منذ 7 ساعات
شدّ غربال «التدقيق الأمني المشدّد»
«إكستريم فِتِنغ» ترجمة العنوان أعلاه يعادله بالعربية المحكية «الغربلة». عندما يعلو صوت الزيف وتكثر الألوان وأطيافها وتطلّ الفتن والمحن برؤوسها، يدعو محترفو الأمن والعارفون بشؤونه من ذوي الاختصاص إلى شدّ الغربال بمعنى تضيق ثقوبه التي لا يمكنها تغطية الشمس، لكن ربما كسر أشعتها وتخفيف وهجها الحارق الذي يزيغ الأبصار أحيانا. هذا التضييق الذي ينبري للثرثرة تحريضا عليه المغرضون أو الجاهلون، إنما هو تضييق على الشوائب الدخيلة حتى لا تنسلّ وتتسلل من بين خيوط الغربال إلى حنطة الناس وزاد صغارنا وكبارنا، وزوّادة العاملين على صنع وحماية خبزنا.
في ولاية دونالد ترمب الرئاسية الأولى، عرفت أمريكا والعالم هذا المصطلح المترجم باجتهاد الخبراء إلى «التدقيق الأمني المشدّد» أو الغربلة التي لا بد أن يسبقها الفرز على فرّازة تسارع إلى لفظ الغريب وصدّ الدخيل عن مجرّد الاقتراب من ذلك الغربال.
أذكر في تلك الأيام قبل عقد من الأحداث الأمنية الجسام، السجال الحاد أمريكيا وعربيا على ذلك التضييق بأنه مدفوع بمواقف انطباعية وأحكام مسبقة مضروبة بالعنصرية والعدائية كما زعم الخصوم. كان البعض يستهجن دفاع مؤيدي الغربلة، خاصة من المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين ومنهم من صار وزير داخلية أو أمن أو شؤون اللاجئين في وطنه الثاني. تلك الفئة الأخيرة كانت مواقفها الأكثر استدعاء للتوقف، خاصة بعد صدور لوائح منع إصدار التأشيرات، وحظر السفر من وإلى عدد من الدول حرَص ترامب في ولايته الثانية ألا تكون مادة تصيّد لخصومه على أساس أنها تستهدف عرقا أو دينا أو بلادا بعينها.
الخارجية الأمريكية غردت عبر مواقعها على منصات التواصل أنها ألغت عقدا لجهة خاصة كانت تتولى ذلك التدقيق الأمني المشدد. تم فصل المسؤول عن ذلك وطرده من الوزارة. ليس سرا أن ملف المتعاقدين في وزارات عدة من أهمها السيادية وأخطرها الأمنية والدفاعية، أولوية قصوى لدى إدارة ترمب، سيما وأن أخطاء أو عثرات أو مجرد التأخير في استصدار التصاريح أو الموافقة» الأمنية، خاصة للمناصب العليا والحساسة، قد أثّرت على وتيرة التعيينات وكذلك على لوائح الطرد، الخشن منه والناعم، ومن ضمنه الطرد إلى الأعلى أو الطرد جانبا، بعيدا عن البيت الأبيض، أو واشنطن كلها.
الخارجية الأمريكية كان قد أدخلت «البروفايل» الافتراضي كأداة من أدوات التقييم الأمني المشدّد دون تحسس مما كان تهرف به بعض الأبواق من خطورة إجراء «بروفايلِنغ» للناس اتقاء لتعرّض القائمين على الأمن في المطارات ومراكز العبور الأخرى إلى انتقادات الصحافة، وقد اتضح في كثير من الحالات أنها ليست بحرّة ولا بنزيهة، وأن سهام الانتقاد والتضخيم، إنما يطلقها -وبتوجيه عن بُعد- نشطاء لا صحافيين، وفي بعض الحالات مجرد موظفي علاقات عامة في شركة مستأجرة الخدمات عبر «تعاقدات» للضغط باسم الحريات على حزب أو حكومة، أو نظام أو بلد.
الكويت الشقيقة أحسنت صنعا باتخاذها إجراءات مشابهة فيما يخص التدقيق الأمني، وقامت بسحب جنسيات. إلغاء التأشيرات أو إسقاط الجنسيات قضية كبرى، تُظهر مرة أخرى كم هي مسؤولية وأمانة عظمى التي يحملها رجال الأمن في رقابهم، الأمر الذي يستوجب الدعم والرعاية القصوى التي تضاهي مكانة القضاة. ففي كل قرار من هذا النوع، ثمة حكم لا يصدر هكذا اعتباطا، وإنما جراء دراسة عميقة تقوم أولا وآخرا على مخافة الله ومراعاة حقوق الناس كافة، دونما تمييز أو أدنى هوى بحيث يشترك رجال القضاء والأمن فيما يعرف بحق استشعار الحرج والإعفاء الذاتي من البت في قضية أو حالة ما.
الله نسأل أن يحمي قضاءنا وأمننا ويرعى أفرادهم وأسرهم من كل أذى أو ضغط، ويكلل أعمالهم بالنجاح والتوفيق الدائم لما فيه رضى الله وعز ومنعة الوطن المفدى.
الوضع الراهن إقليميا وعالميا لا يحتمل أي تقييد أو تشتيت أو تشكيك بجهود أولي الأمر من ذوي الاختصاصين الأمني والقضائي. بطبيعة الحال، ثمة أثمان لا بد من دفعها ربما اجتماعيا واقتصاديا وليس فقط إداريا وسياسيا، لكن الأولوية خاصة في المحن والفتن هي للبقاء ومن ثم النماء وذلك أمر لا حاجة فيه لإفتاء! إن كان ما يقوله البعض في العالم الافتراضيشاخصا بأعلام حمراء «تحذيرية» فلم الدهشة عند وقوع الفأس في الرأس لا قدّر الله؟! النهج الاستباقي الوقائي يبقى أفضل، سيما بالأدوات الناعمة، عبر آليات عدة من ضمنها الطرد المركزي حيث تدور عجلة الوطن أو المؤسسة أو الشركة بقوة وزخم تراكمي بما يُبقي الأنقياء في المركز ويطرد إلى الخارج أولا بأول، كل ما ومن يسيء ويعيق. العاقّ خائن الأمانة، لا ذمّة له، ولا مكان له، لا في دار ولا ديرة..