منذ 3 أيام
«بدعة» التصنيف
حينما يهم المرء بدخول فندق لقضاء إجازة سعيدة، تستقبله لوحة «الـ5 نجوم» التي تزين مدخل نُزُله. هنا ينتابه شعور بالراحة وتوقع بالحصول على خدمات تنافسية. هذه النجوم ليست مزاجية بل مبنية على معايير موضوعية يمكن قياسها، وتوضع من قبل جهات مستقلة.
منذ فجر التاريخ كان لسان الناس هو «شهادة التزكية» لجودة المنتجات والخدمات، ولذلك قيل «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب» ثم خاضت البشرية تجربة جديدة للتصنيف بدأت من خلال تقييم ميشلان الفرنسي للمطاعم بعد إطارات السيارات، وقبلها تجربة إنجليزية لتصنيف السفن. لكن النقلة النوعية لتصنيف الخدمات والمنتجات جاءت من الأميركيين عام 1958، حيث موّلت شركة Mobil النفطية مشروعاً رائداً لوضع دليل سياحي أميركي لا يستند إلى المزاجية، وشمل ذلك فكرة الـ5 نجوم للفنادق والمطاعم والمنتجعات، واستمر إلى يومنا هذا، بحسب تقرير لجامعة والدن.
ذلك أنك حينما ترى الـ5 نجوم تدرك أنها منشآت فاخرة وأيقونية في تقديم خدمة مثالية. في حين أن الـ4 نجوم هي منشآت راقية تنعم بمستوى عالٍ من الخدمة والجودة، في حين أن «الموصى بها» مجرد منشآت ممتازة تقدم خدمة ومرافق جيدة.
فكرة التصنيف اجتاحت العالم، فصار لدينا تصنيف لعلامة الجودة ومسارات واضحة لنيل نياشينها. وهناك «الأيزو» الذي يصنف جودة العمليات واستدامتها.
شخصياً أرى أن التقييم يفقد مصداقيته إذا كان أسيراً لردود الفعل الغاضبة، فمَن يصب جام غضبه على الأرجح مَن عاش تجربة سيئة يريد أن يعبر عنها بالتعريض بمَن خذله. أما التقييم الأدق والمنهجي فهو ما نحتاج إليه لأنه يقام وفق أسس ومعايير متينة، ولا مانع من أخذ الوزن النسبي لرأي الناس بعين الاعتبار.
الحكومات مطالبة بتصنيف الخدمات الرائدة فيها من جهات مستقلة حتى تدب روح المنافسة في منظماتها. لِمَ لا نتوسع في فكرة تصنيف المدارس الحكومية على غرار نظام الأوفسد البريطاني الذي يشرح في صفحة واحدة رأي المقيم الخارجي في كل المدارس المحيطة ويسميها «استثنائية، وممتازة، وجيدة، وسيئة». تخيل شعور مدير مدرسة وهو يقرأ تقريراً «سيئاً» عن إدارته!
ونحتاج أيضاً إلى تعميم تجربة الغرب أول من كتب على ظهر فاتورة الكهرباء والماء والغاز معدل الاستهلاك المنزلي، مقارنة بالجيران وبالمعدل الوطني ليدرك الفرد مدى الهدر أو التوفير الذي يستحق عليه خصومات.
لِمَ لا نصنف المنظمات الخيرية التي تتحلى بمعايير حوكمة صارمة لتحفظ تبرعات الناس؟
لِمَ لا نتعلم من المصارف التي لا تخلو المرموقة منها من إدارة جودة تصنف خدمات كل فرع عبر «العميل الخفي» الذي يكتب تقييمه السري؟
التصنيف حاجة ماسة ولم يعد بدعة، وإن كان كذلك فهو «بدعة حسنة» يحتاج إليها القطاعان الخاص والعام.