logo
#

أحدث الأخبار مع #ODA

نهاية قطاع المساعدات الدولية
نهاية قطاع المساعدات الدولية

Independent عربية

time٠٨-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • Independent عربية

نهاية قطاع المساعدات الدولية

كل عقد تقريباً يضطر قطاع المساعدات الدولية إلى التحول من أجل البقاء، وخلال فترات التغيير هذه تعيد الدول المانحة هيكلة وكالاتها المعنية بتقديم المساعدات، وتقلص أو توسع موازنات المعونات، وتضغط من أجل إنشاء أو إلغاء مبادرة أو مبادرتين للأمم المتحدة. وعادة فبمجرد أن يتوافق قطاع المساعدات مع أهواء الدول المانحة تمر الأزمة بسلام وتستمر الأمور كالمعتاد، ومنذ أن بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب ولايته الثانية، وجد قطاع المساعدات نفسه عند نقطة تحول أخرى، فقد فككت إدارة ترمب "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية"، أكبر وكالة تنموية في العالم، وأنهت 86 في المئة من برامجها وأغلقت مقرها الرئيس وأنهت خدمات جميع موظفيها البالغ عددهم 10 آلاف موظف تقريباً، وفي الوقت نفسه خفضت إدارة ترمب التمويل لمختلف المبادرات المتعددة الأطراف في شأن المناخ والصحة العالمية والتعليم. ومع ذلك تختلف أزمة اليوم عن سابقاتها، فقد تكون هذه نهاية المساعدات الخارجية كما نعرفها، فعلى مدى عقود كانت التنمية الدولية، أي محاولة تحسين حياة الفقراء وإنقاذ أرواحهم، مدفوعة في الغالب بالمساعدات الخارجية التي تقدمها الحكومات الغنية، وبعض الباحثين والمحللين يسخرون من هذه العملية باعتبارها "مجمع المساعدات الصناعي" [عبارة مستوحاة من "المجمع الصناعي العسكري" وتشير إلى منظومة راسخة من المنظمات التي تعتمد اقتصادياً ومهنياً على استمرار وجود المساعدات الخارجية وتوسعها]، لكن حتى مؤيدو المساعدات الخارجية أصبحوا ينظرون إليها كصناعة، بما في ذلك في جهودهم لإصلاحها، متعاملين مع عيوبها على أنها مشكلات في كفاءة الأعمال، والآن بعد أن تحولت الحكومات في كثير من الدول الغنية بصورة حادة حاد نحو اليمين، واتخذت مواقف أكثر تشككاً في شأن المساعدات، فإن هذه الصناعة تنهار، ونتيجة لذلك سيفقد كثير من العاملين في الجمعيات الخيرية والباحثين والأكاديميين وظائفهم، والأهم من ذلك سيعاني ملايين الفقراء حول العالم. والآن يواجه أنصار التنمية الدولية خياراً، إما انتظار تغير موقف الدول المانحة لتعود لدعم المساعدات الخارجية في مرحلة ما في المستقبل البعيد، أو إعادة تصور مفهوم التنمية الدولية برمته من خلال فصله عن المساعدات وربطه بدلاً من ذلك بالتحول الصناعي، أي مساعدة الدول على التحول من زراعة الكفاف والعمالة غير الرسمية وإنتاج السلع الأولية إلى التصنيع والخدمات. في الحقيقة كان قطاع المساعدات تائهاً بالفعل، فقد أصبحت تدخلاته مشتتة للغاية، وغالباً ما فشلت في معالجة العقبات الرئيسة التي واجهتها الدول الفقيرة في سعيها إلى تطوير مهارات عمالها وبناء البنية التحتية للطاقة والنقل، والوصول إلى أسواق جديدة، إذ إن انتشال الناس من براثن الفقر في أفريقيا وجنوب آسيا وأجزاء من أميركا اللاتينية لن يُحسن حياتهم وحسب، بل سيسمح أيضاً للدول الغنية بالحفاظ على ازدهارها من خلال خلق أسواق جديدة، وقد أثبت التحول الصناعي جدارته في تحسين الاقتصادات، وإذا لم يعمل أنصار التنمية الدولية على إعادة التفكير في أساليبها وتكييفها بما يتماشى مع العصر، فإنها ستفقد أهميتها بالنسبة إلى الدول الغنية والفقيرة على حد سواء. المساعدة والتحريض السلعة الأساس في صناعة المساعدات الخارجية هي المساعدات الإنمائية الرسمية (ODA)، أي الأموال المتدفقة من الجهات المانحة إلى الحكومات أو الأفراد أو المجموعات في الأماكن الأكثر فقراً، إما بصورة مباشر، مثل دعم موازنة الحكومات المتعثرة، أو من خلال المشاريع التي تديرها منظمات مثل "أنقذوا الأطفال" Save the Children و"أوكسفام" Oxfam و"أف إتش آي 360" FHI 360، وتعتبر الحكومات في الدول الغنية المصدر الرئيس للمساعدات الإنمائية الرسمية، ووفقاً لـ "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" (OECD)، ففي عام 2023 أنفقت الحكومات 230 مليار دولار على المساعدات التنموية، مقارنة بـ 11 مليار دولار أنفقتها المؤسسات الخاصة، ومثل أية صناعة فإن مجال المساعدات الخارجية له وسطاء، ولكن في هذه الصناعة يكون دور الوسطاء واضحاً بخاصة، فالكيانات الخارجية [الوسيطة] المعروفة باسم "الشركاء المنفذين" تشمل منظمات غير حكومية دولية ومقاولين مهمين من القطاع الخاص وشركات استشارية كبرى، وإذا أرادت حكومة الولايات المتحدة مثلاً توزيع الأسمدة على صغار المزارعين في بنغلاديش، فقد تتعاقد مع شركة "كيمونكس" Chemonics، وهي شركة مقاولات تنموية مقرها الولايات المتحدة، لتنفيذ المشروع، وفي الواقع حصلت شركة "كيمونكس" عام 2023 على أكبر حصة من تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) من بين جميع المتعاقدين مع الوكالة، إذ حصلت على أكثر من مليار دولار، ومن أجل ,lالاستفادة من تأثيرات الشبكة ووفورات الحجم [خفض الكُلف من خلال زيادة العمليات أو الإنتاج أو المعروض]، يتجمع الشركاء المنفذون حول المواقع الرئيسة لإنتاج المساعدات الخارجية، أي عواصم الدول المانحة الرئيسة، برلين وجنيف ولندن وباريس وروما وواشنطن، ونتيجة لذلك توزّع نسبة ضئيلة جداً من المساعدات من خلال منظمات أو أفراد في البلدان الفقيرة. في عام 2020 تولت حكومات البلدان المستفيدة، أو الشركات القائمة في تلك البلدان، إدارة أقل من تسعة في المئة من المساعدات الأميركية، وفقاً لتشارلز كيني وسكوت موريس، الباحثين في مركز التنمية الدولية، فكثيراً ما وفر الوجود البارز للوسطاء المقيمين في الدول الغنية مادة خصبة للمنتقدين الذين يزعمون أن صناعة المساعدات تعمل بصورة غير فعالة أو حتى بصورة غير عادلة، وهناك بعض الحقيقة في هذا النقد، ووفقاً لتحليل أجرته "ديفكس" Devex، وهي مؤسسة إخبارية، فإن 47 من أكبر 50 متعاقداً مع "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" يتركزون في الولايات المتحدة. ركزت الجهود السابقة لتصحيح التشوهات في قطاع المساعدات الخارجية على محاولة الحد من الهدر وزيادة نسبة أموال المساعدات التي تصل إلى المستفيدين، فوقّعت 90 دولة على "إعلان باريس" لعام 2005 في شأن فاعلية المساعدات، وهو اتفاق شجع على إجراء إصلاحات مثل مواءمة أهداف الجهات المانحة مع أولويات الدول المستفيدة، وتنسيق مختلف التدخلات التنموية، وإشراك مزيد من الشركاء على أرض الواقع، وقد سعى مدير "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" خلال إدارة ترمب الأولى، مارك غرين، إلى تقليل اعتماد الدول المستفيدة على المساعدات الخارجية من خلال بناء قدراتها على التخطيط والتمويل وإدارة عملية تنميتها بنفسها، أما خليفة غرين، سامانثا باور، فقد سعت إلى زيادة نسبة التمويل الذي تديره المنظمات المحلية الموجودة في الدول المستفيدة إلى 25 في المئة بحلول عام 2025. لقد تغير الإجماع حول مقدار ما يجب أن تنفقه الدول الغنية على المساعدات وما ينبغي أن تعطيه الأولوية بمرور الوقت، وقرار للأمم المتحدة عام 1970 كان قد أوصى بأن تخصص الدول 0.7 في المئة من دخلها القومي الإجمالي للمساعدات الإنمائية الرسمية، ولكن اعتباراً من عام 2023 لم تحقق هذا الهدف سوى خمس دول فقط وهي الدنمارك وألمانيا ولوكسمبورغ والنروج والسويد. وفي الولايات المتحدة حافظت الإدارات الديمقراطية والجمهورية المتعاقبة على التزام واسع النطاق بالمساعدات الخارجية، على رغم احتدام الجدل أيضاً حتى داخل الصناعة نفسها، حول الهدف المناسب للمساعدات، ومنذ عام 2000، عندما وافقت 189 دولة على الأهداف الإنمائية للألفية التي وضعتها الأمم المتحدة، كان الهدف الرئيس للصناعة هو الحد من الفقر، وبعد توقيع "اتفاق باريس" عام 2015، تبنت حكومات عدة فكرة أنه يجب توجيه المساعدات أيضاً لمكافحة تغير المناخ. أزمة الإمدادات لكن خلف هذه النقاشات الأخيرة كانت هناك تحولات جذرية في السياسات والمعايير العامة التي سمحت لهذه الصناعة بالبقاء، فإذا نُظر إلى المساعدات على أنها شكل من أشكال العمل الخيري فإن الدول الغنية تبدو جهة مانحة، والدول الفقيرة جهة مستفيدة، أما إذا نُظر إلى المساعدات كصناعة فإن الدول الغنية تظهر كبائعة والدول الفقيرة تظهر كمشترية، فمن خلال مساعداتها التنموية تقدم الدول الغنية مجموعة من المشاريع والمعايير المؤسسية لتحقيق مجموعة من النتائج المتوقعة، مثل تحسين الظروف المادية في البلدان النامية، مما سيعزز في النهاية اقتصاداتها وأمنها، أو، في حال الفشل، يمنح الدول الغنية في الأقل شعوراً بأنها حاولت إحداث فرق. أما دور الدول الفقيرة فهو استهلاك هذه المشاريع التنموية على أمل تحقيق النتائج المرجوة، أو، في حال الفشل، ففي الأقل الشعور بإمكان تحقيقها يوماً ما. غير أن هذه السوق تشهد اليوم أزمة عرض غير مسبوقة، ففي أنحاء العالم أصبح الناس والساسة في الدول الغنية التي طالما آمنت بقيمة تقديم المساعدات يشككون في جدواها، ولقد شهدت صناعة المساعدات على مدى عقود دورات من الانتعاش والركود نتيجة تحولات في السياسات الداخلية في الدول المانحة، لكن ما يميز الوضع هذه المرة هو السخط المتزايد من النموذج الاقتصادي السائد ونمط المساعدات المرتبط به، فمنذ الأزمة المالية العالمية عام 2008 شهدت دول مانحة كثيرة ركوداً اقتصادياً وتباطؤاً في نمو الإنتاجية، وتراجعاً في القدرة التنافسية واتساعاً في الفجوة الطبقية [بين الأغنياء والفقراء]، وبدأ مواطنو الدول الغنية الذين لم يعودوا يشعرون بالأمان الاقتصادي يطرحون تساؤلات: لماذا تخصص الأموال العامة النادرة لقضايا خارجية بينما توجد حاجات ملحة في الداخل؟ اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وهذا الشك لا يقتصر على إدارة ترمب، فالولايات المتحدة ليست الدولة المانحة الوحيدة التي خفضت مساعداتها الخارجية، ففي عام 2024 قررت ثماني من أكبر 10 دول مانحة ضمن "لجنة المساعدات الإنمائية" التابعة لـ "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" خفض موازناتها المخصصة للمساعدات الخارجية، وأعلنت نيتها مواءمة برامج التنمية الدولية بما يتماشى مع مصالحها الوطنية، مثل اشتراط أن تستخدم المشاريع التنموية سلعاً وخدمات منتجة في الدول المانحة، وفي عام 2024 أعلنت ألمانيا، ثاني أكبر مانح للمساعدات الثنائية في العالم [المساعدات التي تقدم مباشرة من دولة مانحة إلى دولة متلقية]، خفضاً بمقدار 5.3 مليار دولار في موازنة المساعدات الخارجية، وفي فبراير (شباط) أعلنت المملكة المتحدة خفضاً بنسبة 40 في المئة في موازنة مساعداتها بهدف التركيز على الإنفاق الدفاعي، وفي مارس (آذار) 2025 صرحت هولندا أنها ستخفض 37 في المئة من مساعداتها الثنائية خلال خمسة أعوام، وستقلص مساهماتها المالية لبعض وكالات الأمم المتحدة. ويرى كثير من الناخبين اليمينيين في الدول الغنية الآن أن المساعدات الخارجية هي إهدار للمال، وتركز بصورة مفرطة على تعزيز قضايا يعتبرونها مرتبطة باليسار، مثل العمل المناخي أو المساواة بين الجنسين أو دعم الديمقراطية، وإضافة إلى ذلك أصبح الناخبون أكثر تشككاً تجاه التكنوقراط وخبراء السياسات والأكاديميين المؤيدين للمساعدات الخارجية، ونتيجة لذلك فحتى السياسيون المنتمون لليسار، مثل حكومة حزب العمال في المملكة المتحدة، أصبحوا يقلصون المساعدات استجابة للرأي العام. ووفقاً لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة "يوغوف" YouGov في فبراير 2025، فإن 65 في المئة من البريطانيين يؤيدون زيادة الإنفاق الدفاعي على حساب المساعدات الخارجية. نزف مستمر إن سرعة وحجم التغييرات في السياسات يجعلان من الأزمة التي تواجهها صناعة المساعدات مسألة وجودية، فالحكومات المانحة تدمر بسرعة سوق الجهات الفاعلة في هذه الصناعة بطرق لا رجعة فيها، وفي يناير (كانون الثاني) الماضي أصدر ترمب أمراً تنفيذياً يقضي بتجميد جميع المساعدات الخارجية الأميركية، بذريعة إتاحة المجال أمام وزير الخارجية لمراجعتها والتأكد من أنها تتماشى مع المصالح الأميركية، وفي غضون أسابيع من صدور هذا الأمر توقفت "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" (USAID)، أكبر وكالة تنمية ثنائية في العالم، عن العمل فعلياً، وأدى تدميرها إلى سلسلة من التداعيات الكارثية المتتالية، فبدأت عشرات المنظمات غير الحكومية الصغيرة والمتوسطة الحجم تغلق أبوابها، أما المنظمات الكبرى التي كانت تنفذ مشاريع لمصلحة "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" مثل "أف إتش آي 360" و"كيمونكس" و"دي آي إيه غلوبال" DAI Global، فقد أوقفت برامجها في بعض البلدان، وأعلنت إغلاق مكاتب ميدانية وسرحت مئات الموظفين حول العالم، وبدورها تعاني المنظمات المتعددة الأطراف من خفض المساعدات الأميركية، فوكالات الأمم المتحدة مثل "المنظمة الدولية للهجرة" و"برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية" (الإيدز) و"المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" و"منظمة الصحة العالمية"، تعتمد على الولايات المتحدة في تمويل يتراوح ما بين 20 و 40 في المئة، وقد اضطرت إلى تقليص حجم عملياتها أيضاً. ومن المرجح أن تتفاقم هذه الأزمة بسبب خفض التمويل المخصص للجامعات، فقد ألغت إدارة ترمب أو جمدت منحاً بحثية بمئات مليارات الدولارات كانت مخصصة لجامعات أميركية مرموقة مثل "كولومبيا" و"جونز هوبكنز" و"برينستون"، وستؤدي هذه الخفوضات إلى تقليل عدد الشباب المحترفين المدربين في مجالات التنمية، وإنهاء المشاريع التي تقيم تأثير المساعدات، وإضعاف الذاكرة المؤسسية [فقدان المؤسسات لخبرتها] المتعلقة بطريقة تصميم مشاريع المساعدات وتنفيذها وتقييمها، كما قد تنهار مجالات أكاديمية وتوعوية كاملة مثل الصحة العالمية والعمل المناخي والمساواة بين الجنسين وتعزيز الديمقراطية. وقد بدأت الآثار القصيرة الأجل لانهيار صناعة المساعدات تظهر بالفعل، لكن العواقب الطويلة الأجل لا تزال مجهولة، فالمساعدات الخارجية تمثل نسبة كبيرة من الدخل القومي الإجمالي لنحو 25 دولة من بينها بوروندي وليبيريا وملاوي وناورو والصومال وجنوب السودان واليمن، وقد شهدت هذه الدول إنهاء برامج حيوية في مجالي التعليم والصحة، ومن غير المرجح أن يتمكن المانحون من القطاع الخاص من سد هذه الفجوة، إذ إن العمل الخيري الخاص يشكل أقل من 10 في المئة من تدفقات المساعدات الخارجية السنوية التي تتابعها "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"، وعلاوة على ذلك فإن المانحين الأميركيين، سواء كانوا من الأفراد أو الشركات، والذين يشكلون أكثر من نصف الجهات المانحة الخاصة في العالم البالغ عددها 40، قد يتراجعون عن تقديم الدعم خشية التعرض لردود فعل انتقامية من الحكومة الأميركية. الثراء السريع تحول قطاع المساعدات الخارجية بسرعة إلى قطاع آيل للأفول، لكن هذا لا يعني أن على الدول الغنية التخلي كلياً عن محاربة الفقر، فمن مصلحة الدول الثرية تقليل ضغوط الهجرة من خلال تحسين اقتصادات واستقرار دول أفريقيا وأميركا اللاتينية وجنوب آسيا، ولهذا يجب على الخبراء في السياسات والمثقفين والناشطين والمحسنين والعاملين في المجال الإنساني إنقاذ التنمية الدولية من خلال فصلها عن قطاع المساعدات وربطها بإستراتيجية التحول الصناعي، وفي الواقع تصبح الدولة صناعية عندما تتبنى التكنولوجيا التي تتيح لها المكننة والرقمنة، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاج ومهارات القوى العاملة، وفي نهاية المطاف ينتقل عمال الدول الصناعية من زراعة الكفاف إلى مجالات ذات إنتاجية أعلى مثل الإلكترونيات والأدوية والتقنيات الخضراء والخدمات الرقمية، وترتبط زيادة الدخل والتوظيف في هذه المجالات الحديثة بتحولات اجتماعية مثل زيادة عدد النساء العاملات في الوظائف الرسمية، وارتفاع معدلات التحاق الفتيات بالمدارس وانخفاض حالات زواج الأطفال. لقد حولت عمليات التصنيع عدداً من المجتمعات الفقيرة سابقاً إلى مجتمعات مزدهرة، وعلى مدى مئات الأعوام أصبحت دول مثل الصين وألمانيا واليابان وبولندا وسنغافورة وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة دولاً غنية بفضل التصنيع، واليوم تشهد تايلاند وفيتنام تحولاً صناعياً بفضل الاستثمار الأجنبي المباشر في الصناعات التحويلية والبنى التحتية الجيدة للتواصل والنقل، واليد العاملة الماهرة وتوسيع فرص الوصول إلى أسواق التصدير. جزء من مشكلة قطاع المساعدات هو أن منافعه وزعت على نطاق واسع جداً عبر مجالات شتى من دون تركيز كاف على القطاعات التي تعزز الإنتاجية، ومن هذا المنطلق ينبغي لمناصري التنمية الدولية التركيز على تمكين الدول الفقيرة من الوصول إلى تمويل تنموي منخفض الكلفة للاستثمار بصورة محددة في قطاعات تربط الناس ببعضهم بعضاً، مثل الكهرباء والاتصالات والنقل الجماعي، ويجب أن يشمل التمويل التنموي جهوداً لوقف التدفقات المالية غير المشروعة، فعلى سبيل المثال تخسر الدول الأفريقية مجتمعة نحو 90 مليار دولار سنوياً بسبب فساد النخب وتهريب رؤوس الأموال بصورة غير قانونية، والتهرب الضريبي من جانب الشركات المتعددة الجنسيات، وهذا المبلغ يفوق قيمة المساعدات التي كانت الحكومات المانحة ترسلها إلى القارة سنوياً والبالغة نحو 60 مليار دولار، ويمكن الحد من هذا الهدر إذا شددت الدول الغنية تنظيماتها على الملاذات الضريبية والمراكز المالية الخارجية، وإذا عمل 138 موقّعاً على "المعاهدة الضريبية الدولية"، وهي اتفاق أُبرم عام 2023 يحدد حداً أدنى لمعدل الضريبة على الشركات الكبرى، على تسريع تنفيذها. توزع نسبة ضئيلة جداً من المساعدات من خلال منظمات أو أفراد في البلدان الفقيرة كما تحتاج الدول الأكثر فقراً إلى بيئة تجارية مستقرة كي تزدهر، فهي بحاجة إلى الوصول إلى أسواق التصدير في الدول الغنية لبيع السلع والخدمات التي تنتجها، وتشير عقود من الأدلة إلى أن لا الدول الفقيرة ولا الدول الغنية تحقق الازدهار في نهاية المطاف من خلال السياسات الحمائية أو الاكتفاء الذاتي المطلق، كما أن الشركات في الدول الغنية، وخصوصاً تلك العاملة في مجالات سريعة التطور مثل الذكاء الاصطناعي والبطاريات والطائرات المسيرة ومعدات الطاقة المتجددة، تحتاج إلى القدرة على البيع في الأسواق النامية في أفريقيا وأميركا اللاتينية وجنوب آسيا، وسيتعين على المتخصصين في مجال التنمية الدولية تطوير قواعد جديدة ترشد جهودهم في دعم التحول الصناعي، وقد يشمل ذلك وضع أطر تنظم التنافس على الموارد الحيوية التي تحتاجها الدول الغنية في صناعاتها الإلكترونية، مثل الكوبالت من جمهورية الكونغو الديمقراطية أو النحاس من زامبيا، ويجب على خبراء الأخلاقيات وعلماء الاجتماع حول العالم المساعدة في صياغة قواعد تضبط الحدود المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والحروب بالطائرات المسيرة وغيرها من التقنيات التي تتفاعل بصورة مباشرة مع المجتمعات البشرية. وإذا تبنى مناصرو التنمية الدولية فكرة التحول الصناعي كبوصلة لهم فسيكون بإمكانهم الإسهام في إخراج الناس من الفقر المدقع مع تجنب التداعيات السياسية العكسية، وإذا تمكنت الدول الفقيرة من التحول إلى دول صناعية فإن العالم بأسره سيستفيد، إذ إن التنمية الدولية لديها أفضل فرصة للبقاء وتحقيق نتائج إذا نُظر إليها على أنها أكثر من مجرد إحسان. مترجم هن "فورين أفيرز" 5 مايو (أيار) 2025 زينب عثمان زميلة أولى ومديرة "برنامج أفريقيا" في مؤسسة "كارنيغي للسلام الدولي" في واشنطن العاصمة.

احتجاجًا على خفض المساعدات الخارجية.. وزيرة بريطانية تستقيل من حكومة ستارمر
احتجاجًا على خفض المساعدات الخارجية.. وزيرة بريطانية تستقيل من حكومة ستارمر

مصرس

time٠٢-٠٣-٢٠٢٥

  • أعمال
  • مصرس

احتجاجًا على خفض المساعدات الخارجية.. وزيرة بريطانية تستقيل من حكومة ستارمر

قدمت وزيرة التنمية الدولية آناليز دودز، بعد قرار رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بخفض المساعدات الإنمائية الخارجية (ODA) إلى 0.3% من الدخل القومي الإجمالي (GNI) وأعربت عن رفضها الشديد لهذا القرار، مشيرة إلى أنه سيضر بسمعة المملكة المتحدة عالميًا، ويضعف دعمها للمناطق الأكثر احتياجًا مثل غزة، السودان، وأوكرانيا، كما سيقلل من نفوذ بريطانيا في المنظمات متعددة الأطراف مثل مجموعة السبع (G7)، مجموعة العشرين (G20)، والبنك الدولي.كما انتقدت دودز هذا القرار باعتباره متأثرًا بنهج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي قام بتخفيضات مماثلة لوكالة التنمية الأمريكية (USAID).وقالت آنيليز دودز، التي تدعم وزارتها دول الشرق الأوسط وأفريقيا، إن التخفيضات من شأنها أن "تضر بشدة" بسمعة المملكة المتحدة.وستشكل استقالتها ضربة قوية لرئيس الوزراء كير ستارمر وهو يحاول الدفاع عن قراره - والذي جاء نتيجة للحاجة الملحة لزيادة الإنفاق الدفاعي ردا على ضعف الدعم الأمريكي لأوروبا والتهديد الروسي المستمر .وكشفت دودز أنها أرجأت استقالتها حتى لا تطغى على قمة رئيس الوزراء مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن الخميس.وفيما سبق أعلن السيد ستارمر، الثلاثاء، أن ميزانية المساعدات الخارجية للمملكة المتحدة سوف تنخفض من 0.5 إلى 0.3 % من الناتج المحلي الإجمالي من أجل دفع زيادة قدرها 13.4 مليار جنيه إسترليني (17 مليار دولار) في ميزانية القوات المسلحة، لكنه أخبر البرلمان أن التمويل للمشاريع الحيوية في غزة والسودان وأوكرانيا سوف يتم حمايته. It is with sadness that I have had to tender my resignation as Minister for International Development and for Women and Equalities. While I disagree with the ODA decision, I continue to support the government and its determination to deliver the change our country needs. — Anneliese Dodds (@AnnelieseDodds) February 28, 2025ورغم ذلك قالت دودز إنه سيكون "من المستحيل" بالنسبة لبريطانيا الوفاء بهذه الالتزامات بميزانية أصغر بكثير، إذ كتبت في رسالة استقالتها إلى ستارمر: "سيكون من المستحيل الحفاظ على هذه الأولويات بالنظر إلى عمق التخفيضات؛ وسيكون التأثير أعظم بكثير مما تم تقديمه"، في النهاية، ستؤدي هذه التخفيضات إلى حرمان الأشخاص اليائسين من الغذاء والرعاية الصحية - مما يضر بشدة بسمعة المملكة المتحدة".قبل أقل من شهر، ذكرت صحيفة "ذا ناشيونال" أن دودز اعترفت بأن الأطفال في اليمن ماتوا جوعاً عندما خفضت المملكة المتحدة المساعدات آخر مرة في عام 2021.وقالت، إن تخفيضات ميزانية المساعدات "تم تصويرها على أنها متابعة لسلسلة التخفيضات التي أجراها الرئيس ترامب" للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.كما حذرت رئيس الوزراء من أن القرار من شأنه أن يساعد روسيا. وكتبت: "من المرجح أن يؤدي الخفض أيضًا إلى انسحاب المملكة المتحدة من العديد من الدول الأفريقية والكاريبية وغرب البلقان في وقت تعمل فيه روسيا على زيادة حضورها العالمي".واعترفت بأن "النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية قد انهار" وبالتالي فإن الإنفاق الدفاعي يجب أن يزداد، و"لا توجد مسارات سهلة للقيام بذلك".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store