logo
#

أحدث الأخبار مع #MayaArtSpace

"محطات من رحلة" لفتاة بحمد: رهافة تحت سماء الحرب
"محطات من رحلة" لفتاة بحمد: رهافة تحت سماء الحرب

المدن

time٣٠-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • المدن

"محطات من رحلة" لفتاة بحمد: رهافة تحت سماء الحرب

تعرض الفنانة فتاة بحمد، لدى غاليري "Maya Art Space" (شارع عبد المالك، وسط بيروت)، مجموعة من الأعمال الزيتية من أحجام متوسطة وكبيرة. اختار المعرض عنوان "محطات من رحلة" Fragments of a journey، وكأن الفنانة شاءت، من خلال هذه التسمية، تبيان أن معرضها الحالي ليس سوى محطة من ضمن المحطات في مسيرتها الفنية، التي بدأت منذ أكثر من عقدين من الزمن، بعد نيلها شهادة في التصوير، وماجستير في التربية الفنية من كلية الفنون في الجامعة اللبنانية. تجدر الإشارة، بداية، وكما تفيد الفنانة، أن معظم الأعمال المعروضة كانت نُفذت قبل الحرب الأخيرة، أو شرعت بحمد في العمل عليها في ذلك الحين لتستكملها خلال الحرب. ليس من الصعب أن نتصوّر الجو النفسي والتوتر اللذين كانا من العوامل الطاغية إبان تلك الفترة، واللذين ازداد وقعهما على فتاة بحمد، نظراً لوقوع محترفها في منطقة الجنوب. على أن هذا الوضع لم ينعكس سلباً في أعمال الفنانة، كما تشير بنفسها، وكما لاحظنا نحن أيضاً، تبعاً لطبيعة اللوحات وما تحتويه من موضوعات، وحتى قبل أن نطّلع على ما إفادتنا بحمد به في هذا المجال. وإذا كان الغمّ الذي شمل الخليقة، خلال شهرين وأكثر من الحرب، وانصرافهم حينذاك إلى تدبير أمورهم بالتي هي أحسن، فليس من المستغرب، في نظرنا، أن تحيد أعمال الفنانة عن الجو العام (علماً أن المنطق التقليدي يشير إلى عكس ذلك)، وذلك استناداً إلى تجارب فنية سابقة في غير مكان من هذا العالم، الذي خاض حروباً طاحنة خلّفت دماراً وخراباً، وكان الفنانون خلالها يزاولون عملهم بحسب النهج الذي اعتبروه مناسباً، بالرغم من عدم تنكرهم للدور الذي توجب عليهم القيام به كعاملين في مجال الفن. تمسكت فتاة بحمد بسلاح الأمل، وبالسير في دروب التفاؤل، ولو بالطريقة المجازية التي تجيدها، وذلك من خلال اللون، واللون قبل سواه. إذ إننا، ومن خلال تتبعنا لمسيرة الفنانة، لا بد من ملاحظة علاقتها الوثيقة بالمادة اللونية، وإجادتها للتعامل مع حيثيات هذه المادة، وكأنها أرادت دائماً عن تبرهن لنا أن إمكانات اللون لامتناهية، على ما في هذا الحكم من بعض المبالغة. أما دواعي هذه "المبالغة"، فتعود إلى إلى الشعور الذي يمكن أن يعترينا في حال التأمل في ما تفعله فتاة بحمد. قد تخطر في بالنا كلمة رهافة، التي صرنا نفتقدها في الزمن الراهن، بعدما ضاعت معانيها في الطرقات الحافلة بالعثرات. فهذا الشعور الإنساني لم يعد من ضمن يوميات هذا الشعب المتعب، الذي تحوّلت معاناته، في بعض الأحيان، قساوةً وجلافة صرنا نرى انعكاساتهما في سلوكيات شاذة نشهدها يومياً في الشارع، وفي غير الشارع، عبر خلاف مع الآخر لأسباب تافهة أحياناً، لكنها يمكن أن تؤدي إلى عواقب مأسوية. في أعمال بحمد سنرى أثر الإنطباعية، وما بعدها. وقد نرى، أيضاً، أثراً من بيار بونار (1867- 1947)، الذي، وللمناسبة، شارك في تأسيس الجماعة ما بعد الانطباعية المسماة "النابي" Nabis (يُقال أيضاً بالعربية "النبيين")، التي هدفت إلى إبراز الألوان في أشكال مبسطة. ومع ذلك، من خلال تبجيل الانطباعيين، كان بونار سيشق طريقه الخاص بعيدًا من التيارات الطليعية التي تلته كالوحشية والتكعيبية والسريالية. وفي الحالات كلّها، ثمة عودة إلى اللون كمكوّن أساسي للعمل الفني لدى الفنانة، من دون أن يعني ذلك التخلّي عن الشكل، أي عن الرسم. تدخل بحمد في اللون من خلال ملاحظة لفتة تصويرية، ومن خلال تكوين صورة تهدف عمداً إلى أن تكون فنية. إن الاستيلاء على لون موضوع ما (حقل في الجنوب على هيئة عمل بانورامي مؤلف من قطع عديدة، أو آنية تتضمن زهوراً، أو مجرّد وسادة) وتحويله إلى عمل فني يتطلب سلسلة من الملاحظات والممارسات والتجارب. الأمر لا يتعلق بتقليد فنان معيّن، وهو أمر شبه مستحيل، بل يتعلق باقتراض بعض خصائصه التصويرية، والتأثيرات الناتجة من ذلك، من أجل خلق صور جديدة. لا يتطلب هذا العمل أي منهجية خاصة، معدّة مسبقًا، باستثناء الانغماس بشكل كامل في الفضاء الشعري الذي يبرزه الرسام من خلال اللون. فالعملية الإبداعية يمكن أن تنشأ عند العمل من لون تصويري موجود بالفعل، وبصورة صارمة، في المجال المصور، ومن ثم فإن الأمر يتعلق بالقيام في الوقت نفسه بتحليل النهج الوثائقي والبلاستيكي الذي هو على المحك. الإحساس الذي يتم اختباره، في لوحة فتاة بحمد، يصبح تجربة مزاجية في بعض الأحيان، تترك بصماتها المختلفة على القماش: التباين، التشبّع، السطوع، تأثيرات اللمس، وما إلى ذلك. هذه التأثيرات، التي تتم بطريقة معينة، تضيف الحيوية إلى لوحة الرسام. ولو شئنا الحديث في شكل عام، لقلنا أننا، في مواجهة العمل الفني (وأعمال فتاة بحمد ضمناً) يأتي الإحساس أولاً: تتحرك العين عبر القماش، وتعبره بسرعات متفاوتة، تتوقف عند التفاصيل، ويختلف الإحساس حسب المسافة بيننا وبين العمل. الصورة التي أمامنا ثابتة وقد تتطلّب من المشاهد أن يكون متحركًا، وغير متحرك بالتناوب. وإدراك العمل يتم بطريقة عفوية للغاية، وعلى الفور. إذ كما يقول الباحث الفرنسي، جاي لو سيرف، أنه لفهم عمل ما، يجب علينا أولاً وقبل كل شيء أن "نُأسر به"، أي أن ننجذب إليه. إن هذا الانخطاف، حتى من دون ضمان الفهم الكامل للمتن، متجذر في لحظة الإحساس المباشر. فمشاهدة لوحة أو عمل فني يجلب الرضا للمتلقي، فهو "يُرضي الحواس"، كما كتب ليوناردو دافنشي، ذات يوم، في مديح العين.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store