أحدث الأخبار مع #«ابنكثير»


الدستور
٢٧-٠٤-٢٠٢٥
- منوعات
- الدستور
«عمّار».. واللحظة الآتية
خاض عمار بن ياسر مع النبى، صلى الله عليه وسلم، المشاهد كلها، وكان صلى الله عليه وسلم يدفع إليه راية المهاجرين فى بعض الأحيان، مثلما حدث فى غزوة بنى المصطلق، يقول «ابن كثير» إن النبى دفع براية المهاجرين فى هذه الغزوة إلى أبى بكر الصديق ويُقال إلى عمار بن ياسر، ودفع براية الأنصار إلى سعد بن عبادة، ويمكنك أن تستدل على مقام «عمار» الذى تساوى فى نظر النبى مع مقام أبى بكر، أول خليفة راشد، ومع سعد بن عبادة، زعيم الأنصار، والرجل الذى نافس بقوة على خلافة النبى فى مفاوضات سقيفة بنى ساعدة. وثمة واقعة أخرى حكاها «ابن كثير» فى «البداية والنهاية» تدلل على مكانة عمار لدى النبى، وفيها يحكى أن خالد بن الوليد قال: كان بينى وبين عمار بن ياسر كلام فى شىء، فشكانى إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا خالد لا تؤذِ عمارًا فإنه من يبغض عمارًا يبغضه الله ومَن يعادِ عمارًا يعادِه الله. لقد حكيت لك أن عمار بن ياسر عاش بقلب طيب، ومثّل قلبه بوصلته فى الحياة، تلك المضغة التى إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد، قلب «عمار» كان نموذجًا للصلاح والإيمان الذى يسكن كل خلية من خلايا عقله وجسده ونفسه التواقة إلى الله ورسوله. فى هذا السياق تستطيع أن تفهم ذلك الحديث الذى رواه ابن عباس عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويقول فيه: إن عمارًا ملىء بالإيمان من قرنه إلى قدمه. بهذه التركيبة عاش عمار إلى جوار النبى حتى عام ١١ هجرية، وعاش بعد وفاته صلى الله عليه وسلم سنين عددًا، عاصر خلالها خلافة أبى بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم على. وقد أبلى عمار بلاء حسنًا فى حروب الردة، خصوصًا فى معركة اليمامة، فى عهد الخليفة أبى بكر الصديق، ودفع به عمر بن الخطاب إلى مقعد الولاية خلال فترة خلافته، وكان ذلك سنة ٢١ هجرية، وقضى «عمار» فى هذا الموقع عدة شهور، ثم عزله عمر عنه واستعمل أبا موسى الأشعرى. وسبب ذلك- كما يحكى «ابن الأثير» فى «الكامل فى التاريخ»- أن أهل الكوفة شكوه وقالوا له: إنه لا يحتمل ما هو فيه وإنه ليس بأمين، ونزا به أهل الكوفة. فدعاه عمر، فخرج معه وفدٌ يريد أنهم معه، فكانوا أشد عليه ممن تخلف عنه، وقالوا: إنه غير كافٍ وعالم بالسياسة ولا يدرى على ما استعملته. وكان منهم سعد بن مسعود الثقفى، عم المختار، وجرير بن عبدالله، فسعيا به، فعزله عمر. وقال عمر لعمار: أساءك العزل؟ قال: ما سرنى حين استعملت ولقد ساءنى حين عزلت. فقال له: قد علمت ما أنت بصاحب عمل ولكنى تأولت: «ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين». أهل الكوفة كانوا مشهورين بالتمرد على ولاتهم، وقد افتروا على «عمار» حين اتهموه- وهو المشهور بالزهد- بأنه غير أمين، أو ربما قصدوا أنه غير قادر على القيام بأمانة حكمهم، وأنه غير قادر على القيام بما هو فيه، ووصفوه بأنه «غير كافٍ وغير عالم بالسياسة». وواقع الحال أن الرجل الذى تكون بوصلته قلبه يصعب عليه أن يكون سياسيًا أو أن يجيد ألاعيب الساسة والسياسة، فقد كان «عمار» بطبيعته صريحًا فى التعبير عما يؤمن أو يقتنع به ويجهر برأيه فى وجه الجميع، وقد كان عمر بن الخطاب يعرف تركيبة «عمار» جيدًا، وقد صارحه بذلك وقال له إنه كان يدرك أنه ليس بالرجل المحب للمناصب، أو من الذين يجيدون فى مواقع السلطة، وأن كل ما فعله هو الرغبة فى ترجمة التحول الذى بشّر به القرآن الكريم المستضعفين بجعلهم أئمة وولاة. ألعاب الولاية والسياسة لم تكن تلزم مؤمنًا بحجم وبتركيبة عمار بن ياسر، الرجل الذى وصفه خالد بن سمير- كما ذكر صاحب كتاب «صفة الصفوة»- بأنه كان طويل الصمت، طويل الحزن والكآبة، وكان عامة كلامه عائذًا بالله تعالى من الفتنة. هذه الكلمات تشرح لك الحالة التى عاشها عمار بن ياسر منذ وفاة النبى، صلى الله عليه وسلم، عام ١١ هجرية، وحتى استشهاده فى معركة صفين سنة ٣٧ هجرية. طيلة الأعوام الـ٢٦ كانت ثمة فكرة أساسية تسيطر على عقل وتفكير عمار، هى فكرة الفتنة التى ستقع بين فئتين، وأنه سيلقى مصرعه على يد الفئة الباغية، وكلما راودته الفكرة غلبه الحزن والكآبة وهو يتخيل حال الأمة فى تلك اللحظة المقبلة. حالة الصمت الطويل التى كان يغرق فيها «عمار» مثّلت لحظات استدعاء لذلك المشهد الخالد فى حياته، حين كان يحمل الطوب اللبن على ظهره وهو يسمع النبى يهتف: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، اللهم ارحم الأنصار والمهاجرة»، فيدخل عليه وقد أثقلوه باللبن فيقول: يا رسول الله قتلونى يحملون علىّ ما لا يحملون، فكان النبى ينفض التراب عن رأسه بيده الشريفة ويقول: ويح ابن سمية.. ليسوا بالذين يقتلونك إنما تقتلك الفئة الباغية. لقد عاش «عمار» بعد وفاة النبى منشغلًا باللحظة الآتية بعد ما يزيد عن ربع قرن من الزمان، اللحظة التى سيلقى فيها الأحبة محمدًا وصحبه.


عكاظ
١٦-٠٤-٢٠٢٥
- منوعات
- عكاظ
الأذان والبلاغ - الحج المبرور (1)
•• ستحكي مقالاتي اليوم والأسابيع القادمة إلى أن يحل موسم الحج؛ عن مظاهر مضيئة كقنديل لا يكفي لسردها في سطور.. أحكي عن ضيوف وفدوا إلى الرحمن يقفون أمام الكعبة فتتلألأ الدموع في أعينهم.. عن دولة ديدنها خدمة قاصدي الحرم.. عن سعوديين يستعيدون لياقتهم السنوية فيهرولون بتفانٍ كما يهرول الحاج بين الصفا والمروة.. خدمات ترغم قاصدي الحرم على الابتسامة فتنسيهم تعب رحلة العُمر. •• أبدأ الحلقة الأولى من سلسلة (الحج المبرور) بالتعرض لقول المولى سبحانه وتعالى في سورة الحج (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق).. في هذه الآية أمر الله تعالى نبيه إبراهيم عليه السلام بتطهير البيت للطائفين والقائمين والركع السجود، ثم دعوة الناس إلى حج البيت العتيق فيأتونه من كل الأقطار مرددين «لبيك اللهم لبيك». •• كتب التفسير نقلت المعاني العميقة لقول الله تعالى (وأذن في الناس)، وخلاصتها أن إبراهيم عليه السلام كلفه ربه بـ«الأذان» وعليه سبحانه «البلاغ».. ففي تفسير «ابن كثير»: أن إبراهيم قال: يا رب، وكيف أبلّغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقيل: «ناد وعلينا البلاغ».. وعند البغوي في «معالم التنزيل»: ناد في الناس بالحج، فقال إبراهيم: وما يبلغ صوتي؟، فقال: «عليك الأذان وعلينا البلاغ». •• في دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ «الحج» شعيرة وفريضة وعبادة أسنى.. سنة مستفيضة متواترة نقلتها الأمة تواتراً جيلاً بعد آخر.. ففي حجته عليه الصلاة والسلام خطب الناس، وقال: «إن دماءكم، وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا».. ونحن نقول: اللهم إننا نشهد لك يا رسول الله، كما شهد صحابتك، أنك بلغت وأديت ونصحت. الأسبوع القادم: حكاية أخرى من حكايات «الحج المبرور». أخبار ذات صلة


الدستور
٣٠-٠٣-٢٠٢٥
- الدستور
«حاطب» يحاور «المقوقس»
شكلت الرسائل جانبًا مهمًا من حياة الصحابى حاطب بن أبى بلتعة، فظهوره داخل كتب السيرة ارتبط بشكل أساسى برسالتين، إحداهما كتبها وبعث بها مع امرأة إلى قريش يحذر فيها المشركين من مسير النبى إليهم لفتح مكة، والثانية رسالة من النبى حملها هو إلى المقوقس عظيم القبط يدعوه فيها وأقباط مصر إلى الدخول فى الإسلام. وخلافًا لكل كتب التراث اهتم «ابن كثير» بتسجيل محتوى الرسالة التى بعث بها «حاطب» إلى قريش لتحذيرهم من فتح مكة، وذلك فى كتاب «البداية والنهاية». روايتان أوردهما «ابن كثير» فى هذا السياق، تقول الرواية الأولى إن الرسالة كانت تقول لقريش: «رسول الله قد توجه إليكم بجيش كالليل، يسير كالسيل، وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله عليكم، فإنه منجز له ما وعده». وتقول الرواية الثانية إنه كتب: «إن محمدًا قد نفر فإما إليكم وإما إلى غيركم فعليكم الحذر». محتوى الرسالة الأولى- كما تلاحظ- بعيد كل البعد عن التحذير، بل تسيطر عليه نبرة تهديد واضحة، فهو يهدد قريشًا بجيش ضخم قرر النبى، صلى الله عليه وسلم، أن يُسيره إليهم، لن يكون لهم الطاقة أو الجلد على دفعه، ثم يردف كلامه بإشارة إيمانية تؤكد عمق اعتقاده فى الله ورسوله يقول لقريش فيها إن النبى لو سار إليهم بمفرده فسوف ينصره الله عليهم، لأنه سبحانه منجز له وعده. أغلب الظن أن هذه الرسالة غير صحيحة، ولا تعدو أن تكون محاولة لتبرئة ساحة حاطب بن أبى بلتعة، وما يؤكد الشك فيها هو الحوار الذى دار بين النبى، صلى الله عليه وسلم، وعمر بن الخطاب عندما تم اكتشافها، فقد طلب عمر من النبى أن يضرب رأس «حاطب» بسيفه، فى إشارة واضحة إلى عظم الجرم الذى ارتكبه، وأن محتوى الرسالة حمل تحذيرًا لقريش وليس تهديدًا للقبيلة، ورد عليه النبى قائلًا: «وما يدريك يا عمر؟ لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»، وهو رد يحمل دليلًا واضحًا على أن حاطبًا ارتكب جرمًا عظيمًا بالفعل. محتوى الرسالة الثانية التى قال فيها «حاطب» لقريش: «إن محمدًا قد نفر فإما إليكم وإما إلى غيركم فعليكم الحذر» يبدو أصح وأدق لأنه يحمل تحذيرًا واضحًا لهم، وهى تشير بشكل واقعى إلى أن «حاطبًا» لم يكن لديه معلومة يقينية حول وجهة الجيش الذى يجهزه النبى، وهل هى مكة أم غيرها، خصوصًا أن آخر وجهة توجه إليها المسلمون بالقتال كانت الشام، وذلك فى غزوة «مؤتة». كانت تلك هى الرسالة التى شكلت موضوع الظهور الأول لحاطب بن أبى بلتعة فى معركة فتح مكة، أما الظهور الثانى فقد ارتبط برسالة النبى إلى المقوقس التى يدعوه فيها إلى الإسلام، وحملها إليه «حاطب». وتُجمع كتب التراث على أن «المقوقس» أكرم «حاطبًا» وأحسن نزله. ينقل «ابن كثير» فى «البداية والنهاية» ما حكاه حاطب بن أبى بلتعة حول هذا اللقاء حيث قال: «بعثنى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى المقوقس ملك الإسكندرية، قال: فجئته بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزلنى فى منزله، وأقمت عنده، ثم بعث إلىّ وقد جمع بطاركته، وقال: إنى سائلك فأحب أن تفهم عنى، قلت: هلم، قال: أخبرنى عن صاحبك أليس هو نبى؟، قلت: بلى هو رسول الله. قال: فما له لم يدع حيث أخرجوه؟ فقلت: إن عيسـى ابن مريم أليـس تشهد أنه رسول الله؟ قال: بلى، قلت له، فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يصلبوه، ألا يكون دعا عليهـم أن يهلكهم الله حيث رفعه الله إلى السماء الدنيا؟، فقال: أنت حكيم جاء من عند حكيم». الواضح من الحوار الذى دار بين حاطب والمقوقس أن الأخير كان يتابع أخبار الجزيرة العربية، والصراع الذى نشب بين النبى ومشركى مكة واضطراره إلى ترك بلده والهجرة إلى المدينة، وكانت هذه الأخبار هى أساس سؤاله لحاطب: لماذا لم يدع محمد على قومه الذين أخرجوه من دياره وهو رسول من عند الله ومؤكد أن دعوته مستجابة؟ ورد عليه حاطب- الذى كان على علم بالمسيحية- بسؤال حول مسألة رفع المسيح التى يؤمن بها المسلمون ولا يؤمن بها النصارى، وقال له: لماذا لا يكون المسيح قد دعا على قومه عندما هموا بصلبه فأنجاه الله بالرفع وعاقب بنى إسرائيل؟ وهو يريد أن يقول من ذلك إن محمدًا لم يدع على قومه مثلما امتنع عيسى عن الدعاء على قومه وأتم التجربة التى يعتقد كل مسيحى أن المسيح أتمها بالصلب. الواضح أن هذه الإجابة أعجبت المقوقس فقال لحاطب: «أنت حكيم قد جاء من عند حكيم»، وعاد «حاطب» إلى النبى بهدية من المقوقس عبارة عن جاريتين، هما مارية وسيرين، ومارية هى أم إبراهيم ابن رسول الله، أما سيرين فقد وهبها النبى لحسان بن ثابت الأنصارى، بالإضافة إلى هدايا أخرى. بعد وفاة النبى، صلى الله عليه وسلم، لم يحظ حاطب بن أبى بلتعة بحضور واضح، سواء فى عصر أبى بكر أو فى عصر عمر بن الخطاب، وقد توفى فى خلافة عثمان بن عفان سنة ٣٠ هجرية، وصلى عليه الخليفة، وهو لم يدرك أحداث الفتنة الكبرى التى ابتدأت أحداثها عام ٣٥ هجرية، يقول «ابن سعد» فى طبقاته: «عن يعقوب بن عتبة قال: ترك حاطب بن أبى بلتعة يوم مات أربعة آلاف دينار ودراهم ودارًا وغير ذلك، وكان تاجرًا يبيع الطعام وغيره».