logo
#

أحدث الأخبار مع #Howl

جدلية الأداء والتأويل في الشعر
جدلية الأداء والتأويل في الشعر

النهار

time١٢-٠٢-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • النهار

جدلية الأداء والتأويل في الشعر

العربي الحميدي - المغرب التباين بين شاعر الإلقاء محمود درويش وشاعر المعنى د. محمد حلمي الريشة. أيّهما أولى الأداء أم العمق الدلالي؟ بين شاعر الإلقاء وشاعر المعنى، أقف كقارئ ومتلقٍّ أمام تجربتين مختلفتين: إحداهما تسحره بالأداء الصوتي والإيقاعي، كما في تجربة محمود درويش، والأخرى تأخذه إلى عمق الدلالة والتأويل، كما في شعر د. محمد حلمي الريشة. وهذا لا يعني أن درويش يفتقر إلى المعنى، ولا أن الريشة يفتقر إلى الجمالية الصوتية، بل يكمن الفرق في الأولوية التي يمنحها كل شاعر لهويته الإبداعية. في الغالب ينجذب الجمهور العام إلى شاعر الإلقاء بسبب التأثير المباشر للصوت والإيقاع، بينما يجد القارئ المتأمل في نصوص د. محمد حلمي الريشة تجربة أكثر تحديًا وتأملًا. وبين هاتين التجربتين، يظل الشعر فنًّا عصيًّا على التعريفات، يفتح لكل دارسٍ وقارئٍ ومتلقٍّ أفقه الخاص في التفاعل معه. تمثل تجربة كلٍّ من محمود درويش وحلمي الريشة نموذجين متباينين في التعاطي مع الشعر، حيث يختلفان في الأدوات والأساليب والرؤى الجمالية التي تشكّل قصيدتيهما. فمن جهة، كان محمود درويش شاعرًا استطاع أن يجعل الإلقاء جزءًا من تجربته الإبداعية، بينما يتجه حلمي الريشة إلى الاشتغال العميق على المعنى، ليكون بذلك أكثر انشغالًا ببنية النص الداخلية وتأويلاته الممكنة. هذه الثنائية ليست حكرًا على الشعر العربي، بل نجدها في التجارب الغربية أيضًا، حيث برز شعراء جعلوا من الأداء وسيلةً لإحياء النص، وآخرون اتخذوا التأمل الفلسفي محورًا لتجربتهم الشعرية. حلمي الريشة: شاعر المعنى واستبطان اللغة يمثّل حلمي الريشة نموذجًا مختلفًا في الشعرية العربية، فهو شاعر يشتغل على المعنى في عمقه الفلسفي والدلالي، حيث تصبح القصيدة لديه مختبرًا لغويًا وفكريًا. تتسم قصيدته بكثافة المعنى، وتتطلب من القارئ جهدًا تأويليًا يتجاوز السطح المباشر للكلمات إلى مستويات متعددة من الفهم والتأمل. تشبه تجربة الريشة في كثير من جوانبها تجربة الشاعر الأميركي-البريطاني ت. س. إليوت (T. S. Eliot)، الذي تميزت قصيدته "الأرض اليباب" (The Waste Land) بتركيباتها الرمزية واستبطانها العميق للمعنى. كان إليوت يؤمن بأن القصيدة ليست مجرد انفعال لحظي، بل بناء معقد من الرموز والتأويلات، وهو ما يتقاطع مع تجربة الريشة في تعامله مع اللغة بوصفها فضاءً تأويليًا غنيًا. أما الشاعر الألماني بول سيلان (Paul Celan)، فقد تبنّى نهجًا أكثر تجريدًا واستبطانًا، حيث تعجّ نصوصه بالإشارات الفلسفية والميتافيزيقية، خاصة في قصيدته الشهيرة فوغا الموت (Todesfuge). وكما هو الحال مع حلمي الريشة، كان سيلان شاعرًا يرفض المباشرة، ويدفع بالقارئ إلى إعادة قراءة النص عدة مرات لفهم مستوياته المتعددة. محمود درويش: شاعر الإلقاء وسحر الأداء لا يمكن الحديث عن محمود درويش دون التوقف عند أدائه الشعري الاستثنائي، فقد امتلك القدرة على تحويل القصيدة إلى خطاب شفهي يأسر السامعين، ما جعله من أكثر الشعراء العرب تأثيرًا من خلال صوته قبل كلماته. اعتمد درويش على الإيقاع الموسيقي في قصيدته، وكان يجيد التحكم بنبرة صوته، متنقلًا بين الانفعال والتأمل، ليخلق تجربة شعرية تتجاوز المعنى النصي إلى تجربة حسية كاملة. تذكرنا تجربة درويش بتجربة الشاعر الأميركي ألين غينسبرغ (Allen Ginsberg)، أحد أبرز شعراء جيل البيت (Beat Generation)، الذي كان يستخدم الأداء الشفهي والموسيقى لإيصال نصوصه. قصيدته الشهيرة عواء (Howl) ليست مجرد نص مكتوب، بل تجربة صوتية ملحمية يكتسب فيها الإلقاء بُعدًا سياسيًا وثقافيًا. كان غينسبرغ يلقي شعره بإيقاع موسيقي أقرب إلى الترانيم، تمامًا كما كان درويش يخلق موسيقاه الخاصة داخل النص. قصائد درويش (المغناة) تحمل بعدًا شعريًا وأدائيًا، حيث تتحول الكلمات إلى تجربة حية عبر اللحن والصوت، ما جعل القصيدة فنًّا أدائيًا مؤثرًا يتجاوز حدود النص المكتوب. الأداء والتأويل: جدلية عالمية نرى هنا أن التمييز بين شاعر الإلقاء وشاعر الاستبطان ليس قاطعًا، بل هو طيفٌ يمتد بين الأداء الحيّ للقصيدة والنص المكتوب كفضاء للتأويل. يمثل محمود درويش وحلمي الريشة نموذجين متباينين داخل الشعر العربي، لكنّهما يعكسان جدلية عالمية أوسع نجدها في الشعر الغربي أيضًا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store