّبة، لكن المسار العلاجي لا يبدأ دائماً من المكان ذاته. ومع ذلك، يظل القاسم المشترك هو الإنسان: مريض يبحث عن الاستقرار، ويستحق الفهم لا الوصم. في قاعة المحكمة: متى يكون المريض مذنباً؟ ومتى يكون ضحية؟ صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، حوالي 4 في المئة من البالغين المسجونين في جميع أنحاء العالم لديهم طيف من اضطراب الفصام. (دراسة منشورة على موقع المكتبة الوطنية للطب) قد لا تكون الحقيقة وحدها كافية داخل قاعة المحكمة، خصوصاً عندما تُصبح "الهوية" نفسها موضع نزاع. اضطراب الهوية التفارقي، بتركيبته النفسية المعقدة، لا يثير الأسئلة الطبية فحسب، بل يُربك أحياناً معايير العدالة: من هو الجاني الفعلي؟ وهل يتحمّل المسؤولية مَن ارتكب الجريمة... إن لم يكن "هو" نفسه؟ بحسب مراجعة منشورة في دورية "فرونتيرز إن سايكولوجي" Frontiers in Psychology، ما يزال اضطراب الهوية التفارقي محل جدل واسع داخل النظام القضائي حول العالم. تختلف المحاكم في تحديد من تقع عليه المسؤولية الجنائية: فبعضها يُحاكم "الشخصية المتحكمة وقت الجريمة"، بينما تذهب أخرى لتقييم وعي "الشخصية الأصلية"، مما يفتح المجال لاجتهادات متناقضة في فهم العلاقة بين المرض والقانون. الدكتور إلياس غصوب، طبيب نفسي شرعي وأستاذ مساعد في الطب النفسي السريري في الجامعة الأمريكية في بيروت، وزميل في المجلس الأوروبي للطب النفسي، يتحدّث لبي بي سي عربي عن الفجوات في الأنظمة القضائية عالمياً وعربياً، ويؤكّد أن المرضى "عرضةٌ للعنف أكثر من كونهم ممارسين له". كما يوضّح غصوب أهمية العلاج وفعاليته، وكذلك أهمية توفير الرعاية الصحية لهم، مشيراً إلى أن "تلقي العلاج النفسي يقلل من احتمالية تكرار الجريمة". ويرى غصوب ضرورة دمج خدمات الصحة النفسية، بما في ذلك الطب النفسي والعلاج النفسي، في "المؤسسات الجنائية، لا بهدف العقوبة، بل لأغراض إعادة التأهيل"، الأمر الذي يستدعي بذل المتخصصين في الصحة النفسية جهوداً لزيادة الوعي والمعرفة بالصحة النفسية بين العاملين في الأنظمة القانونية والسياسية، بهدف حماية حقوق الأفراد الذين يعانون من أمراض نفسية. وهكذا يبقى سؤال المسؤولية النفسية في قاعات المحاكم مطروحاً — لا كمسألة جنائية فحسب، بل كسؤال إنساني يفرض نفسه، ويستدعي فهماً أعمق لحالات هؤلاء الأفراد وتقديم الدعم اللازم لهم. الفهم، لا الوصمة صدر الصورة، Getty Images مات إسحاق عند مقام "الشيخ خاطر"، حيث طالما قاد أهل قريته ليُريهم الدجاج المذبوح. في أيامه الأخيرة، لم يتراجع، بل ظلّ يناشد الناس أن يتخلّوا عن بُخلهم ويُرضوا الجنيّة. قال لهم: "حرام أن تأكل النار كل شجر الزيتون هذا، مقابل بضع دجاجات".


نافذة على العالم
منذ 14 ساعات
- نافذة على العالم
أخبار العالم : كيف يمكن التعامل مع موجات الحر المتكررة؟
الثلاثاء 27 مايو 2025 05:00 صباحاً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، موجات الحر تضرب مناطق مختلفة في العالم Article information Author, جيمس غالاغر Role, مراسل شؤون الصحة والعلوم 6 يونيو/ حزيران 2024 آخر تحديث قبل 9 ساعة ستصبح موجات الحر أكثر تكراراً مع استمرار الاحترار العالمي، وهو ما يزيد من احتمال وصول درجات الحرارة إلى مستويات خطرة. ويمكن للحر أن يؤثر على الجميع، لكن بعض الفئات الضعيفة، ككبار السن والأطفال الرضع، تواجه مخاطر أكبر بالتعرض لأذى خطير. إليكم ما تحتاجون لمعرفته حول تأثيرات الحر على الجسم وكيفية الحفاظ على البرودة. ما الذي يفعله الحر الشديد بأجسامنا؟ عندما تزداد حرارة الجسم، تتسع الأوعية الدموية، ويقود ذلك إلى انخفاض ضغط الدم ما يجعل القلب يعمل بجهد أكبر لضخ الدم إلى مختلف أجزاء الجسم، وهذا من شأنه أن يسبب أعراضاً بسيطة مثل الطفح الحراري مع الحكة أو انتفاخ الأقدام. وفي الوقت نفسه، يقود التعرق إلى فقدان السوائل والأملاح وإلى تغير توازنها المهم في الجسم. وهذا، إذا ما اجتمع مع ضغط الدم المنخفض، يمكن أن يقود إلى ما يسمى بالإنهاك الحراري، وتشمل أعراضه: الدوار الغثيان الإغماء التشنجات العضلية الصداع التعرق الشديد الإرهاق الجلد البارد والشاحب والمتعرق وإذا انخفض ضغط الدم كثيراً، يرتفع خطر الإصابة بالنوبات القلبية. لماذا تتفاعل أجسامنا بهذه الطريقة؟ تجتهد أجسامنا للحفاظ على درجة حرارة أساسية وهي حوالي 98 درجة فهرنهايت (37 درجة مئوية) سواء كنا في عاصفة ثلجية أو موجة حر. وهي درجة الحرارة التي تطورت أجسامنا لتعمل عندها. ولكن مع ارتفاع حرارة الطقس، يتعين على الجسم أن يعمل بجهد أكبر من أجل إبقاء درجة حرارته الأساسية منخفضة. فهو يعمل على فتح المزيد من الأوعية الدموية بالقرب من الجلد من أجل فقدان الحرارة والبدء بالتعرق. ومع تبخر العرق، يزداد بشكل كبير فقدان الحرارة من الجلد. صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، امرأة تحمل مظلة للاتقاء من حرارة الشمس اللاهبة في مدينة اسطنبول التركية التي تضربها موجة حر كيف أحافظ على سلامتي في الأجواء الحارة؟ مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها لديها بعض النصائح بهذا الخصوص: ارتداء ملابس ملائمة، خفيفة وفضفاضة البقاء في مكان مكيّف قدر الإمكان. وإذا لم يكن بيتك مكيفاً، فاذهب إلى مركز للتسوق أو المكتبة العامة الحد من الأنشطة الخارجية أو تغيير موعدها لوقت تكون فيه الحرارة أخف شرب الكثير من السوائل وعدم شرب الكثير من الكحول البقاء في الظل، واستخدام واق للشمس بتركيز عال من عامل وقاية الشمس والوقاية من الأشعة فوق البنفسجية، وارتداء قبعة عريضة الحواف الاعتناء بمن يعانون من أجل الحفاظ على برودة الجسم ككبار السن ومن يعانون من ظروف صحية ومن يعيشون لوحدهم عدم ترك أي أحد وبخاصة الرضع والأطفال الصغار والحيوانات في سيارة مغلقة كيف يمكنني أن أحظى بنوم جيد في الحر؟ ينصحك الخبراء أن تستخدم أغطية خفيفة وأن تقوم بتبريد جواربك بوضعها داخل الثلاجة قبل ارتدائها والتزم بالنمط الاعتيادي لموعد نومك. ما الذي يجب عليّ فعله إذا ما رأيت شخصاً يعاني من الإنهاك الحراري؟ إذا كان بالإمكان تبريد حرارة أجسامهم خلال نصف ساعة، عندها لا يكون الإنهاك الحراري خطيراً في العادة. وينصح مركز السيطرة على الأمراض في الولايات المتحدة بما يلي: انقلهم إلى مكان بارد قم بتبريد جلدهم من خلال رش الماء عليه دعهم يشربون الكثير من الماء ولكن إذا لم يتعافوا خلال 30 دقيقة، فإن ما يتبع ذلك يعد ضربة شمس. وهي حالة طبية طارئة تستوجب الاتصال برقم الطوارئ في بلدك. والأشخاص الذين يعانون من ضربة شمس قد يتوقفون عن التعرق على الرغم من أن أجسامهم ساخنة جداً. وقد تصل درجة حرارتهم إلى 104 درجة فهرنهايت (40 درجة مئوية) وقد يمرون بنوبات صرع أو يفقدون الوعي. صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، شرب الماء بكثرة يساعد على مواجهة الحر ما هي الفئات المعرضة للخطر أكثر من غيرها؟ يُعتبر كبار السن والأشخاص الذين يعانون من أمراض طويلة الأمد مثل أمراض القلب، أقل قدرة على التعامل مع الإجهاد الذي يفرضه الحر على الجسم. ويمكن أن يجعل مرض السكري الجسم يفقد الماء بسرعة أكبر ويمكن لبعض مضاعفات المرض أن تغير من حالة الأوعية الدموية ومن القدرة على التعرق. وقد يكون الأطفال وأولئك الأشخاص الأقل حركة أكثر عرضة لمخاطر الحر. ومن الممكن أن تترك أمراض الدماغ، كمرض الخرف، الأشخاص غير واعين للحر أو عاجزين عن فعل أي شيء حياله. كما أن الأشخاص المشردين يكونون أكثر عرضة لأشعة الشمس. ويواجه أولئك الذين يعيشون في شقق بالطابق العلوي درجات حرارة أعلى. هل تزيد بعض الأدوية من مخاطرالتعرض للحر؟ نعم- ولكن يتعين على الأشخاص الاستمرار في أخذ أدويتهم كالمعتاد وعليهم أن يبذلوا مجهوداً أكبر للحفاظ على البرودة والرطوبة. ويزيد عقار "ديوريتكس"- والذي يدعى أحياناً باسم "حبوب الماء"- من كمية المياه التي يطردها الجسم. ويتم تناول هذا العقار على نطاق واسع، بما في ذلك لعلاج السكتة القلبية. وفي ظل الأجواء الحارة، يعمل هذا الدواء على زيادة مخاطر الإصابة بالجفاف واختلال التوازن في المعادن الرئيسية في الجسم. ويمكن للأدوية الخافضة لضغط الدم أن تجتمع مع الأوعية الدموية التي تتمدد للتعامل مع الحر وتسبب انخفاضاً خطيراً في ضغط الدم. وبعض الأدوية المستخدمة في علاج الصرع والشلل الرعاش يمكن أن تغلق مسام التعرق فتجعل من الصعب على الجسم أن يبرد نفسه. وقد تصبح بعض الأدوية مثل "ليثيوم" و "الستاتين" أكثر تركيزاً وتسبب مشكلة في الدم إذا كان هناك فقدان كبير للسوائل. هل يمكن أن يؤدي الحر إلى الوفاة؟ يموت أكثر من 700 شخص في الولايات المتحدة كل عام بسبب الحر الشديد، وفقاً لمركز السيطرة على الأمراض الأمريكي. ومعظم حالات الوفاة تكون بسبب نوبات قلبية أو سكتات دماغية ناجمة عن الإجهاد في محاولة إبقاء درجات حرارة الجسم مستقرة. ويبدأ معدل الوفيات الأعلى بالعمل حالما يتجاوز مقياس الحرارة 77-79 درجة فهرنهايت (25-26 درجة مئوية). غير أن الدلائل تشير إلى أن الوفيات تميل لأن تكون ناجمة عن درجات حرارة أعلى في الربيع وأوائل الصيف وليس في "أوج الصيف". وقد يكون هذا مرده إلى أننا نبدأ بتغيير سلوكياتنا اليومية مع زحف الصيف ونصبح أكثر اعتياداً على التعامل مع الحر.


نافذة على العالم
منذ يوم واحد
- نافذة على العالم
أخبار العالم : الرضيعة سوار: رحلة معاناة توثّق الجوع والحصار في غزة
الاثنين 26 مايو 2025 02:00 مساءً نافذة على العالم - التعليق على الصورة، الرضيعة سوار عاشور Article information في قطاع غزة، يصطف السكان في طوابير للحصول على حصص غذائية شحيحة أو لا شيء على الإطلاق. هم اعتادوا على زميلي وكاميراته، وهو يُصوّر لبي بي سي. يوثّق جوعهم، وموتهم، ولفّ أجسادهم - أو أجزاء منها - بلطف بأكفان بيضاء كُتبت عليها أسماؤهم، إن وُجدت. على مدار 19 شهراً من الحرب، والآن في ظل هجوم إسرائيلي متجدد، استمع هذا المصور الصحفي في غزة - الذي لن أذكر اسمه حفاظاً على سلامته - إلى صرخات الناجين المُفجعة في ساحات المستشفيات. الغزيون يبقون في ذهنه ليلاً ونهاراً. هو واحد منهم، عالق في نفس جحيم الاختناق. هذا الصباح، انطلق للبحث عن سوار عاشور، طفلة عمرها خمسة أشهر، أثّر فيه جسدها الهزيل وبكاؤها المنهك في مستشفى ناصر بخان يونس، بشدة، عندما كان يصوّر هناك في وقت سابق من هذا الشهر، لدرجة أنه كتب لي ليخبرني أن شيئاً ما قد انكسر بداخله. كان وزنها يفوق الكيلوغرامين بقليل، في حين يُفترض أن يكون وزن طفلة عمرها خمسة أشهر حوالي 6 كيلوغرامات أو أكثر. التعليق على الصورة، تحتاج الطفلة سوار إلى حليب خاص بسبب حساسية تعانيها من الحليب العادي. سمع زميلي أن سوار قد غادرت المستشفى منذ ذلك الحين وهي الآن في منزلها. يجري بحثه في ظروف صعبة. قبل بضعة أيام، راسلتُه لأسأله عن أحواله، فأجاب "لست بخير". قبل قليل، أعلن الجيش الإسرائيلي إخلاء معظم مناطق خان يونس... لا نعرف ماذا نفعل - لا يوجد مكان آمن نذهب إليه. وأضاف: "منطقة المواصي مكتظة للغاية بالنازحين. نحن تائهون، ولا ندري ما هو القرار الصحيح في هذه اللحظة". وجد خيمة بغرفة نوم واحدة، مدخلها ستارة رمادية وسوداء بنقوش زهرية. في الداخل، ثلاث مراتب، وجزء من خزانة أدراج، ومرآة تعكس ضوء الشمس على الأرض أمام سوار ووالدتها نجوى وجدتها ريم. التعليق على الصورة، تعاني والدة سوار، نجوى، وجدتها ريم، من قلة الإمدادات. سوار هادئة، يحميها وجود أمها بجوارها. لا تستطيع الطفلة امتصاص حليب الأطفال العادي بسبب رد فعل تحسسي شديد. في ظل ظروف الحرب والحصار الإسرائيلي على وصول المساعدات، هناك نقص حاد في حليب الأطفال الذي تحتاجه. تشرح نجوى، البالغة من العمر 23 عاماً، أن حالتها استقرت عندما كانت في مستشفى ناصر، لذلك سمح لها الأطباء بتسليمها علبة حليب أطفال قبل عدة أيام. الآن في المنزل، تقول إن وزن الطفلة بدأ بالنقصان. "أخبرني الأطباء أن سوار تحسنت وأصبحت أفضل من ذي قبل، لكنني أعتقد أنها لا تزال نحيلة ولم تتحسن كثيراً. وجدوا لها علبة حليب واحدة فقط، وبدأت تنفد". تقول نجوى، بينما يتراقص الذباب أمام وجه سوار، "الوضع حرِجٌ للغاية، الحشرات تهاجمها، عليّ أن أغطيها بوشاح حتى لا يمسها شيء". تعيش سوار مع أصوات الحرب منذ ولادتها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. المدفعية، الصواريخ، القنابل المتساقطة - البعيدة والقريبة. إطلاق النار، وضجيج طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي تحلّق في السماء. توضّح نجوى أن سوار تفهم ما يحدث حولها: فصوت الدبابات والطائرات الحربية والصواريخ عالٍ جداً، وهي قريبة منها. عندما تسمع سوار هذه الأصوات، تفزع وتبكي. وإذا كانت نائمة، تستيقظ مذعورة. يقول الأطباء في غزة إن العديد من الأمهات الشابات يُبَلّغنَ عن عدم قدرتهن على إرضاع أطفالهن رضاعة طبيعية، بسبب نقص التغذية. المشكلة المُلِحّة تكمُن في الغذاء والمياه النظيفة الصالحة للشرب. عانت نجوى أيضاً من سوء التغذية عند ولادة سوار. ولا تزال هي ووالدتها ريم تجدان صعوبة في الحصول على طعام. وتقول: "لا يمكننا توفير الحليب أو الحفاضات بسبب الأسعار وإغلاق الحدود". في 22 مايو/أيار، أكدت هيئة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق - وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن الشؤون المدنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة - عدم وجود نقص في الغذاء في غزة. وأضافت أن "كميات كبيرة من أغذية الأطفال والدقيق للمخابز" أُدخلت إلى القطاع في الأيام الأخيرة. التعليق على الصورة، تحدثت وكالات الإغاثة عن نقص الغذاء في غزة. وتصر الهيئة مراراً وتكراراً على أن حماس "تسرق المساعدات"، بينما تقول الحكومة الإسرائيلية إن الحرب ستستمر حتى تدمير حماس وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة. ووفقاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يُعتقد أن 20 رهينة احتجزتهم حماس في هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ما زالوا على قيد الحياة، وأن ما يصل إلى 30 آخرين قد قُتلوا. لكن وكالات الإغاثة والأمم المتحدة والعديد من الحكومات الأجنبية، بما في ذلك بريطانيا، رفضت تصريح مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق، بأنه لا يوجد نقص في الغذاء. كما أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تحدث عن وجود "جِياع" في غزة. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، كمية المساعدات التي سمحت إسرائيل بدخولها إلى غزة بأنها "قليلة جداً". وقال غوتيريش إن الفلسطينيين "يتحملون ما قد يكون أقسى مرحلة في هذا الصراع الوحشي" مع نقص إمدادات الوقود والمأوى والغاز والمياه النقية. ووفقاً للأمم المتحدة، فإن 80 في المئة من غزة الآن إما منطقة عسكرية إسرائيلية أو منطقة مهددة بالقصف. إن الإنكار والتعبير عن القلق والإدانات واللحظات التي بدت وكأنها نقاط تحوُّل، كلها مرّت واختفت طوال هذه الحرب. الثابت الوحيد، هو معاناة سكان غزة - البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، مثل نجوى وابنتها سوار.