#أحدث الأخبار مع #Shatkonaالبلاد البحرينية١٩-٠٤-٢٠٢٥منوعاتالبلاد البحرينية«نجمة داود» ليست نجمته.. وهكذا تخلينا عن النجمة السداسيةبدأ اهتمامي بالديانة والفلسفة والثقافة الهندوسية منذ زيارتي الأولى للهند بنهاية العقد السادس من القرن الماضي والتحاقي بالدراسة الجامعية فيها؛ وقد تضمن المقرر الجامعي للسنة الأولى مادة إلزامية هي «تاريخ وثقافة الهند»، فصرت بدافع الضرورة ثم بدافع الاهتمام والشغف، أحرص على الاطلاع على مرجعيات ومصادر ومنابع الديانة والثقافة الهندوسية وتاريخها وكتبها المقدسة ومعابدها ومواقعها الأثرية. وقد دهشت عندما وجدت أن النجمة السداسية، التي توارثنا تسميتها بـ «نجمة داود»، واتخذتها إسرائيل شعارًا لها ووضعتها في وسط عَلَمها، موجودة ومتواجدة بشكل بارز وواضح في صلب وعمق التراث الهندوسي وفي الكثير من المخطوطات وواجهات العديد من المعابد والمواقع التاريخية والأثرية للهندوس، وكالعادة، وتحت تأثير ما اعتدنا عليه من تفسيرات، فقد رددت ذلك في البداية إلى تمكن اليهود والصهاينه ونجاحهم في اختراق الديانة الهندوسية؛ تمامًا كما نتحدث عن «الإسرائيليات» التي اخترقت وتسربت إلى بعض مرويات تراثنا الإسلامي. إلا أنني، ومع مزيد من البحث، أدركت وبسرعة بأن ارتباط النجمة السداسية بالتراث الهندوسي كان قائمًا وموثقًا قبل أن تولد الديانة اليهودية وتأتي للوجود بآلاف السنين؛ ففي الديانة والتراث الهندوسي ينظر إلى النجمة السداسية – Shatkona - لأكثر من 10 آلاف سنة، كرمز لاتحاد القوى المتضادة مثل الماء والنار، الذكر والأنثى وما شابه. وهي تمثل أيضا التجانس الكوني بين «شيفا» (المظهر الذكوري للخالق) و 'شاكتي' (المظهر الأنثوي له) وفق المعتقد الهندوسي. وترمز النجمة السداسية في المعتقد الهندوسي أيضًا إلى حالة التوازن والتداخل بين الخالق والمخلوق، بين الإنسان وربه، وهي الحالة التي يمكن بلوغها عن طريق «الموكشا»، أي حالة التيقظ والتحرر الروحي، حين تَخمُد نيران العوامل المسببة للآلام مثل الشهوة والحقد والجهل وغيرها. وفي الديانة الزرادشتية، التي سبقت الديانة اليهودية بآلاف السنين أيضًا، كانت النجمة السداسية من الرموز الفلكية المهمة في علم الفلك والتنجيم، وفي بعض الديانات الوثنية القديمة كانت هذه النجمة رمزا للخصوبة والاتحاد الجنسي، حيث كان المثلث المتجه نحو الأسفل يمثل الأنثى والمثلث الآخر يمثل الذكر. والنجمة السداسية هي مضلع نجمي ذو ستة رؤوس، تتشكل من تداخل مثلثين متساويي الأضلاع، متعاكسي الاتجاه، بحيث يكون أحد المثلثين موجهًا نحو الأعلى، والآخر نحو الأسفل، ما يعطي هذا الشكل توازنًا بصريًا ورمزية عميقة. وقد أصبح هذا الشكل لاحقًا يعرف على نطاق واسع كرمز للديانة اليهودية تحت اسم «نجمة داود»، إلى جانب أن الكثير من الإسرائيليين لا يعترفون بأن بني إسرائيل كانوا قد اقتبسوها من مصر عقب خروجهم منها. بل إن البعض منهم يصرون ويدعون أنهم من صممه واستنبطه عبر مزج الأحرف الأولى من اسم الملك داود. ومع ذلك، فإن ثمة إجماعًا بين الباحثين والمؤرخين على أن الجذور العميقة لهذا الرمز تعود إلى قرون طويلة سبقت تبنيه من قِبل الشعب اليهودي، إذ كان مستخدمًا في ثقافات وديانات سابقة، كالهندوسية والمصرية القديمة وغيرها، ولأغراض رمزية وروحية مختلفة. وفي حين جاء ذكر «ماجين ديفيد» بالعبرية، بمعنى «درع داود» أو «قوة داود»، فإن أي ذكر مباشر لـ «نجمة داود» - كرمز أو كشكل هندسي - لم يرد في الكتب المقدسة اليهودية أو في سردياتها، ولا توجد أية إشارة لها، لا فى التوراة ولا في التلمود، وكذلك لم يرد أن الملك داود تبنى هذا الشكل أو أشار إليه بأي صورة من الصور. وجدير بالذكر أن اليهود، في معظم التقاليد، يرون داود وسليمان ملِكَين أكثر من كونهم نبيَّين. ويقول الدكتور عبدالوهاب المسيري في المجلد الثالث من موسوعته «اليهود واليهودية والصهيونية» إن «نجمة داود الشهيرة لم تصبح رمزًا يهودياً مركزيًا إلا في العصر الحديث»، أي منذ القرن السابع عشر، وخاصة في القرن التاسع عشر مع بروز الحركة الصهيونية التي تبنت هذا الرمز وجعلته عنصرًا مركزيًا في هويتها السياسية والدينية. وفي كتاب «اليهود: من عهد داود إلى دولة إسرائيل» يشير كاتبه علي محمد عبدالله إلى أن نجمة داود ليست رمزًا يهوديًا أصيلًا، بل إنها من الرموز القديمة التي ظهرت أولًا في الحضارة المصرية القديمة. ويؤكد أنّ قدماء المصريين كانوا من أوائل من استخدموا هذا الشكل، حيث كانت النجمة السداسية في الديانات المصرية القديمة، التي سبقت اليهودية بقرون تُستعمل كرمز هيروغليفي لأرض الأرواح. وبحسب المعتقدات المصرية القديمة، كانت النجمة السداسية أيضًا رمزًا للإله «أمسو»، الذي يُعتقد أنه أول إنسان تحوّل إلى إله، ثم أصبح يُعرف باسم «حورس». ويضيف المؤلف أن بني إسرائيل تأثروا بهذا الرمز أثناء وجودهم في مصر، ونسبوه لأنفسهم لاحقًا، وخلاصة القول، إن النجمة السداسية لم تكن في أي وقت من الأزمنة رمزًا يهوديًا خالصًا أو حصريًا، وإنما أصبحت كذلك فقط في العصور الحديثة، مع تطور الهوية السياسية والدينية لليهود، خصوصًا مع صعود الحركة الصهيونية. وفي السياق الإسلامي، لم تُعتبر النجمة السداسية رمزًا دينيًا خاصًا، بل نُظر إليها كرمز للحكمة أو الحماية. وقد استخدمها المسلمون والعرب في فنونهم وزخارفهم وصارت جزءا من النقوش والفنون الإسلامية والعربية قبل أن تُصبح رمزًا دينياً صريحًا لليهودية كما نعرفه اليوم. لقد برع المسلمون والعرب في توظيف النجمة السداسية كعنصر زخرفي، وكجزء من التناغم الهندسي الذي اشتهر به الفن المعماري الإسلامي، خاصة في العصور الوسطى. والأمثلة على ذلك كثيرة، وسأكتفي هنا بالإشارة إلى ما شاهدته بنفسي: من بينها جامع القرويين بمدينة فاس بالمغرب، الذي بُني في القرن الثاني عشر الميلادي، ويحتوي على نقوش وزخارف هندسية تتضمن النجمة السداسية ضمن الإطار الجمالي للفن الإسلامي التقليدي، وبأشكال متعددة. كما رأيت النجمة السداسية ضمن الزخارف الجدارية والبلاط المزخرف في قصر الحمراء بغرناطة، المشيّد في القرن الرابع عشر الميلادي، إلى جانب أنماط هندسية أخرى. وفي تركيا، استخدم العثمانيون النجمة السداسية في زخارف البلاط، وفي المساجد والأضرحة، كجزء من التراث الزخرفي الإسلامي. وتظهر النجمة بوضوح في ضريح الإمبراطور المغولي همايون في مدينة دلهي بالهند، المشيَّد في القرن السادس عشر الميلادي، حيث تبرز نجمتان سداسيتان فوق بوابة الإيوان والأقواس المحيطة بها؛ والأمثلة لا تعد ولا تحصى. وإلى جانب الشواهد المعمارية، فقد استخدم المسلمون العثمانيون وغيرهم النجمة في العملات النقدية وفي تزيين راياتهم وأعلامهم، ومنها راية القائد الأسطوري للأسطول العثماني خير الدين بارباروزا، إضافة إلى استخدامها في بعض المخطوطات الإسلامية، خصوصًا في العصرين المملوكي والعثماني؛ حيث زينت بها أغلفة الكتب، بل وبدايات بعض السور القرآنية، ما يجعلنا - إن أردنا - نعتبر أن هذه النجمة كانت رمزًا إسلاميا أيضًا تم استخدامه وتوظيفه عبر حقب تاريخية عدة. ورغم هذا الحضور، فقد تخلينا عن النجمة السداسية، وتنازلنا عنها وسكتنا حين ظهرت الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، وسعت إلى تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، ومع بداية هذا المشروع بدأ القائمون على تحقيقه البحث عن المقومات والركائز والمكونات الأساسية للأوطان، بما في ذلك المكونات الرمزية، ومنها اختيار أو استنباط أو تصميم شعار وطني للدولة المنشودة، وصار أمامهم في النهاية الخيار بين الشمعدان السباعي اليهودي أو النجمة السداسية، فاختاروا النجمة بعد تبنيها وادعاء ملكيتها الحصرية، وبعدها تم استخدامها والترويج لها كرمز سياسي يهودي، ثم أصبحت شعارًا رسميًا لدولة إسرائيل بعد تأسيسها في العام 1948. إن نمط تفكيرنا ورؤيتنا وأسلوب تفاعلنا مع مثل هذه القضايا والتحديات قادنا إلى التفريط في حقنا في استخدام النجمة السداسية، بل إننا قاطعناها تمامًا، وقاطعنا كل معلم أو منتج أو أي شيء يرتبط بها، لنجد أنفسنا بذلك وقد استسلمنا للسردية الصهيونية، وساهمنا - من حيث لا ندري - في ترسيخ أحد أهم جوانب وملامح الهوية الرمزية لإسرائيل. سامحنا الله وسدد على طريق الخير خطانا، ويبقى عزاؤنا الوحيد أن النجمة السداسية ستظل رمزا ونتاجا لتطابق الفكر الإنساني بين مختلف الشعوب والأمم والحضارات منذ أقدم العصور، وإنها، كما تتضح من شواهد التاريخ والدين والفن، لم تكن يومًا حكرًا على ديانة أو شعب بعينه، بل هي رمز عالمي متجذر في ثقافات إنسانية متنوعة، من الهندوسية والمصرية القديمة، إلى الزخرفة الإسلامية والفكر الروحي العابر للأديان. وفي خضم التنازع على الرموز والمعاني، يبدو جليًا أن حصر النجمة السداسية في إطار الهوية السياسية لدولة حديثة، جاء نتيجة لظروف تاريخية لا تُلغي عمقها الإنساني الأصيل، ولا تُنكر مساهمات شعوب وثقافات أخرى في بلورتها، فهل آن الأوان لأن نعيد قراءة رموزنا بروحٍ نقدية منفتحة؟
البلاد البحرينية١٩-٠٤-٢٠٢٥منوعاتالبلاد البحرينية«نجمة داود» ليست نجمته.. وهكذا تخلينا عن النجمة السداسيةبدأ اهتمامي بالديانة والفلسفة والثقافة الهندوسية منذ زيارتي الأولى للهند بنهاية العقد السادس من القرن الماضي والتحاقي بالدراسة الجامعية فيها؛ وقد تضمن المقرر الجامعي للسنة الأولى مادة إلزامية هي «تاريخ وثقافة الهند»، فصرت بدافع الضرورة ثم بدافع الاهتمام والشغف، أحرص على الاطلاع على مرجعيات ومصادر ومنابع الديانة والثقافة الهندوسية وتاريخها وكتبها المقدسة ومعابدها ومواقعها الأثرية. وقد دهشت عندما وجدت أن النجمة السداسية، التي توارثنا تسميتها بـ «نجمة داود»، واتخذتها إسرائيل شعارًا لها ووضعتها في وسط عَلَمها، موجودة ومتواجدة بشكل بارز وواضح في صلب وعمق التراث الهندوسي وفي الكثير من المخطوطات وواجهات العديد من المعابد والمواقع التاريخية والأثرية للهندوس، وكالعادة، وتحت تأثير ما اعتدنا عليه من تفسيرات، فقد رددت ذلك في البداية إلى تمكن اليهود والصهاينه ونجاحهم في اختراق الديانة الهندوسية؛ تمامًا كما نتحدث عن «الإسرائيليات» التي اخترقت وتسربت إلى بعض مرويات تراثنا الإسلامي. إلا أنني، ومع مزيد من البحث، أدركت وبسرعة بأن ارتباط النجمة السداسية بالتراث الهندوسي كان قائمًا وموثقًا قبل أن تولد الديانة اليهودية وتأتي للوجود بآلاف السنين؛ ففي الديانة والتراث الهندوسي ينظر إلى النجمة السداسية – Shatkona - لأكثر من 10 آلاف سنة، كرمز لاتحاد القوى المتضادة مثل الماء والنار، الذكر والأنثى وما شابه. وهي تمثل أيضا التجانس الكوني بين «شيفا» (المظهر الذكوري للخالق) و 'شاكتي' (المظهر الأنثوي له) وفق المعتقد الهندوسي. وترمز النجمة السداسية في المعتقد الهندوسي أيضًا إلى حالة التوازن والتداخل بين الخالق والمخلوق، بين الإنسان وربه، وهي الحالة التي يمكن بلوغها عن طريق «الموكشا»، أي حالة التيقظ والتحرر الروحي، حين تَخمُد نيران العوامل المسببة للآلام مثل الشهوة والحقد والجهل وغيرها. وفي الديانة الزرادشتية، التي سبقت الديانة اليهودية بآلاف السنين أيضًا، كانت النجمة السداسية من الرموز الفلكية المهمة في علم الفلك والتنجيم، وفي بعض الديانات الوثنية القديمة كانت هذه النجمة رمزا للخصوبة والاتحاد الجنسي، حيث كان المثلث المتجه نحو الأسفل يمثل الأنثى والمثلث الآخر يمثل الذكر. والنجمة السداسية هي مضلع نجمي ذو ستة رؤوس، تتشكل من تداخل مثلثين متساويي الأضلاع، متعاكسي الاتجاه، بحيث يكون أحد المثلثين موجهًا نحو الأعلى، والآخر نحو الأسفل، ما يعطي هذا الشكل توازنًا بصريًا ورمزية عميقة. وقد أصبح هذا الشكل لاحقًا يعرف على نطاق واسع كرمز للديانة اليهودية تحت اسم «نجمة داود»، إلى جانب أن الكثير من الإسرائيليين لا يعترفون بأن بني إسرائيل كانوا قد اقتبسوها من مصر عقب خروجهم منها. بل إن البعض منهم يصرون ويدعون أنهم من صممه واستنبطه عبر مزج الأحرف الأولى من اسم الملك داود. ومع ذلك، فإن ثمة إجماعًا بين الباحثين والمؤرخين على أن الجذور العميقة لهذا الرمز تعود إلى قرون طويلة سبقت تبنيه من قِبل الشعب اليهودي، إذ كان مستخدمًا في ثقافات وديانات سابقة، كالهندوسية والمصرية القديمة وغيرها، ولأغراض رمزية وروحية مختلفة. وفي حين جاء ذكر «ماجين ديفيد» بالعبرية، بمعنى «درع داود» أو «قوة داود»، فإن أي ذكر مباشر لـ «نجمة داود» - كرمز أو كشكل هندسي - لم يرد في الكتب المقدسة اليهودية أو في سردياتها، ولا توجد أية إشارة لها، لا فى التوراة ولا في التلمود، وكذلك لم يرد أن الملك داود تبنى هذا الشكل أو أشار إليه بأي صورة من الصور. وجدير بالذكر أن اليهود، في معظم التقاليد، يرون داود وسليمان ملِكَين أكثر من كونهم نبيَّين. ويقول الدكتور عبدالوهاب المسيري في المجلد الثالث من موسوعته «اليهود واليهودية والصهيونية» إن «نجمة داود الشهيرة لم تصبح رمزًا يهودياً مركزيًا إلا في العصر الحديث»، أي منذ القرن السابع عشر، وخاصة في القرن التاسع عشر مع بروز الحركة الصهيونية التي تبنت هذا الرمز وجعلته عنصرًا مركزيًا في هويتها السياسية والدينية. وفي كتاب «اليهود: من عهد داود إلى دولة إسرائيل» يشير كاتبه علي محمد عبدالله إلى أن نجمة داود ليست رمزًا يهوديًا أصيلًا، بل إنها من الرموز القديمة التي ظهرت أولًا في الحضارة المصرية القديمة. ويؤكد أنّ قدماء المصريين كانوا من أوائل من استخدموا هذا الشكل، حيث كانت النجمة السداسية في الديانات المصرية القديمة، التي سبقت اليهودية بقرون تُستعمل كرمز هيروغليفي لأرض الأرواح. وبحسب المعتقدات المصرية القديمة، كانت النجمة السداسية أيضًا رمزًا للإله «أمسو»، الذي يُعتقد أنه أول إنسان تحوّل إلى إله، ثم أصبح يُعرف باسم «حورس». ويضيف المؤلف أن بني إسرائيل تأثروا بهذا الرمز أثناء وجودهم في مصر، ونسبوه لأنفسهم لاحقًا، وخلاصة القول، إن النجمة السداسية لم تكن في أي وقت من الأزمنة رمزًا يهوديًا خالصًا أو حصريًا، وإنما أصبحت كذلك فقط في العصور الحديثة، مع تطور الهوية السياسية والدينية لليهود، خصوصًا مع صعود الحركة الصهيونية. وفي السياق الإسلامي، لم تُعتبر النجمة السداسية رمزًا دينيًا خاصًا، بل نُظر إليها كرمز للحكمة أو الحماية. وقد استخدمها المسلمون والعرب في فنونهم وزخارفهم وصارت جزءا من النقوش والفنون الإسلامية والعربية قبل أن تُصبح رمزًا دينياً صريحًا لليهودية كما نعرفه اليوم. لقد برع المسلمون والعرب في توظيف النجمة السداسية كعنصر زخرفي، وكجزء من التناغم الهندسي الذي اشتهر به الفن المعماري الإسلامي، خاصة في العصور الوسطى. والأمثلة على ذلك كثيرة، وسأكتفي هنا بالإشارة إلى ما شاهدته بنفسي: من بينها جامع القرويين بمدينة فاس بالمغرب، الذي بُني في القرن الثاني عشر الميلادي، ويحتوي على نقوش وزخارف هندسية تتضمن النجمة السداسية ضمن الإطار الجمالي للفن الإسلامي التقليدي، وبأشكال متعددة. كما رأيت النجمة السداسية ضمن الزخارف الجدارية والبلاط المزخرف في قصر الحمراء بغرناطة، المشيّد في القرن الرابع عشر الميلادي، إلى جانب أنماط هندسية أخرى. وفي تركيا، استخدم العثمانيون النجمة السداسية في زخارف البلاط، وفي المساجد والأضرحة، كجزء من التراث الزخرفي الإسلامي. وتظهر النجمة بوضوح في ضريح الإمبراطور المغولي همايون في مدينة دلهي بالهند، المشيَّد في القرن السادس عشر الميلادي، حيث تبرز نجمتان سداسيتان فوق بوابة الإيوان والأقواس المحيطة بها؛ والأمثلة لا تعد ولا تحصى. وإلى جانب الشواهد المعمارية، فقد استخدم المسلمون العثمانيون وغيرهم النجمة في العملات النقدية وفي تزيين راياتهم وأعلامهم، ومنها راية القائد الأسطوري للأسطول العثماني خير الدين بارباروزا، إضافة إلى استخدامها في بعض المخطوطات الإسلامية، خصوصًا في العصرين المملوكي والعثماني؛ حيث زينت بها أغلفة الكتب، بل وبدايات بعض السور القرآنية، ما يجعلنا - إن أردنا - نعتبر أن هذه النجمة كانت رمزًا إسلاميا أيضًا تم استخدامه وتوظيفه عبر حقب تاريخية عدة. ورغم هذا الحضور، فقد تخلينا عن النجمة السداسية، وتنازلنا عنها وسكتنا حين ظهرت الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، وسعت إلى تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، ومع بداية هذا المشروع بدأ القائمون على تحقيقه البحث عن المقومات والركائز والمكونات الأساسية للأوطان، بما في ذلك المكونات الرمزية، ومنها اختيار أو استنباط أو تصميم شعار وطني للدولة المنشودة، وصار أمامهم في النهاية الخيار بين الشمعدان السباعي اليهودي أو النجمة السداسية، فاختاروا النجمة بعد تبنيها وادعاء ملكيتها الحصرية، وبعدها تم استخدامها والترويج لها كرمز سياسي يهودي، ثم أصبحت شعارًا رسميًا لدولة إسرائيل بعد تأسيسها في العام 1948. إن نمط تفكيرنا ورؤيتنا وأسلوب تفاعلنا مع مثل هذه القضايا والتحديات قادنا إلى التفريط في حقنا في استخدام النجمة السداسية، بل إننا قاطعناها تمامًا، وقاطعنا كل معلم أو منتج أو أي شيء يرتبط بها، لنجد أنفسنا بذلك وقد استسلمنا للسردية الصهيونية، وساهمنا - من حيث لا ندري - في ترسيخ أحد أهم جوانب وملامح الهوية الرمزية لإسرائيل. سامحنا الله وسدد على طريق الخير خطانا، ويبقى عزاؤنا الوحيد أن النجمة السداسية ستظل رمزا ونتاجا لتطابق الفكر الإنساني بين مختلف الشعوب والأمم والحضارات منذ أقدم العصور، وإنها، كما تتضح من شواهد التاريخ والدين والفن، لم تكن يومًا حكرًا على ديانة أو شعب بعينه، بل هي رمز عالمي متجذر في ثقافات إنسانية متنوعة، من الهندوسية والمصرية القديمة، إلى الزخرفة الإسلامية والفكر الروحي العابر للأديان. وفي خضم التنازع على الرموز والمعاني، يبدو جليًا أن حصر النجمة السداسية في إطار الهوية السياسية لدولة حديثة، جاء نتيجة لظروف تاريخية لا تُلغي عمقها الإنساني الأصيل، ولا تُنكر مساهمات شعوب وثقافات أخرى في بلورتها، فهل آن الأوان لأن نعيد قراءة رموزنا بروحٍ نقدية منفتحة؟