logo
#

أحدث الأخبار مع #gsstatcountercom

"فيسبوك" في سورية... الخوارزميات لا تلتقط الكراهية
"فيسبوك" في سورية... الخوارزميات لا تلتقط الكراهية

العربي الجديد

timeمنذ 15 ساعات

  • سياسة
  • العربي الجديد

"فيسبوك" في سورية... الخوارزميات لا تلتقط الكراهية

مساء يوم الجمعة 24 يناير/كانون الثاني 2025، انتشرت على صفحات "فيسبوك" شائعةٌ حول عودة ماهر الأسد ، شقيق بشار الأسد ، إلى سورية. ترافقت هذه الشائعة بعدد آخر من الأكاذيب حول دعم روسي لهذه العودة، وتنسيق مع السعودية بغرض الاستيلاء على السلطة في سورية. تبين خلال 48 ساعة، أنه لا أساس نهائياً لأي من هذه الأخبار، لكن حالة من التوتر والحذر والتحفز، كانت خُلقت وتعزّزت وتراكمت تدريجياً. لم يمض وقت طويل حتى تحولت "الفوضى الافتراضية" على "فيسبوك"، إلى فوضى فعلية على الأرض، وقودها الناس والحجارة. بدأت الفوضى باعتداءات وقعت على حواجز ودوريات الأمن العام، موقعةً عدداً كبيراً من الضحايا تجاوز الـ100 خلال أيام قليلة، وتبعتها انتهاكات ومجازر ارتكبتها فصائل أودت بحياة 1676 ضحية مسجلة في الساحل السوري ، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، والتي ما تزال لجنة التحقيق التي شكلها الرئيس السوري أحمد الشرع تحقق فيها، ولم تعلن نتائجها حتى اللحظة، ومُدّد عملها ثلاثة أشهر إضافية. خلال مرحلة التوتر القصوى التي عاشها الساحل السوري في الأسبوعين الأولين من مارس/آذار الماضي، انتشر على "فيسبوك" كم هائل من الفيديوهات والصوتيات والصور حول الجرائم، جزء منها ينقل تلك الجرائم فعلاً بما فيها عمليات التحريض والشحن الطائفي، وجزء آخر يعود إلى فترات زمنية سابقة، وأحياناً إلى أماكن خارج سورية، رُوّجتْ على أنها حديثة. محاولة الربط بين الفوضى الواقعية التي جرت على الأرض السورية، والفوضى الإلكترونية على "فيسبوك"، ليس من باب "نظرية المؤامرة"، أو من باب القول إن المعركة الافتراضية تحولت إلى معركة واقعية من دون وجود أسس واقعية عديدة لتلك المعركة؛ ولكنها محاولة لقراءة دور "فيسبوك" في ما جرى. "لا أستطيع أن أتخيل حجم البارانويا التي ستصيبنا لو بدلاً من صوت الشكوى المبتذلة التي اعتدناها [على فيسبوك]، فجأة... ملأ آذاننا صمت مريب". بهذه الجملة، يختم محمد أنديل واحدة من حلقات برنامجه "أخ كبير"، بعنوان "فيمَ تفكر؟" (نُشرت عام 2019)، ويعالج فيها دور وسائل التواصل الاجتماعي عموماً، و"فيسبوك" خصوصاً، في الثورة المصرية، وفي تطور الأوضاع اللاحقة في مصر، والتي يكشف فيها بسخرية (وجدية أيضاً)، كيفية تحول "فيسبوك" من أداة للتمرد ولتلاقي الراغبين في التغيير مع انطلاق ثورات الربيع العربي، إلى جزء من أدوات الرقابة والقمع والتأطير، إلى جزء من النظام العام الحاكم، محلياً ودولياً. ورغم أن ما طرحه أنديل وغيره في ذلك التاريخ، ما يزال صحيحاً إلى هذا الحد أو ذاك، لكن المثال السوري، خاصة خلال الأشهر القليلة الماضية بعد سقوط الأسد، يشير إلى أن الأدوار التي يمكن أن يلعبها "فيسبوك" أكبر وأخطر بمراحل. نركز على "فيسبوك" ضمن المثال السوري، لأنه موقع التواصل الاجتماعي الأكثر انتشاراً بين السوريين، وفقاً لموقع فإن استخدام السوريين لمنصات التواصل الاجتماعي في مارس/آذار 2025، توزع كالآتي: 83.15% "فيسبوك"، و9.87% "إنستغرام"، و4.49% "يوتيوب"، و1.72% "إكس". ومن المعلوم أن "إنستغرام" بات ملكية لشركة ميتا العملاقة نفسها التي تملك "فيسبوك"، ومن غير المستغرب تالياً أن يستخدم خوارزميات مشابهة لتلك المستخدمة في "فيسبوك"، ما يعني أن ما يزيد عن 93% من استخدام السوريين لوسائل التواصل الاجتماعي، يخضع لخوارزميات مالك واحد هو "ميتا". تربط العديد من الدراسات الحديثة بين الخوارزميات التي يطبقها "فيسبوك" وبين ارتفاع مستوى السلبية وخطاب الكراهية والتحريض على العنف ضمن المنصة. في دراسة أجرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2023، تمت معاينة مثال ميانمار، وأُثبت أن خوارزميات "فيسبوك" أسهمت في تأجيج عمليات التحريض والعنف. تتضمن الخوارزميات مجموعة من المعايير والتفضيلات التي تعزز من ظهور منشورات معينة وتقلل من ظهور أخرى. بين المعايير المعروفة، مستوى التفاعل، خاصة عبر التعليقات. المشكلة التي يخلقها هذا المعيار، هي أنه يدفع إلى الأعلى وآلياً كل المنشورات المثيرة للجدل وذات الطابع الحاد والاستقطابي والعنيف والتحريضي أيضاً، لأن هذا النوع من المنشورات يحوز عادة تفاعلاً كبيراً. لا تقف المشكلة عند حدود منشورات "الرأي" إنْ جازت التسمية، التي تتضمن آراء عنيفة وحادة، بل تتعداها لتشمل الأخبار الزائفة التي يمكنها أن تثير القلق والرعب، خاصة في حالات الاقتتال الأهلي الداخلي، وحالات الاحتقان الطائفي والديني والقومي، ما يمكن أن ينتج جرائم حقيقية على أرض الواقع، بوصفها ردة فعل على جرائم مزيفة تم تداولها بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي. بين الآليات الأخرى المعروفة ضمن خوارزميات "فيسبوك"، وتساهم في تعزيز الاستقطاب، الآلية المسماة "فلتر الفقاعة" (Bubble Filter). باختصار، تحبس الخوارزميات كلَّ مستخدم لـ"فيسبوك" ضمن فقاعة معينة على أساس تحليلها لمنشوراته واهتماماته وآرائه، فيعيش ضمن حلقة معزولة نسبياً مليئة بالآراء المشابهة لرأيه، ما يعزز من اعتقاده بصحة آرائه ورفضه للآراء الأخرى، بل الوصول إلى حد اعتبارها غير موجودة أساساً. هذه الآلية تسمى أيضاً غرفة الصدى (Echo Chamber)، إذ يسمع المستخدم صدى آرائه نفسها، عبر منشورات لآخرين تتطابق مع رأيه، يختارها "فيسبوك" ليظهرها أمامه على الصفحة الرئيسية. إعلام وحريات التحديثات الحية الغموض الإعلامي في سورية... من يوثق المجازر؟ محاولة البحث عن كيفية تأثير الخوارزميات التي يعتمدها "فيسبوك" على طبيعة التفاعل وطبيعة المنشورات الرائجة، قد يوقع الإنسان في وهم مفاده أن الخوارزمية التي يصنعها بالأساس مهندسون بشريون، تصبح هي نفسها المتحكم المطلق الصلاحية بعد وضعها في التطبيق. المقارنة بين المثال الفلسطيني والسوري، تكفي لدحض هذا الوهم؛ حين كان الأمر متعلقاً بالجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين واللبنانيين، فإن "فيسبوك" كان جاهزاً لتشغيل الخوارزمية لتتحسس أي منشور يتناول الموضوع، سواء كان كتابة أم فيديو أم صورة، ويقيّمه سريعاً، وفي حال كان "مخالفاً للمعايير"، أي معادياً لإسرائيل، يُقيّد وصوله أو يُحذف، ويُعاقب صاحب الحساب ضمن سلسلة من العقوبات المتصاعدة التي قد تصل إلى إلغاء الحساب نهائياً. في الحالة السورية، خاصة خلال فترة المجازر في الساحل السوري في شهر مارس الماضي، سمح "فيسبوك" بنشر فيديوهات تتضمن مشاهد قتل دموية وتعذيب وإذلال وخطابات طائفية وخطابات كراهية وتحريض. باختصار، فقد سمحت المنصة الزرقاء بنشر محتوى يتضمن كل أنواع المخالفات المفترضة في "معايير مجتمع فيسبوك"، وأغمضت الخوارزمية عينيها تماماً، ولم تتدخل بأي شكل من الأشكال في منع نشر خطابات الكراهية، بل بقيت الآليات الترويجية ضمن الخوارزمية فعالةً بالطريقة المعتادة نفسها؛ أي إن "فيسبوك" لم يكتف بعدم منع فيديوهات العنف الدموي في الساحل السوري مثلاً، بل سمح بترويجها وانتشارها نتيجةً للتفاعل العالي معها. بدأت صفحات سورية كثيرة في الأسابيع الأخيرة، بإغلاق إمكانية التعليق على منشوراتها، رغم أن هذا الأمر يضر كثيراً بمدى رواج ووصول منشورات تلك الصفحات. ولكن هذا الأمر جاء تعبيراً عن أن الاستقطاب والتخوين ولغة الكراهية التي تسود في التعليقات قد وصلت إلى حدود لا تطاق، وإلى حدود يصبح فيها من يفتح منشوراته للتعليق مسؤولاً أمام ضميره وأمام أبناء بلده عن المساهمة في تأجيج الكراهية، فضلاً عن التدخلات الإسرائيلية الإلكترونية المكشوفة وغير المكشوفة، التي تنشط كثيراً في الدفع نحو تحريض السوريين بعضهم ضد بعض على أسس طائفية ودينية وقومية. بناء على ذلك كله، يمكن، من دون تردد كبير، أن نصنف "فيسبوك" بوصفه واحداً من أخطر أعداء السوريين، بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم وآرائهم السياسية والفكرية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store