أحدث الأخبار مع #Zeitenwende


الجزيرة
١٤-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
عودة العملاق.. لماذا تخاف أميركا وأوروبا من إعادة تسليح ألمانيا؟
مقدمة الترجمة في مقالهما المنشور بمجلة فورين أفيرز الأميركية يناقش الباحث مايكل كيميج والباحثة سودها ديفيد وليب دلالات إقدام ألمانيا على رفع القيود الدستورية على الاستدانة، المعروفة بـ"بنظام كبح الديون"، وهو ما يمهد الطريق أمام اقتراض مئات المليارات من الدولارات تخطط برلين لإنفاقها على إعادة تسليح جيشها وتحديث بنيتها التحتية. ويجادل الباحثان بأن ألمانيا المسلحة جيدا ربما تكون نعمة لأوروبا في الوقت الذي تواجه فيه "عدوان روسيا" في ظل غياب أو تردد أميركي، لكنها ربما تشكل تهديدا للقارة العجوز على المدى الطويل مستشهديْن بمقولة وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر حول كون ألمانيا "كبيرة للغاية بالنسبة لأوروبا، وصغيرة للغاية بالنسبة للعالم". نص الترجمة على مدى سنوات عديدة، كانت ألمانيا بحاجة ملحة إلى توسيع دفاعاتها بشكل كبير، واليوم تبدو مستعدة أخيرا للقيام بذلك. وعندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم وغزت شرق أوكرانيا عام 2014، كان ردّ ألمانيا خافتا حيث أجرت برلين محادثات غير حاسمة مع الكرملين وفرضت عددا قليلا من العقوبات، ثم عادت بهدوء إلى العمل كالمعتاد مع موسكو. وبعد أن شنت روسيا غزوًا واسع النطاق لأوكرانيا عام 2022، أعلن المستشار أولاف شولتس عما أطلق عليه "نقطة التحول" أو "Zeitenwende" كما تُعرف بالألمانية واعدا بزيادة الإنفاق الدفاعي، وإرسال المزيد من المساعدات إلى أوكرانيا، والحد بسرعة من اعتماد ألمانيا على روسيا في مجال الطاقة. ولكن في النهاية، كانت نقطة التحول مجرد "فرقعة إعلامية" فقط، وبسبب الصراعات الداخلية في الائتلاف الحاكم، فشلت خطة شولتس في إصلاح الدفاعات "العسكرية" الألمانية. ولكن الآن أصبح القادة الألمان أخيرا على أهبة الاستعداد لتحقيق التحول الذي تفرضه الظروف، وفي فبراير/شباط الماضي عُقدت انتخابات فدرالية مبكرة للبرلمان الألماني (البوندستاغ) ويبدو أن الحكومة الألمانية القادمة مستعدة أخيرا لإعلان استقلالها عن واشنطن. وتتهيأ ألمانيا لمستقبل لم تعد فيه الولايات المتحدة قادرة على ضمان أمن أوروبا بشكل موثوق به، ومن أجل تحديث جيشها وإنعاش اقتصادها، تعمل برلين على إنهاء إدمانها الطويل على التقشف، من خلال رفع قيد دستوري كان يحد من الإنفاق السنوي على الديون إلى 0.35% فقط من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المرجح أن تكون ألمانيا الجديدة قادرة على دعم أوكرانيا دون الحاجة إلى السير في ركاب واشنطن، وسوف تصبح برلين أقل ارتباطا برئيس أميركي متقلب المزاج يرفض التشاور مع أوروبا بشأن أوكرانيا. وسوف تستفيد كييف من استقلال ألمانيا الجديد، وفوق من ذلك من المرجح أن يشجع المثال الألماني دولًا أوروبية أخرى على تكثيف دعمها لأوكرانيا. ويمكن لبرلين أن تأخذ زمام المبادرة في ضمان سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها وفي حث الاتحاد الأوروبي على قبول كييف عضوًا فيه. غير أن سعي برلين نحو الاستقلالية سوف يكون له ثمن، وسوف يتعين على ألمانيا أن تتحمل المسؤولية الأساسية عن ردع روسيا في أوروبا، وهي مهمة هائلة ومحفوفة بالمخاطر. وإذا سيطرت أشكال أكثر تشددا من القومية في أوروبا، فإن الجيش الألماني المُحدث ربما يقع في أيدي حكومة متطرفة، قد تستخدمه بعد ذلك لتخويف جيران ألمانيا. وفي المجمل، من المؤكد أن ألمانيا الأكثر استقلالية سوف تعمل على تعزيز حضور أوروبا على الساحة العالمية، ولكن عندما يتعلق الأمر بالشؤون الأوروبية الداخلية، فإن القارة لربما تكافح من أجل استيعاب برلين الأكثر قوة. مظلة مفقودة على مدار الأعوام الثمانين الماضية اعتمدت ألمانيا الغربية، وألمانيا الموحدة بعد ذلك، على الولايات المتحدة في ضمان أمنها، وكانت تلك العلاقة مفيدة لكلا الطرفين على الرغم من أنها لم تخلُ من نصيبها من الخلافات. على سبيل المثال، تصادم الطرفان حول الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، ولكن بشكل عام، كان الألمان يشعرون بالراحة في العيش تحت مظلة الحماية الأميركية. وبينما لم تر ألمانيا أي أعداء يشكلون خطورة حقيقية في الأفق، فإنها وضعت أمنها رهينة للعلاقات عبر الأطلسي (مع الولايات المتحدة). ازدهر حكم أنجيلا ميركل التي شغلت منصب المستشارة الألمانية فيما بين 2005 و2021، في ظل هذا الترتيب، وكان التعاون عبر الأطلسي هو الأساس الذي قامت عليه أجندة ميركل للسياسة الخارجية. لقد تصورت المستشارة الألمانية السابقة أوروبا سالمة مزدهرة يتوسطها الاتحاد الأوروبي مع علاقة غير تصادمية مع روسيا لذا تعاملت ألمانيا في عهدها مع بقية العالم من خلال الدبلوماسية والتجارة، وليس القوة العسكرية، وكانت إستراتيجيتها تستنير بقيم التعددية والالتزام بسيادة القانون. وحتى عندما ضم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شبه جزيرة القرم عام 2014، أصرت ميركل على أنه "لا يوجد حل عسكري" للأزمة وكان هدفها هو الحفاظ على النظام الأوروبي الذي نشأ بعد عام 1991، حيث أصبحت مؤسسات مثل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي هي الحاكمة على مصير القارة العجوز، وحيث تتمتع روسيا بمقعد ما على الطاولة. ورغم "العدوان الروسي"، بذلت ميركل كل ما في وسعها للحفاظ على السياسة الألمانية دون تغيير، راغبة في تجنب نشوب حرب أوسع في أوروبا من خلال إدارة العلاقات مع روسيا والحفاظ على التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن القارة. اعتنق شولتس، خليفة ميركل، التوجهات نفسها تقريبا محافظا على سياسات سابقته حتى في "نقطة تحوله" التي كانت حذرة للغاية. وفي عام 2022 أنشأ شولتس صندوقا خاصًّا بقيمة تزيد على 100 مليار دولار لتطوير القدرات العسكرية الألمانية، ولكن نظام كبح الديون الحكومية عرقل الاستثمارات الأكثر طموحا في الدفاع والبنية التحتية الأساسية. وفي نهاية المطاف، قبلت ألمانيا أكثر من مليون لاجئ أوكراني وأرسلت مساعدات بقيمة مليارات الدولارات إلى كييف، إلا أنها كانت بطيئة في معالجة عجزها العسكري. لم يكن النهج الدفاعي المتردد الذي انتهجته ألمانيا خطأ شولتس وحده، حيث وجد السياسي الألماني نفسه مكبلا ليس فقط بدستور بلاده، ولكن أيضا بواقعها السياسي. يمتلك الحزب الديمقراطي الاجتماعي، حزب شولتس، تاريخا طويلا من الانخراط مع روسيا تعود جذوره إلى الجهود التي بذلتها ألمانيا الغربية لتطبيع العلاقات مع ألمانيا الشرقية ودول الكتلة السوفياتية الأخرى في سبعينيات القرن العشرين حيث كان من الصعب على ألمانيا أن تغير توجهاتها كلها فجأة. وقد أيدت أحزاب ألمانية أخرى الحفاظ على العلاقات مع روسيا حتى بعد الغزو الكامل لأوكرانيا، بل إن حزب البديل من أجل ألمانيا -وهو حزب يميني متطرف ومتشكك في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومؤيد لبوتين- هاجم قادته شولتس باستمرار باعتباره "محرضا على الحرب". وخلال فترة تولي شولتس لمنصبه، اكتسب حزب البديل من أجل ألمانيا أرضية كبيرة، حيث تضاعفت حصته من الأصوات إلى 20% في الانتخابات الأخيرة. بجانب ذلك، كان على شولتس أيضًا أن يدير ائتلافًا متوترًا مكونًا من ثلاثة أحزاب، ولم يكن أعضاء كتلته راغبين في إلغاء نظام كبح الديون الذي وضع قيودا كبيرة على قدرة الدولة على الاقتراض، كما لم يكونوا على استعداد لفطام ألمانيا عن الطاقة الروسية من خلال تمديد عمر المفاعلات النووية الألمانية، التي أغلقتها ميركل. ولحسن الحظ، فإن العديد من هذه القيود لم تعد قائمة اليوم. موسم الحشد الأهم من ذلك أن فريدريش ميرتس، خليفة شولتس المنتمي للحزب الديمقراطي المسيحي، يبدو حريصا على تقليص اعتماد ألمانيا على المظلة الأمنية الأميركية ويعد هذا التوجه مفاجئا إلى حد ما بالنظر إلى خلفيته. فلطالما قدم ميرتس نفسه بفخر باعتباره مؤيدًا للعلاقات عبر الأطلسي، وقد تبنى حزبه منذ فترة طويلة مفهوم "الالتزام الغربي" (Westbindung) الذي يعني أن ألمانيا يجب أن تنسق وتتعاون مع الولايات المتحدة. ولكن منذ تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في يناير/كانون الثاني، تغيرت المشاعر العامة في ألمانيا بشكل حاد لدرجة أن الزعيم المقبل للبلاد سوف يضع مسألة تحويل السياسة الخارجية والاقتصادية لبلاده في قلب اهتماماته، وهي العملية التي بدأت بالفعل. ففي شهر مارس/آذار، صوّت البرلمان الألماني (البوندستاغ) بأغلبية الثلثين على إزالة نظام كبح الديون؛ مما يمهد الطريق أمام ألمانيا لإنفاق أكثر من تريليون دولار على الدفاع والبنية التحتية الأساسية، وهو ما يتسق مع التزامات ميرتس الذي تعهد بضخ الأموال في المعدات العسكرية والاستخبارات وأمن المعلومات في ألمانيا. يضفي الدعم الشعبي الواسع لألمانيا أقوى وأكثر استقلالية هالة من الحتمية على التحول المُنتظر في البلاد. ولم تكن الحملة التي شنها ميرتس لإزالة نظام كبح الديون نابعة من نزوة شخصية، بل عكست رغبات الرأي العام الألماني بمختلف أطيافه السياسية، حيث يعتقد أغلب الألمان الآن أن الولايات المتحدة غير راغبة في ضمان الأمن الأوروبي، وربما توقف مساعداتها لأوكرانيا، بل ربما تخفض وجودها العسكري في القارة العجوز. ويعني ذلك أن ميرتس يتمتع بالدعم السياسي اللازم لتحمل المزيد من الديون، وتعزيز القدرات الدفاعية للبلاد، وتحفيز الاقتصاد، إذا تمكن من التغلب على البيروقراطية ومعالجة المخاوف المحلية بشأن الهجرة. وفي هذا السياق، من المهم الإشارة إلى أن التحول الأخير في السياسة الألمانية لم يكن وليد مجموعة منفصلة من الأهداف السياسية (قصيرة الأمد) مثل مساعدة أوكرانيا على الصمود، بل هو نابع من إدراك حقيقي لكون الصيغ السياسية القديمة لم تعد صالحة للتطبيق. وإذا لم تعد الولايات المتحدة حليفا موثوقًا به، فإن مفهوم "الالتزام الغربي" (Westbindung) يصبح فارغا من المعنى أو يحتاج إلى إعادة تعريف في أدنى تقدير، وقد قام بعض الألمان بالفعل بإعادة تعريف هذا المفهوم باعتباره "تعاونا مع أوروبا". ولذلك تعمل ألمانيا على تغيير موقفها وتحرير نفسها من القيود التي فرضها عليها الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وأوروبا، بل وتلك التي فرضها الألمان على أنفسهم في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وسوف تشيد الدول الأوروبية الأخرى ومعها الولايات المتحدة باستثمارات ألمانيا في مجال الدفاع، في الأمد القريب على الأقل. وتشارك فرنسا وبولندا والمملكة المتحدة ألمانيا في قلقها إزاء مخططات روسيا في أوروبا، وسوف ترحب بإعادة تسليح برلين، كما ستفعل دول الشمال الأوروبي ودول جنوب أوروبا الأمر نفسه. وبإمكان ميرتس أن يعمل مع هذه الحكومات لتطوير القدرات الألمانية بطرق تسد الثغرات في أوروبا. وأبعد من ذلك، من شأن إعادة تسليح ألمانيا أن تُظهر لترامب أن برلين تتحمل نصيبها من الدفاع الجماعي الغربي وهو الأمر الذي دعا إليه الرئيس الأميركي منذ فترة طويلة. وإذا انسحبت الولايات المتحدة من أوروبا، فإن ألمانيا ذات القدرات العسكرية الكبرى سوف تكون في وضع أفضل لتعويض ذلك النقص. عملاق لطيف؟ لكن على الجانب الآخر، فإن عملية إعادة تسليح ألمانيا -على ضرورتها وحتميتها- لربما تؤدي إلى عواقب وخيمة على المدى الطويل. لقد تمتعت أوروبا بسلام مستقر خلال معظم العقود الماضية فيما بين 1945 و2014، ويرجع ذلك جزئيا إلى رفض الأوروبيين لفكرة أن الحرب يمكن أن تكون حلا ناجعا للأزمات. وعليه، ابتكر الأوروبيون مؤسسات غير عسكرية، مثل الاتحاد الأوروبي، تمكنوا عبرها من حل خلافاتهم. وعلى إثر ذلك تراجعت النزعة القومية العدوانية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما تعلم الأوروبيون كيفية توجيه حماستهم الوطنية من خلال كرة القدم، وليس عبر الحرب. لكن ضعف التسليح النسبي الذي عانته ألمانيا كان أحد العوامل التي لا يمكن إغفالها في هذا السلام الطويل الأمد في القارة العجوز. فخلال الحرب الباردة ، كان لدى ألمانيا الغربية جيش كبير، لكن البلاد كانت محتلة عمليا من قبل قوى أجنبية، بما في ذلك فرنسا وبريطانيا ولم تتمتع أبدا بسيادة كاملة. وفي أعقاب الحرب الباردة، قلصت ألمانيا الموحدة جيشها واكتفت بإنفاق القليل على الدفاع ومنذ ساعتها لم تشكل برلين تهديدا يُذكر. لا يزال المثل الأعلى لألمانيا يتمثل في أوروبا بلا حروب، ولكن البلاد الآن تعمل على إعادة تسليح نفسها حتى تتمكن من اتخاذ قراراتها. ذات مرة، وصف وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر ألمانيا بأنها "كبيرة للغاية بالنسبة لأوروبا، وصغيرة للغاية بالنسبة للعالم". كان تفكيره أن البلاد لن تصبح أبدًا قوة عظمى عالمية، لكنها لا تستطيع تجنب احتلال موقع مهيمن داخل أوروبا بالنظر إلى كونها موقع أكبر كتلة سكانية وصاحبة الاقتصاد الأكبر في القارة. وإذا امتلكت برلين جيشا قويا أيضا، فقد تصبح قوة مهيمنة إقليمية أو تخاطر بأن يُنظر إليها على هذا النحو. وتعد روسيا التحدي الأول أمام ألمانيا الأكثر حزما، وهي المنافس التقليدي للألمان في أوروبا الوسطى والشرقية. والمفارقة هي أن ألمانيا تتسلح مجددا في المقام الأول بسبب روسيا وفي خضم حرب أوروبية كبرى؛ وعليه فإن موسكو لن تألو جهدا لإحباط مساعي برلين لزيادة قوتها، بل لعلها تقوم بذلك الآن بالفعل. على سبيل المثال، وفقًا لمسؤول كبير في حلف شمال الأطلسي، حاولت روسيا العام الماضي اغتيال الرئيس التنفيذي لشركة راينميتال، وهي شركة ألمانية لتصنيع الأسلحة. وإذا أعادت ألمانيا تسليح نفسها، فلربما تثير روسيا أزمة لثني الألمان عن السعي إلى مزيد من الاستقلالية. لكن ألمانيا المعاد تسليحها لن تظل قوة صالحة إلا إذا استطاعت حكومتها تجنب الوقوع في أيدي القوميين المتطرفين. وعلى مدار الأجيال الماضية عرفت أوروبا ألمانيا التي لا ترغب في استخدام القوة العسكرية، لكن ذلك لم يحدث إلا بعد أن عاشت ألمانيا نفسها (ومن ورائها العالم بأسره) أهوال القومية المتطرفة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين؛ مما أفقدها أي رغبة في القتال أو الصراع مع جيرانها. ومع ذلك، فإن القومية يمكن أن تكون معدية، ويمكن للزعماء الكاريزميين أن يأخذوا البلاد في اتجاهات غير متوقعة خاصة أن هذا التوجه القومي يشهد صعودا في أماكن متباينة مثل الصين والهند وروسيا، وفي الولايات المتحدة وأماكن أخرى من أوروبا. وبعد أن يمتدّ الخط على استقامته، فإن ألمانيا المسلحة جيدا يمكن أن تزعزع استقرار جيرانها، وقد انتقدت دول أوروبية أخرى ألمانيا بالفعل بسبب تدخلها المالي في بروكسل (الاتحاد الأوروبي). وفي سيناريو محتمل، يمكن أن تؤدي القوة الألمانية إلى تفاقم النزعة القومية في البلدان المجاورة فضلا عن روسيا، وهذا التنامي للحس القومي في محيط ألمانيا سوف يرتد بدوره مؤججا النزعة القومية داخل ألمانيا نفسها. وفي نهاية المطاف، ربما يقع الجيش الألماني الذي تم دعمه في البداية من قبل حكومات سياسية وسطية مؤيدة لأوروبا في أيدي زعماء لديهم نزعة توسعية، واستعداد لإعادة فرض حدود جديدة والتخلي عن المداولات السياسية لصالح الابتزاز العسكري. من جانبها، تستطيع الولايات المتحدة أن تساعد أوروبا على التكيف مع إعادة تسليح ألمانيا، وإذا كانت إدارة ترامب عازمة على تقليص بصمتها الأوروبية، فينبغي لها أن تفعل ذلك ببطء وتروٍّ. بعد الحرب العالمية الثانية ، أصبحت الولايات المتحدة قوة موازنة في أوروبا الغربية، ثم في أوروبا الوسطى والشرقية أيضا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وعليه فإن الخروج التدريجي من المسرح الأوروبي، الذي تقوم خلاله الولايات المتحدة بإزالة الأصول العسكرية ببطء حتى تتمكن الدول الأوروبية من استبدالها بأصولها الخاصة، سيكون أفضل بكثير من الانسحاب المفاجئ. وتخاطر التغييرات المتسرعة بترك فراغات في السلطة من المرجح أن تثير الخوف والشك. ولكن إذا تم التخطيط للأمر بشكل صحيح، فإن ألمانيا المعاد تسليحها قد تكون بالحجم المناسب لأوروبا. ____________________________________________________________________________


خبر للأنباء
٠١-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- خبر للأنباء
التاريخ يعيد نفسه؟.. ألمانيا تستعد لمواجهة عسكرية قد تُعيد رسم خريطة أوروبا
تنطلق قاذفة صواريخ في حقل نحو خط إطلاق النار، مخلفة سحابة من الغبار البني في الهواء. بعد أن تستقر القاذفة في موقعها يبدأ جندي في العد التنازلي، من خمسة إلى واحد حتى كلمة "إطلاق!"، ثم ينطلق صاروخ محلقا في السماء. تتواصل التدريبات العسكرية وما يصدر عنها من انفجارات وضجيج، وهو ما يدفع سكان بلدة مونستر الصغيرة المجاورة للاختفاء، ويمكن بالكاد ملاحظة وجودهم. ومع هذا فإن الحياة هنا سوف تزداد صخبا، مع تزايد تدريبات الجيش الألماني. وقد حصل الجيش الألماني، البوندسفير، على الضوء الأخضر مؤخرا لزيادة الاستثمارات بشكل هائل، بعد أن صوّت البرلمان على إعفاء الإنفاق الدفاعي من القواعد الصارمة على الديون. صرح كبير جنرالات الجش الألماني، لبي بي سي، بأنهم في حاجة ماسة إلى هذه الزيادة النقدية في الانفاق، لأنه يعتقد أن "العدوان الروسي" لن يتوقف عند أوكرانيا. يقول رئيس الدفاع الجنرال كارستن بروير، لبي بي سي: "روسيا تهددنا، بوتين يهددنا، علينا أن نفعل كل ما هو ضروري لردع ذلك التهديد". ويُحذّر الجنرال بروير من أن حلف الناتو عليه الاستعداد لهجوم محتمل (من روسيا) خلال أربع سنوات مقبلة. ويضيف رئيس الدفاع الألماني بصراحة: "الموقف لا يتعلق بالوقت الذي أحتاجه (حتى الاستعداد للحرب)، بل يتعلق أكثر بالوقت الذي يمنحنا إياه بوتين للاستعداد. وكلما أسرعنا في الاستعداد (للحرب)، كان ذلك أفضل". المحور غيّر الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا التفكير في ألمانيا بشكل جذري. لعقود طويلة نشأ الناس هنا على رفض القوة العسكرية، ودائما ما تذكروا دور ألمانيا السابق كمعتدي في أوروبا. يوضح ماركوس زينر، من صندوق مارشال الألماني في برلين: "بدأنا حربين عالميتين. ورغم مرور 80 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية، إلا أن فكرة بقاء الألمان بعيدا عن الصراعات لا تزال راسخة في أعماق الشعب". وحتى الآن لا يظل البعض قلقا من أي تحرك قد يمثل نزعة عسكرية، وتعاني القوات المسلحة الألمانية من نقص مزمن في التمويل. ويضيف زينر: "هناك أصوات تُحذر: هل نسير حقًا على الطريق الصحيح؟ هل تصورنا للتهديد صحيح؟" لكن إذا تعلق الأمر بروسيا، تتبع ألمانيا نهجًا خاصا. عندما حذرت دول مثل بولندا ودول البلطيق من التقرب الوثيق من موسكو، وزادت هذه الدول من إنفاقها الدفاعي، اتجهت برلين لطريق مختلف في عهد المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، وأكدت على أهمية تعزيز التجارة. تخيلت ألمانيا أن بإمكانها نقل الديمقراطية بالضغط الإسموزي إلى موسكو، لكن روسيا استولت على الأموال وغزت أوكرانيا على أي حال. وهو ما أدى لصدمة في ألمانيا، ودفع المستشار أولاف شولتز، في فبراير/شباط 2022، إلى الإعلان عن تحول وطني في الأولويات، فيما يعرف بخطاب زيتنفيند "Zeitenwende". وتعهد شولتو في خطابه بتخصيص مبلغ ضخم قدره 108 مليارات دولار، لتعزيز قدرات الجيش وكبح جماح "دعاة الحروب مثل بوتين". ومع هذا فإن رئيس الدفاع الألماني الجنرال بروير، يقول إن هذا المبلغ "لم يكن كافيًا." وأضاف، "ضيقنا الفجوة قليلًا، لكن الوضع سيء للغاية". وأشار في المقابل إلى الإنفاق الضخم في روسيا على الأسلحة والمعدات، وعلى المخزونات، وكذلك على خطوط المواجهة في أوكرانيا. كما يسلط الضوء على الحرب الهجينة التي تشنها روسيا ضد المواقع العسكرية الألمانية: من خلال الهجمات الإلكترونية وعمليات تخريب، بالإضافة إلى إطلاق الطائرات المسيرة مجهولة الهوية. وبالإضافة إلى خطاب فلاديمير بوتين العدواني، فإن الجنرال بروير يرى أن هناك "مزيجًا خطيرًا للغاية". ويوضح أن روسيا على العكس من العالم الغربي، "لا تفكر بشكل منغلق"، الأمر لا يتعلق بالسلم والحرب، بل هو "عملية مستمرة: لنبدأ بالحرب الهجينة، ثم نُصعّد الموقف، ثم نتراجع". ويؤكد: "هذا ما يجعلني أعتقد أننا نواجه تهديدًا حقيقيًا". ويُشدد على أن ألمانيا يجب أن "تتحرك بسرعة." "القليل جدًا من كل شيء" يتوافق التقييم اللاذع لوزير الدفاع لوضع القوات الألمانية الحالي، مع تقرير صدر مؤخرا للبرلمان الألماني، وخلص إلى أن الجيش الألماني "لديه القليل جدًا من كل شيء". وكشفت مفوضة القوات المسلحة، إيفا هوغل، كاتبة التقرير، عن نقص حاد في الذخيرة والجنود، وانتهاءً بثكنات الجنود المتهالكة. وقدّرت ميزانية أعمال التجديد وحدها بنحو 67 مليار يورو (72 مليار دولار أمريكي). يقول الجنرال بروير إن رفع سقف الدين، والسماح للجيش بالاقتراض، نظريا- بلا سقف محدد، سيمنحه إمكانية الوصول إلى "خط تمويل ثابت" للبدء في معالجة هذا الوضع. وأثارت الخطوة التاريخية المتعجلة التي اتخذها فريدريش ميرز، الخليفة المتوقع للمستشار شولتز المتوقع، استغراب البعض. فقد قدّم اقتراح (رفع سقف الدين للجيش) إلى البرلمان قبل حله مباشرة عقب انتخابات فبراير/شباط. ربما فعل هذا لأن البرلمان الجديد، بيساره المناهض للنزعة العسكرية ويمينه المتطرف المتعاطف مع روسيا، أقل اتجاها لتأييد هذا التحرك. لكن "التحول" الذي بدأته ألمانيا في عام 2022 اكتسب دفعة قوية جديدة هذا العام. وكشف استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة يوغوف، أن 79 في المئة من الألمان ما زالوا يعتبرون فلاديمير بوتين خطرا "جدًا" أو "خطر بشكلٍ نسبي" على السلام والأمن الأوروبيين. لكن حاليا يرى 74 في المئة من الألمان نفس الشيء بالنسبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وجاءت نتائج الاستطلاع الأخير عقب الخطاب الذي ألقاه جيه دي فانس، نائب ترامب في مؤتمر ميونيخ، وهاجم فيه أوروبا وقيمها. يقول ماركوس زينر: "كانت تلك اللحظة إشارة واضحة إلى أن شيئًا ما قد تغير جذريًا في الولايات المتحدة". وأضاف: "لا نعرف إلى أين تتجه الولايات المتحدة، لكننا نعرف الآن أنه فيما يتعلق بأمننا القومي، فإن إمكانية الاعتماد على الحماية الأمريكية بنسبة 100 في المئة، قد انتهى الآن". التخلي عن التاريخ في برلين، يبدو أن الحذر التقليدي للألمان تجاه كل ما يتعلق بالأمور العسكرية يتلاشى بسرعة. تقول شارلوت كريفت، البالغة من العمر 18 عامًا، إن آراءها الخاصة بالسلمية "قد تغيرت." وتوضح شارلوت الأسباب: "لوقت طويل، اعتقدنا أن السبيل الوحيد للتكفير عن الفظائع التي ارتكبناها في الحرب العالمية الثانية هو ضمان عدم تكرارها، وكنا نعتقد أننا بحاجة إلى نزع السلاح." "لكننا الآن في وضع يفرض علينا القتال من أجل قيمنا وديمقراطيتنا وحريتنا. علينا التكيف." ويتفق معها لودفيغ شتاين، قائلا: "لا يزال الكثير من الألمان يشعرون بالغرابة تجاه الاستثمارات الكبيرة في جيشنا.. لكنني أعتقد أنه بالنظر إلى ما حدث في السنوات القليلة الماضية، لا يوجد خيار حقيقي آخر." تعتقد صوفي، وهي أم شابة، أن الاستثمار في الدفاع أصبح "ضروريًا في عالمنا اليوم". لكن ألمانيا تحتاج إلى جنود بقدر ما تحتاج إلى دبابات، لكنها ليست متحمسة جدا لتجنيد ابنها في الجيش. "هل أنتم مستعدون للحرب؟" لا يوجد لدى الجيش الألماني سوى مركز استقبال واحد دائم للجنود، وهو وحدة صغيرة تقع بين صيدلية ومتجر أحذية بجوار محطة فريدريش شتراسه في برلين. ويعرض المركز دمى بملابس عسكرية مموهة وشعارات مثل "رائع وجذاب"، بهدف جذب الرجال والنساء للخدمة العسكرية، ومع هذا لا يتلقى سوى عدد قليل من المتصلين يوميًا. حتى الآن فشلت ألمانيا فعليا في تحقيق هدفها المتمثل في زيادة عدد جنودها بمقدار 20 ألف جندي، ليصل عدد قواته إلى 203 آلاف جندي، وخفض متوسط العمر لأقل من 34 عاما. لكن طموحات الجنرال بروير أكبر بكثير. أخبرنا أن ألمانيا بحاجة إلى 100 ألف جندي إضافي للدفاع عن نفسها وعن الجناح الشرقي لحلف الناتو بشكل فعال، أي الوضول إلى 460 ألف جندي، بما في ذلك قوات الاحتياط. لهذا يصر الجنرال على أن العودة إلى الخدمة العسكرية الإلزامية ضرورية "بشدة". وقال رئيس الدفاع الألماني: "لن نصل إلى هذا العدد من الجنود (البالغ عددهم 100 ألف جندي) بدون نموذج أو آخر من التجنيد الإجباري". وأضاف: "لسنا مضطرين الآن لتحديد النموذج الذي سنحصل به عليهم. بالنسبة لي، المهم فقط هو أن نرسل الجنود". وقد بدأ النقاش بالفعل حول هذا الموضوع. من الواضح أن الجنرال بروير يضع نفسه في موقع قيادة الجهود الحالية لدفع "دور" ألمانيا إلى الأمام وتسريعه. بأسلوبه السهل والجذاب، يُحب بروير زيارة البلديات والأقاليم الألمانية وطرح سؤال على الحضور: "هل أنتم مستعدون للحرب؟" في أحد الأيام، اتهمته امرأة بتخويفها. يتذكر رده: "قلت لها: لست أنا من يخيفكم، بل الطرف الآخر!". مشيرا إلى فلاديمير بوتين. ويدافع الجنرال عن موقفه محذرا من أن ناقوس الخطر المزدوج، التهديد الروسي واتجاه الولايات المتحدة نحو الانعزالية، يدق الآن بقوة في ألمانيا، ولا يُمكن تجاهله. ويختم حديثه بالقول: "الآن أصبح مفهومًا لكل واحد منا أننا يجب أن نتغير."


المغرب اليوم
٠١-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- المغرب اليوم
برلين تعزز قدراتها العسكرية وتتخلى عن نهجها السابق استعدادًا للحروب المقبلة
تنطلق قاذفة صواريخ في حقل نحو خط إطلاق النار، مخلفة سحابة من الغبار البني في الهواء. بعد أن تستقر القاذفة في موقعها يبدأ جندي في العد التنازلي، من خمسة إلى واحد حتى كلمة "إطلاق!"، ثم ينطلق صاروخ محلقا في السماء. و تتواصل التدريبات العسكرية وما يصدر عنها من انفجارات وضجيج، وهو ما يدفع سكان بلدة مونستر الصغيرة المجاورة للاختفاء، ويمكن بالكاد ملاحظة وجودهم. ومع هذا فإن الحياة هنا سوف تزداد صخبا، مع تزايد تدريبات الجيش الألماني. وقد حصل الجيش الألماني، البوندسفير، على الضوء الأخضر مؤخرا لزيادة الاستثمارات بشكل هائل، بعد أن صوّت البرلمان على إعفاء الإنفاق الدفاعي من القواعد الصارمة على الديون. وقال أحد كبار جنرالات الجيش الألماني ، بأنهم في حاجة ماسة إلى هذه الزيادة النقدية في الانفاق، لأنه يعتقد أن "العدوان الروسي" لن يتوقف عند أوكرانيا. و أكّد وزير الدفاع الجنرال كارستن بروير: " روسيا تهددنا، بوتين يهددنا، علينا أن نفعل كل ما هو ضروري لردع ذلك التهديد". ويُحذّر الجنرال بروير من أن حلف الناتو عليه الاستعداد لهجوم محتمل (من روسيا) خلال أربع سنوات مقبلة. ويضيف وزير الدفاع الألماني بصراحة: "الموقف لا يتعلق بالوقت الذي أحتاجه (حتى الاستعداد للحرب)، بل يتعلق أكثر بالوقت الذي يمنحنا إياه بوتين للاستعداد. وكلما أسرعنا في الاستعداد (للحرب)، كان ذلك أفضل". و قد غيّر الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا التفكير في ألمانيا بشكل جذري. و لعقود طويلة نشأ الناس هنا على رفض القوة العسكرية، ودائما ما تذكروا دور ألمانيا السابق كمعتدي في أوروبا. وقال ماركوس زينر، من صندوق مارشال الألماني في برلين: "بدأنا حربين عالميتين. ورغم مرور 80 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية، إلا أن فكرة بقاء الألمان بعيدا عن الصراعات لا تزال راسخة في أعماق الشعب". وحتى الآن لا يظل البعض قلقا من أي تحرك قد يمثل نزعة عسكرية، وتعاني القوات المسلحة الألمانية من نقص مزمن في التمويل. ويضيف زينر: "هناك أصوات تُحذر: هل نسير حقًا على الطريق الصحيح؟ هل تصورنا للتهديد صحيح؟" لكن إذا تعلق الأمر بروسيا، تتبع ألمانيا نهجًا خاصا. عندما حذرت دول مثل بولندا ودول البلطيق من التقرب الوثيق من موسكو، وزادت هذه الدول من إنفاقها الدفاعي، اتجهت برلين لطريق مختلف في عهد المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، وأكدت على أهمية تعزيز التجارة. و تخيلت ألمانيا أن بإمكانها نقل الديمقراطية بالضغط الإسموزي إلى موسكو، لكن روسيا استولت على الأموال وغزت أوكرانيا على أي حال. وهو ما أدى لصدمة في ألمانيا، ودفع المستشار أولاف شولتز، في فبراير/شباط 2022، إلى الإعلان عن تحول وطني في الأولويات، فيما يعرف بخطاب زيتنفيند "Zeitenwende". وتعهد شولتو في خطابه بتخصيص مبلغ ضخم قدره 108 مليارات دولار، لتعزيز قدرات الجيش وكبح جماح "دعاة الحروب مثل بوتين". ومع هذا فإن وزير الدفاع الألماني الجنرال بروير، يقول إن هذا المبلغ "لم يكن كافيًا." وأضاف، "ضيقنا الفجوة قليلًا، لكن الوضع سيء للغاية". وأشار في المقابل إلى الإنفاق الضخم في روسيا على الأسلحة والمعدات، وعلى المخزونات، وكذلك على خطوط المواجهة في أوكرانيا. كما يسلط الضوء على الحرب الهجينة التي تشنها روسيا ضد المواقع العسكرية الألمانية: من خلال الهجمات الإلكترونية وعمليات تخريب، بالإضافة إلى إطلاق الطائرات المسيرة مجهولة الهوية. وبالإضافة إلى خطاب فلاديمير بوتين العدواني، فإن الجنرال بروير يرى أن هناك "مزيجًا خطيرًا للغاية". ويوضح أن روسيا على العكس من العالم الغربي، "لا تفكر بشكل منغلق"، الأمر لا يتعلق بالسلم والحرب، بل هو "عملية مستمرة: لنبدأ بالحرب الهجينة، ثم نُصعّد الموقف، ثم نتراجع". ويؤكد: "هذا ما يجعلني أعتقد أننا نواجه تهديدًا حقيقيًا". يتوافق التقييم اللاذع لوزير الدفاع لوضع القوات الألمانية الحالي، مع تقرير صدر مؤخرا للبرلمان الألماني، وخلص إلى أن الجيش الألماني "لديه القليل جدًا من كل شيء". وكشفت مفوضة القوات المسلحة، إيفا هوغل، كاتبة التقرير، عن نقص حاد في الذخيرة والجنود، وانتهاءً بثكنات الجنود المتهالكة. وقدّرت ميزانية أعمال التجديد وحدها بنحو 67 مليار يورو (72 مليار دولار أمريكي). يقول الجنرال بروير إن رفع سقف الدين، والسماح للجيش بالاقتراض، نظريا- بلا سقف محدد، سيمنحه إمكانية الوصول إلى "خط تمويل ثابت" للبدء في معالجة هذا الوضع. وأثارت الخطوة التاريخية المتعجلة التي اتخذها فريدريش ميرز، الخليفة المتوقع للمستشار شولتز المتوقع، استغراب البعض. فقد قدّم اقتراح (رفع سقف الدين للجيش) إلى البرلمان قبل حله مباشرة عقب انتخابات فبراير/شباط. ربما فعل هذا لأن البرلمان الجديد، بيساره المناهض للنزعة العسكرية ويمينه المتطرف المتعاطف مع روسيا، أقل اتجاها لتأييد هذا التحرك. وكشف استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة يوغوف، أن 79 في المئة من الألمان ما زالوا يعتبرون فلاديمير بوتين خطرا "جدًا" أو "خطر بشكلٍ نسبي" على السلام والأمن الأوروبيين. لكن حاليا يرى 74 في المئة من الألمان نفس الشيء بالنسبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وجاءت نتائج الاستطلاع الأخير عقب الخطاب الذي ألقاه جيه دي فانس، نائب ترامب في مؤتمر ميونيخ، وهاجم فيه أوروبا وقيمها. يقول ماركوس زينر: "كانت تلك اللحظة إشارة واضحة إلى أن شيئًا ما قد تغير جذريًا في الولايات المتحدة". وأضاف: "لا نعرف إلى أين تتجه الولايات المتحدة، لكننا نعرف الآن أنه فيما يتعلق بأمننا القومي، فإن إمكانية الاعتماد على الحماية الأمريكية بنسبة 100 في المئة، قد انتهى الآن". التخلي عن التاريخ في برلين، يبدو أن الحذر التقليدي للألمان تجاه كل ما يتعلق بالأمور العسكرية يتلاشى بسرعة. تقول شارلوت كريفت، البالغة من العمر 18 عامًا، إن آراءها الخاصة بالسلمية "قد تغيرت." وتوضح شارلوت الأسباب: "لوقت طويل، اعتقدنا أن السبيل الوحيد للتكفير عن الفظائع التي ارتكبناها في الحرب العالمية الثانية هو ضمان عدم تكرارها، وكنا نعتقد أننا بحاجة إلى نزع السلاح." "لكننا الآن في وضع يفرض علينا القتال من أجل قيمنا وديمقراطيتنا وحريتنا. علينا التكيف." ويتفق معها لودفيغ شتاين، قائلا: "لا يزال الكثير من الألمان يشعرون بالغرابة تجاه الاستثمارات الكبيرة في جيشنا.. لكنني أعتقد أنه بالنظر إلى ما حدث في السنوات القليلة الماضية، لا يوجد خيار حقيقي آخر." لا يوجد لدى الجيش الألماني سوى مركز استقبال واحد دائم للجنود، وهو وحدة صغيرة تقع بين صيدلية ومتجر أحذية بجوار محطة فريدريش شتراسه في برلين. ويعرض المركز دمى بملابس عسكرية مموهة وشعارات مثل "رائع وجذاب"، بهدف جذب الرجال والنساء للخدمة العسكرية، ومع هذا لا يتلقى سوى عدد قليل من المتصلين يوميًا. حتى الآن فشلت ألمانيا فعليا في تحقيق هدفها المتمثل في زيادة عدد جنودها بمقدار 20 ألف جندي، ليصل عدد قواته إلى 203 آلاف جندي، وخفض متوسط العمر لأقل من 34 عاما. لكن طموحات الجنرال بروير أكبر بكثير. أخبرنا أن ألمانيا بحاجة إلى 100 ألف جندي إضافي للدفاع عن نفسها وعن الجناح الشرقي لحلف الناتو بشكل فعال، أي الوضول إلى 460 ألف جندي، بما في ذلك قوات الاحتياط. لهذا يصر الجنرال على أن العودة إلى الخدمة العسكرية الإلزامية ضرورية "بشدة". وقال رئيس الدفاع الألماني: "لن نصل إلى هذا العدد من الجنود (البالغ عددهم 100 ألف جندي) بدون نموذج أو آخر من التجنيد الإجباري". وأضاف: "لسنا مضطرين الآن لتحديد النموذج الذي سنحصل به عليهم. بالنسبة لي، المهم فقط هو أن نرسل الجنود". من الواضح أن الجنرال بروير يضع نفسه في موقع قيادة الجهود الحالية لدفع "دور" ألمانيا إلى الأمام وتسريعه. بأسلوبه السهل والجذاب، يُحب بروير زيارة البلديات والأقاليم الألمانية وطرح سؤال على الحضور: "هل أنتم مستعدون للحرب؟" في أحد الأيام، اتهمته امرأة بتخويفها. يتذكر رده: "قلت لها: لست أنا من يخيفكم، بل الطرف الآخر!". مشيرا إلى فلاديمير بوتين. ويدافع الجنرال عن موقفه محذرا من أن ناقوس الخطر المزدوج، التهديد الروسي واتجاه الولايات المتحدة نحو الانعزالية، يدق الآن بقوة في ألمانيا، ولا يُمكن تجاهله. ويختم حديثه بالقول: "الآن أصبح مفهومًا لكل واحد منا أننا يجب أن نتغير." قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :


العرب اليوم
٠١-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- العرب اليوم
برلين لتعزيز قدراتها العسكرية و التخلّي عن نهجها السابق وبدأت وتستعد للحروب المقبلة
تنطلق قاذفة صواريخ في حقل نحو خط إطلاق النار، مخلفة سحابة من الغبار البني في الهواء. بعد أن تستقر القاذفة في موقعها يبدأ جندي في العد التنازلي، من خمسة إلى واحد حتى كلمة "إطلاق!"، ثم ينطلق صاروخ محلقا في السماء. و تتواصل التدريبات العسكرية وما يصدر عنها من انفجارات وضجيج، وهو ما يدفع سكان بلدة مونستر الصغيرة المجاورة للاختفاء، ويمكن بالكاد ملاحظة وجودهم. ومع هذا فإن الحياة هنا سوف تزداد صخبا، مع تزايد تدريبات الجيش الألماني. وقد حصل الجيش الألماني، البوندسفير، على الضوء الأخضر مؤخرا لزيادة الاستثمارات بشكل هائل، بعد أن صوّت البرلمان على إعفاء الإنفاق الدفاعي من القواعد الصارمة على الديون. وقال أحد كبار جنرالات الجيش الألماني، بأنهم في حاجة ماسة إلى هذه الزيادة النقدية في الانفاق، لأنه يعتقد أن "العدوان الروسي" لن يتوقف عند أوكرانيا. و أكّد وزير الدفاع الجنرال كارستن بروير: " روسيا تهددنا، بوتين يهددنا، علينا أن نفعل كل ما هو ضروري لردع ذلك التهديد". ويُحذّر الجنرال بروير من أن حلف الناتو عليه الاستعداد لهجوم محتمل (من روسيا) خلال أربع سنوات مقبلة. ويضيف وزير الدفاع الألماني بصراحة: "الموقف لا يتعلق بالوقت الذي أحتاجه (حتى الاستعداد للحرب)، بل يتعلق أكثر بالوقت الذي يمنحنا إياه بوتين للاستعداد. وكلما أسرعنا في الاستعداد (للحرب)، كان ذلك أفضل". و قد غيّر الغزو الروسي الشامل ل أوكرانيا التفكير في ألمانيا بشكل جذري. و لعقود طويلة نشأ الناس هنا على رفض القوة العسكرية، ودائما ما تذكروا دور ألمانيا السابق كمعتدي في أوروبا. وقال ماركوس زينر، من صندوق مارشال الألماني في برلين: "بدأنا حربين عالميتين. ورغم مرور 80 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية، إلا أن فكرة بقاء الألمان بعيدا عن الصراعات لا تزال راسخة في أعماق الشعب". وحتى الآن لا يظل البعض قلقا من أي تحرك قد يمثل نزعة عسكرية، وتعاني القوات المسلحة الألمانية من نقص مزمن في التمويل. ويضيف زينر: "هناك أصوات تُحذر: هل نسير حقًا على الطريق الصحيح؟ هل تصورنا للتهديد صحيح؟" لكن إذا تعلق الأمر بروسيا، تتبع ألمانيا نهجًا خاصا. عندما حذرت دول مثل بولندا ودول البلطيق من التقرب الوثيق من موسكو، وزادت هذه الدول من إنفاقها الدفاعي، اتجهت برلين لطريق مختلف في عهد المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، وأكدت على أهمية تعزيز التجارة. و تخيلت ألمانيا أن بإمكانها نقل الديمقراطية بالضغط الإسموزي إلى موسكو، لكن روسيا استولت على الأموال وغزت أوكرانيا على أي حال. وهو ما أدى لصدمة في ألمانيا، ودفع المستشار أولاف شولتز، في فبراير/شباط 2022، إلى الإعلان عن تحول وطني في الأولويات، فيما يعرف بخطاب زيتنفيند "Zeitenwende". وتعهد شولتو في خطابه بتخصيص مبلغ ضخم قدره 108 مليارات دولار، لتعزيز قدرات الجيش وكبح جماح "دعاة الحروب مثل بوتين". ومع هذا فإن وزير الدفاع الألماني الجنرال بروير، يقول إن هذا المبلغ "لم يكن كافيًا." وأضاف، "ضيقنا الفجوة قليلًا، لكن الوضع سيء للغاية". وأشار في المقابل إلى الإنفاق الضخم في روسيا على الأسلحة والمعدات، وعلى المخزونات، وكذلك على خطوط المواجهة في أوكرانيا. كما يسلط الضوء على الحرب الهجينة التي تشنها روسيا ضد المواقع العسكرية الألمانية: من خلال الهجمات الإلكترونية وعمليات تخريب، بالإضافة إلى إطلاق الطائرات المسيرة مجهولة الهوية. وبالإضافة إلى خطاب فلاديمير بوتين العدواني، فإن الجنرال بروير يرى أن هناك "مزيجًا خطيرًا للغاية". ويوضح أن روسيا على العكس من العالم الغربي، "لا تفكر بشكل منغلق"، الأمر لا يتعلق بالسلم والحرب، بل هو "عملية مستمرة: لنبدأ بالحرب الهجينة، ثم نُصعّد الموقف، ثم نتراجع". ويؤكد: "هذا ما يجعلني أعتقد أننا نواجه تهديدًا حقيقيًا". يتوافق التقييم اللاذع لوزير الدفاع لوضع القوات الألمانية الحالي، مع تقرير صدر مؤخرا للبرلمان الألماني، وخلص إلى أن الجيش الألماني "لديه القليل جدًا من كل شيء". وكشفت مفوضة القوات المسلحة، إيفا هوغل، كاتبة التقرير، عن نقص حاد في الذخيرة والجنود، وانتهاءً بثكنات الجنود المتهالكة. وقدّرت ميزانية أعمال التجديد وحدها بنحو 67 مليار يورو (72 مليار دولار أمريكي). يقول الجنرال بروير إن رفع سقف الدين، والسماح للجيش بالاقتراض، نظريا- بلا سقف محدد، سيمنحه إمكانية الوصول إلى "خط تمويل ثابت" للبدء في معالجة هذا الوضع. وأثارت الخطوة التاريخية المتعجلة التي اتخذها فريدريش ميرز، الخليفة المتوقع للمستشار شولتز المتوقع، استغراب البعض. فقد قدّم اقتراح (رفع سقف الدين للجيش) إلى البرلمان قبل حله مباشرة عقب انتخابات فبراير/شباط. ربما فعل هذا لأن البرلمان الجديد، بيساره المناهض للنزعة العسكرية ويمينه المتطرف المتعاطف مع روسيا، أقل اتجاها لتأييد هذا التحرك. وكشف استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة يوغوف، أن 79 في المئة من الألمان ما زالوا يعتبرون فلاديمير بوتين خطرا "جدًا" أو "خطر بشكلٍ نسبي" على السلام والأمن الأوروبيين. لكن حاليا يرى 74 في المئة من الألمان نفس الشيء بالنسبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وجاءت نتائج الاستطلاع الأخير عقب الخطاب الذي ألقاه جيه دي فانس، نائب ترامب في مؤتمر ميونيخ، وهاجم فيه أوروبا وقيمها. يقول ماركوس زينر: "كانت تلك اللحظة إشارة واضحة إلى أن شيئًا ما قد تغير جذريًا في الولايات المتحدة". وأضاف: "لا نعرف إلى أين تتجه الولايات المتحدة، لكننا نعرف الآن أنه فيما يتعلق بأمننا القومي، فإن إمكانية الاعتماد على الحماية الأمريكية بنسبة 100 في المئة، قد انتهى الآن". التخلي عن التاريخ في برلين، يبدو أن الحذر التقليدي للألمان تجاه كل ما يتعلق بالأمور العسكرية يتلاشى بسرعة. تقول شارلوت كريفت، البالغة من العمر 18 عامًا، إن آراءها الخاصة بالسلمية "قد تغيرت." وتوضح شارلوت الأسباب: "لوقت طويل، اعتقدنا أن السبيل الوحيد للتكفير عن الفظائع التي ارتكبناها في الحرب العالمية الثانية هو ضمان عدم تكرارها، وكنا نعتقد أننا بحاجة إلى نزع السلاح." "لكننا الآن في وضع يفرض علينا القتال من أجل قيمنا وديمقراطيتنا وحريتنا. علينا التكيف." ويتفق معها لودفيغ شتاين، قائلا: "لا يزال الكثير من الألمان يشعرون بالغرابة تجاه الاستثمارات الكبيرة في جيشنا.. لكنني أعتقد أنه بالنظر إلى ما حدث في السنوات القليلة الماضية، لا يوجد خيار حقيقي آخر." لا يوجد لدى الجيش الألماني سوى مركز استقبال واحد دائم للجنود، وهو وحدة صغيرة تقع بين صيدلية ومتجر أحذية بجوار محطة فريدريش شتراسه في برلين. ويعرض المركز دمى بملابس عسكرية مموهة وشعارات مثل "رائع وجذاب"، بهدف جذب الرجال والنساء للخدمة العسكرية، ومع هذا لا يتلقى سوى عدد قليل من المتصلين يوميًا. حتى الآن فشلت ألمانيا فعليا في تحقيق هدفها المتمثل في زيادة عدد جنودها بمقدار 20 ألف جندي، ليصل عدد قواته إلى 203 آلاف جندي، وخفض متوسط العمر لأقل من 34 عاما. لكن طموحات الجنرال بروير أكبر بكثير. أخبرنا أن ألمانيا بحاجة إلى 100 ألف جندي إضافي للدفاع عن نفسها وعن الجناح الشرقي لحلف الناتو بشكل فعال، أي الوضول إلى 460 ألف جندي، بما في ذلك قوات الاحتياط. لهذا يصر الجنرال على أن العودة إلى الخدمة العسكرية الإلزامية ضرورية "بشدة". وقال رئيس الدفاع الألماني: "لن نصل إلى هذا العدد من الجنود (البالغ عددهم 100 ألف جندي) بدون نموذج أو آخر من التجنيد الإجباري". وأضاف: "لسنا مضطرين الآن لتحديد النموذج الذي سنحصل به عليهم. بالنسبة لي، المهم فقط هو أن نرسل الجنود". من الواضح أن الجنرال بروير يضع نفسه في موقع قيادة الجهود الحالية لدفع "دور" ألمانيا إلى الأمام وتسريعه. بأسلوبه السهل والجذاب، يُحب بروير زيارة البلديات والأقاليم الألمانية وطرح سؤال على الحضور: "هل أنتم مستعدون للحرب؟" في أحد الأيام، اتهمته امرأة بتخويفها. يتذكر رده: "قلت لها: لست أنا من يخيفكم، بل الطرف الآخر!". مشيرا إلى فلاديمير بوتين. ويدافع الجنرال عن موقفه محذرا من أن ناقوس الخطر المزدوج، التهديد الروسي واتجاه الولايات المتحدة نحو الانعزالية، يدق الآن بقوة في ألمانيا، ولا يُمكن تجاهله. ويختم حديثه بالقول: "الآن أصبح مفهومًا لكل واحد منا أننا يجب أن نتغير." قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :


شفق نيوز
٠١-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- شفق نيوز
ألمانيا قررت التخلي عن تاريخها وبدأت الاستعداد للحرب المقبلة
تنطلق قاذفة صواريخ في حقل نحو خط إطلاق النار، مخلفة سحابة من الغبار البني في الهواء. بعد أن تستقر القاذفة في موقعها يبدأ جندي في العد التنازلي، من خمسة إلى واحد حتى كلمة "إطلاق!"، ثم ينطلق صاروخ محلقا في السماء. تتواصل التدريبات العسكرية وما يصدر عنها من انفجارات وضجيج، وهو ما يدفع سكان بلدة مونستر الصغيرة المجاورة للاختفاء، ويمكن بالكاد ملاحظة وجودهم. ومع هذا فإن الحياة هنا سوف تزداد صخبا، مع تزايد تدريبات الجيش الألماني. وقد حصل الجيش الألماني، البوندسفير، على الضوء الأخضر مؤخرا لزيادة الاستثمارات بشكل هائل، بعد أن صوّت البرلمان على إعفاء الإنفاق الدفاعي من القواعد الصارمة على الديون. صرح كبير جنرالات الجش الألماني، لبي بي سي، بأنهم في حاجة ماسة إلى هذه الزيادة النقدية في الانفاق، لأنه يعتقد أن "العدوان الروسي" لن يتوقف عند أوكرانيا. يقول رئيس الدفاع الجنرال كارستن بروير، لبي بي سي: "روسيا تهددنا، بوتين يهددنا، علينا أن نفعل كل ما هو ضروري لردع ذلك التهديد". ويُحذّر الجنرال بروير من أن حلف الناتو عليه الاستعداد لهجوم محتمل (من روسيا) خلال أربع سنوات مقبلة. ويضيف رئيس الدفاع الألماني بصراحة: "الموقف لا يتعلق بالوقت الذي أحتاجه (حتى الاستعداد للحرب)، بل يتعلق أكثر بالوقت الذي يمنحنا إياه بوتين للاستعداد. وكلما أسرعنا في الاستعداد (للحرب)، كان ذلك أفضل". المحور BBC غيّر الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا التفكير في ألمانيا بشكل جذري. لعقود طويلة نشأ الناس هنا على رفض القوة العسكرية، ودائما ما تذكروا دور ألمانيا السابق كمعتدي في أوروبا. يوضح ماركوس زينر، من صندوق مارشال الألماني في برلين: "بدأنا حربين عالميتين. ورغم مرور 80 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية، إلا أن فكرة بقاء الألمان بعيدا عن الصراعات لا تزال راسخة في أعماق الشعب". وحتى الآن لا يظل البعض قلقا من أي تحرك قد يمثل نزعة عسكرية، وتعاني القوات المسلحة الألمانية من نقص مزمن في التمويل. ويضيف زينر: "هناك أصوات تُحذر: هل نسير حقًا على الطريق الصحيح؟ هل تصورنا للتهديد صحيح؟" لكن إذا تعلق الأمر بروسيا، تتبع ألمانيا نهجًا خاصا. عندما حذرت دول مثل بولندا ودول البلطيق من التقرب الوثيق من موسكو، وزادت هذه الدول من إنفاقها الدفاعي، اتجهت برلين لطريق مختلف في عهد المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، وأكدت على أهمية تعزيز التجارة. تخيلت ألمانيا أن بإمكانها نقل الديمقراطية بالضغط الإسموزي إلى موسكو، لكن روسيا استولت على الأموال وغزت أوكرانيا على أي حال. وهو ما أدى لصدمة في ألمانيا، ودفع المستشار أولاف شولتز، في فبراير/شباط 2022، إلى الإعلان عن تحول وطني في الأولويات، فيما يعرف بخطاب زيتنفيند "Zeitenwende". وتعهد شولتو في خطابه بتخصيص مبلغ ضخم قدره 108 مليارات دولار، لتعزيز قدرات الجيش وكبح جماح "دعاة الحروب مثل بوتين". ومع هذا فإن رئيس الدفاع الألماني الجنرال بروير، يقول إن هذا المبلغ "لم يكن كافيًا." وأضاف، "ضيقنا الفجوة قليلًا، لكن الوضع سيء للغاية". وأشار في المقابل إلى الإنفاق الضخم في روسيا على الأسلحة والمعدات، وعلى المخزونات، وكذلك على خطوط المواجهة في أوكرانيا. كما يسلط الضوء على الحرب الهجينة التي تشنها روسيا ضد المواقع العسكرية الألمانية: من خلال الهجمات الإلكترونية وعمليات تخريب، بالإضافة إلى إطلاق الطائرات المسيرة مجهولة الهوية. وبالإضافة إلى خطاب فلاديمير بوتين العدواني، فإن الجنرال بروير يرى أن هناك "مزيجًا خطيرًا للغاية". ويوضح أن روسيا على العكس من العالم الغربي، "لا تفكر بشكل منغلق"، الأمر لا يتعلق بالسلم والحرب، بل هو "عملية مستمرة: لنبدأ بالحرب الهجينة، ثم نُصعّد الموقف، ثم نتراجع". ويؤكد: "هذا ما يجعلني أعتقد أننا نواجه تهديدًا حقيقيًا". ويُشدد على أن ألمانيا يجب أن "تتحرك بسرعة." "القليل جدًا من كل شيء" يتوافق التقييم اللاذع لوزير الدفاع لوضع القوات الألمانية الحالي، مع تقرير صدر مؤخرا للبرلمان الألماني، وخلص إلى أن الجيش الألماني "لديه القليل جدًا من كل شيء". وكشفت مفوضة القوات المسلحة، إيفا هوغل، كاتبة التقرير، عن نقص حاد في الذخيرة والجنود، وانتهاءً بثكنات الجنود المتهالكة. وقدّرت ميزانية أعمال التجديد وحدها بنحو 67 مليار يورو (72 مليار دولار أمريكي). يقول الجنرال بروير إن رفع سقف الدين، والسماح للجيش بالاقتراض، نظريا- بلا سقف محدد، سيمنحه إمكانية الوصول إلى "خط تمويل ثابت" للبدء في معالجة هذا الوضع. وأثارت الخطوة التاريخية المتعجلة التي اتخذها فريدريش ميرز، الخليفة المتوقع للمستشار شولتز المتوقع، استغراب البعض. فقد قدّم اقتراح (رفع سقف الدين للجيش) إلى البرلمان قبل حله مباشرة عقب انتخابات فبراير/شباط. ربما فعل هذا لأن البرلمان الجديد، بيساره المناهض للنزعة العسكرية ويمينه المتطرف المتعاطف مع روسيا، أقل اتجاها لتأييد هذا التحرك. لكن "التحول" الذي بدأته ألمانيا في عام 2022 اكتسب دفعة قوية جديدة هذا العام. وكشف استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة يوغوف، أن 79 في المئة من الألمان ما زالوا يعتبرون فلاديمير بوتين خطرا "جدًا" أو "خطر بشكلٍ نسبي" على السلام والأمن الأوروبيين. لكن حاليا يرى 74 في المئة من الألمان نفس الشيء بالنسبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وجاءت نتائج الاستطلاع الأخير عقب الخطاب الذي ألقاه جيه دي فانس، نائب ترامب في مؤتمر ميونيخ، وهاجم فيه أوروبا وقيمها. يقول ماركوس زينر: "كانت تلك اللحظة إشارة واضحة إلى أن شيئًا ما قد تغير جذريًا في الولايات المتحدة". وأضاف: "لا نعرف إلى أين تتجه الولايات المتحدة، لكننا نعرف الآن أنه فيما يتعلق بأمننا القومي، فإن إمكانية الاعتماد على الحماية الأمريكية بنسبة 100 في المئة، قد انتهى الآن". التخلي عن التاريخ في برلين، يبدو أن الحذر التقليدي للألمان تجاه كل ما يتعلق بالأمور العسكرية يتلاشى بسرعة. تقول شارلوت كريفت، البالغة من العمر 18 عامًا، إن آراءها الخاصة بالسلمية "قد تغيرت." وتوضح شارلوت الأسباب: "لوقت طويل، اعتقدنا أن السبيل الوحيد للتكفير عن الفظائع التي ارتكبناها في الحرب العالمية الثانية هو ضمان عدم تكرارها، وكنا نعتقد أننا بحاجة إلى نزع السلاح." "لكننا الآن في وضع يفرض علينا القتال من أجل قيمنا وديمقراطيتنا وحريتنا. علينا التكيف." ويتفق معها لودفيغ شتاين، قائلا: "لا يزال الكثير من الألمان يشعرون بالغرابة تجاه الاستثمارات الكبيرة في جيشنا.. لكنني أعتقد أنه بالنظر إلى ما حدث في السنوات القليلة الماضية، لا يوجد خيار حقيقي آخر." BBC تعتقد صوفي، وهي أم شابة، أن الاستثمار في الدفاع أصبح "ضروريًا في عالمنا اليوم". لكن ألمانيا تحتاج إلى جنود بقدر ما تحتاج إلى دبابات، لكنها ليست متحمسة جدا لتجنيد ابنها في الجيش. "هل أنتم مستعدون للحرب؟" لا يوجد لدى الجيش الألماني سوى مركز استقبال واحد دائم للجنود، وهو وحدة صغيرة تقع بين صيدلية ومتجر أحذية بجوار محطة فريدريش شتراسه في برلين. ويعرض المركز دمى بملابس عسكرية مموهة وشعارات مثل "رائع وجذاب"، بهدف جذب الرجال والنساء للخدمة العسكرية، ومع هذا لا يتلقى سوى عدد قليل من المتصلين يوميًا. حتى الآن فشلت ألمانيا فعليا في تحقيق هدفها المتمثل في زيادة عدد جنودها بمقدار 20 ألف جندي، ليصل عدد قواته إلى 203 آلاف جندي، وخفض متوسط العمر لأقل من 34 عاما. لكن طموحات الجنرال بروير أكبر بكثير. أخبرنا أن ألمانيا بحاجة إلى 100 ألف جندي إضافي للدفاع عن نفسها وعن الجناح الشرقي لحلف الناتو بشكل فعال، أي الوضول إلى 460 ألف جندي، بما في ذلك قوات الاحتياط. لهذا يصر الجنرال على أن العودة إلى الخدمة العسكرية الإلزامية ضرورية "بشدة". وقال رئيس الدفاع الألماني: "لن نصل إلى هذا العدد من الجنود (البالغ عددهم 100 ألف جندي) بدون نموذج أو آخر من التجنيد الإجباري". وأضاف: "لسنا مضطرين الآن لتحديد النموذج الذي سنحصل به عليهم. بالنسبة لي، المهم فقط هو أن نرسل الجنود". BBC وقد بدأ النقاش بالفعل حول هذا الموضوع. من الواضح أن الجنرال بروير يضع نفسه في موقع قيادة الجهود الحالية لدفع "دور" ألمانيا إلى الأمام وتسريعه. بأسلوبه السهل والجذاب، يُحب بروير زيارة البلديات والأقاليم الألمانية وطرح سؤال على الحضور: "هل أنتم مستعدون للحرب؟" في أحد الأيام، اتهمته امرأة بتخويفها. يتذكر رده: "قلت لها: لست أنا من يخيفكم، بل الطرف الآخر!". مشيرا إلى فلاديمير بوتين. ويدافع الجنرال عن موقفه محذرا من أن ناقوس الخطر المزدوج، التهديد الروسي واتجاه الولايات المتحدة نحو الانعزالية، يدق الآن بقوة في ألمانيا، ولا يُمكن تجاهله.