٢٢-٠٤-٢٠٢٥
رحيل البابا فرنسيس.. صوت قوي ضد الحرب على غزة ونصير للفلسطينيين في محنتهم
ودّع العالم فجر الاثنين 21 أبريل 2025 البابا فرنسيس ، رأس الكنيسة الكاثوليكية، عن عمر ناهز 88 عاماً، تاركاً إرثاً من المواقف الشجاعة المناهضة للحرب على غزة التي استمرت 18 شهراً، إذ برز البابا الراحل كأحد أقوى الأصوات العالمية المنددة بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والداعية لوقف ما وصفه بالمعاناة الإنسانية غير المقبولة للشعب الفلسطيني.
إدانة صريحة للعدوان
منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023 ، اتخذ البابا فرنسيس موقفاً واضحاً وجريئاً من الحرب الدائرة في غزة ، إذ أشارت قناة "يورونيوز" إلى أن البابا أصبح مع تصاعد الحرب أكثر صراحة في انتقاداته للعدوان على غزة، وهو موقف يُعد نادراً من شخصية دينية بهذا المستوى.
وكشفت "سي بي سي نيوز" أنه في نوفمبر 2023، طالب البابا فرنسيس بشكل مباشر في كتاب "الأمل لا يخيب أبداً: حجاج نحو عالم أفضل" للصحفي هيرنان رييس ألكايدي، بإجراء تحقيق دولي حول ما إذا كانت الهجمات البرية الإسرائيلية على غزة تشكل إبادة جماعية، وهو اتهام رفضته إسرائيل بشدة.
ولم يكتفِ البابا بالإشارات الدبلوماسية المعتادة، بل وجه انتقادات صريحة للحرب على غزة.
ففي ديسمبر 2023، نقلت "يورونيوز" عن البابا فرنسيس تعبيره عن ألمه العميق تجاه ما يحدث في غزة ، منتقداً بشدة "القسوة البالغة، وإطلاق النار بالرشاشات على الأطفال، وقصف المدارس والمستشفيات"، ثم وصف في يناير 2024 الأزمة الإنسانية المستمرة بأنها "خطيرة ومخزية للغاية".
آخر نداء من أجل السلام في غزة
في مشهد مؤثر، كان آخر ظهور علني ل لبابا فرنسيس يوم الأحد 20 أبريل 2025 من شرفة كاتدرائية القديس بطرس، مخصصاً بشكل أساسي للحديث عن معاناة الفلسطينيين في غزة .
وقد نقلت وكالة رويترز وصحيفة الجارديان تفاصيل هذا الخطاب الأخير الذي ركز فيه على "الوضع الإنساني المروع" في غزة .
قال البابا فرنسيس في خطابه الأخير: "أناشد الأطراف المتحاربة: ادعوا إلى وقف إطلاق النار، وأطلقوا سراح الرهائن، وقدموا المساعدة للشعب الجائع الذي يتطلع إلى مستقبل من السلام!" وأعرب عن "قربه من معاناة المسيحيين في فلسطين وإسرائيل ولجميع الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني."
وأشارت يورونيوز إلى أن البابا حرص في هذا الخطاب على التأكيد على أن "الصراع الرهيب مستمر في التسبب بالموت والدمار وخلق وضع إنساني مأساوي ومروع."
جسر تواصل يومي مع غزة
لم تقتصر مواقف البابا فرنسيس على التصريحات العامة، بل أظهر التزاماً استثنائياً تجاه غزة من خلال تواصل يومي مباشر، إذ كشفت وكالة رويترز ووكالة خدمة أخبار الفاتيكان أن البابا أسس تقليداً فريداً تمثل في إجراء مكالمات هاتفية يومية مع كنيسة العائلة المقدسة في غزة منذ اندلاع الحرب.
every day since the Gaza genocide began Pope Francis made sure to call the parish there to check with them and lift their spirits amidst the Israeli mass indiscriminate bombing, starvation, torture and killing. He did this even as he became ill recently:
— ☀️👀 (@zei_squirrel) April 21, 2025
وقال الأب جابرييل رومانيلي، كاهن كنيسة العائلة المقدسة، لشبكة "سي بي سي نيوز": "في الأيام الأكثر قتامة من الحرب، عندما كان القصف شديداً، كان البابا فرنسيس يتصل ثلاث أو أربع أو خمس مرات في اليوم نفسه." وأضاف أنه حتى بعد دخوله المستشفى، واصل البابا الاتصال للاطمئنان.
وأوضح جورج أنطون، رئيس لجنة الطوارئ في الكنيسة، لرويترز: "لم نخسر قديساً فحسب، بل فقدنا رجلاً حارب كل يوم وفي كل اتجاه لحماية المدنيين في غزة ودعا للسلام في كل المحافل."
مسيحيو غزة
يشكل المسيحيون الفلسطينيون في غزة جزءاً صغيراً لكنه مهم من المجتمع الفلسطيني، إذ أنه ووفقاً لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول الحرية الدينية الدولية لعام 2024، والذي نقلته يورونيوز، يعيش في غزة نحو 5 ألاف مسيحي فقط، ضمن منطقة ذات غالبية مسلمة ساحقة.
وقد عبر المسيحيون الفلسطينيون عن حزن عميق لفقدان البابا فرنسيس الذي لم يقتصر اهتمامه عليهم، بل شمل جميع الفلسطينيين.
قالت بهية عياد ذات الـ80 عاماً، إحدى أفراد الرعية، للجارديان: "آخر تصريح له، الذي أدلى به قبل يوم واحد من وفاته، جلب لنا فرحاً كبيراً. عندما استؤنفت الحرب، شعرنا أن الجميع قد تخلوا عنا، لقد جعلنا نشعر أن هناك لا يزال أشخاص يقفون معنا ويدعون إلى إنهاء الحرب على غزة ."
وفي الضفة الغربية، قال طوني طباش، صاحب متجر للهدايا التذكارية الكاثوليكية في بيت لحم: "لم يكن مجرد بابا لنا، بل كان صوتاً للحق وداعماً للسلام في فلسطين."
مواقف سياسية جريئة للقضية الفلسطينية
خلال فترة رئاسته التي امتدت 12 عاماً، اتخذ البابا فرنسيس مواقف سياسية غير مسبوقة دعماً للفلسطينيين، إذ أشارت صحيفة الجارديان إلى أنه تحت قيادته، اعترف الفاتيكان رسمياً بدولة فلسطين في عام 2015، وهي خطوة اعتبرت تحولاً كبيراً في موقف الكنيسة الكاثوليكية.
وكشفت "يورونيوز" أنه في عام 2014، خلال زيارته الرسمية الأولى للأراضي المقدسة، قام البابا بتوقف غير مخطط له للصلاة عند الجدار الفاصل بين إسرائيل والضفة الغربية في بيت لحم، في لفتة وصفها مساعدوه بأنها "لحظة روحية عميقة" ضد رمز للانقسام والصراع.
وقد أكد البابا فرنسيس مراراً على رفضه للحصار المفروض على غزة ، كما دعا إلى إيصال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل.
وبعد إعادة فرض الحصار الإسرائيلي الكامل على غزة وانهيار وقف إطلاق النار في أوائل مارس 2024، كثف البابا من نداءاته لإنهاء ما وصفه بـ"الكارثة الإنسانية".
تبرز كنيسة العائلة المقدسة، التي اهتم بها البابا فرنسيس بشكل يومي، كنموذج للتضامن الإنساني وسط الدمار، إذ كشفت وكالة رويترز أن الكنيسة تأوي حالياً نحو 500 شخص، من المسيحيين والمسلمين، وتعمل كقاعدة لتقديم الطعام والماء والمساعدات الطبية لآلاف العائلات المجاورة.
وفي ظل وصول الأزمة الإنسانية في القطاع إلى مستويات غير مسبوقة، استمر دعم البابا فرنسيس والفاتيكان للكنيسة وللمدنيين المحاصرين في غزة ، في وقت انحسرت فيه المساعدات الدولية وتفاقمت معاناة المدنيين.
في ظل استمرار الصراع الدموي في غزة الذي أسفر عن أستشهاد أكثر من 50,000 فلسطيني، وفقاً لوزارة الصحة في غزة، يبقى إرث البابا فرنسيس كصوت للسلام والعدالة ورفض العدوان والمذابح حاضراً بقوة.
قال الأب ستيفان ميلوفيتش، رئيس الطائفة اللاتينية في كنيسة القيامة بالقدس، لرويترز: "نتمنى أن يأتي السلام أخيراً قريباً جداً في هذه الأرض ونتمنى أن يكون البابا القادم قادراً على مواصلة نهج الدفاع عن الضحايا والدعوة للعدالة كما فعل البابا فرنسيس."
وفي مشهد مؤثر، أشار الأب رومانيلي لوكالة "سي بي سي نيوز" إلى أن آخر مكالمة تلقاها من البابا فرنسيس كانت مساء السبت الماضي، حيث قال له بالعربية: "شكراً لخدمتكم، لصلواتكم."
وفيما كانت الساعة تمر بالثامنة مساءً يوم وفاته، جلس رومانيلي في مكتبه في هدوء الكنيسة، متأملاً: "نحن مقتنعون بأنه في السماء... الآن، يمكننا أن نتصل به في أي وقت." هكذا يبقى إرث البابا فرنسيس الرافض للعدوان والداعي للسلام حياً في ضمير العالم وفي قلوب الفلسطينيين.