logo
#

أحدث الأخبار مع #«أيلولالأسود»

صنع الله إبراهيم.. شرف المثقف
صنع الله إبراهيم.. شرف المثقف

العرب اليوم

timeمنذ 2 أيام

  • ترفيه
  • العرب اليوم

صنع الله إبراهيم.. شرف المثقف

اكتسب رمزيته من قوة نموذجه الإنسانى، فهو مبدع كبير من جيل الستينيات لا يتلون بتغير العصور، يقول ما يعتقد فيه تحت كل الظروف، كأنه صوت ضمير يأبى على اعتبارات البيع والشراء، هو تلخيص رمزى لـ«شرف المثقف»، لعله أكثر من يستحق فى حياتنا المعاصرة أن يكون تجسيدًا حيًا لتعريف المثقف عند الفيلسوف الفرنسى «جوليان بندا» - «المثقف الضمير»، أو «المثقف النبى». لم تؤثر معاناته لخمس سنوات فى المعتقل إثر الصدام بين ثورة يوليو وحركة حدتو الماركسية عام (1959) على عمق رؤيته، عندما أدخل المعتقل فى الثانية والعشرين من عمره، كان يدرس القانون فى كلية الحقوق، ويعمل موظفًا بمكتب ترجمة حتى يواصل تعليمه، رأى بعينيه الوقائع المشينة لمقتل المفكر اليسارى شهدى عطية الشافعى تحت الضرب المبرح فى معتقل «أبوزعبل» يوم (17) يونيو (1960)، لأسباب تتعلق بضعف بنيته الجسدية جرى تنحيته على جنب حتى لا تزهق روحه من أول ضربة. رفض الإدلاء بأقواله أمام سلطات الأمن خشية على حياته، وتحدث بما رأى أمام النيابة العامة بشجاعة، استقرت التجربة فى وجدانه بكل آلامها، غير أنها لم تمنعه من أن يرى عمق التحولات فى مجتمعه ولا تناقضات المشروع الناصرى مع نظامه. عندما انكسرت مصر فى (5) يونيو (1967) لم يشمت فى آلامها، ولا أخفى ما عاينه بنفسه يوم (9) يونيو إثر إعلان عبدالناصر التنحى من إرادة مقاومة عمت الشوارع، كان الظلام ينتشر بسرعة والناس تجرى فى كل اتجاه وهم يصيحون ويهتفون، ثم أخذوا يشكلون اتجاهًا واحدًا إلى مصر الجديدة، وهم يرددون فى جنون اسم ناصر، وظهرت بعض الأنوار فى المحلات والمنازل ثم دوت أصوات مدافع فوق رءوسنا فساد الظلام من جديد. روى ما شهده بعينه، فى روايته (1967)، من أحداث ومشاعر انفجار بالبكاء وتشنج وانهيار وخروج بعفوية للشوارع، كان الروائى الشاب فى ذلك الوقت مطاردًا سياسيًا، لم يكن هناك ما يدعوه إلى أن يُضفى على «تمثيلية» مصطنعة طابع الحقيقة المصدقة، إنه شرف المثقف، لماذا تدافع عمن سجنك لخمس سنوات؟ طارده هذا السؤال عبر السنين والعقود مستغربًا دفاعه بحماس بالغ بأى محفل وفى كل وقت عن عبدالناصر، لم يتراجع يومًا، ولا غير أفكاره بيوم آخر، لكنه لم يتح له أن يعبر عن كامل وجهات نظره فى الرجل وعصره، حتى كتب روايته 1970. النص الروائى أقرب إلى مناجاة طويلة مع رجل رحل قبل أكثر من نصف قرن، يخاطبه كأنه يسمع، يراجع معه مواطن الخلل فى تجربته التى أفضت إلى الانقضاض عليها، ينقده بقسوة أحيانًا ويعاتبه أحيانًا، ولا يخفى محبته وتماهيه مع عذابه الإنسانى فى مرضه الأخير، شأن أغلب رواياته فهو يعتنى بالتسجيل والتوثيق، كأنه يرسم بالأخبار والوقائع يومًا بيوم صورة تلك السنة، أزماتها وتحدياتها والأحوال الثقافية والفنية فيها، تكاليف المعيشة والإعلانات المنشورة، حرب الاستنزاف وشهدائها، المقاومة الفلسطينية والانقضاض عليها فى «أيلول الأسود». فلسطين حاضرة فى أعماله، بصورة مباشرة، أو فى خلفية الأحداث، العمل الروائى يكتسب قيمته من فنيته وما ينطوى عليه من فلسفة حياة، لا هو موضوع فى التحليل السياسى ولا تأريخ لمرحلة، غير أن التاريخ بصراعاته وتناقضاته مادة ثرية للدراما. فى واقعتين مدويتين وجد نفسه طرفًا مباشرًا فى الصراع حول أى مصر نريد؟ الأولى، عام (2003) عندما رفض جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائى العربى، التى يمنحها المجلس الأعلى للثقافة، كان المشهد مثيرًا، فقد جرى الرفض أثناء الإعلان عن الجائزة، فيما كان يعتقد أن الفائز سوف يلقى كلمة شكر لمانحى الجائزة، أعلن رفضه الحصول عليها مدينا السلطة التى منحتها، كانت تلك رسالة غضب أقرب إلى وثيقة أخيرة قبل إسدال الستار، أسبابه المعلنة كلها سياسية تنطق بما يجيش فى عقول وقلوب المصريين، بعض الذين منحوه الجائزة، هنأوه بالاعتذار عنها، كانت تلك رسالة أخرى عن تصدع نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك، لم يرفض الجائزة لأنها مصرية، بل لأن وجودنا الإنسانى فى محنة، ووجودنا السياسى كارثة، ووجودنا كوطن وأمة فى خطر، فى ذلك الوقت ترددت تكهنات أنه قد يعتقل، أو يحدث له مكروه، نقل تلك المخاوف وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى إلى الرئيس، الذى أبلغه أن شيئًا من ذلك لن يحدث، كانت تلك إشارة عن قدر من التعقل السياسى لنظام بدأت قوائمه تهتز من تحته. والثانية، عام (2013) قبل احتجاجات (30) يونيو عندما تصدر مع الروائى الكبير بهاء طاهر اعتصام المثقفين فى مبنى وزارة الثقافة، بقوة إلهام الأدبيين الكبيرين تدفق على مكان الاعتصام فنانون ومبدعون من جميع الأجيال والاتجاهات الوطنية، طلبا للدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، بعده حدث انكفاء المثقفين دون التفات يذكر إلى خطورته على مناعة البلد وقدرته على الإبداع وتجديد قوته الناعمة وبناء تصورات تساعد على تأسيس مشروع ثقافى له طاقة الالتحاق بعصره، عودة الروح إلى الحياة الثقافية، وأدوار المثقفين، ضرورة وجود للبلد فى مواجهة تحدياته وأزماته. هنا- بالضبط - معنى وقيمة أن يكون بيننا صنع الله إبراهيم، الذى يستحق عن جدارة تاريخ وإبداع دعوات المصريين والعرب كلهم بالشفاء العاجل من محنته الصحية.

عبدالناصر والقذافي.. ما الجديد؟
عبدالناصر والقذافي.. ما الجديد؟

مصرس

timeمنذ 3 أيام

  • سياسة
  • مصرس

عبدالناصر والقذافي.. ما الجديد؟

تسيطر على بعض المنصات الإعلامية رغبة فى إثارة الجاذبية والتشويق لدى المتلقى باستعمال كلمات مثيرة، محادثة بين الرئيس جمال عبدالناصر والعقيد القذافى فى أغسطس سنة 1970، متاحة لدى مكتبة الإسكندرية، يتم اقتطاع جزء منه ويقال «الشريط المسرب».. «اكتشاف» حتى قبل أن تصل هذه المواد إلى المكتبة فإن الأسرة، تحديدا الأستاذة الدكتورة هدى جمال عبدالناصر، لم تحجب عن باحث أو مهتم المواد التى لديها عن والدها الزعيم الراحل. وبعيدا عن هذا التسجيل المتاح منذ سنوات فإن مضمونه ليس سرًا، عبدالناصر قبل مبادرة روجرز علنا، صيف سنة 70 وهو فى موسكو ولما عاد إلى القاهرة وجد نائبه محمد أنور السادات عقد اجتماعا مع قادة الاتحاد الاشتراكى العربى وقرروا رفض المبادرة، لكن ناصر شرح للسادات أسباب قبوله للمبادرة، وبسبب ذلك هوجم عبدالناصر بضراوة من المنظمات الفلسطينية، حتى منها التى كانت القاهرة تستضيفها، وتم تحريك مظاهرات فى بعض العواصم العربية (التقدمية) للتنديد بعبدالناصر ولم تتوقف الحملات عليه إلا بسبب أحداث «أيلول الأسود» فى الأردن بين القوات الفلسطينية والحكومة الأردنية.مبادرة روجرز تحدثت عن وقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل لمدة تسعين يومًا على أن تبدأ بعدها مباحثات لتطبيق القرار 242، الصادر عن مجلس الأمن.عبدالناصر فى كل خطبة كان يتحدث عن إزالة آثار العدوان، أى تحرير الأراضى التى احتلت فى حرب يونيو وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 67. هل المبادرة العربية فى قمة بيروت خرجت عن ذلك المطلب، أليس ذلك هو المطلب العربى اليوم، إقامة دولة فلسطينية وتحرير الجولان، ومن يراجع خطاب السادات فى الكنيست الإسرائيلى سنة 77، يجد المطلب نفسه.باختصار كافة المعلومات متاحة ومتوافرة، يكفى مراجعة بيان 30 مارس سنة 68، وهو مطبوع، فضلًا عن أنه متاح بصوت الرئيس وفى التقديم يتحدث عبدالناصر بصوته عن إعادة بناء القوات المسلحة وأهمية القوة «سواء قبلنا بطريق الشغل السياسى وسرنا فيه لمداه» ثم يقول: «ولقد أبدينا استعدادنا- ولانزال- للعمل السياسى عن طريق الأمم المتحدة أو غيره من الطرق»، خطب الرئيس عبدالناصر متاحة بصوته ومطبوعة أيضا، المعلومات موجودة، ليست محظورة، محاضر الاجتماعات السرية بين عبدالناصر والقادة السوفييت بعد 67 وحتى سنة 70، متاحة فى النسخة المصرية والنسخة الروسية وهى مترجمة بالعربية وفيها الكثير من التفاصيل، مذكرات محمد فائق بها ما دار بين ناصر وشو آين لاى، حول تجربة البلدين ويتحدث ناصر بشجاعة حقيقية عن الأزمات التى واجهت ثورته وعطلتها، لكن بعضنا يفضلون تجنب البحث، لذا يصيبهم الاندهاش مع كل «تسريب» ويصدقون الأمر.المشكلة ليست فقط فى التكاسل عن الوصول إلى المعلومات والمصادر المتوفرة، بل فى كثير من المعارك الكلامية التى تنشب فى غياب المعلومات فتتحول إلى خصومات وتصفية حسابات لا تنتهى.لقد تعرض عبدالناصر لحملات كثيرة وناله هجوم مكثف، كان بذيئا فى بعض الحالات، ورغم كل ذلك فإن أشجع وأقوى وأعمق نقد للتجربة الناصرية ظهر حتى يومنا هذا قدمه وقاله عبدالناصر نفسه، هو صاحب التحذير من أولئك الذين أطلق عليهم «مراكز القوى»، ثم تلقف البعض هذا المصطلح وتبنوه للهجوم عليه.حين نراجع الآن هذه المعارك نكتشف أن كثيرا منها كانت بمثابة أوراق اعتماد لدى بعض الجهات والأجهزة «المانحة» حول العالم وفى المنطقة، وبعضها صدرت من أفراد لولا سياسة عبدالناصر ما ارتقوا اجتماعيًا وسياسيا، هؤلاء كانوا يشعرون بدين ثقيل تجاهه وحاولوا التخلص من ذلك الدين بلعن صاحبه وحتى يتحركوا فى الأوساط الاجتماعية الجديدة باعتبارهم من أبناء الحسب والنسب وليسوا أبناء الفدادين الخمسة ومجانية التعليم.فى مقال سابق فى هذه الصفحة قلت إن معظم المعارك الكلامية حول عبدالناصر والسادات كانت تتعلق بأمور تخص أطرافها فقط ولا شأن لأى من الرئيسين بها.ذروة النضج السياسى لدى عبدالناصر تجلى بعد هزيمة يونيو 67، حتى اليوم يتوقف البعض عند كلمة «نكسة» ويزعمون أنها كانت تهربا من استعمال كلمة هزيمة، لكن عبدالناصر وصف ما جرى بأنه هزيمة فى أول خطاب عام له بعد انتهاء الحرب، تحديدا خطابه فى ذكرى ثورة يوليو سنة 67.اكتشف عبدالناصر متأخرا أنه تم التغرير به من أقرب المعاونين له ومن البعث السورى بحكاية الحشود الإسرائيلية أمام سوريا ولما ذهب الفريق فوزى إلى سوريا خلص إلى أن البعثيين يهولون ويبالغون.وكانت أمامه فرصة للإفلات يوم 2 يوليو سنة 67 وقبل بها واستشار أحد قادة سوريا، كان فى القاهرة يومها، فحذره وكانت القاصمة.الفرصة قدمها الاتحاد السوفيتى بدعوة عبدالناصر لزيارة سرية ودعوة رئيس الوزراء الإسرائيلى ويتولى القادة السوفييت حل المشكلة بينهما لتجنب القتال.وافق رئيس الوزراء الإسرائيلى، وشعرت إسرائيل بالقلق على خطة الحرب التى كانت اكتملت لديها، لكن ناصر تراجع فى اللحظة الأخيرة بسبب النصيحة البعثية، تنفست إسرائيل الصعداء، الواقعة ذكرها بريماكوف فى مذكراته، كان وقتها رجل المخابرات السوفيتية بالسفارة فى القاهرة، كما ذكرها السفير السوفيتى وقتها فى إسرائيل.بعد الهزيمة وقفت نظم «الرجعية العربية» إلى جواره ودعمته، بينما ناوأه «التقدميون»، فى العديد من محاضر الاجتماعات نسمع شكاوى مريرة على لسانه من بعضهم.

من أيلول الأسود.. إلى أبريل الأسود !
من أيلول الأسود.. إلى أبريل الأسود !

العربية

time٢١-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • العربية

من أيلول الأسود.. إلى أبريل الأسود !

في عام 1970، اندلعت اشتباكات دامية بين تنظيمات فلسطينية علمانية، وبين الجيش والشارع الأردني، لقد كانت نتيجة لانتقال التنظيمات إلى الأردن وتحويله لحديقة خلفية ينفذون من خلاله عملياتهم العسكرية دون الأخذ في الحسبان المصالح الوطنية الأردنية. إنه الخلاف الدائم بين التنظيمات والدول الوطنية، من يأخذ قرار الحرب والسلم، وهل يجب أن تسلم الدول مصير شعوبها بيد تنظيمات طائشة ومتحمسة لا تفهم آثار الحرب وتداعياتها، وهو ما شهده الشرق الأوسط في معظم الحروب التي نشأت بسبب قرارات خاطئة من شخصيات أو تنظيمات متسرعة وغير واقعية. لم يكن إعلان السلطات الأردنية اكتشاف خلية إرهابية -خلال أبريل الجاري- تعمل بشكل سري منذ خمس سنوات (2021) حدثاً عاديّاً يمكن أن يمر دون أن يلفت الانتباه، فكأن هناك من أراد إعادة إنتاج أيلول الأسود، ولكن بوجه إسلاموي هذه المرة بدلاً من الوجه العلماني. المخطط لم يكن الأول الذي تعلن الأردن اكتشافه أو إحباط عمليات إرهابية، لكنها تعيدنا بالذاكرة خمسين عاماً إلى الوراء، إلى أحداث «أيلول الأسود» التي وقعت بين 16 و27 سبتمبر 1970، واستمرت حتى 17 يوليو 1971. الخلية التي كُشِفَ أنها تنتمي للتيار الإسلامي لم تهبط على الأردن ببراشوت، بل هي جزء من المكون الإسلاموي في الأردن، ومعظم المقبوض عليهم كوادر في تنظيمات متعددة، ونشطاء في المظاهرات والاحتجاجات التي اجتاحت الأردن بحجة الدفاع عن قرار 7 أكتوبر. المجموعة اختارت أن تكون إرهابية لا مدنية، واستخدمت العمل السلمي غطاءً -كما أثبتت السلطات- لتهيئة الأجواء لأعمالها الإرهابية المستقبلية، وأسست لمناخ معادٍ ضد الدولة الأردنية، فضلاً عن استثمارها أحداث السابع من أكتوبر للتأجيج واتهام السلطات بالتقصير وإثارة الكراهية ضد الدولة ورموزها. بالتأكيد أن التنظيم كان عنقوديّاً في عمله وتشكيلاته، وحظي- بلا شك- بدعم وتمويل عابر من الخارج، ولا أدل على ذلك من بيانات التأييد التي صدرت من التنظيم الأم، إضافة إلى تمكين من التنظيمات الحاضنة له داخليّاً. عمل التنظيم وطريقته تذكرنا أيضاً بالتنظيمات التكفيرية القطبية التي نشأت في مصر أواسط السبعينيات والتي انتهجت خطّاً تكفيريّاً ضد محيطها الاجتماعي واستبداله بإنشاء مجتمع ما يسمى الهجرة لداخل التنظيم. المجموعة -كما ذكر البيان الأمني الأردني- بدأت نشاطها (2021) أي قبل أحداث السابع من أكتوبر بثلاثة أعوام؛ بمعنى أنها لم تكن ردة فعل كما يصور البعض، بل كانت فعلاً منظّماً ومقصوداً، وكأن هناك تنسيقاً استباقيّاً بين من قام بـ 7 أكتوبر وبينهم. العملية هدفت لإثارة الاحتراب الداخلي وتنفيذ عمليات إجرامية تجر البلاد والعباد إلى مستنقع حرب أهلية وتحويل الأردن لدولة فاشلة.. أما لماذا صناعة دولة فاشلة؟ فلأن ذلك يمكن التنظيمات الإرهابية من العمل فوق الأرض من دون وجود سلطة مركزية قادرة على حماية مصالح الشعب الأردني أولاً، أو على الأقل وجود دولة ضعيفة تتحكم فيها التنظيمات الإرهابية. الخلية الإرهابية شكّلت تنظيماً عصابيّاً، وطوّرت بنية عسكرية، وصنعت أسلحة ومتفجرات، وهرّبت طائرات درونز للاغتيالات، لقد كان عملاً متطوراً؛ يهدف لبناء صراع طويل وممتد. ليس غريباً تبدل الأدوار بين اليساريين المتطرفين والإسلاميين المتطرفين، فكلاهما يتخادمان ويتبادلان الأدوار؛ بهدف تطويع الدول لصالح أجنداتهم أو فرض وصايتهم عليها، ولو قدر لنفس الإرهابي الذي قبض عليه قبل أيام أن يكون موجوداً في عام 1970، أيام حرب أيلول الأسود، لكان كادراً علمانيّاً يصرخ في المظاهرات باسم نايف حواتمة وجورج حبش، ويخبئ الأسلحة والمتفجرات لتنفيذ عمليات باسمهم، بينما يصرخ اليوم باسم سيد قطب وينفذ تعاليمه وينتهج منهجه، نعم اختلفت المرجعيات، لكن الأسلوب والأهداف واحدة.

من أيلول الأسود.. إلى أبريل الأسود !
من أيلول الأسود.. إلى أبريل الأسود !

عكاظ

time٢٠-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • عكاظ

من أيلول الأسود.. إلى أبريل الأسود !

في عام 1970، اندلعت اشتباكات دامية بين تنظيمات فلسطينية علمانية، وبين الجيش والشارع الأردني، لقد كانت نتيجة لانتقال التنظيمات إلى الأردن وتحويله لحديقة خلفية ينفذون من خلاله عملياتهم العسكرية دون الأخذ في الحسبان المصالح الوطنية الأردنية. إنه الخلاف الدائم بين التنظيمات والدول الوطنية، من يأخذ قرار الحرب والسلم، وهل يجب أن تسلم الدول مصير شعوبها بيد تنظيمات طائشة ومتحمسة لا تفهم آثار الحرب وتداعياتها، وهو ما شهده الشرق الأوسط في معظم الحروب التي نشأت بسبب قرارات خاطئة من شخصيات أو تنظيمات متسرعة وغير واقعية. لم يكن إعلان السلطات الأردنية اكتشاف خلية إرهابية -خلال أبريل الجاري- تعمل بشكل سري منذ خمس سنوات (2021) حدثاً عاديّاً يمكن أن يمر دون أن يلفت الانتباه، فكأن هناك من أراد إعادة إنتاج أيلول الأسود، ولكن بوجه إسلاموي هذه المرة بدلاً من الوجه العلماني. المخطط لم يكن الأول الذي تعلن الأردن اكتشافه أو إحباط عمليات إرهابية، لكنها تعيدنا بالذاكرة خمسين عاماً إلى الوراء، إلى أحداث «أيلول الأسود» التي وقعت بين 16 و27 سبتمبر 1970، واستمرت حتى 17 يوليو 1971. الخلية التي كُشِفَ أنها تنتمي للتيار الإسلامي لم تهبط على الأردن ببراشوت، بل هي جزء من المكون الإسلاموي في الأردن، ومعظم المقبوض عليهم كوادر في تنظيمات متعددة، ونشطاء في المظاهرات والاحتجاجات التي اجتاحت الأردن بحجة الدفاع عن قرار 7 أكتوبر. المجموعة اختارت أن تكون إرهابية لا مدنية، واستخدمت العمل السلمي غطاءً -كما أثبتت السلطات- لتهيئة الأجواء لأعمالها الإرهابية المستقبلية، وأسست لمناخ معادٍ ضد الدولة الأردنية، فضلاً عن استثمارها أحداث السابع من أكتوبر للتأجيج واتهام السلطات بالتقصير وإثارة الكراهية ضد الدولة ورموزها. بالتأكيد أن التنظيم كان عنقوديّاً في عمله وتشكيلاته، وحظي- بلا شك- بدعم وتمويل عابر من الخارج، ولا أدل على ذلك من بيانات التأييد التي صدرت من التنظيم الأم، إضافة إلى تمكين من التنظيمات الحاضنة له داخليّاً. عمل التنظيم وطريقته تذكرنا أيضاً بالتنظيمات التكفيرية القطبية التي نشأت في مصر أواسط السبعينيات والتي انتهجت خطّاً تكفيريّاً ضد محيطها الاجتماعي واستبداله بإنشاء مجتمع ما يسمى الهجرة لداخل التنظيم. المجموعة -كما ذكر البيان الأمني الأردني- بدأت نشاطها (2021) أي قبل أحداث السابع من أكتوبر بثلاثة أعوام؛ بمعنى أنها لم تكن ردة فعل كما يصور البعض، بل كانت فعلاً منظّماً ومقصوداً، وكأن هناك تنسيقاً استباقيّاً بين من قام بـ 7 أكتوبر وبينهم. العملية هدفت لإثارة الاحتراب الداخلي وتنفيذ عمليات إجرامية تجر البلاد والعباد إلى مستنقع حرب أهلية وتحويل الأردن لدولة فاشلة.. أما لماذا صناعة دولة فاشلة؟ فلأن ذلك يمكن التنظيمات الإرهابية من العمل فوق الأرض من دون وجود سلطة مركزية قادرة على حماية مصالح الشعب الأردني أولاً، أو على الأقل وجود دولة ضعيفة تتحكم فيها التنظيمات الإرهابية. الخلية الإرهابية شكّلت تنظيماً عصابيّاً، وطوّرت بنية عسكرية، وصنعت أسلحة ومتفجرات، وهرّبت طائرات درونز للاغتيالات، لقد كان عملاً متطوراً؛ يهدف لبناء صراع طويل وممتد. ليس غريباً تبدل الأدوار بين اليساريين المتطرفين والإسلاميين المتطرفين، فكلاهما يتخادمان ويتبادلان الأدوار؛ بهدف تطويع الدول لصالح أجنداتهم أو فرض وصايتهم عليها، ولو قدر لنفس الإرهابي الذي قبض عليه قبل أيام أن يكون موجوداً في عام 1970، أيام حرب أيلول الأسود، لكان كادراً علمانيّاً يصرخ في المظاهرات باسم نايف حواتمة وجورج حبش، ويخبئ الأسلحة والمتفجرات لتنفيذ عمليات باسمهم، بينما يصرخ اليوم باسم سيد قطب وينفذ تعاليمه وينتهج منهجه، نعم اختلفت المرجعيات، لكن الأسلوب والأهداف واحدة. أخبار ذات صلة

وقفة تأمّل وتدبّر في «ضربة الإخوان» للوطن
وقفة تأمّل وتدبّر في «ضربة الإخوان» للوطن

السوسنة

time١٧-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • السوسنة

وقفة تأمّل وتدبّر في «ضربة الإخوان» للوطن

طوى الأردن، منذُ عهد جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيّب الله ثراه، صفحة أيّ سلاحٍ منظّم غير سلاح الدّولة، طواها للأبد، في وقتٍ يتابع فيه الأردنيون عبر الشاشات يومياً كيفَ تسعى الدولة في لبنان إلى «حصريّة السّلاح» في يدها، وكيفَ هذا السّلاح يتحوّل لمحرّض على اقتتالاتٍ قد تكون مدمّرة، ويكفي أن ننظر إلى السّودان حيثُ لا أحد يستطيع إحصاء عدد القتلى، أو إلى ليبيا وغيرهما.التفكير في تأسيس أو محاولة تأسيس مجموعةٍ مسلّحة في الأردن، يعني أنّ ثمة أطرافاً خارجيّة، وقد تكونُ مدفوعةً إسرائيلياً، أو جرى توريطها إيرانياً مثلاً، تحاول زعزعة استقرار الأردن، الذي احتفظ باستقراره رغم ما يموجُ حوله من حروبٍ طاحنة، وإنّ هذه الزعزعة، لولا أنه جرى تدارُكها من الأجهزة الأمنية المختصّة، كانت ستشكّل ذريعةً للدولة التي لا تحتاج ذريعة، وهي إسرائيل، لتصعيد موقفها المعادي للأردن، وفي أكثر السيناريوهات حلكة.. علينا بالطّبع النظر إلى ما يفعله جيشها المحتل في دولتين مجاورتين، هما لبنان وسوريا.أمّا ما بعدَ الثلاثاء، فله سيناريوهاته الكثيرة، التي ستمتدّ سياسياً ونيابياً وأمنياً حسب ما تقدّره الدّولة الأردنيّة، التي وحدها تمتلك المعلومات كافّة، ومن المهم في سياقٍ مثل هذا تجنّب الفِتَن، بغضّ النظر عن شكلها، والحفاظ على التماسك المجتمعيّ، والالتفاف خلف القيادة الهاشميّة، التي تدرك تماماً كيف تقود البلاد إلى برّ الأمان.وعلينا أن نتذكر الانعكاسات الخطيرة لأيّ تنظيم مسلح على الدّولة، ومهما كانت العلاقة مبنيةً على التفاهم بين السلطة والتنظيم، إلّا أنّه يبقى مثل الذي يضع عقرباً داخل عباءته ولا يعرف متى يلدغه، والثابت أنّ اللدغ حاصل في نهاية المطاف، ولنا في أحداث «أيلول الأسود» عبرة لا تنسى، انتهت بالمحافظة على حصريّة وقدسيّة السّلاح للدولة.والأخطر في هذا المخطّط الإجرامي الإرهابي، هذه المرة، أنه لم يأتِ من عصابة داعش الإرهابية مثلاً، ولا من تنظيم القاعدة وما شابهَهُما من تنظيمات متطرّفة، بل ولد من رحم جماعة «الإخوان المسلمين»، التي لطالما عملت تحت مظلّة القانون، وكانت ضابط إيقاع لكل صوت ضالٍ أو فكرة ظلامية تخرج من أفواه الصّغار طوال العقود الماضية، إلا أنّ ما جرى هذه المرة يستدعي التوقف والتمعّن والتدبّر، وإعادة الحسابات السياسية في الوطن.تمرّ المنطقة اليوم بأخطر مراحلها، لما تشهده من حرب إبادة طاحنة في قطاع غزة، واعتداءات تدميرية في الضفة الغربية المحتلة، وتوسّع الاحتلال الاسرائيلي داخل العمق السوريّ، وما جرى من حرب اسرائيلية مدمرة على حزب الله في لبنان، كل ذلك ترك وسيترك تداعيات خطيرة على المنطقة لا نعرف عقباها، فكل يوم نسمع ونعيش أحداثاً جديدة لا تخلو من الألم والغضب، لأنّ المظلوم فيها عربيٌ شقيقٌ لنا.في ظل هذه الأحداث الخطيرة، التي يتابعها الأردنيون بقلق وترقّب وحذر، يفكر هؤلاء بضرب أهداف أردنية بالصواريخ والمسيّرات، لنشر الفوضى وجرّ البلد إلى المستنقع الدمويّ، هذا الفكر أو التصرّف لا يمكن أن يكون فردياً، وعلى «الجماعة» أن تعترف أنّها اليوم ليست «جماعة الأمس»، إذ قد طغى عليها اللّون الأسود لا الأخضر المسالم، ما يوجب على الدولة الأردنية أن تعيد الحسابات الاستراتيجية، وتتخذ قرارات جريئة دون مهادنة أو مداهنة، فأمن الوطن لا يحتمل التباطؤ، وفي نهاية الأمر كلّنا تحت مظلة الدستور والقانون.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store