logo
كيف تختطف الفيروسات خلايا الإنسان وتحوّلها إلى مصانع للعدوى؟

كيف تختطف الفيروسات خلايا الإنسان وتحوّلها إلى مصانع للعدوى؟

البيانمنذ 6 ساعات

كشف تقرير علمي حديث عن تفاصيل مذهلة حول الطريقة التي تستخدمها الفيروسات للسيطرة على خلايا جسم الإنسان وتحويلها إلى مصانع لإنتاج نُسخ جديدة منها، في عملية دقيقة ومعقدة وصفت بـ"السطو الجزيئي الأكثر تطوراً في الطبيعة".
وبحسب التقرير، تبدأ كل إصابة فيروسية بلحظة دقيقة للغاية، عندما ينجح الفيروس في العثور على خلية تمتلك البروتين المناسب على سطحها، والذي يعمل كمفتاح يسمح له بالدخول. هذا التفاعل ليس عشوائيا، بل هو نتاج ملايين السنين من التكيف التطوري الذي جعل من الفيروسات خبراء في اقتحام الخلايا، وفقا لموقع discoverwildscience.
وتستخدم الفيروسات عدة أساليب لاختراق جدران الخلية؛ فبعضها يلجأ إلى أسلوب الاقتحام المباشر عبر غشاء الخلية، بينما تحاكي أنواع أخرى جزيئات نافعة لخداع الخلية وجعلها تسمح لها بالدخول طوعاً. أخطرها تلك التي تقنع الخلية بابتلاعها ضمن فقاعة واقية، لتتحول الخلية دون أن تدري إلى شريكة في عملية اختراقها.
وبمجرد دخول الفيروس إلى الخلية، يتوجه مباشرة نحو النواة — مركز التحكم الجيني — حيث يحقن مادته الوراثية ويبدأ في إعادة برمجة الخلية لتتحول من كائن منتج إلى مصنع لصناعة الفيروسات. وتُسخّر الرايبوسومات لإنتاج بروتينات فيروسية، فيما تُختطف الميتوكوندريا لتوفير الطاقة اللازمة للإنتاج المكثف.
ويؤكد التقرير أن عملية إعادة البرمجة هذه تدفع الخلية إلى التخلي عن وظائفها الطبيعية لصالح التصنيع الفيروسي، وهو ما يشبه تحويل مصنع سيارات إلى خط إنتاج أسلحة.
وتعمل الخلية المصابة تحت ضغط هائل لإنتاج مئات أو آلاف النسخ من الفيروس، مما يؤدي إلى استنزاف طاقتها بالكامل وتعطيل أنظمة الصيانة الداخلية فيها، وغالباً ما ينتهي بها الأمر إلى الموت بسبب الإنهاك.
كما يرصد التقرير مراحل خروج الفيروسات من الخلية المصابة، حيث تتنوع بين الانفجار الخلوي المفاجئ الذي ينشر العدوى، أو التبرعم التدريجي الذي يخدع الجهاز المناعي. بعض الفيروسات تتبنى استراتيجيات طويلة الأمد، فتقيم في الخلية شهوراً أو حتى سنوات دون أن تُكتشف، ما يؤدي إلى أمراض مزمنة مثل التليف الكبدي والسرطانات.
ويلفت التقرير إلى أن الفيروسات تطور باستمرار استراتيجيات للهروب من الجهاز المناعي، من خلال تغيير بنيتها الجزيئية أو تعطيل إشارات الاستغاثة الصادرة عن الخلية، ويؤدي ذلك إلى تأخر اكتشاف العدوى، مما يمنح الفيروس وقتاً كافياً للانتشار والتكاثر.
وتكمن الخطورة الحقيقية، في التأثير المضاعف للعدوى الفيروسية، حيث يمكن لخلية واحدة أن تنتج آلاف النسخ القادرة على إصابة خلايا جديدة، ما يؤدي إلى تفشٍ سريع داخل الجسم، ويدفع هذا التأثير المضاعف بأجهزة الجسم إلى حالة استنفار قصوى قد تنتهي بضرر واسع النطاق في الأنسجة، سواء بسبب الفيروس نفسه أو بسبب رد الفعل المناعي المفرط.
ويؤكد التقرير أن استراتيجيات الفيروسات تختلف حسب نوعها؛ فالفيروسات ذات المادة الوراثية DNA تميل إلى الاندماج داخل جينوم الخلية، بينما تتسم فيروسات الـRNA بالسرعة والعدوانية دون دمج، فيما تُعرف الفيروسات القهقرية (Retroviruses) بقدرتها على التخفي داخل الجينات البشرية لفترات طويلة.
وتشير الدراسة إلى أن الخلايا تمتلك نقاط تفتيش داخلية لرصد الخلل، لكن العديد من الفيروسات طورت أدوات لتعطيل هذه الآليات، بل واستخدامها لصالحها من أجل تسريع الانقسام الخلوي وتوسيع رقعة العدوى. كما تُجبر الفيروسات الخلية على إعادة توجيه مساراتها الأيضية لتلبية متطلبات تصنيع الفيروس، في عملية استنزاف طاقي تشبه سرقة موارد خزان طاقة داخلي.
ويبرز التقرير التحديات الكبرى التي تواجه العلماء في مواجهة هذا "السطو الجزيئي"، إلا أن فهم الآليات الدقيقة لهذه العمليات قد مكّن الباحثين من تطوير أدوية تركز على تعطيل مراحل محددة من عملية الاختطاف، بدلاً من محاولة قتل الفيروس بعد تمكنه من السيطرة.
ويتوقع خبراء أن يشهد المستقبل القريب تطورات كبيرة في أنظمة الدفاع الخلوية، من خلال استخدام خلايا مناعية مبرمجة، أو جزيئات اصطناعية قادرة على رصد محاولات الاختراق في الوقت الفعلي، وحتى إجراء تعديلات جينية على الخلايا لجعلها منيعة أمام الفيروسات.
وحذر التقرير من أن يكون كل سعال أو حمى نتيجة ملايين من "عمليات السطو" المجهرية التي تجري في الجسم، مشيرا إلى أن الفهم العميق لتكتيكات الفيروسات هو السبيل الوحيد لتطوير علاجات ناجعة تسبق الفيروس بخطوة — لا أن تلاحقه بعد فوات الأوان.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ذكاء اصطناعي.. تمكين بلا تفريط
ذكاء اصطناعي.. تمكين بلا تفريط

صحيفة الخليج

timeمنذ 42 دقائق

  • صحيفة الخليج

ذكاء اصطناعي.. تمكين بلا تفريط

في خضم التحولات التكنولوجية المتسارعة، تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة كنموذج عالمي ريادي، في تبني وتطوير تقنيات المستقبل، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي. ويأتي هذا التوجه ضمن رؤية طموحة تتجلى في «نحن الإمارات 2031»، حيث يُعد الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية في رسم ملامح الاقتصاد المعرفي والمجتمع المتطور. لقد أحدثت هذه التقنية ثورة في مختلف القطاعات، من تحليل البيانات إلى إنتاج المحتوى، مروراً بالتصميم، والتعليم، والصناعة، فما كان يتطلب أياماً من الجهد اليدوي، أصبح اليوم يُنجز في دقائق معدودة بدقة تفوق في بعض الأحيان العمل البشري التقليدي. باتت هذه الأدوات تتيح للمعلم إعداد تقرير، وللمصمم إنتاج مواد احترافية، وللكاتب جمع وتحليل مصادر معرفية.. وكل ذلك بكفاءة مذهلة وكلفة منخفضة. لكن هذا التقدم، ورغم ضرورته، يفرض علينا وقفة تأملية، فثمة قلق متزايد من الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع قدرات الإنسان الذهنية، ففي المجال التعليمي، يلاحظ بعض المعلمين أن الطلبة ينجزون مشاريعهم، عبر أدوات الذكاء الاصطناعي، من دون فهم حقيقي لما يكتبون، ما يؤدي إلى ضعف في التفكير التحليلي والتعبير الكتابي. حدثني أحدهم عن طالب أخفق في كتابة فقرة واحدة بالامتحان رغم تفوقه في الأبحاث، قائلاً: «لم يكن ضعيفاً.. فقط اعتاد ألا يفكر». تشبيه العقل بالعضلة ليس مجازاً إنشائياً، بل حقيقة علمية. التفكير، التخيل، النقد، التقييم، والاستنتاج، هي تمارين عقلية أساسية لا يمكن إغفالها من دون عواقب. وإذا تحوّل الذكاء الاصطناعي من أداة مساعدة إلى بديل ذهني، فإننا نخسر جوهر ما يجعل الإنسان مبدعاً ومفكراً. ولا يقتصر الخطر على «هلوسة الذكاء الاصطناعي» — أي تقديمه لمعلومات غير دقيقة — بل يمتد إلى إضعاف الحافز العقلي لدى الفرد، وقد عبّر عن ذلك سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «OpenAI»، بقوله: «الذكاء الاصطناعي هو آخر اختراعات البشر»، مشيراً إلى أن الإنسان قد يتخلى طوعاً عن دوره في التفكير والابتكار، تاركاً المهمة للخوارزميات. استشعاراً لهذا التحول، بدأت دول ومؤسسات باتخاذ خطوات تنظيمية حكيمة. على سبيل المثال، أقرت جامعة هارفارد سياسة تمنع استخدام الذكاء الاصطناعي في الأبحاث دون تصريح، وأطلقت سنغافورة منصات لتدريب الطلبة على التمييز بين المحتوى البشري والآلي، وتوصي «اليونسكو» بإدماج التربية الأخلاقية الرقمية ضمن المناهج التعليمية. أما في الإمارات، فريادتها في مجال الذكاء الاصطناعي، لا تعني فقط التفوق التكنولوجي، بل تحمل أيضاً مسؤولية بناء نموذج أخلاقي وتربوي متكامل. نحن بحاجة إلى ميثاق وطني للاستخدام المسؤول، يحدد متى وأين وكيف نستخدم هذه الأدوات، وخاصة في قطاعات مثل التعليم، الصحافة، والبحث العلمي. ولتجنب الانزلاق نحو الاعتمادية الذهنية، يمكن تبني ممارسات بسيطة لكنها فعالة، مثل تخصيص وقت يومي للتفكير أو الكتابة من دون أدوات ذكية، وتوظيف الذكاء الاصطناعي في المهام التكميلية فقط، كتجميع البيانات أو التلخيص، لا في صياغة الرأي أو اتخاذ القرار. ختاماً، الذكاء الاصطناعي قادم بقوة، وهو بلا شك منجز بشري عظيم، لكن التحدي الحقيقي لا يكمن في تطوره، بل في كيفية تعاملنا معه. فلنحرص أن يكون أداة تمكين لا استبدال، وأن نظل مفكرين لا متلقين، ليظل الإبداع البشري في قلب المعادلة، لا على هامشها. *مدرب ومحاضر في القيادة والابتكار وريادة الأعمال

حساسية القمح عند الأطفال.. مرض وراثي قابل للشفاء
حساسية القمح عند الأطفال.. مرض وراثي قابل للشفاء

صحيفة الخليج

timeمنذ 2 ساعات

  • صحيفة الخليج

حساسية القمح عند الأطفال.. مرض وراثي قابل للشفاء

أرجعت خبيرة بارزة في المركز القومي للبحوث في مصر، ارتفاع نسب الإصابة بين قطاعات واسعة من الأطفال بمرض حساسية القمح، الى أسباب وراثية. وأشارت إلى أن هذا المرض يصنف ضمن الأمراض المناعية، لكنه في الوقت نفسه يظهر لدى الأطفال الذين لديهم استعداد وراثي للإصابة. وقالت د.غادة القصاص، أستاذ طب الأطفال بالمركز: التعرض المبكر للجلوتين المعروف ببروتين القمح، يلعب دوراً كبيراً في الإصابة بهذا المرض، خصوصاً قبل سن ستة أشهر، ومن المهم الالتزام بالرضاعة الطبيعية فقط حتى هذا العمر. ولفتت د.غادة القصاص في إحدى جلسات المؤتمر السابع عشر لمعهد البحوث الطبية والدراسات الإكلينيكية بالمركز، إلى أن التعرض المبكر للعدوى، أو كميات كبيرة من المضادات الحيوية، أو الإصابة بفيروس الروتافيرس المسبب للنزلات المعوية، يزيد من خطر الإصابة بمرض حساسية القمح. وأوضحت أن الأعراض تتراوح بين الإصابة بالإسهال المزمن والانتفاخات، والشعور بالآلام المستمرة في البطن، وعدم الرغبة في الأكل، وقد يصاحب ذلك القيء أو الإمساك. ويعاني الأطفال المصابون بمرض حساسية القمح الإجهاد المزمن والصداع، إلى جانب التهاب الأطراف والمفاصل، ويكونون أكثر عرضة للإصابة بالكسور المختلفة نتيجة نقص فيتامين «د» والكالسيوم، بالإضافة إلى مشاكل في الأسنان والنقص الحاد في الوزن. واوضحت د.غادة القصاص أن الالتزام بالغذاء الخالي من الجلوتين يلعب دوراً كبيراً في العلاج، إذ تتحسن بعده معظم الأعراض بشكل كبير خلال عام واحد، وتتجدد خلايا الأمعاء، وتختفي الأجسام المضادة من الدم. وأشارت إلى نجاح باحثين بالمركز القومي للبحوث في تطوير وجبات غذائية مبتكرة للأطفال المصابين بهذا المرض، على هيئة «كورن فليكس»، خالية تماماً من الجلوتين الظاهر والخفي. وقالت: تحتوي هذه الوجبات على جميع العناصر الغذائية الضرورية بنسب متوازنة، بالإضافة إلى الفيتامينات والمعادن اللازمة للطفل.

هل يساعد الذكاء الاصطناعي في حماية الفئات الضعيفة أم يزيد من الأضرار التي تعانيها؟
هل يساعد الذكاء الاصطناعي في حماية الفئات الضعيفة أم يزيد من الأضرار التي تعانيها؟

البوابة العربية للأخبار التقنية

timeمنذ 3 ساعات

  • البوابة العربية للأخبار التقنية

هل يساعد الذكاء الاصطناعي في حماية الفئات الضعيفة أم يزيد من الأضرار التي تعانيها؟

يشهد العالم تبنيًا متسارعًا لتقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات تهدف إلى منع الإساءة وحماية الفئات الضعيفة، مثل: الأطفال في نظام الرعاية البديلة، والبالغين في دور رعاية المسنين، والطلاب في المدارس، إذ تَعد هذه الأدوات بالكشف الفوري عن المخاطر وتنبيه السلطات قبل وقوع أضرار جسيمة. ولكن وراء هذا الوعد البراق، تكمن تحديات عميقة ومخاطر حقيقية، وتُثار تساؤلات جوهرية مثل: هل نحن بصدد بناء أنظمة حماية أكثر ذكاءً، أم أننا نعمل على أتمتة الأخطاء والتحيزات نفسها التي عانتها هذه الفئات لعقود؟ لذلك سنسلط في هذا التقرير الضوء على استخدامات الذكاء الاصطناعي في الحماية، والتحديات والمخاوف الأخلاقية التي تواجه استخدامه في هذا المجال الحساس، وكذلك الحلول التي يمكن تطبيقها: ما استخدامات الذكاء الاصطناعي في الحماية؟ يوفر الذكاء الاصطناعي إمكانات كبيرة لتعزيز كفاءة وفعالية أنظمة الحماية الاجتماعية عند تطبيقه بحكمة، وتبرز استخداماته في عدة مجالات رئيسية، تشمل: تحليل الأنماط اللغوية: تُستخدم تقنيات معالجة اللغة الطبيعية لتحليل اللغة المكتوبة أو المنطوقة في الرسائل النصية، بهدف اكتشاف أنماط التهديد والتلاعب والسيطرة، مما قد يساعد في تحديد حالات العنف الأسري وتمكين السلطات من التدخل المبكر. تُستخدم تقنيات معالجة اللغة الطبيعية لتحليل اللغة المكتوبة أو المنطوقة في الرسائل النصية، بهدف اكتشاف أنماط التهديد والتلاعب والسيطرة، مما قد يساعد في تحديد حالات العنف الأسري وتمكين السلطات من التدخل المبكر. النمذجة التنبؤية: تعتمد وكالات رعاية الأطفال على نماذج الذكاء الاصطناعي التنبئية لحساب مؤشرات الخطر لدى الأسر، مما يساعد الأخصائيين الاجتماعيين في ترتيب أولويات الحالات العالية الخطورة والتدخل مبكرًا. تعتمد وكالات رعاية الأطفال على نماذج الذكاء الاصطناعي التنبئية لحساب مؤشرات الخطر لدى الأسر، مما يساعد الأخصائيين الاجتماعيين في ترتيب أولويات الحالات العالية الخطورة والتدخل مبكرًا. المراقبة: تساعد كاميرات المراقبة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في حركات أطراف الأشخاص – وليس الوجوه أو الأصوات – لاكتشاف العنف الجسدي في مرافق الرعاية. تساعد كاميرات المراقبة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في حركات أطراف الأشخاص – وليس الوجوه أو الأصوات – لاكتشاف العنف الجسدي في مرافق الرعاية. دعم القرار: أثبتت هذه الأدوات قدرتها على مساعدة العاملين في المجال الاجتماعي على التدخل في وقت مبكر من خلال تزويدهم بتحليلات بيانات قد لا تكون واضحة بالعين المجردة. ومع ذلك؛ تقدم الدكتورة أيسلين كونراد، الأستاذة المشاركة في مجال الخدمة الاجتماعية في جامعة أيوا، منظورًا نقديًا حول استخدام الذكاء الاصطناعي في حماية الفئات الضعيفة، وتستند رؤيتها إلى خبرتها الممتدة لما يصل إلى 15 عامًا في البحث حول العنف الأسري، إذ ترى أن الأنظمة القائمة، رغم نواياها الحسنة، غالبًا ما تخذل الأشخاص الذين من المفترض أن تحميهم. وتشارك الدكتورة كونراد حاليًا في تطوير مشروع (iCare)، وهو نظام مراقبة مبتكر يعتمد على كاميرا مدعومة بالذكاء الاصطناعي، ويتميز هذا النظام بقدرته على تحليل حركات أطراف الأشخاص – بدلًا من الوجوه أو الأصوات – لاكتشاف مؤشرات العنف الجسدي. وتطرح الدكتورة كونراد سؤالًا جوهريًا يقع في صميم النقاش حول مستقبل استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الاجتماعية: هل يمكن للذكاء الاصطناعي فعلًا المساعدة في حماية الفئات الضعيفة، أم أنه مجرد أتمتة للأنظمة ذاتها التي طالما ألحقت بهم الضرر؟ ويعكس هذا التساؤل قلقًا مشروعًا بشأن قدرة التقنيات الجديدة على تجاوز قصور الأنظمة البشرية، أم أنها ستكرر أخطاءها وتحدياتها بطرق جديدة؟ التحديات الكبرى.. عندما ترث التكنولوجيا ظلم الماضي: تُدرَّب العديد من أدوات الذكاء الاصطناعي على التعلم من خلال تحليل البيانات التاريخية، ومع ذلك، يكمن الخطر في أن التاريخ مليء بعدم المساواة والتحيز والافتراضات المغلوطة، وينعكس هذا الواقع أيضًا في البشر الذين يصممون أنظمة الذكاء الاصطناعي ويختبرونها، مما يؤدي إلى نتائج قد تكون ضارة وغير عادلة. وبسبب هذه الانحيازات المتأصلة في البيانات ومن يصنعون الأنظمة، قد ينتهي المطاف بخوارزميات الذكاء الاصطناعي إلى تكرار أشكال التمييز المنهجية، مثل العنصرية أو التمييز الطبقي. فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة أجريت عام 2022 في مقاطعة أليجيني في ولاية بنسلفانيا، أن نموذجًا للتنبؤ بالمخاطر، يهدف إلى تقدير مستويات الخطر لدى الأسر – وذلك عن طريق تقييمات تُعطى لموظفي الخطوط الساخنة لمساعدتهم في فرز المكالمات – كان يبلغ عن الأطفال السود للتحقيق بنسبة تزيد على 20% مقارنة بالأطفال البيض، لو اُستخدم النموذج بدون إشراف بشري، وعندما شارك الأخصائيون الاجتماعيون في عملية اتخاذ القرار، انخفضت هذه النسبة إلى 9%، مما يثبت أن الاعتماد الكلي على الآلة يضخم الظلم القائم. كما يمكن للذكاء الاصطناعي القائم على اللغة أن يعزز التحيز أيضًا، فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة أخرى أن أنظمة معالجة اللغة الطبيعية أساءت تصنيف اللغة الإنجليزية العامية للأمريكيين من أصل أفريقي على أنها عدوانية بمعدل أعلى بكثير من اللغة الإنجليزية الأمريكية القياسية، وذلك بنسبة تصل إلى 62% أكثر في سياقات معينة. وفي الوقت نفسه، وجدت دراسة أجريت عام 2023، أن نماذج الذكاء الاصطناعي غالبًا ما تجد صعوبة في فهم السياق، ويعني ذلك أن الرسائل التي تحتوي على نصوص ساخرة أو فكاهية، يمكن أن تُصنَّف بنحو غير صحيح على أنها تهديدات خطيرة أو علامات على الاستغاثة، وهو ما قد يؤدي إلى تدخلات غير ضرورية ومؤذية. ويمكن أن تؤدي هذه العيوب إلى تكرار مشكلات كبيرة في أنظمة الحماية الاجتماعية، إذ لطالما خضع الملونون لرقابة مفرطة في أنظمة رعاية الأطفال، أحيانًا بسبب سوء الفهم الثقافي، وأحيانًا أخرى بسبب التحيزات المتجذرة. وقد أظهرت الدراسات أن الأسر السوداء وأسر السكان الأصليين تواجه معدلات أعلى بنحو غير متناسب من البلاغات والتحقيقات والفصل الأسري مقارنة بالأسر البيضاء، حتى بعد أخذ الدخل والعوامل الاجتماعية والاقتصادية الأخرى في الحسبان. ولا تنبع هذه التفاوتات الصارخة من مجرد أخطاء فردية، بل هي نتيجة للعنصرية المتأصلة في عقود من القرارات السياسية التمييزية، كما تساهم التحيزات الضمنية والقرارات التقديرية التي يتخذها الأخصائيون الاجتماعيون المثقلون بالأعباء في تفاقم هذه المشكلة. المراقبة على حساب الخصوصية: حتى عندما تنجح أنظمة الذكاء الاصطناعي في الحد من الأضرار التي تلحق بالفئات الضعيفة، فإنها غالبًا ما تفعل ذلك بتكلفة مقلقة، وتتجلى هذه التحديات في برنامج تجريبي أُجري عام 2022 في أستراليا، إذ ولد نظام كاميرات الذكاء الاصطناعي، الذي اُستخدم في دارين للرعاية أكثر من 12,000 تنبيه كاذب خلال عام واحد، وقد أرهق هذا العدد الضخم من الإنذارات غير الصحيحة الموظفين بنحو كبير، مما أدى إلى إغفال حادثة حقيقية واحدة على الأقل. ومع أن النظام قد أظهر تحسنًا في دقته بمرور الوقت، ولكن التدقيق المستقل خلص إلى أنه على مدى 12 شهرًا لم يحقق مستوى يُعدّ مقبولًا للموظفين والإدارة، مما يبرز الفجوة بين الوعود التقنية والواقع التشغيلي. وتؤثر تطبيقات الذكاء الاصطناعي أيضًا في الطلاب، ففي المدارس الأمريكية، تُسوق أنظمة المراقبة بالذكاء الاصطناعي مثل: Gaggle، و GoGuardian، و Securly،كأدوات أساسية للحفاظ على سلامة الطلاب، إذ تُثبت هذه البرامج في أجهزة الطلاب بهدف مراقبة نشاطهم عبر الإنترنت وتحديد أي شيء مثير للقلق، ولكن ثبت أيضًا أنها تُشير إلى سلوكيات غير ضارة على أنها مثيرة للقلق، مثل: كتابة قصص قصيرة تحتوي على عنف خفيف، أو البحث عن مواضيع تتعلق بالصحة النفسية. أما الأنظمة الأخرى التي تستخدم كاميرات وميكروفونات في الفصول الدراسية للكشف عن العدوانية، فغالبًا ما تُسيء تحديد السلوكيات الطبيعية، إذ تصنف سلوكيات طبيعية مثل: الضحك أو السعال على أنها مؤشرات خطر، مما يؤدي أحيانًا إلى تدخل غير مبرر أو إجراءات تأديبية قد تضر بالطلاب بدلًا من حمايتهم. ولا تُعدّ هذه المشكلات التي تُظهرها أنظمة الذكاء الاصطناعي مجرد أخطاء فنية معزولة؛ بل هي انعكاس لعيوب عميقة في كيفية تدريب الذكاء الاصطناعي ونشره، إذ تتعلم هذه الأنظمة من البيانات السابقة التي اختارها وصنفها البشر، وهي بيانات غالبًا ما تعكس بوضوح عدم المساواة والتحيزات الاجتماعية القائمة في مجتمعاتنا. وقد أوضحت ذلك الدكتورة فيرجينيا يوبانكس، عالمة الاجتماع، في كتابها (أتمتة عدم المساواة)، أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تخاطر بنحو كبير بتوسيع نطاق هذه الأضرار الطويلة الأمد، بدلًا من معالجتها أو الحد منها. نحو إطار عمل مسؤول.. مبادئ الذكاء الاصطناعي المستجيب للصدمات: تعتقد الدكتورة أيسلين كونراد، أن الذكاء الاصطناعي لا يزال بإمكانه أن يكون قوة للخير، ولكن فقط إذا أعطى مطوروه الأولوية لكرامة الأشخاص الذين صُممت هذه الأدوات لحمايتهم، كما طوّرت الدكتورة كونراد إطار عمل يُسمى (الذكاء الاصطناعي المستجيب للصدمات)، ويقوم هذا الإطار على أربعة مبادئ أساسية، وهي: تحكم الناجين في المراقبة والبيانات: يجب أن يكون للأفراد وخاصة الخاضعين للمراقبة الحق في تقرير كيفية ووقت استخدام بياناتهم، مما يعزز الثقة ويشجع على الانخراط الإيجابي مع خدمات الدعم، كما يزيد هذا التحكم من تفاعلهم مع خدمات الدعم، مثل: إنشاء خطط مخصصة للحفاظ على سلامتهم أو الحصول على المساعدة اللازمة. ويضمن هذا النهج أن تعمل التكنولوجيا كأداة تمكين لا أداة مراقبة قسرية. يجب أن يكون للأفراد وخاصة الخاضعين للمراقبة الحق في تقرير كيفية ووقت استخدام بياناتهم، مما يعزز الثقة ويشجع على الانخراط الإيجابي مع خدمات الدعم، كما يزيد هذا التحكم من تفاعلهم مع خدمات الدعم، مثل: إنشاء خطط مخصصة للحفاظ على سلامتهم أو الحصول على المساعدة اللازمة. ويضمن هذا النهج أن تعمل التكنولوجيا كأداة تمكين لا أداة مراقبة قسرية. الإشراف البشري: تُظهر الدراسات بوضوح أن الآلة لن تحل محل الحكم المهني والخبرة الإنسانية، لذلك يجب أن تظل قرارات التدخل النهائية في أيدي متخصصين قادرين على فهم السياق وتقييم الموقف بصورة شاملة. تُظهر الدراسات بوضوح أن الآلة لن تحل محل الحكم المهني والخبرة الإنسانية، لذلك يجب أن تظل قرارات التدخل النهائية في أيدي متخصصين قادرين على فهم السياق وتقييم الموقف بصورة شاملة. تدقيق التحيز لضمان الحيادية: يتوجب على الحكومات والمطورين إجراء اختبارات منتظمة لأنظمتهم للكشف عن التحيزات العرقية والاقتصادية وتقليلها، ويمكن أن تساعد الأدوات المفتوحة المصدر مثل: (AI Fairness 360) من IBM، و(What-If Tool) من جوجل، و Fairlearn، في الكشف عن هذه التحيزات وتقليلها في نماذج التعلم الآلي قبل نشرها، مما يضمن أن الخوارزميات لا تُكرر أو تُضخم الانحيازات المجتمعية الموجودة في البيانات التاريخية. يتوجب على الحكومات والمطورين إجراء اختبارات منتظمة لأنظمتهم للكشف عن التحيزات العرقية والاقتصادية وتقليلها، ويمكن أن تساعد الأدوات المفتوحة المصدر مثل: (AI Fairness 360) من IBM، و(What-If Tool) من جوجل، و Fairlearn، في الكشف عن هذه التحيزات وتقليلها في نماذج التعلم الآلي قبل نشرها، مما يضمن أن الخوارزميات لا تُكرر أو تُضخم الانحيازات المجتمعية الموجودة في البيانات التاريخية. الخصوصية حسب التصميم: يجب بناء الأنظمة منذ البداية بهدف حماية الخصوصية، ويمكن أن تساعد الأدوات المفتوحة المصدر مثل: (Amnesia) من شركة OpenAI، و(Differential Privacy Library) من جوجل، و(SmartNoise) من مايكروسوفت، في إخفاء هوية البيانات الحساسة عن طريق إزالة المعلومات التعريفية أو إخفائها، بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام تقنيات تعتيم الوجوه لإخفاء هوية الأشخاص في بيانات الفيديو أو الصور، مما يتيح تحليل البيانات دون المساس بالخصوصية الفردية. تؤكد هذه المبادئ ضرورة بناء أنظمة تستجيب بالرعاية بدلًا من العقاب، وقد بدأت بعض النماذج الواعدة بالظهور، مثل: (التحالف في وجه برمجيات التتبع)، الذي يدعو إلى إشراك الناجين من التجسس الإلكتروني في جميع مراحل تطوير التكنولوجيا. كما أن التشريعات تؤدي دورًا حيويًا، ففي 5 مايو 2025، وقع حاكم ولاية مونتانا قانونًا يقيّد استخدام حكومة الولاية والحكومات المحلية للذكاء الاصطناعي في اتخاذ قرارات آلية بشأن الأفراد دون إشراف بشري هادف، ويطالب بالشفافية. وفي نهاية المطاف، لن يتمكن الذكاء الاصطناعي من أن يحل محل القدرة البشرية الفريدة على التعاطف وفهم السياق. ولكن، إذا صُمم وطُبق وفقًا لمبادئ أخلاقية صارمة، فقد يصبح أداة تساعدنا في تقديم المزيد من الرعاية والحماية للفئات الضعيفة، لا المزيد من العقاب والمراقبة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store