منذ 9 ساعات
كيف تختطف الفيروسات خلايا الإنسان وتحوّلها إلى مصانع للعدوى؟
كشف تقرير علمي حديث عن تفاصيل مذهلة حول الطريقة التي تستخدمها الفيروسات للسيطرة على خلايا جسم الإنسان وتحويلها إلى مصانع لإنتاج نُسخ جديدة منها، في عملية دقيقة ومعقدة وصفت بـ"السطو الجزيئي الأكثر تطوراً في الطبيعة".
وبحسب التقرير، تبدأ كل إصابة فيروسية بلحظة دقيقة للغاية، عندما ينجح الفيروس في العثور على خلية تمتلك البروتين المناسب على سطحها، والذي يعمل كمفتاح يسمح له بالدخول. هذا التفاعل ليس عشوائيا، بل هو نتاج ملايين السنين من التكيف التطوري الذي جعل من الفيروسات خبراء في اقتحام الخلايا، وفقا لموقع discoverwildscience.
وتستخدم الفيروسات عدة أساليب لاختراق جدران الخلية؛ فبعضها يلجأ إلى أسلوب الاقتحام المباشر عبر غشاء الخلية، بينما تحاكي أنواع أخرى جزيئات نافعة لخداع الخلية وجعلها تسمح لها بالدخول طوعاً. أخطرها تلك التي تقنع الخلية بابتلاعها ضمن فقاعة واقية، لتتحول الخلية دون أن تدري إلى شريكة في عملية اختراقها.
وبمجرد دخول الفيروس إلى الخلية، يتوجه مباشرة نحو النواة — مركز التحكم الجيني — حيث يحقن مادته الوراثية ويبدأ في إعادة برمجة الخلية لتتحول من كائن منتج إلى مصنع لصناعة الفيروسات. وتُسخّر الرايبوسومات لإنتاج بروتينات فيروسية، فيما تُختطف الميتوكوندريا لتوفير الطاقة اللازمة للإنتاج المكثف.
ويؤكد التقرير أن عملية إعادة البرمجة هذه تدفع الخلية إلى التخلي عن وظائفها الطبيعية لصالح التصنيع الفيروسي، وهو ما يشبه تحويل مصنع سيارات إلى خط إنتاج أسلحة.
وتعمل الخلية المصابة تحت ضغط هائل لإنتاج مئات أو آلاف النسخ من الفيروس، مما يؤدي إلى استنزاف طاقتها بالكامل وتعطيل أنظمة الصيانة الداخلية فيها، وغالباً ما ينتهي بها الأمر إلى الموت بسبب الإنهاك.
كما يرصد التقرير مراحل خروج الفيروسات من الخلية المصابة، حيث تتنوع بين الانفجار الخلوي المفاجئ الذي ينشر العدوى، أو التبرعم التدريجي الذي يخدع الجهاز المناعي. بعض الفيروسات تتبنى استراتيجيات طويلة الأمد، فتقيم في الخلية شهوراً أو حتى سنوات دون أن تُكتشف، ما يؤدي إلى أمراض مزمنة مثل التليف الكبدي والسرطانات.
ويلفت التقرير إلى أن الفيروسات تطور باستمرار استراتيجيات للهروب من الجهاز المناعي، من خلال تغيير بنيتها الجزيئية أو تعطيل إشارات الاستغاثة الصادرة عن الخلية، ويؤدي ذلك إلى تأخر اكتشاف العدوى، مما يمنح الفيروس وقتاً كافياً للانتشار والتكاثر.
وتكمن الخطورة الحقيقية، في التأثير المضاعف للعدوى الفيروسية، حيث يمكن لخلية واحدة أن تنتج آلاف النسخ القادرة على إصابة خلايا جديدة، ما يؤدي إلى تفشٍ سريع داخل الجسم، ويدفع هذا التأثير المضاعف بأجهزة الجسم إلى حالة استنفار قصوى قد تنتهي بضرر واسع النطاق في الأنسجة، سواء بسبب الفيروس نفسه أو بسبب رد الفعل المناعي المفرط.
ويؤكد التقرير أن استراتيجيات الفيروسات تختلف حسب نوعها؛ فالفيروسات ذات المادة الوراثية DNA تميل إلى الاندماج داخل جينوم الخلية، بينما تتسم فيروسات الـRNA بالسرعة والعدوانية دون دمج، فيما تُعرف الفيروسات القهقرية (Retroviruses) بقدرتها على التخفي داخل الجينات البشرية لفترات طويلة.
وتشير الدراسة إلى أن الخلايا تمتلك نقاط تفتيش داخلية لرصد الخلل، لكن العديد من الفيروسات طورت أدوات لتعطيل هذه الآليات، بل واستخدامها لصالحها من أجل تسريع الانقسام الخلوي وتوسيع رقعة العدوى. كما تُجبر الفيروسات الخلية على إعادة توجيه مساراتها الأيضية لتلبية متطلبات تصنيع الفيروس، في عملية استنزاف طاقي تشبه سرقة موارد خزان طاقة داخلي.
ويبرز التقرير التحديات الكبرى التي تواجه العلماء في مواجهة هذا "السطو الجزيئي"، إلا أن فهم الآليات الدقيقة لهذه العمليات قد مكّن الباحثين من تطوير أدوية تركز على تعطيل مراحل محددة من عملية الاختطاف، بدلاً من محاولة قتل الفيروس بعد تمكنه من السيطرة.
ويتوقع خبراء أن يشهد المستقبل القريب تطورات كبيرة في أنظمة الدفاع الخلوية، من خلال استخدام خلايا مناعية مبرمجة، أو جزيئات اصطناعية قادرة على رصد محاولات الاختراق في الوقت الفعلي، وحتى إجراء تعديلات جينية على الخلايا لجعلها منيعة أمام الفيروسات.
وحذر التقرير من أن يكون كل سعال أو حمى نتيجة ملايين من "عمليات السطو" المجهرية التي تجري في الجسم، مشيرا إلى أن الفهم العميق لتكتيكات الفيروسات هو السبيل الوحيد لتطوير علاجات ناجعة تسبق الفيروس بخطوة — لا أن تلاحقه بعد فوات الأوان.