logo
#

أحدث الأخبار مع #majidomarmajid

محكمة العدل الإلهية
محكمة العدل الإلهية

جريدة الرؤية

time١٦-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • جريدة الرؤية

محكمة العدل الإلهية

ماجد المرهون majidomarmajid@ لم تعُد الحقيقة مُحتجبة وراء غمام الاحتمالات أو غيوم الشكوك ولم تكُن أكثر إشراقًا مما هي عليه اليوم، حين تجلى سطوعها على ما خلفه الخرق السافر لمفهوم الإنسانية الذي يمتطي صهوته مجرمون في هيئة فُرسان نُزعت من قلوبهم الأخلاقيات وإن رطبوا بها ألسنتهم وكل معاني الرحمة والرأفةِ وهم يتغنون بها وساستهم آلة التضليل والتدجين، بقيادة زعماء شاخوا في تلك الميادين وابيضت رؤوسهم في تيه مهيعهم، بل وتفشى إمعانهم في غيهم مع تفشي شيبهم، والتوت أكاذيبهم بحسب التواء مواقفهم وتلونت حربائيتهم بمقدار حاجتهم وهم منها لا يستحون، ثم ينحون باللائمة كلما ازدادت ظهورهم انحناءً على المظلومين المكشوفةِ أستارهم والمهتوكة أعراضهم، بينما الواقع صارخ البيان كصرخة الترهل في جلود أعناقهم وجلي للعيان كجلاء الانتفاخات في جفون أعينهم. صنع زعماء الغرب حقيقةً ضبابية بشرط أن تكون وظيفية ذات إطناب وقادرة على استيعاب الشكوك ومتكيفةٍ مع كل الاحتمالات ويمكن تخيل كل شيء في صفاء صورتها كما يمكن توقع أي شي وراء مجهولها، نعم أرادوها كذلك حتى تنعكس للرائي صورة شبحية مرتابة تحتمل الكثير من فلسفات التأويل والتحليل، ويواصلون تغبيشها فيما بينهم بالتناوب ومن وراء صناعتهم هندسة خفية عميقة تقوم بالتمويل والدعم بالمال والوعود بالسُلطةِ والنفوذ، وكُلٌ يدلي بدلو الإفتآت في بئر العامة ثم يبصق فيه دون أن يَندى له جبين أو يرمش له جفن أو يرق له قلبٌ أو تدمع له عين، فماذا ترك الكبير فيهم وهو فاقدٌ لبوصلته الأخلاقية ونخوة التمييز بين الحق والباطل للصغير؟ بالطبع لم يترك شيئًا بل أصبح معلمًا كبيرًا للكذب يُقتدى به، هذا إن استطاع بحباله القصيرة مواصلة لُعبته الخطيرة وبلا شك لن يتمكن من فعل ذلك طويلًا ولن يبقى الكبير إلى الأبد كبيرًا ولا الصغير صغيرًا. إنه لمن مصلحة العالم الغربي تأصيل أكاذيب كُبرائهم من خلال تزييف الحقائق وتشكيل صورة نقية تمثل سوء العالم الإسلامي ويعكسونها كما أرادوها إلى شعوبهم ذات الجهل الشديد بما يحدث خارج بلدانهم باستثناء زمرةٍ قليلةٍ من صناع القرار، وليست إسرائيل منهم ببراء كونها صُهارةٍ غربية بامتياز؛ إذ نلاحظ في معظم خطابات قادتهم والتي يتناوبونها مع أمريكا وبريطانيا وألمانيا أنها تحمل العبارات الدلالية ذاتها لتنتحل بمرور الوقت محل الأصالة، ولعل أهمها وأكثرها شيوعًا هي "الدفاع عن النفس مع ربطهِ بمحاربة الإرهاب والسلام وتذييله بكلمة إسرائيل"، وبما أن دولة الاحتلال الصهيوني أرادت دمج نفسها بدول العالم عند انضمامها للأمم المتحدة معتبرةً نفسها دولة أصيلة ذات سيادة ومرجعية تاريخية فإنها بالضرورة ستُظهر امتثالًا تامًا للأعراف التي يُقر بها أهل الأصول والمرجعية، لكن ذلك لا يحدث وهي تجرح في أصلها من حيث لا تشعر وتطعن في حسبها ونسبها بانتهاكها الفج لكل القوانين التي يحترمها من يحترم نفسه، وإن تظاهرت بالالتزام وفسرت خروقاتها بتفاسير لا يقبلها سوي الفطرة ويغلب عليها في نهاية كل مطافٍ أصلها والأصل غلاب. سوف تستمر ذِراع التدمير الإسرائيلية الصهيونية اليُسرى في مواصلة عملها، وتمد لكذبة السلام ذراعها المغلولة الأخرى كما عودت العالم عليه وتعود عليها، ونعلم أنها لن تُقيم وزنًا للقانون الدولي مع كل القرارات والأحكام بمساندة العرَّاب الأمريكي المُتَرَهِّل، وسيواصلان اختلاق الأعذار والأكاذيب فهما معدنٍ واحدٍ من حيث الأصل والمضمون نتج عن خليط تاريخٍ موغل في القتل والتدمير والتهجير وطفح خَبَثه فوق سطح العدل والأثيل وناء به إناء القياس والكيل وطغى دخانه وأزكم الصحيح والعليل، وقد استساغوا هذه المِهنة ولم يجدوا في طريقهم من لا يسوغها أو ينافسهما عليها ومن تجرأ يُستباح ماله ودمه. اقتلوا ما شئتم أن تقتلوا، الخلق والمخلوقات، الحرية والعدالة، الكلمة والصحافة "وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين"، أو لم تقتلوا 50 ألفًا في عدةِ شهور أو يزيدون وقتلتم مثلهم قبلهم أضعافًا ولازلتم تفعلون؟! ولكن مشيئة الله لا تستقيم مع الظلم وإن طال زمانه، ولا تقف مع الظالم وإن مد له في غيه وطغيانه، ونعلم ما حدث في تلك الديار منذ خروج يعقوب وأبنائه وسنبقى معكم مختلفون لا نتفق، فلن تقتلوا الحقيقة التي بات يبحث عنها كل سكان العالم باستثناء عُشّاق العبودية أو الواهم بخدعة السلام المطاطية، وها أنتهم أولاءِ اليوم تجنون ثمار الحقد والكراهية التي زرعتم شجرتها في سبعة عقود ماضية ونيَّف وأنتم أول من سيُسمِّمه حصادها وسيبقى نسل خلافنا معكم عقيمًا.

حقيقة المُسميات وخداعها
حقيقة المُسميات وخداعها

جريدة الرؤية

time٠٢-٠٣-٢٠٢٥

  • علوم
  • جريدة الرؤية

حقيقة المُسميات وخداعها

ماجد المرهون majidomarmajid@ الظرفية تحكُم الفِطرة الإنسانية وتُوقد فيها شُعلة الأسئلة الذاتيةِ عمَّا يحدث حوله وفي مُحيطه بغية الاطمئنان بالفهم حتى يُستثار سؤالٌ آخر، كالإجابةِ على سؤال الطفل في العموم بمسمى الشيء فقط وليس بالتفصيل، ثم يعمد لإحداث تغييرٍ صالحٍ يعود عليه بالنفع دون الإضرار بالآخر وهذه القوامة هي أصل خِلافةِ الإنسان في الأرض، حتى إذا ارتقى إلى مُستوى إدراكي أسمى قليلًا فإنَّ التساؤل عن الماهيةِ والتكوين والأهمية سيكون التالي وصولًا إلى الماورائيات والغيبيات، وهكذا نستمر حتى بلوغ مرحلة الاستفهام عن الظرفيات التي شكَّلت الأُطر العامة لأحداثٍ تتفق عليها نُخب في المُجتمعات وتتبنَّاها دولٌ وحكومات، مثل المبدأ الأزلي في الدفاعِ عن النفس والمكتسبات ومُستحدثاتها كقوانين الجريمة والإرهاب، وهي مُسلَّمات لا يرفُضها كُل عاقلٍ وراغبٍ في إحلال السلام والحريةِ واستتبابِ الأمان والطمأنينة. إن إطلاق الاسم على شيءٍ ما يجعله موجودًا في الذهن وإن لم يكن له وجود فعلي، كما أن الشيء بلا اسمٍ لا وجود له في الإدراك وإن كان موجودًا في الواقع، ومن هنا يأتي التعريف بعد التسمية لمن لم يكتسب معرفتهُ من قبل لتعيين حتميته والتدليل على أهميته والغاية من وجودهِ، لذلك علَّم الله آدم الأسماء كلها وهو تعليمٌ يؤصل التعيين الوجودي للأشياء في الوعي المُدرك، ليتبقى لاحقًا عنصر المُمارسة واكتشاف الفوائد والمضار وتصنيف الضرورات حسب الأهمية والأولوية في الاستعمال والإهمال. إذا ما نظرنا إلى فُسحة هذا الكون الواسع سنعلمُ يقينًا بوجود خلقٍ كثير لم يُحط به إدراكنا علمًا حتى نُطلق على مالا نُدرك اسمًا، بيد أن عدم إدراكه لا يعني عدمية وجوده ولذلك يعمد البعض لغاياتٍ وأهدافٍ مقصودة افتعال وجود الشيء وإن لم يكن موجودًا فيطلق عليه الاسم الذي يرتئيه مُناسبًا في خدمةِ توجهاته وأهدافه، ثم يشرع بالعمل على ترسيخهِ في وهم العامَّة ليتعين الوجود الفعلي له مُستعينًا باستدراج الحس الجمعي للترويجِ لأهمية وضرورة ذلك الافتعال أو خطره على المُجتمع وربما العالم والإنسانية، ويصبح الأمر بمرور الوقت موجوداً فعليًا مع دعمه بإثباتاتٍ ودراساتٍ واقعية أعدت لهذا الغرض لتأكيده، مثل افتعال ربط الإسلام بالإرهاب وإطلاق اسم الإسلاموفوبيا مع إسقاطاتٍ إعلامية مُنمقة بعناية تضفي مِصداقًا لازمًا في التمهيد للخطوة التالية، والتي لن تجِد اعتراضًا كبيرًا إذ بات الشيء في عداد الوجود الفعلي، ولنقس على ذلك تغيير اسم خليج المكسيك مُؤخرًا والتلويح بضم جزيرة جرينلاند الدنماركية وكندا إلى أمريكا ومحاولة استصلاب هذه الأفكار الرخوة حتى تجد لها موطئًا صلبًا بعد حين. وهكذا درجت عادةِ ما تنسُجه القوى الغربية الكبرى من شباك الوهم على وعي الشعوب حول العالم بهدفِ الحفاظ على مصالحها والبقاء في حدود القبول المنطقي لدى الشعوب من جانب، وعدم تأجيج الرأي العام الداخلي لديها من جانب آخر، وقد نجحت إلى حد بعيد في تأصيل هذا التوجه مع الاستعانة بآلتها الإعلامية التي تُظهر بدورها المهنيةِ والنزاهةِ وهي ليست كذلك، فيبدأ كِبار قادتهم وساستهم باستعمال المسميات المُستحدثة التي أطلقوها وكرروها بشكل مستمر ومتواصل ليتأثر بها الوعي العام للمتلقي ومن الطبيعي أن يتأثر عندما يجد إجماعًا شبه مطلق من عليةِ القوم، حتى يصل بهم الأمر في طورٍ من الأطوار باعتقاد لا يدانيه شك أن الأمر في خدمتهم وخدمةِ الإنسانية جمعاء وفي الحقيقة هو لا يخدم إلا نُخبةً مجهرية على حساب ملايين البشر في الطرف الآخر من الكوكب، لكنها تُظهر تحييد المصالح الشخصية تحت رداء الوطنية. أَرادت الإدارة الصهيونية المُحتلة إفراغ المقاومة من مُحتواها الشرعي والأصيل عندما بدأ يشتد عودها بالدفاع عن الوجود الإنساني وعن أرض وعرض أصحاب الحق الأصليين، وكانت القوى الغربية وعلى رأسها أمريكا قد أطلقت كلمة "إرهاب" على مجموعة قوانين شديدة الصرامة لتستطيع تفعيلها في الوقت المناسب أو عندما تشعر بتهديد مصالحها، والإفتآت في الذرائع يرمق من طرف خفي لكل من أوتي فهمًا وإن كان بسيطًا لكشف صلافة قلب الحقيقة، فألقت بالمنطق والمعقول وراء ظهرها واستغفلت العالم كله في ممارسة دور الأب على الابن والمُعلم على الطالب بأن تُطلق على حركات المقاومة "إرهابًا" والمحتل الذي لا يُعتبر دولة بالمفهوم الحقيقي للدول هو صاحب الحق المُفترى عليه وهو لم يفعل شيئًا سوى الدفاع عن نفسه. من هُنا ومن منطلق التسميةِ والتعريف بعد اللعب طويلًا على وتر الحقيقة بالتحريف وإحلال حقيقة صلبة أخرى من الزيف فقد سهُلت عملية تحريك الرأي العام العالمي مع دعمٍ إعلامي مركز من الحلفاء، حيث سيدور الأمر كله حول مِحور مكافحة الإرهاب ولن تنظر الشعوب الغربية إلا من نافذة التزييف الممنهج الذي مُورس على وعيها العام لعشرات السنين وقد يعتقد الكثير منهم من غير المعنيين بالقضية الفلسطينية أن المقاومة هي بالفعل إرهابًا بعد أن وقعوا فريسةً سائغةً في شراك غول التضليل، والحقيقة أن الأمر لم يعد نظرية قابلة للدحض أو التشكيك وقد انكشفت للجميع وبان وجه الحقيقة وتجلى منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى عندما سعى الكيان المحتل بطرقٍ هستيرية وفاضحة وبكل قوته مع تحالفاته الظاهرة والخفية إلى ترسيخ حيله القديمة في محاولات شبه يائسة لإبقاء شعوب العالم التي استفاقت فجأة على الواقع الصادم لإرهاب المحتل ومن يسانده بعد أن كان إدراكها لا يمكنه إلا تصديق فكرة الفقاعة السائدة التي نُفخت وهم داخلها لأكثر من سبعةِ عقود، حين بدأ في مراحله الأولى بالمسكنةِ وتقمُّص المظلومية وإطلاق مُسمَّى الأحقية العقائدية بالأرض الموعودة ودعم الادعاءِ بالفلسفات التأملية في أقسام التلمود وأسفار العهد القديم واعتمادات البروتستانتية اللوثرية والكالفينية. أضحى مُسمى "طوفان الأقصى" مكافئًا لانتزاع الحقوق بالقوة من بين أنياب الظالم ومخالب المتغطرس الغاشم الذي ظل على صدر الحرية جاثمًا وهو يُمثِّل الظهور بمسكنة الحمل الوديع والمظلوم لأكثر من ألفين عام، حتى إذا قرر مكافئة نفسه بدولة لاحق له فيها افتعل ربط تهويمات تاريخية شديدة التفكك علمًا بأن قابلية نقضها سهل جدًا وبشيءٍ يسير من البحث غير المعقد، وقد تبين مصداق كل ذلك من خلال تفاعل أصحاب الأرض الباقون في وطنهم بالمقارنة مع المهجَّرين القدامى المظلومين والمستوطنين الجدد المؤدلجين إذ لاذوا بالفرار إلى دول شتاتهم حينما استشعروا الخطر ومنذ الأيام الأولى. بدأ نُضج الوعي لدى معظم شعوب العالم اليوم واضحًا في عملية البحث الفعلي عن الحقيقة بهدف تسمية الأشياء بمسمياتها الأصلية ورفض الأجوبة الطفولية مع تحول المقاومة الشعبية الفلسطينية إلى قضية رأي عام، وذلك لإزالة الغباش المتراكم على العقول المستغفلةِ التي كان يفرضها ويُسيرها شرذمة الآباء المتطرفون في الخفاء ونُخبة الساسة المُتسلطون في العلن خدمةً لمصالحهم على حساب غيرهم، وقد بدأت ملامح انتصار الحقيقة تلوح في الأفق.

رجال القش
رجال القش

جريدة الرؤية

time١٦-٠٢-٢٠٢٥

  • سياسة
  • جريدة الرؤية

رجال القش

ماجد المرهون majidomarmajid@ شاهدنا جميعًا وفي أقل من عامٍ ونصف الكثير من المُغالطات التي تبنَّتها شخصياتٍ ولغت بألسِنتها في قعر انحطاطٍ غير مسبوق ضد المُقاومةٍ الفلسطينية باعتبارها خطرًا على المِنطقة وربما العالم أجمع، وهي مُغالطةٌ تتبنى تأصيل احتمال غير وارد وإشاعتهِ على نطاق واسع حتى إذا اتخذ لنفسهِ مكانًا بين الحقائق عُمد إلى حقيقة جرائم المُحتل كردة فعلٍ طبيعية وأنسنة همجيته غير القابلة للشك بزخرف القول وتقديمها كأولوية وقع عليها الظُلم وليس العكس، وهذا ليس خلطًا منهجيًا للحقائق وحسب بل محاولةٍ فجةٍ تغتصِب العقول للقبول بالنقائض دون اثارةٍ من إثبات. كما نُلاحظ إن بعض الدول المُعول عليها في هذا الشأن لم تُلقي حجًرا في ساحة الضواري وهي تنهش بني جلدتها، بل إنها لم تنبس بِبنت شَفةٍ واتخذ كُبرائها وخبرائها وعلمائها سِمة الجماد إلا ما يصدر عنه لا إراديًا نتيجة عوامل طبيعية، ولا يُعزي سكوتهم هذا حكمةً بقدر ما هو جُبنًا وتنصلًا، وإذا خاطبهم العارفون قالوا "حل الدولتين" وعادوا بعدها سيرتهم الأولى، ولا بأس لو أن الأمر توقف عند هذا الحد لقلنا كفى بالموت واعِظا إلا أنها ربطت حجارتها وأطلقت عنان بعض نابحيها وراء قوافل الحرية للتشكيك في نزاهةِ المُقاومة وأهدافها والحط من مكانتها ومقاصدها، فلا هُم وجهوا مفكريهم ومثقفيهم لقول الحق ولاهم منعوهم من تلبيسه بالباطل، وكأن طريق السلام الذي ترتسِمه الفزَّاعات الغربية الصهيونية قد رُصف وبات مسلكُه مُمهدًا باستثناء عقبة غزة البسيطة، ولم يتبق سوى عدة نقاشات على طاولةٍ مُستديرة في البيت الأسود باعتبار أن 7 عقودٍ ونيِّف قد آتت أُكلها وحان اليوم قطافها مع رجل القش الأمريكي وهو يستبيح ويحلل ويبَرء وفي نفس الوقت يغتصب ويُحرم ويُجرم، ولكن العقبة كؤود والقافلة تجري. إنه لمن بالغ الأسف أن تخرج صحفٌ عربية كانت منارًا لكلمةِ الحق أو نحسبها كذلك عن مسارها النزيه الذي لم تعُج عنه مُنذ سنين، وقد دبَّجت أقلامها خطوطًا نقشت طريقًا واضحًا لا يزيغ عنه إلا مُتعمدًا موقنًا بحيدتهِ أو مُتحرفًا لفئة باغيةٍ فقط لأن حكُوماتها مُطبِّعة تتبنى الرؤى الغربية، وإن ما يندى له الجبين ويعزب بالفطين تدليس عالِم نحرير، ومُحدثٍ منطيق للحقيقة، وهو يعلم كما نعلم أنه يصطنع من الهامش الثانوي مبالغاتٍ حتى يبني عليها نظرية رجل القش وما يلبث أن يستفرغ كل علمه ومعلوماته لعضد أقواله شائحًا بوجههِ عن أصل المشكلة ومهمشًا للأولويات، وإلا مُنذ متى كان مقاومة أي مُحتل توجهًا خاطئًا وجب تصويبهُ بثنيهُ أو ذنبًا مُقترفًا يستوجب طلب غُفرانه وعدم تكراره؟! ما بعد الطوفان ليس كما قبله، فكما انكشف القِماط عن مُصاب الأمة الدائم وانتقاض جُرحها الغائر المُتقادم تكشَّف لُثام الزيف عن وجوه نُخبة طالما توشحت به أكتافها واسدلته زينةً على أعطافها من فوق منابِر الفصاحةِ والبلاغةِ والبيان، وهم يحدثوننا دهرًا عن فضائل الجهاد ومحامد الذود عن حياض الأرض والعِباد وقد صمتوا فجأة صمت القبور حين تجلى جُرم الاحتلال على رؤوس الأشهاد، وتبين للإنس والجن تدبيرهم وما كانوا يخفون ولا ينظُرون إلا نُطق الجماد، وثاب إلى رشده من كان يساوره شيئًا من الشك يسير أو من الريبة واللا يقين في نوايا حملات استعمار القوى الغربية للمشرق الإسلامي والتي لم ولن نجد لسُنتها تبديلا. من مَثارات السُخريةِ أن بعض وسائِل الإعلام العربية تشيح بوجهها البراق عن كُل ما يحدث في القضية الفلسطينية وكأن الأمر لا يعنيها من قريبٍ أو بعيد؛ بل إنها تدأب على تبسيط وتسهيل الأحداث حتى خلُص قوسها ونَبلها إلى النيل من نُبل رموز المُقاومة واقطابها، وبلغت رؤى زرقاء يمامتِها إلى سبر مكنون نوايا المُجاهدين من خلال اجتباء ثقافة الفكر المُتطرف والإرهاب اللذين يصدرهما طازجا ومُعلبًا كبار صنَّاع السياسة العالمية، ثم احتوائه تمهيدًا لذبحهِ حسب الشريعةِ الإسلامية وتقديمه وجبة شهية على الطريقة العربية ولكن الإسلام والعرب منه براء. لا يُفترض أن يستعصي علينا اليوم كعرب ومُسلمين فهم وفك رموز اللعبة الخبيثة التي عضُلت بالإنسان الغربي ولا يزال واقعًا في متاهتها لاستحكام الروايات التضليلية التي مورست عليه، ولكن من وقع في الجهالة إزاء أقوال بعض المتوشحين بعباءة المنطق والواقعية والمناهضين للجهاد والمُقاومة، فما عليه إلا الإنصات والاستماع لأقوال وتصريحات معظم الرؤساء الغربيين الصريحة والمباشرة والعداء البين من أرفع مستوياتهم القيادية والسياسية دون مُراءاة أو مُحاباة وجُلها يصب في خدمة الكيان الصهيوني ومصلحته، ومقارنتها بالمواقف السياسية العربية والتي تمتنع في معظمها عن الرد على نفس المستوى، وليس حكمةً ورزانةً أو تروٍ وهدوء؛ بل خوفًا ورعبًا على واقعهم من أوهام رجال القشْ.

كواليا الذكاء وزومبي الآلة
كواليا الذكاء وزومبي الآلة

جريدة الرؤية

time٠٩-٠٢-٢٠٢٥

  • علوم
  • جريدة الرؤية

كواليا الذكاء وزومبي الآلة

ماجد المرهون majidomarmajid@ بدأت الحياة بعد خلق الجزيء البروتيني الأول، تسارعًا بيولوجيًا منتظمًا، ومر بمراحل تطورية كثيرة تعتمد على المبدأ الذي لا يزال مستمرًا؛ وهو المعلومات المُكتسبة للكائنات وتفاعلها مع بيئتها وفي محيطها، ولكنه تطورٌ بطيء نسبيًا قياسًا بقوانين وقتنا التقليدي، حتى إذا ترسَّخ مفهوم الحياة بوجود الكائنات الحية العاقلة وعلى رأسها الإنسان توسعت مُدركاته إلى التطور الثقافي بحيث يُعيد تصميم أساليبه الفكرية إلى مراحل أكثر تقدمًا من الإبداع، وصولًا إلى الفنون والمُعتقدات والأديان ثم تبسيط سُبل معيشتهِ بُغية الرفاهية بأقل جهد مُمكن، إلى أن وصلنا اليوم للتطور التكنولوجي وبدأت تلوح في الأفُق ملامح تطور البرمجيات لإعادة تشكيل نفسها باكتساب وعيها الذاتي القادر على اتخاذ القرار في معزلٍ عن تدخل صانِعها الإنسان. بدأ اعتقاد سيطرة الذكاء الاصطناعي على الإنسان وربما الإنسانية يتسرب إلى أفكار الكثير من الناس، وقد جاء هذا الاعتقاد نتيجة التراكُم الثقافي من خلال التأصيل له في صناعة السينما وقصص الخيال العلمي، حتى بات البعض يُجزم بأن هذا التطور سيقضي على الكثير من الصناعات والوظائف، طبعًا لن يحل الذكاء الاصطناعي الذي لا يصنع رغيفًا محل الذكاء الإنساني إلا في حالةٍ واحدةٍ فقط وهي عزل الإلهام الفِطري -مُحرك الإنسان الخفي- وهذا الاستثناء يُكافئ مُعتقد عبَّاد العلم واللادينيين من مُنكري الروح، ويميل بهم جدًا إلى تأكيد فرضية سيطرة الآلة إلى درجة التحكم بكل مفاصِل الحياة وهو افتراض لا يتأكد عن المؤمنين بوجود الخالق والروح والتكليف المُرتبط بالوعي. لا يزال الوعي في أصلهِ مُبهمًا ولا يوجد له تعريفٌ حقيقي مُقنع، إلّا أن الإدراك العقلي للحدث واتخاذ القرار في نوعية التعامل معه هو أبسط شرحٍ يُمكن تلخيصه، كما أن للحيوانات نوعا من الوعي بتطويع تفاعلها غرزيًا للبقاء فقط وهذا في أقل مفاهيمه أو ما يُعرف بـ"الكواليا"؛ وهي الطريقة التي يرى بها كل مخلوق العالم من منظورهِ الخاص وكيفية إدراكه وتحليله وآلية التعامل معه واستقلالية قراره بما في ذلك الفِطرة الحيوانية، إلا أنها تختلف عن فطرة الإنسان الدافعة للبحث والترقي المعرفي والمعيشي السريع، وهي تواكب حقيقة بقاء الإنسان مُتحكمًا بمجريات الأمور وفي مُقدمتها صناعة واتخاذ القرار، باعتبار أن ذكاء الآلة مهما بلغ حجم المعلومات وتنظيم الأولويات اصطناعيا سيفتقر على الدوام لاكتساب وعيه الخاص لعدم وجود الروح وما ينتج عنها من تفاعلات لاعتبارات حسية وعاطفية. سيقوم الإعلام من مُنطلق شغف الإنسان بالغرائب والعجائب بالترويج لفرضيات هيمنة الآلة بذكائها المُصطنع على تسيير مُجريات الأحداث مُستقبلًا بحيث تعمل بموجب وعيها الخاص والذي تبني عليه عملية صناعة القرار من الصفر ونزاهة اتخاذه دون دخالةٍ إنسانية، مع أنه أمر غير وارد، إلّا ما تم إدخاله إنسانيًا لها ولكن هناك من يُحاول تأكيد الوعي المُستقِّل للذكاء الاصطناعي وتضخيمه إلى منزِلة تحكُمه المُطلق بِكل شيء، ومن البديهي أن تظهر في هذه المرحلة تحديات أخلاقية حول مفاهيمٍ لم تُعرف سابقًا ويمكن تحليلها في تأمُلاتٍ عقلية جديدة تُفضي إلى فلسفة الزومبي كنُسخة من الإنسان المُتصرف ولكنه غير قادر على إدراك نفسه. يذهب بعض خُبراء الغرب من علماء وفلاسفة محدثين وشخصياتٍ مرموقةٍ من رجال أعمال وسياسيين إلى ما بعد الذكاء الاصطناعي فيما يُسمى بالذكاء الخارق، وذلك لأن الإنسان هو المخلوق الوحيد على الأرض الذي يُمكنه تصور خيالات وخُرافات وما ورائيات قد لا تكون موجودة إلّا في خياله، ومع إضفاء بعض المُمارسات الحياتية المتزامنة مع تلك التصورات فإنها ستتخذ نوعًا من الصلابةِ في ذهنه وتتحول بمرور الوقت إلى مُسلَّماتٍ شبه حقيقةٍ يمكنه التعامل معها على أسس وجودية كالتطور التكنولوجي الخارق، بحيث تُعيد الآلة بناء وعيها الذاتي وتنقلب على البشر وهذه رؤية ذات نزعة خيالية مُحبَّبه وجاذبة، مع عدم نفينا بأن قمة الذكاء أن يتحاور المرء مع جهازٍ إلكتروني في حديثٍ يصل إلى عدم القدرة على التمييز بينه وبين الإنسان، ولكن هذا لا يُثبت أن تلك الآلة تتحدث بوجوب وعي إدراكي كون حديثها ما هو إلا بِناء على مخزونٍ تراكميٍ هائل من المعلومات تقوم بحوسبة خوارزمياتها محركات صياغة بالغة السرعة وهي تتضخم وتتعاظم شبكيًا بحسب زيادة عدد المُستخدمين والذين يقومون بدورهم في تغذيتها بالمعلومات، فضلًا عن المعارف الموسوعية التي غُذيت به تلك المُحركات، وسوف تعود للعدم في حالة انقطاع الكهرباء عنها. وفي الأخير.. لا يسعني إلّا التساؤل أين نحن من كُل هذا، وهل نعي فعلًا أهمية سباق الذكاء الاصطناعي؟! لا يبدو لي ذلك لأنني سئمت مقولة توحد الجهود العربية وبتنا نقف موقف المُتفرج على حرب تقنيةٍ باردةٍ في ظاهرها ساخنة وفي باطنها كما تفرجنا سابقًا على عدة معارك، وأمثلنا طريقة هو من يستطيع الكلام كما أفعل الآن وانتظار نتائج اصطراع المُعسكر الغربي الأمريكي مع المُعسكر الشرقي الصيني في محاولات السيطرة عليه وامتلاك النفوذ الأكبر للتحكم به، لأنها بلغت مبلغًا بعيدًا من الوعي في إدراك أهمية وضرورة هذه الثورة العلمية الاستثنائية وغير المسبوقة في تاريخ التطور الإنساني.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store