منذ 11 ساعات
صناعة الإعلان وخسائر المستهلك
يأخذ الإعلان مكانة مهمة في خطط الشركات والمؤسسات وكل الكيانات سواء كانت حكومية أو شبه حكومية أو خاصة، ذلك أن التعريف بما تقدمه المنشأة وجلب مزيد من المستفيدين أو العملاء يضمن تحقيق الأهداف. تزيد أهمية الإعلان اعتمادا على حجم السوق والمنافسة ووضوح موقع المعلن للمستفيد.
تنفق الشركات - بالذات - مبالغ طائلة على هذا المجهود الإعلاني، وفي حالات كثيرة تنفق الشركات مئات الملايين للتعريف بما تقدمه وضمان السيطرة على قرارات المستهلك. هذه صناعة قائمة ولها معايير ونقاط رقابة لابد من التحكم بها والسيطرة عليها لضمان السير في المسار الصحيح الذي يضمن أن يحقق الإعلان أهدافه.
ما لم تكن الإدارة العليا قادرة على الربط بين الإنفاق والعوائد، ستنتهي عملية الإعلان إلى حالة من الهدر غير المبرر وهو ما أدى بكثير من الشركات للدخول في نفق الهدر المالي، الذي قد يؤدي إلى إضعاف موقف الشركة وقدرتها على المنافسة والاستمرار في السوق. يسهم في هذه الإشكالية وجود حالة من النهم الإعلاني في حقل العمل الذي تتخصص فيه الشركة أو المؤسسة.
هناك شركات أفلست، بسبب الاعتماد على الإعلان غير الموفق أو الموجه لمتلقين غير مستعدين للقبول بالمنتج أو محاولة إعادة إرث فقد بريقه وأهميته لدى المستهلك، من أهم أمثلة ذلك ما أنفقته شركة
RADIO SHACK
في محاولتها لإعادة الحياة لشعارها القديم حيث أنفقت أكثر من مائتي مليون دولار في عمليات إعلانية لم تحقق الهدف بل وأدت لإفلاس الشركة 2015.
هناك كثير من أمثلة الإعلان الخاطئ التي يجب أن يتعرف عليها مسئولو الشركات ومنها محاولات دمج العلامات التجارية مثل ما فعلت شركة كويكر عندما استحوذت على شركة
Snapple
وحاولت ربط العلامتين التجاريتين من خلال حملات إعلانية كلفتها خسائر بلغت مليار وأربعمئة مليون دولار وفي النهاية اضطرت كويكر لبيع
Snapple
.
أمثلة فشل الإعلان في عالم الأعمال كثيرة ومن أهم أسبابها عدم التزام المعلن بأخلاقيات المهنة أو تقديم إعلانات خادعة، وهو ما يؤدي في النهاية للإفلاس وقد يؤدي لمحاكمات خصوصاً إذا كان مجال عمل الشركة حساساً كالشركات الطبية. وهو ما حدث مع شركة
Theranos
التي أعلنت اختبارات دم ثورية، لكنها في الواقع كانت احتيالية، ما دفع الشركة لإنفاق ملايين الدولارات في محاولة لإخفاء حقيقة فشل التقنية التي تستخدمها، لكنها لم تتمكن من ذلك في النهاية وأفلست الشركة وواجهت قضايا في عدة محاكم.
هنا لا بد من التذكير بما بدأنا به من رقابة على المؤشرات وأهمها التناسب بين الإنفاق والعوائد
ROI
. فالصرف غير المنضبط على الإعلان دون رقابة على ما ينتج عنه خطير.
البحث عن الإعلان المناسب وتقديمه للمتلقي المناسب مهم جداً، وهذا يعني أن تكون شركات الإعلان أكثر قدرة على اختبار السوق ومعرفة الذوق العام والاهتمامات التي تسيطر في بيئة المنتج الذي نحاول الترويج له، هذا في حد ذاته مؤشر مهم تبنى عليه قرارات القبول والرفض للحملات الإعلانية واختيار الشركاء المناسبين لتخطيط وتنفيذ هذه الحملات. يتضح هنا أهمية العلوم الإنسانية في المجال بما فيها علم الاجتماع وعلم النفس إضافة للجغرافية والتاريخ. مع التذكير دائماً بأن العقود الأخيرة أوجدت مستهلكاً مختلفاً، بسبب التطور التقني والعلمي الهائل ودخول فئات عمرية صغيرة كمستهدفين للإعلان.
إذا لا بد من الابتكار والتجديد اللذان يأخذان بالاعتبار هذه العناصر بمجملها، وهنا نلاحظ أنه حتى في مجال الإعلان دخلت عمليات تخصصية تستلزم أن نبحث عن الشريك الإعلاني المناسب بناء على الخبرة ومجال الشركة والفئة المستهدفة. يضاف لهذا أهمية البحث عن مكامن الضعف في المنتج، فالإعلان عن منتج سيء أو مخادع سيؤدي في النهاية لفشل الحملة.
خلاصة القول: من الضروري أن تنفق الجهة أياً كانت مبالغ على التعريف بما تقدمه للمستهلك وضمان تحقيق أهدافها منه آخذة في الحسبان التوازن بين ما يدفع والعوائد المأمولة، إضافة إلى أهمية المصداقية والتجديد ودراسة السوق بما يضمن تنفيذ عمليات تحقق الهدف المرجو منها.