"محطات من رحلة" لفتاة بحمد: رهافة تحت سماء الحرب
تعرض الفنانة فتاة بحمد، لدى غاليري "Maya Art Space" (شارع عبد المالك، وسط بيروت)، مجموعة من الأعمال الزيتية من أحجام متوسطة وكبيرة. اختار المعرض عنوان "محطات من رحلة" Fragments of a journey، وكأن الفنانة شاءت، من خلال هذه التسمية، تبيان أن معرضها الحالي ليس سوى محطة من ضمن المحطات في مسيرتها الفنية، التي بدأت منذ أكثر من عقدين من الزمن، بعد نيلها شهادة في التصوير، وماجستير في التربية الفنية من كلية الفنون في الجامعة اللبنانية.
تجدر الإشارة، بداية، وكما تفيد الفنانة، أن معظم الأعمال المعروضة كانت نُفذت قبل الحرب الأخيرة، أو شرعت بحمد في العمل عليها في ذلك الحين لتستكملها خلال الحرب. ليس من الصعب أن نتصوّر الجو النفسي والتوتر اللذين كانا من العوامل الطاغية إبان تلك الفترة، واللذين ازداد وقعهما على فتاة بحمد، نظراً لوقوع محترفها في منطقة الجنوب. على أن هذا الوضع لم ينعكس سلباً في أعمال الفنانة، كما تشير بنفسها، وكما لاحظنا نحن أيضاً، تبعاً لطبيعة اللوحات وما تحتويه من موضوعات، وحتى قبل أن نطّلع على ما إفادتنا بحمد به في هذا المجال.
وإذا كان الغمّ الذي شمل الخليقة، خلال شهرين وأكثر من الحرب، وانصرافهم حينذاك إلى تدبير أمورهم بالتي هي أحسن، فليس من المستغرب، في نظرنا، أن تحيد أعمال الفنانة عن الجو العام (علماً أن المنطق التقليدي يشير إلى عكس ذلك)، وذلك استناداً إلى تجارب فنية سابقة في غير مكان من هذا العالم، الذي خاض حروباً طاحنة خلّفت دماراً وخراباً، وكان الفنانون خلالها يزاولون عملهم بحسب النهج الذي اعتبروه مناسباً، بالرغم من عدم تنكرهم للدور الذي توجب عليهم القيام به كعاملين في مجال الفن. تمسكت فتاة بحمد بسلاح الأمل، وبالسير في دروب التفاؤل، ولو بالطريقة المجازية التي تجيدها، وذلك من خلال اللون، واللون قبل سواه. إذ إننا، ومن خلال تتبعنا لمسيرة الفنانة، لا بد من ملاحظة علاقتها الوثيقة بالمادة اللونية، وإجادتها للتعامل مع حيثيات هذه المادة، وكأنها أرادت دائماً عن تبرهن لنا أن إمكانات اللون لامتناهية، على ما في هذا الحكم من بعض المبالغة.
أما دواعي هذه "المبالغة"، فتعود إلى إلى الشعور الذي يمكن أن يعترينا في حال التأمل في ما تفعله فتاة بحمد. قد تخطر في بالنا كلمة رهافة، التي صرنا نفتقدها في الزمن الراهن، بعدما ضاعت معانيها في الطرقات الحافلة بالعثرات. فهذا الشعور الإنساني لم يعد من ضمن يوميات هذا الشعب المتعب، الذي تحوّلت معاناته، في بعض الأحيان، قساوةً وجلافة صرنا نرى انعكاساتهما في سلوكيات شاذة نشهدها يومياً في الشارع، وفي غير الشارع، عبر خلاف مع الآخر لأسباب تافهة أحياناً، لكنها يمكن أن تؤدي إلى عواقب مأسوية.
في أعمال بحمد سنرى أثر الإنطباعية، وما بعدها. وقد نرى، أيضاً، أثراً من بيار بونار (1867- 1947)، الذي، وللمناسبة، شارك في تأسيس الجماعة ما بعد الانطباعية المسماة "النابي" Nabis (يُقال أيضاً بالعربية "النبيين")، التي هدفت إلى إبراز الألوان في أشكال مبسطة. ومع ذلك، من خلال تبجيل الانطباعيين، كان بونار سيشق طريقه الخاص بعيدًا من التيارات الطليعية التي تلته كالوحشية والتكعيبية والسريالية. وفي الحالات كلّها، ثمة عودة إلى اللون كمكوّن أساسي للعمل الفني لدى الفنانة، من دون أن يعني ذلك التخلّي عن الشكل، أي عن الرسم. تدخل بحمد في اللون من خلال ملاحظة لفتة تصويرية، ومن خلال تكوين صورة تهدف عمداً إلى أن تكون فنية. إن الاستيلاء على لون موضوع ما (حقل في الجنوب على هيئة عمل بانورامي مؤلف من قطع عديدة، أو آنية تتضمن زهوراً، أو مجرّد وسادة) وتحويله إلى عمل فني يتطلب سلسلة من الملاحظات والممارسات والتجارب.
الأمر لا يتعلق بتقليد فنان معيّن، وهو أمر شبه مستحيل، بل يتعلق باقتراض بعض خصائصه التصويرية، والتأثيرات الناتجة من ذلك، من أجل خلق صور جديدة. لا يتطلب هذا العمل أي منهجية خاصة، معدّة مسبقًا، باستثناء الانغماس بشكل كامل في الفضاء الشعري الذي يبرزه الرسام من خلال اللون. فالعملية الإبداعية يمكن أن تنشأ عند العمل من لون تصويري موجود بالفعل، وبصورة صارمة، في المجال المصور، ومن ثم فإن الأمر يتعلق بالقيام في الوقت نفسه بتحليل النهج الوثائقي والبلاستيكي الذي هو على المحك.
الإحساس الذي يتم اختباره، في لوحة فتاة بحمد، يصبح تجربة مزاجية في بعض الأحيان، تترك بصماتها المختلفة على القماش: التباين، التشبّع، السطوع، تأثيرات اللمس، وما إلى ذلك. هذه التأثيرات، التي تتم بطريقة معينة، تضيف الحيوية إلى لوحة الرسام. ولو شئنا الحديث في شكل عام، لقلنا أننا، في مواجهة العمل الفني (وأعمال فتاة بحمد ضمناً) يأتي الإحساس أولاً: تتحرك العين عبر القماش، وتعبره بسرعات متفاوتة، تتوقف عند التفاصيل، ويختلف الإحساس حسب المسافة بيننا وبين العمل. الصورة التي أمامنا ثابتة وقد تتطلّب من المشاهد أن يكون متحركًا، وغير متحرك بالتناوب.
وإدراك العمل يتم بطريقة عفوية للغاية، وعلى الفور. إذ كما يقول الباحث الفرنسي، جاي لو سيرف، أنه لفهم عمل ما، يجب علينا أولاً وقبل كل شيء أن "نُأسر به"، أي أن ننجذب إليه. إن هذا الانخطاف، حتى من دون ضمان الفهم الكامل للمتن، متجذر في لحظة الإحساس المباشر. فمشاهدة لوحة أو عمل فني يجلب الرضا للمتلقي، فهو "يُرضي الحواس"، كما كتب ليوناردو دافنشي، ذات يوم، في مديح العين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صيدا أون لاين
منذ 6 أيام
- صيدا أون لاين
ندوة حول كتاب"همس الرحيل" لـ" غنوة الدقدوقي" ضمن فعاليات معرض بيروت الدولي الـ66 للكتاب.. بهية الحريري: حوّلته الى همس اللقاء بين الشعر والطب والعلوم
برعاية رئيسة مؤسسة الحريري السيدة بهية الحريري، نظّم "اللقاء الأدبي في اقليم الخروب" وجمعية شبيبة الإعتدال والتنمية و" Amis Clac " ، ندوة حول كتاب " همس الرحيل" للدكتورة غنوة خليل الدقدوقي، والصادر عن دار الفارابي، وذلك ضمن فعاليات معرض بيروت الدولي الـ66 للكتاب في " سي سايد أرينا " على الواجهة البحرية لبيروت، وبحضور حشد من الشخصيات الرسمية والأدبية والثقافية والطبية والقانون ومن أصدقاء الكاتبة الدقدوقي. الحريري إستهلت الندوة بالنشيد الوطني، وتقديم من الدكتور يقظان التقي، وألقت السيدة الحريري كلمة بالمناسبة، فاعتبرت أن (همس الرّحيل) تحوّل مع لقائنا اليوم إلى (همس اللقاء).. وقالت : هذا ليس غريباً على الصديقة العزيزة الدكتورة غنوة الدقدوقي التي تميّزت مسيرتها الطويلة ببناء الجسور وتعزيز التلاقي بين الجامعات في دراسة الطب في الجامعة اللبنانية والجامعة العربية ومستشفى المقاصد ومستشفى الجامعة الأميركية.. ونجحت في إحياء الجمع والتلاقي بين كلّ المراكز البحثية الطبية في لبنان والمحلية والدولية .. والدكتورة غنوة نجحت أيضاً في تعميق همس اللقاء مع نقابة الأطباء واللجان الوطنية التّخصصية.. ونجحت أيضاً في همس اللقاء مع مجلس بلديتها (برجا) ومع المجتمع المدني.. والدكتور غنوة إستحقّت التّكريم والجوائز التي منحت لها. والمفارقة الإستثنائية هي القدرة على تعزيز العلاقة الخلاقة بين الطب والعلوم والشعر والآداب .. وأضافت : لقاؤنا اليوم في معرض الكتاب حول ديوان (همس الرّحيل) تحوّل بكلّ بساطة إلى همس اللقاء بين الزميلات والزملاء، الخبيرات والخبراء والأصدقاء.. ولقاؤنا اليوم حول (همس الرحيل) في هذه القاعة يلتقي مع العديد من مؤلفات الدكتورة غنوة الدقدوقي الموجودة في أكثر من جناح ودار نشر في هذا المعرض.. واعتبرت الحريري أن الدكتورة غنوة الدقدوقي هي "مثال الشخصية الخلاقة التي نجحت في مواجهة كلّ التّحديات التي إستهدفت ولا تزال الشخصية الوطنية الإبداعية في العلوم والآداب والحريات والعمل والإنتاج" .. معبرة عن اعتزازها بها وبكلّ " اللبنانيات واللبنانيين القادرات والقادرين على تحويل (همس الرحيل) إلى (همس اللقاء)..". الدقدوقي وتحدثت الدكتورة غنوة الدقدوقي، فرحبت بالمشاركين في اللقاء، واستهلت كلماتها بقراءات من كتابها ثم قالت: بين العبيد والسادة، شعرت بحمل يثقل الجبال، وعرفت رسالة تحتاج الى نبي اخير يحسن تبليغها، فالرسالة الحمل هي ثقافة المواطنية وحق المعرفة لعلاج جهل متأصل في الاجيال، اقل ما يقال فيه انه يرسم طريق النهاية لشعوب عرفت نقاط البداية ولم تتلقف آلية المثابرة والاستمرار. اضافت: بين عشق الكتابة ومحراب الطب، وبين طفولة عادية وشباب ثائر ومهنة تمتهن، وبين "حصار الكلمات" كتابي الاول ، و" همس الرحيل " كتابي العاشر، مسافة من أنا، ومرحلة من عمر لم يعرف السكون، مرحلة قرأت فيها واطلعت، كتبت فيها وألفت، علمت فيها وتعلمت، نجحت فيها وفشلت، خضت فيها المعركة البلديّة والنقابية، تقدمت فيها وتراجعت.. حاولت ان أبني في داخلي مداميك الانسانية، ايمانا بأن الانسانية هي ديانة الشرفاء". وختمت الدقدوقي بتوجيه الشكر للمشاركين فقالت: الشكر لكم لأنكم دافعي الأول للكتابة، والشكر لراعية اللقاء السيدة بهية الحريري، اخت الشهيد رفيق الحريري، الراعية في زمن يكثر فيه الرعاع ويقل فيه الرعاة. كما شكرت الدكتور يقظان التقي واعضاء اللقاء الأدبي في اقليم الخروب والفنان نبيل سعد وزملاءها الأطباء وكل المشاركين. كلمات وكان تخلل الندوة مداخلات لكل من الأديبة هدى عيد والدكتور سالم المعوش والشاعر الأستاذ نبيل الحاج والشاعر الأستاذ يوسف لحود والأستاذة زينب حمية ( رئيسة Amis Clac ) والفنان التشكيلي الأستاذ نبيل سعد ومداخلة مصورة للشاعر الأستاذ محمود سعيفان ... وفي ختام الندوة ، وقعت الكاتبة الدقدوقي كتابها " همس الرحيل" للحضور .

المدن
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- المدن
"محطات من رحلة" لفتاة بحمد: رهافة تحت سماء الحرب
تعرض الفنانة فتاة بحمد، لدى غاليري "Maya Art Space" (شارع عبد المالك، وسط بيروت)، مجموعة من الأعمال الزيتية من أحجام متوسطة وكبيرة. اختار المعرض عنوان "محطات من رحلة" Fragments of a journey، وكأن الفنانة شاءت، من خلال هذه التسمية، تبيان أن معرضها الحالي ليس سوى محطة من ضمن المحطات في مسيرتها الفنية، التي بدأت منذ أكثر من عقدين من الزمن، بعد نيلها شهادة في التصوير، وماجستير في التربية الفنية من كلية الفنون في الجامعة اللبنانية. تجدر الإشارة، بداية، وكما تفيد الفنانة، أن معظم الأعمال المعروضة كانت نُفذت قبل الحرب الأخيرة، أو شرعت بحمد في العمل عليها في ذلك الحين لتستكملها خلال الحرب. ليس من الصعب أن نتصوّر الجو النفسي والتوتر اللذين كانا من العوامل الطاغية إبان تلك الفترة، واللذين ازداد وقعهما على فتاة بحمد، نظراً لوقوع محترفها في منطقة الجنوب. على أن هذا الوضع لم ينعكس سلباً في أعمال الفنانة، كما تشير بنفسها، وكما لاحظنا نحن أيضاً، تبعاً لطبيعة اللوحات وما تحتويه من موضوعات، وحتى قبل أن نطّلع على ما إفادتنا بحمد به في هذا المجال. وإذا كان الغمّ الذي شمل الخليقة، خلال شهرين وأكثر من الحرب، وانصرافهم حينذاك إلى تدبير أمورهم بالتي هي أحسن، فليس من المستغرب، في نظرنا، أن تحيد أعمال الفنانة عن الجو العام (علماً أن المنطق التقليدي يشير إلى عكس ذلك)، وذلك استناداً إلى تجارب فنية سابقة في غير مكان من هذا العالم، الذي خاض حروباً طاحنة خلّفت دماراً وخراباً، وكان الفنانون خلالها يزاولون عملهم بحسب النهج الذي اعتبروه مناسباً، بالرغم من عدم تنكرهم للدور الذي توجب عليهم القيام به كعاملين في مجال الفن. تمسكت فتاة بحمد بسلاح الأمل، وبالسير في دروب التفاؤل، ولو بالطريقة المجازية التي تجيدها، وذلك من خلال اللون، واللون قبل سواه. إذ إننا، ومن خلال تتبعنا لمسيرة الفنانة، لا بد من ملاحظة علاقتها الوثيقة بالمادة اللونية، وإجادتها للتعامل مع حيثيات هذه المادة، وكأنها أرادت دائماً عن تبرهن لنا أن إمكانات اللون لامتناهية، على ما في هذا الحكم من بعض المبالغة. أما دواعي هذه "المبالغة"، فتعود إلى إلى الشعور الذي يمكن أن يعترينا في حال التأمل في ما تفعله فتاة بحمد. قد تخطر في بالنا كلمة رهافة، التي صرنا نفتقدها في الزمن الراهن، بعدما ضاعت معانيها في الطرقات الحافلة بالعثرات. فهذا الشعور الإنساني لم يعد من ضمن يوميات هذا الشعب المتعب، الذي تحوّلت معاناته، في بعض الأحيان، قساوةً وجلافة صرنا نرى انعكاساتهما في سلوكيات شاذة نشهدها يومياً في الشارع، وفي غير الشارع، عبر خلاف مع الآخر لأسباب تافهة أحياناً، لكنها يمكن أن تؤدي إلى عواقب مأسوية. في أعمال بحمد سنرى أثر الإنطباعية، وما بعدها. وقد نرى، أيضاً، أثراً من بيار بونار (1867- 1947)، الذي، وللمناسبة، شارك في تأسيس الجماعة ما بعد الانطباعية المسماة "النابي" Nabis (يُقال أيضاً بالعربية "النبيين")، التي هدفت إلى إبراز الألوان في أشكال مبسطة. ومع ذلك، من خلال تبجيل الانطباعيين، كان بونار سيشق طريقه الخاص بعيدًا من التيارات الطليعية التي تلته كالوحشية والتكعيبية والسريالية. وفي الحالات كلّها، ثمة عودة إلى اللون كمكوّن أساسي للعمل الفني لدى الفنانة، من دون أن يعني ذلك التخلّي عن الشكل، أي عن الرسم. تدخل بحمد في اللون من خلال ملاحظة لفتة تصويرية، ومن خلال تكوين صورة تهدف عمداً إلى أن تكون فنية. إن الاستيلاء على لون موضوع ما (حقل في الجنوب على هيئة عمل بانورامي مؤلف من قطع عديدة، أو آنية تتضمن زهوراً، أو مجرّد وسادة) وتحويله إلى عمل فني يتطلب سلسلة من الملاحظات والممارسات والتجارب. الأمر لا يتعلق بتقليد فنان معيّن، وهو أمر شبه مستحيل، بل يتعلق باقتراض بعض خصائصه التصويرية، والتأثيرات الناتجة من ذلك، من أجل خلق صور جديدة. لا يتطلب هذا العمل أي منهجية خاصة، معدّة مسبقًا، باستثناء الانغماس بشكل كامل في الفضاء الشعري الذي يبرزه الرسام من خلال اللون. فالعملية الإبداعية يمكن أن تنشأ عند العمل من لون تصويري موجود بالفعل، وبصورة صارمة، في المجال المصور، ومن ثم فإن الأمر يتعلق بالقيام في الوقت نفسه بتحليل النهج الوثائقي والبلاستيكي الذي هو على المحك. الإحساس الذي يتم اختباره، في لوحة فتاة بحمد، يصبح تجربة مزاجية في بعض الأحيان، تترك بصماتها المختلفة على القماش: التباين، التشبّع، السطوع، تأثيرات اللمس، وما إلى ذلك. هذه التأثيرات، التي تتم بطريقة معينة، تضيف الحيوية إلى لوحة الرسام. ولو شئنا الحديث في شكل عام، لقلنا أننا، في مواجهة العمل الفني (وأعمال فتاة بحمد ضمناً) يأتي الإحساس أولاً: تتحرك العين عبر القماش، وتعبره بسرعات متفاوتة، تتوقف عند التفاصيل، ويختلف الإحساس حسب المسافة بيننا وبين العمل. الصورة التي أمامنا ثابتة وقد تتطلّب من المشاهد أن يكون متحركًا، وغير متحرك بالتناوب. وإدراك العمل يتم بطريقة عفوية للغاية، وعلى الفور. إذ كما يقول الباحث الفرنسي، جاي لو سيرف، أنه لفهم عمل ما، يجب علينا أولاً وقبل كل شيء أن "نُأسر به"، أي أن ننجذب إليه. إن هذا الانخطاف، حتى من دون ضمان الفهم الكامل للمتن، متجذر في لحظة الإحساس المباشر. فمشاهدة لوحة أو عمل فني يجلب الرضا للمتلقي، فهو "يُرضي الحواس"، كما كتب ليوناردو دافنشي، ذات يوم، في مديح العين.


المنار
٠٧-٠٢-٢٠٢٥
- المنار
زاده افتتح قاعة 'إيران' للتعليم المتقدم للغة الفارسية في كلية الآداب الفرع الاول: أعداؤنا يقلقون حين يرون التقارب بين بلدينا
افتتح المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان، السيد كميل باقر زاده، قاعة 'إيران' للتعليم المتقدم للغة الفارسية في مركز اللغة الفارسية وآدابها في كلية الآداب والعلوم الإنسانية – الفرع الأول في الجامعة اللبنانية، وذلك بمناسبة الذكرى السادسة والأربعين لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، بحضور مديرة الكلية الدكتورة بادية مزبودي، ورؤساء الأقسام في الكلية، وعدد من الأساتذة والطلاب. استهلّ رئيس قسم اللغة الفارسية وآدابها، الدكتور حسن حيدر، كلمته بالقول: 'الحضارة الفارسية من أقدم الحضارات عبر التاريخ، واللغة الفارسية دليلنا إلى معرفة العمق المعرفي لهذه الحضارة'. وأضاف: 'اللغة الفارسية هي لغة العرفان، وأقرب اللغات لإيصال الإنسان إلى الله تعالى. كما أنها لغة الشعر والأدب والفن والأخلاق، وتُعدّ من اللغات الفريدة في مجال الشعر، كما يتجلّى في أشعار حافظ والفردوسي ومولانا جلال الدين البلخي، المعروف بالرومي'. من جهته، دعا المستشار الثقافي الإيراني إلى 'التعرّف على جمالية اللغة الفارسية وتراكيبها، كونها لغة العلم والمعرفة ونشر الإسلام في مختلف بقاع الأرض'، مشيرًا إلى 'الدور المهم الذي لعبته في نشر الثقافة والحضارة الإسلامية في أنحاء العالم، مثل تركيا والصين والهند، فضلًا عن مناطق غرب وشرق آسيا'. ولفت إلى أن 'اللغة الفارسية كان لها منذ فجر التاريخ دور فاعل في تعزيز التقارب بين الحضارات والثقافات والديانات'. وأضاف: 'إن أعداءنا يقلقون حين يرون هذا التقارب بين بلدين كلبنان وإيران، تربطهما علاقات ضاربة في القدم، لا سيما أن أمامنا فرصًا كبيرة لنسج تعاون فكري وثقافي يسهم في تنمية مجتمعاتنا'. وأشار إلى أن 'الصلات بين الفارسية والعربية قديمة جدًا بسبب الجوار والتقارب، حيث تتجلّى مظاهر التأثر والتأثير بين اللغتين بشكل يفوق أي لغتين عالميتين أخريين، فقد دفع هذا التفاعل الكثير من الإيرانيين إلى كتابة مؤلفاتهم باللغة العربية، ومن بينهم: بديع الزمان الهمذاني، وابن مسكويه، وابن سينا، وأبو ريحان البيروني، وغيرهم'. وأعلن أن 'المستشارية الثقافية الإيرانية ستقدّم سنويًا منحًا دراسية لاستكمال تحصيل الطلاب الذين أنهوا مرحلة الليسانس، وذلك ضمن الاتفاقات المُوقعة مع رئاسة الجامعة اللبنانية'. بدورها، رأت مديرة الكلية أن 'التأثير والتأثر بين اللغتين الفارسية والعربية واضح وجليّ'، معربة عن أملها في أن يكون لهذا المركز 'دور في إحياء العلاقات الثقافية والفكرية العريقة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولبنان'. وقالت: 'إن تعلّم اللغة الفارسية، بما تحمله من إرث حضاري، يشكّل مدخلًا فعليًا لتعزيز التواصل الثقافي والاجتماعي، ولترسيخ حضورنا الفكري بين الأمم'. كما شكرت المستشار الثقافي الإيراني على 'اهتمامه الجاد بتفعيل هذا المركز'.