logo
رجال القش

رجال القش

جريدة الرؤية١٦-٠٢-٢٠٢٥

ماجد المرهون
majidomarmajid@outlook.com
شاهدنا جميعًا وفي أقل من عامٍ ونصف الكثير من المُغالطات التي تبنَّتها شخصياتٍ ولغت بألسِنتها في قعر انحطاطٍ غير مسبوق ضد المُقاومةٍ الفلسطينية باعتبارها خطرًا على المِنطقة وربما العالم أجمع، وهي مُغالطةٌ تتبنى تأصيل احتمال غير وارد وإشاعتهِ على نطاق واسع حتى إذا اتخذ لنفسهِ مكانًا بين الحقائق عُمد إلى حقيقة جرائم المُحتل كردة فعلٍ طبيعية وأنسنة همجيته غير القابلة للشك بزخرف القول وتقديمها كأولوية وقع عليها الظُلم وليس العكس، وهذا ليس خلطًا منهجيًا للحقائق وحسب بل محاولةٍ فجةٍ تغتصِب العقول للقبول بالنقائض دون اثارةٍ من إثبات.
كما نُلاحظ إن بعض الدول المُعول عليها في هذا الشأن لم تُلقي حجًرا في ساحة الضواري وهي تنهش بني جلدتها، بل إنها لم تنبس بِبنت شَفةٍ واتخذ كُبرائها وخبرائها وعلمائها سِمة الجماد إلا ما يصدر عنه لا إراديًا نتيجة عوامل طبيعية، ولا يُعزي سكوتهم هذا حكمةً بقدر ما هو جُبنًا وتنصلًا، وإذا خاطبهم العارفون قالوا "حل الدولتين" وعادوا بعدها سيرتهم الأولى، ولا بأس لو أن الأمر توقف عند هذا الحد لقلنا كفى بالموت واعِظا إلا أنها ربطت حجارتها وأطلقت عنان بعض نابحيها وراء قوافل الحرية للتشكيك في نزاهةِ المُقاومة وأهدافها والحط من مكانتها ومقاصدها، فلا هُم وجهوا مفكريهم ومثقفيهم لقول الحق ولاهم منعوهم من تلبيسه بالباطل، وكأن طريق السلام الذي ترتسِمه الفزَّاعات الغربية الصهيونية قد رُصف وبات مسلكُه مُمهدًا باستثناء عقبة غزة البسيطة، ولم يتبق سوى عدة نقاشات على طاولةٍ مُستديرة في البيت الأسود باعتبار أن 7 عقودٍ ونيِّف قد آتت أُكلها وحان اليوم قطافها مع رجل القش الأمريكي وهو يستبيح ويحلل ويبَرء وفي نفس الوقت يغتصب ويُحرم ويُجرم، ولكن العقبة كؤود والقافلة تجري.
إنه لمن بالغ الأسف أن تخرج صحفٌ عربية كانت منارًا لكلمةِ الحق أو نحسبها كذلك عن مسارها النزيه الذي لم تعُج عنه مُنذ سنين، وقد دبَّجت أقلامها خطوطًا نقشت طريقًا واضحًا لا يزيغ عنه إلا مُتعمدًا موقنًا بحيدتهِ أو مُتحرفًا لفئة باغيةٍ فقط لأن حكُوماتها مُطبِّعة تتبنى الرؤى الغربية، وإن ما يندى له الجبين ويعزب بالفطين تدليس عالِم نحرير، ومُحدثٍ منطيق للحقيقة، وهو يعلم كما نعلم أنه يصطنع من الهامش الثانوي مبالغاتٍ حتى يبني عليها نظرية رجل القش وما يلبث أن يستفرغ كل علمه ومعلوماته لعضد أقواله شائحًا بوجههِ عن أصل المشكلة ومهمشًا للأولويات، وإلا مُنذ متى كان مقاومة أي مُحتل توجهًا خاطئًا وجب تصويبهُ بثنيهُ أو ذنبًا مُقترفًا يستوجب طلب غُفرانه وعدم تكراره؟!
ما بعد الطوفان ليس كما قبله، فكما انكشف القِماط عن مُصاب الأمة الدائم وانتقاض جُرحها الغائر المُتقادم تكشَّف لُثام الزيف عن وجوه نُخبة طالما توشحت به أكتافها واسدلته زينةً على أعطافها من فوق منابِر الفصاحةِ والبلاغةِ والبيان، وهم يحدثوننا دهرًا عن فضائل الجهاد ومحامد الذود عن حياض الأرض والعِباد وقد صمتوا فجأة صمت القبور حين تجلى جُرم الاحتلال على رؤوس الأشهاد، وتبين للإنس والجن تدبيرهم وما كانوا يخفون ولا ينظُرون إلا نُطق الجماد، وثاب إلى رشده من كان يساوره شيئًا من الشك يسير أو من الريبة واللا يقين في نوايا حملات استعمار القوى الغربية للمشرق الإسلامي والتي لم ولن نجد لسُنتها تبديلا.
من مَثارات السُخريةِ أن بعض وسائِل الإعلام العربية تشيح بوجهها البراق عن كُل ما يحدث في القضية الفلسطينية وكأن الأمر لا يعنيها من قريبٍ أو بعيد؛ بل إنها تدأب على تبسيط وتسهيل الأحداث حتى خلُص قوسها ونَبلها إلى النيل من نُبل رموز المُقاومة واقطابها، وبلغت رؤى زرقاء يمامتِها إلى سبر مكنون نوايا المُجاهدين من خلال اجتباء ثقافة الفكر المُتطرف والإرهاب اللذين يصدرهما طازجا ومُعلبًا كبار صنَّاع السياسة العالمية، ثم احتوائه تمهيدًا لذبحهِ حسب الشريعةِ الإسلامية وتقديمه وجبة شهية على الطريقة العربية ولكن الإسلام والعرب منه براء.
لا يُفترض أن يستعصي علينا اليوم كعرب ومُسلمين فهم وفك رموز اللعبة الخبيثة التي عضُلت بالإنسان الغربي ولا يزال واقعًا في متاهتها لاستحكام الروايات التضليلية التي مورست عليه، ولكن من وقع في الجهالة إزاء أقوال بعض المتوشحين بعباءة المنطق والواقعية والمناهضين للجهاد والمُقاومة، فما عليه إلا الإنصات والاستماع لأقوال وتصريحات معظم الرؤساء الغربيين الصريحة والمباشرة والعداء البين من أرفع مستوياتهم القيادية والسياسية دون مُراءاة أو مُحاباة وجُلها يصب في خدمة الكيان الصهيوني ومصلحته، ومقارنتها بالمواقف السياسية العربية والتي تمتنع في معظمها عن الرد على نفس المستوى، وليس حكمةً ورزانةً أو تروٍ وهدوء؛ بل خوفًا ورعبًا على واقعهم من أوهام رجال القشْ.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

محكمة العدل الإلهية
محكمة العدل الإلهية

جريدة الرؤية

time١٦-٠٣-٢٠٢٥

  • جريدة الرؤية

محكمة العدل الإلهية

ماجد المرهون majidomarmajid@ لم تعُد الحقيقة مُحتجبة وراء غمام الاحتمالات أو غيوم الشكوك ولم تكُن أكثر إشراقًا مما هي عليه اليوم، حين تجلى سطوعها على ما خلفه الخرق السافر لمفهوم الإنسانية الذي يمتطي صهوته مجرمون في هيئة فُرسان نُزعت من قلوبهم الأخلاقيات وإن رطبوا بها ألسنتهم وكل معاني الرحمة والرأفةِ وهم يتغنون بها وساستهم آلة التضليل والتدجين، بقيادة زعماء شاخوا في تلك الميادين وابيضت رؤوسهم في تيه مهيعهم، بل وتفشى إمعانهم في غيهم مع تفشي شيبهم، والتوت أكاذيبهم بحسب التواء مواقفهم وتلونت حربائيتهم بمقدار حاجتهم وهم منها لا يستحون، ثم ينحون باللائمة كلما ازدادت ظهورهم انحناءً على المظلومين المكشوفةِ أستارهم والمهتوكة أعراضهم، بينما الواقع صارخ البيان كصرخة الترهل في جلود أعناقهم وجلي للعيان كجلاء الانتفاخات في جفون أعينهم. صنع زعماء الغرب حقيقةً ضبابية بشرط أن تكون وظيفية ذات إطناب وقادرة على استيعاب الشكوك ومتكيفةٍ مع كل الاحتمالات ويمكن تخيل كل شيء في صفاء صورتها كما يمكن توقع أي شي وراء مجهولها، نعم أرادوها كذلك حتى تنعكس للرائي صورة شبحية مرتابة تحتمل الكثير من فلسفات التأويل والتحليل، ويواصلون تغبيشها فيما بينهم بالتناوب ومن وراء صناعتهم هندسة خفية عميقة تقوم بالتمويل والدعم بالمال والوعود بالسُلطةِ والنفوذ، وكُلٌ يدلي بدلو الإفتآت في بئر العامة ثم يبصق فيه دون أن يَندى له جبين أو يرمش له جفن أو يرق له قلبٌ أو تدمع له عين، فماذا ترك الكبير فيهم وهو فاقدٌ لبوصلته الأخلاقية ونخوة التمييز بين الحق والباطل للصغير؟ بالطبع لم يترك شيئًا بل أصبح معلمًا كبيرًا للكذب يُقتدى به، هذا إن استطاع بحباله القصيرة مواصلة لُعبته الخطيرة وبلا شك لن يتمكن من فعل ذلك طويلًا ولن يبقى الكبير إلى الأبد كبيرًا ولا الصغير صغيرًا. إنه لمن مصلحة العالم الغربي تأصيل أكاذيب كُبرائهم من خلال تزييف الحقائق وتشكيل صورة نقية تمثل سوء العالم الإسلامي ويعكسونها كما أرادوها إلى شعوبهم ذات الجهل الشديد بما يحدث خارج بلدانهم باستثناء زمرةٍ قليلةٍ من صناع القرار، وليست إسرائيل منهم ببراء كونها صُهارةٍ غربية بامتياز؛ إذ نلاحظ في معظم خطابات قادتهم والتي يتناوبونها مع أمريكا وبريطانيا وألمانيا أنها تحمل العبارات الدلالية ذاتها لتنتحل بمرور الوقت محل الأصالة، ولعل أهمها وأكثرها شيوعًا هي "الدفاع عن النفس مع ربطهِ بمحاربة الإرهاب والسلام وتذييله بكلمة إسرائيل"، وبما أن دولة الاحتلال الصهيوني أرادت دمج نفسها بدول العالم عند انضمامها للأمم المتحدة معتبرةً نفسها دولة أصيلة ذات سيادة ومرجعية تاريخية فإنها بالضرورة ستُظهر امتثالًا تامًا للأعراف التي يُقر بها أهل الأصول والمرجعية، لكن ذلك لا يحدث وهي تجرح في أصلها من حيث لا تشعر وتطعن في حسبها ونسبها بانتهاكها الفج لكل القوانين التي يحترمها من يحترم نفسه، وإن تظاهرت بالالتزام وفسرت خروقاتها بتفاسير لا يقبلها سوي الفطرة ويغلب عليها في نهاية كل مطافٍ أصلها والأصل غلاب. سوف تستمر ذِراع التدمير الإسرائيلية الصهيونية اليُسرى في مواصلة عملها، وتمد لكذبة السلام ذراعها المغلولة الأخرى كما عودت العالم عليه وتعود عليها، ونعلم أنها لن تُقيم وزنًا للقانون الدولي مع كل القرارات والأحكام بمساندة العرَّاب الأمريكي المُتَرَهِّل، وسيواصلان اختلاق الأعذار والأكاذيب فهما معدنٍ واحدٍ من حيث الأصل والمضمون نتج عن خليط تاريخٍ موغل في القتل والتدمير والتهجير وطفح خَبَثه فوق سطح العدل والأثيل وناء به إناء القياس والكيل وطغى دخانه وأزكم الصحيح والعليل، وقد استساغوا هذه المِهنة ولم يجدوا في طريقهم من لا يسوغها أو ينافسهما عليها ومن تجرأ يُستباح ماله ودمه. اقتلوا ما شئتم أن تقتلوا، الخلق والمخلوقات، الحرية والعدالة، الكلمة والصحافة "وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين"، أو لم تقتلوا 50 ألفًا في عدةِ شهور أو يزيدون وقتلتم مثلهم قبلهم أضعافًا ولازلتم تفعلون؟! ولكن مشيئة الله لا تستقيم مع الظلم وإن طال زمانه، ولا تقف مع الظالم وإن مد له في غيه وطغيانه، ونعلم ما حدث في تلك الديار منذ خروج يعقوب وأبنائه وسنبقى معكم مختلفون لا نتفق، فلن تقتلوا الحقيقة التي بات يبحث عنها كل سكان العالم باستثناء عُشّاق العبودية أو الواهم بخدعة السلام المطاطية، وها أنتهم أولاءِ اليوم تجنون ثمار الحقد والكراهية التي زرعتم شجرتها في سبعة عقود ماضية ونيَّف وأنتم أول من سيُسمِّمه حصادها وسيبقى نسل خلافنا معكم عقيمًا.

رجال القش
رجال القش

جريدة الرؤية

time١٦-٠٢-٢٠٢٥

  • جريدة الرؤية

رجال القش

ماجد المرهون majidomarmajid@ شاهدنا جميعًا وفي أقل من عامٍ ونصف الكثير من المُغالطات التي تبنَّتها شخصياتٍ ولغت بألسِنتها في قعر انحطاطٍ غير مسبوق ضد المُقاومةٍ الفلسطينية باعتبارها خطرًا على المِنطقة وربما العالم أجمع، وهي مُغالطةٌ تتبنى تأصيل احتمال غير وارد وإشاعتهِ على نطاق واسع حتى إذا اتخذ لنفسهِ مكانًا بين الحقائق عُمد إلى حقيقة جرائم المُحتل كردة فعلٍ طبيعية وأنسنة همجيته غير القابلة للشك بزخرف القول وتقديمها كأولوية وقع عليها الظُلم وليس العكس، وهذا ليس خلطًا منهجيًا للحقائق وحسب بل محاولةٍ فجةٍ تغتصِب العقول للقبول بالنقائض دون اثارةٍ من إثبات. كما نُلاحظ إن بعض الدول المُعول عليها في هذا الشأن لم تُلقي حجًرا في ساحة الضواري وهي تنهش بني جلدتها، بل إنها لم تنبس بِبنت شَفةٍ واتخذ كُبرائها وخبرائها وعلمائها سِمة الجماد إلا ما يصدر عنه لا إراديًا نتيجة عوامل طبيعية، ولا يُعزي سكوتهم هذا حكمةً بقدر ما هو جُبنًا وتنصلًا، وإذا خاطبهم العارفون قالوا "حل الدولتين" وعادوا بعدها سيرتهم الأولى، ولا بأس لو أن الأمر توقف عند هذا الحد لقلنا كفى بالموت واعِظا إلا أنها ربطت حجارتها وأطلقت عنان بعض نابحيها وراء قوافل الحرية للتشكيك في نزاهةِ المُقاومة وأهدافها والحط من مكانتها ومقاصدها، فلا هُم وجهوا مفكريهم ومثقفيهم لقول الحق ولاهم منعوهم من تلبيسه بالباطل، وكأن طريق السلام الذي ترتسِمه الفزَّاعات الغربية الصهيونية قد رُصف وبات مسلكُه مُمهدًا باستثناء عقبة غزة البسيطة، ولم يتبق سوى عدة نقاشات على طاولةٍ مُستديرة في البيت الأسود باعتبار أن 7 عقودٍ ونيِّف قد آتت أُكلها وحان اليوم قطافها مع رجل القش الأمريكي وهو يستبيح ويحلل ويبَرء وفي نفس الوقت يغتصب ويُحرم ويُجرم، ولكن العقبة كؤود والقافلة تجري. إنه لمن بالغ الأسف أن تخرج صحفٌ عربية كانت منارًا لكلمةِ الحق أو نحسبها كذلك عن مسارها النزيه الذي لم تعُج عنه مُنذ سنين، وقد دبَّجت أقلامها خطوطًا نقشت طريقًا واضحًا لا يزيغ عنه إلا مُتعمدًا موقنًا بحيدتهِ أو مُتحرفًا لفئة باغيةٍ فقط لأن حكُوماتها مُطبِّعة تتبنى الرؤى الغربية، وإن ما يندى له الجبين ويعزب بالفطين تدليس عالِم نحرير، ومُحدثٍ منطيق للحقيقة، وهو يعلم كما نعلم أنه يصطنع من الهامش الثانوي مبالغاتٍ حتى يبني عليها نظرية رجل القش وما يلبث أن يستفرغ كل علمه ومعلوماته لعضد أقواله شائحًا بوجههِ عن أصل المشكلة ومهمشًا للأولويات، وإلا مُنذ متى كان مقاومة أي مُحتل توجهًا خاطئًا وجب تصويبهُ بثنيهُ أو ذنبًا مُقترفًا يستوجب طلب غُفرانه وعدم تكراره؟! ما بعد الطوفان ليس كما قبله، فكما انكشف القِماط عن مُصاب الأمة الدائم وانتقاض جُرحها الغائر المُتقادم تكشَّف لُثام الزيف عن وجوه نُخبة طالما توشحت به أكتافها واسدلته زينةً على أعطافها من فوق منابِر الفصاحةِ والبلاغةِ والبيان، وهم يحدثوننا دهرًا عن فضائل الجهاد ومحامد الذود عن حياض الأرض والعِباد وقد صمتوا فجأة صمت القبور حين تجلى جُرم الاحتلال على رؤوس الأشهاد، وتبين للإنس والجن تدبيرهم وما كانوا يخفون ولا ينظُرون إلا نُطق الجماد، وثاب إلى رشده من كان يساوره شيئًا من الشك يسير أو من الريبة واللا يقين في نوايا حملات استعمار القوى الغربية للمشرق الإسلامي والتي لم ولن نجد لسُنتها تبديلا. من مَثارات السُخريةِ أن بعض وسائِل الإعلام العربية تشيح بوجهها البراق عن كُل ما يحدث في القضية الفلسطينية وكأن الأمر لا يعنيها من قريبٍ أو بعيد؛ بل إنها تدأب على تبسيط وتسهيل الأحداث حتى خلُص قوسها ونَبلها إلى النيل من نُبل رموز المُقاومة واقطابها، وبلغت رؤى زرقاء يمامتِها إلى سبر مكنون نوايا المُجاهدين من خلال اجتباء ثقافة الفكر المُتطرف والإرهاب اللذين يصدرهما طازجا ومُعلبًا كبار صنَّاع السياسة العالمية، ثم احتوائه تمهيدًا لذبحهِ حسب الشريعةِ الإسلامية وتقديمه وجبة شهية على الطريقة العربية ولكن الإسلام والعرب منه براء. لا يُفترض أن يستعصي علينا اليوم كعرب ومُسلمين فهم وفك رموز اللعبة الخبيثة التي عضُلت بالإنسان الغربي ولا يزال واقعًا في متاهتها لاستحكام الروايات التضليلية التي مورست عليه، ولكن من وقع في الجهالة إزاء أقوال بعض المتوشحين بعباءة المنطق والواقعية والمناهضين للجهاد والمُقاومة، فما عليه إلا الإنصات والاستماع لأقوال وتصريحات معظم الرؤساء الغربيين الصريحة والمباشرة والعداء البين من أرفع مستوياتهم القيادية والسياسية دون مُراءاة أو مُحاباة وجُلها يصب في خدمة الكيان الصهيوني ومصلحته، ومقارنتها بالمواقف السياسية العربية والتي تمتنع في معظمها عن الرد على نفس المستوى، وليس حكمةً ورزانةً أو تروٍ وهدوء؛ بل خوفًا ورعبًا على واقعهم من أوهام رجال القشْ.

وزراء ترامب منفوخون إعلاميًا
وزراء ترامب منفوخون إعلاميًا

جريدة الرؤية

time٢٤-١١-٢٠٢٤

  • جريدة الرؤية

وزراء ترامب منفوخون إعلاميًا

ماجد المرهون majidomarmajid@ سهَّل علينا وزراء ترامب تأكيد شعورنا بتطرفهم الفكري الذي يخرج من أفواههم نظرًا لافتقارهم للحنكة الدبلوماسية، وظهروا على شاكلة سيدهم المُعتاد على التفكير بصوتٍ مُرتفع والإعلان المُباشر بلا تردد، وهذا أمر جيد لا يترك مجالًا للتكهنات التحليلية أو الاحتمالات التأويلية كما يفعل نُظراؤه من الرؤساء المحنكين. ويبدو أن الرئيس الأمريكي الجديد الخبير بأروقة المحاكم جراء عشرات القضايا المُتهم بها قد قرر التركيز على اختيار الوزراء المنفوخين إعلاميًا، حيث ظهر معظمهم سابقًا وخلال عامٍ واحد بقدرةٍ جيدةٍ على الكلام وبرزوا إعلاميًا على المنابر الخطابية والمنصات الإلكترونية وحلبات المصارعة، وقد نتساءل هنا عن دور الكفاءة وهل كل متحدثٍ وممثلٍ جيد يكون بالضرورة كفاءةٍ جيدة؟! بالطبع لا لأن الكفاءة ليست مُهمة طالما أن الإدارة موكلة إلى آخرين من الذين يقدمون مصالح منظمة "آيباك" اليهودية ويعتبرون إسرائيل الولاية رقم 51 الأمريكية. لاحظنا حملة ترامب الانتخابية والتي لم يتطرق للحديث فيها عن "الدولة العميقة" كما فعل خلال نهاية فترة رئاسته السابقة مع العلم أنه أول من أعلن للعالم رسميًا هذا المُصطلح -التفكير بصوت مرتفع- وبالطبع لم يرُق هذا الإعلان لحكومة الظل الخفية فأطاحوا به مقابل أسوأ شخصية ترأست الولايات المتحدة، بعد أن كنَّا نعتقد أن بوش الابن كان الأسوأ حتى جاء بايدن أكثر سوءًا من حيث الشخصية الاعتبارية أو الوجاهية إذ بات مصدرًا خصبًا للتهكم والسخرية في الإعلام الكوميدي الذي ينتقد الأخطاء بالضحك. كما لاحظنا ولاحظ العالم أجمع استعانة ترامب بصديقه الملياردير إيلون ماسك الذي توهج لامعًا في مؤازرته، لأن الرؤية في التركيز على الشخصيات الإعلامية المعروفة والشخصيات المُفوهة المتحدثة جاءت مُبكرة وقد امتطوا صهوة القضية الفلسطينية بهدف الظهُور والتسويق الشخصي، وبلا شك فإن موقف معظم من استجلبهم ترامب يميل كُل الميل إلى الكيان الصهيوني المُحتل، فهل ياترى هم صهاينة أو بثقافة صهيونية؟! كلا ليس بالضرورة ويكفي فقط أن يؤدي كل منهم دوره بحسب المُتفق عليه مقابل الدعم والمال والوعود بتحقيق النفوذ للترويج للنظرية الإسرائيلية "السلام هو إسرائيل والإرهاب هو المقاومة". إيلون ماسك الذي لم يتمكن من إخفاء مشاعرة مع الشأن الفلسطيني منذ البداية ثم رفضه لحجب المحتوى على منصة إكس قام بزيارة إلى إسرائيل بعد السابع من أكتوبر وما لبث الا عدة أيام حتى غير موقفه بالتعاطف مع إسرائيل، ولم يأت بعدها على ذكر فلسطين؛ إذ امتنع الرجل عن الحديث ولن يتأتى هذا التغيير الجذري مجانًا مع رجل أعمال صعب المراس ما لم يكن هناك مقابل -الفكر التجاري-، فما هو هذا المقابل؟! هو تأهيل إيلون ماسك للمرحلة الثانية خلال حملة ترامب الانتخابية ماسيعزز ارتفاع أسهم شركاته وتفعيل دوره في مُحاربة المثلية التي يحقد عليها بعد أن تسببت قوانين بايدن في تحول ابن ماسك من رجل إلى امرأة. إنَّ التاريخ الأمريكي الحديث ممتاز في التدليس وقلب الحقائق بما يتوافق مع مصلحة النُخب الحاكمة واستنباط القوانين التي تأصل مفاهيم جديدة ضد المعقول والمقبول والأعراف المنطقية والأحكام الدولية ولكن ذاكرة الشعوب ضعيفة، فعندما أرادوا مكافحة الفكر الاشتراكي الذي استشرى قبل 70 عامًا جاءوا "بالمكارثية" وهي تنسب إلى جوزيف مكارثي عضو مجلس الشيوخ وباتت الدعوة للاشتراكية تندرج ضمن قانون جديد يسمى الإرهاب الفكري، وهنا تحول الفكر إلى إرهاب وإن لم يستند على أية إثباتات قطعية الدلالة وتحولت حرية التعبير التي يُقرها قانونهم إلى نوع جديد من أنواع الإرهاب، وهو ماتُطبقه ألمانيا -أسيرة معاهدة فرساي- اليوم في مكافحة وتجريم كل إشارة تظهر التعاطف مع فلسطين وإن كانت بسيطة مثل المقاومة والقتل والتدمير وحتى العلم والكوفية والمثلث الأحمر ولكن لا مانع من التعاطف مع إسرائيل، ونلاحظ اليوم كيفية استغلال حرية التعبير مع أعوان ترامب الجدد في بث إرهابهم الفكري إعلاميًا بكل حرية، ومحاولة إرجاع الوعي العام المُنفتح إلى ضلالات بيت الطاعة الأمريكي، وسكت ترامب هذه المرة عن الإشارة للدولة العميقة كما سكت ماسك عن الشأن الفلسطيني وأغلق هذا الملف واعتلى المنابر خبراء الحديث والكلام، وبالنسبة للكفاءة فهناك من يهتم بها. لعل التركيز الإعلامي من أعلى المستويات الإدارية سيكون سِمة المرحلة القادمة وبإمتياز، لأن الوعي العالمي بدأ يستفيق ويتفاعل مع ماتنقله اخبار مواقع التواصل "من قلب الحدث" بعد استهداف النزاهة الصحفية والمهنية الإعلامية، وقد فاقت مواقع التواصل في نقلها كل المحطات الإخبارية العالمية التي اكتشف العالم مدى كذبها وتضليلها بعد أن وقعت في حرج شديد عندما أشاعت أن المقاومة الفلسطينية تقطع رؤوس الأطفال وانساق معها الرئيس بايدن بدون تقديم أي دليل -نفس السيناريو الأمريكي لشحن الكراهية العالمية ضد العراق- ثم عادت تلك القنوات العريقة للاعتذار وتبعها الرئيس الهرِم وفقدوا بالتالي مصداقيتهم مقابل منافسة منصات التواصل الاجتماعي التي يحركها التأثير العاطفي الإنساني بلا أجندة أو أطماع، فماهو الحل الآن؟ كما فعلوا سابقًا عندما استجلبوا القس الأمريكي المحدث المنطيق بيلي جرام الأب الروحي للرئيس جورج بوش الأب، فالحل اليوم لن يحيد كثيرا عن رتابة التخطيط الأمريكي التقليدي وهو استجلاب شخصيات كلامية جديدة لها قدرة عالية على الحديث والاقناع واستدراج الجماهير الى نشوة الهتاف والتصفيق والتصفير اللاواعي، ونشر ماتقوله هذه الشخصيات على مواقع التواصل في المسار الأول ثم عرضه على القنوات الإخبارية في المسار الثاني.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store