#أحدث الأخبار مع #«الجيواقتصاد»الاتحاد١٣-٠٤-٢٠٢٥أعمالالاتحادمن «الجيوسياسة» إلى «الجيو اقتصاد».. صراعات دولية جديدةمن «الجيوسياسة» إلى «الجيو اقتصاد».. صراعات دولية جديدة ما نشهده راهناً من استفحال الصراع الأميركي الصيني، تجارياً واقتصادياً، لا يمكن بطبيعة الحال إرجاعه إلى العوامل الاستراتيجية والسياسية التقليدية. فمن البديهي أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يميز في حربه التجارية بين حلفاء بلاده وخصومها، ولذا ندرك طبيعة الرسوم الجمركية المقررة على الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية، وهي كلها أطراف حليفة للولايات المتحدة منذ قيام النظام الدولي الليبرالي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. لا يمكن تفسير هذه التحولات بطبيعة مزاج الرئيس ترامب الشخصي، ولا حتى خياراته السياسية والأيديولوجية، بل الأمر في الحقيقة يتعلق بتغير نوعي في السياسة الدولية التي لم تعد تتحدد وفق مفاهيم الجيوسياسة الكلاسيكية التي استُبدلت بما يسمى «الجيو اقتصاد» (Geoeconomics)، وهي عبارة يتم استخدمها اليوم على نطاق واسع. وكما ذهبت جليان تت، المحررة الاقتصادية في صحيفة «فيننشال تايمز» (4 أبريل 2025) إلى أن سياسة ترامب التجارية المعلنة تندرج في منطق هذا البراديغم الذي ترجع جذوره إلى الاقتصادي الألماني ألبرت هريتشمان الذي أصدر في عام 1945 كتاباً هاماً بعنوان «السلطة الوطنية وبنية التجارة العالمية». في هذا الكتاب، يبين المؤلف العلاقةَ العضوية بين الهيمنة السياسية والقدرة على التحكم في مسالك التجارة الدولية، مفنداً الأطروحة الليبرالية الكلاسيكية التي تصدر عن مسلّمة أولوية الاقتصاد على السياسة. ومن المعروف أن الاقتصادي والمؤرخ الأميركي إدوارد لتواك كان قد طوّر أطروحةَ هريتشمان في عدد من أعماله الصادرة في التسعينيات، معتبراً أن الرهان الأساسي في عالم ما بعد الحرب الباردة يتمثل في القوة الاقتصادية لا العسكرية والسياسية، وأن نمط الحروب القادمة يدور على أرضية المصالح التجارية، لا المساحات الجغرافية، وأن الأسواق هي ميدان المعارك المستقبلية، حيث استُبدلت بالقوة الحربية القدرات الاستثمارية والتمويلية. بيد أن خطاب «العولمة السعيدة»، الذي سيطر على الفكر السياسي الغربي بعد نهاية الحرب الباردة، طمس جذرياً صراعات القوة الاقتصادية، من منظور ترابط وتشابك المصالح التجارية والصناعية بين مختلف دول العالم. إنها المرحلة التي ظهرت فيها منظمة التجارة العالمية (1995)، والتي انضمت إليها الصين في نهاية عام 2001، في سياق ضبط التبادل الحر المفتوح بين مختلف القوى الاقتصادية الدولية. ما تغير في السنوات الأخيرة، هو أن منطق الصراع عاد بجلاء إلى الساحة الدولية، ليس من المنظور الاستراتيجي التقليدي، فحتى الحروب الروسية الأخيرة في شرق أوروبا لا تندرج في نطاق الرهانات الجيوسياسية الكلاسيكية، وإنما تتعلق بعناصر القوة الاقتصادية التي يتم الدفاع عنها بخطاب الهوية القومية. كما أن سعي الدول الصاعدة لبناء كتلة عالمية جديدة مؤثرة (البريكس) لا يتحدد وفق المصالح الجيوسياسية لتلك البلدان شديدة التمايز والاختلاف من حيث أوضاعها وتوجهاتها السياسية، وإنما غرضها الجلي هو تغيير قواعد وآليات التجارة الدولية بكسر الهيمنة المالية والاقتصادية الأميركية على العالم. ومن هنا ندرك أن سياسات الرئيس ترامب الحمائية لا تعكس تخلياً معلناً عن نهج التبادل التجاري الحر الذي كان لمدة عقود طويلة الدينامو المحرك للقوة الاقتصادية الأميركية، كما أنها لا تترجم رؤية استراتيجية جديدة للعلاقات الدولية على أساس انعزالي يقوض دوائرَ التحالف مع الغرب بمفهومه الواسع، بل الأمر هنا يتعلق باستخدام عناصر القوة الاقتصادية الذاتية في بسط نمط من الهيمنة الرخوة على العالم، من خلال تعديل مسالك التجارة الدولية، وفق المصالح القومية للولايات المتحدة الأميركية. وهكذا يظهر بوضوح أنه لا تعارض بين نهج الرئيس ترامب الانعزالي في السياسة الدولية، والذي يعبّر عنه شعار «أميركا أولاً»، وبين توجهاته الاقتصادية التجارية التي تصدر عن تصور جيو اقتصادي يرى إمكانية كبح ديناميكية العولمة لصالح اعتبارات القوة الذاتية، دون اللجوء إلى السلاح أو العنف. ليس من همنا تقويم هذا النهج الذي اعترض عليه كثير من كبار الاقتصاديين الأميركيين، بما يفسر قرار تعليق الرسوم الجمركية مؤقتاً، لكن يتعين الانتباه إلى أن المسرح التجاري سيكون، دون شك، مجال الصدام الدولي في العالم الجديد. ومع أن الكثيرين يتحدثون عن مؤشرات اندلاع حرب عالمية ثالثة، تبدأ من البلطيق أو منطقة الباسفيك، إلا أن المعطيات الموضوعية تثبت أن القوى الدولية المؤثرة مدركة لمخاطر وتكاليف هذا الصدام المدمر، ولذا فإن الحروب القادمة ستكون، من دون شك، حروباً تجارية لها أثرها الاقتصادي والاجتماعي الطاحن. *أكاديمي موريتاني
الاتحاد١٣-٠٤-٢٠٢٥أعمالالاتحادمن «الجيوسياسة» إلى «الجيو اقتصاد».. صراعات دولية جديدةمن «الجيوسياسة» إلى «الجيو اقتصاد».. صراعات دولية جديدة ما نشهده راهناً من استفحال الصراع الأميركي الصيني، تجارياً واقتصادياً، لا يمكن بطبيعة الحال إرجاعه إلى العوامل الاستراتيجية والسياسية التقليدية. فمن البديهي أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يميز في حربه التجارية بين حلفاء بلاده وخصومها، ولذا ندرك طبيعة الرسوم الجمركية المقررة على الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية، وهي كلها أطراف حليفة للولايات المتحدة منذ قيام النظام الدولي الليبرالي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. لا يمكن تفسير هذه التحولات بطبيعة مزاج الرئيس ترامب الشخصي، ولا حتى خياراته السياسية والأيديولوجية، بل الأمر في الحقيقة يتعلق بتغير نوعي في السياسة الدولية التي لم تعد تتحدد وفق مفاهيم الجيوسياسة الكلاسيكية التي استُبدلت بما يسمى «الجيو اقتصاد» (Geoeconomics)، وهي عبارة يتم استخدمها اليوم على نطاق واسع. وكما ذهبت جليان تت، المحررة الاقتصادية في صحيفة «فيننشال تايمز» (4 أبريل 2025) إلى أن سياسة ترامب التجارية المعلنة تندرج في منطق هذا البراديغم الذي ترجع جذوره إلى الاقتصادي الألماني ألبرت هريتشمان الذي أصدر في عام 1945 كتاباً هاماً بعنوان «السلطة الوطنية وبنية التجارة العالمية». في هذا الكتاب، يبين المؤلف العلاقةَ العضوية بين الهيمنة السياسية والقدرة على التحكم في مسالك التجارة الدولية، مفنداً الأطروحة الليبرالية الكلاسيكية التي تصدر عن مسلّمة أولوية الاقتصاد على السياسة. ومن المعروف أن الاقتصادي والمؤرخ الأميركي إدوارد لتواك كان قد طوّر أطروحةَ هريتشمان في عدد من أعماله الصادرة في التسعينيات، معتبراً أن الرهان الأساسي في عالم ما بعد الحرب الباردة يتمثل في القوة الاقتصادية لا العسكرية والسياسية، وأن نمط الحروب القادمة يدور على أرضية المصالح التجارية، لا المساحات الجغرافية، وأن الأسواق هي ميدان المعارك المستقبلية، حيث استُبدلت بالقوة الحربية القدرات الاستثمارية والتمويلية. بيد أن خطاب «العولمة السعيدة»، الذي سيطر على الفكر السياسي الغربي بعد نهاية الحرب الباردة، طمس جذرياً صراعات القوة الاقتصادية، من منظور ترابط وتشابك المصالح التجارية والصناعية بين مختلف دول العالم. إنها المرحلة التي ظهرت فيها منظمة التجارة العالمية (1995)، والتي انضمت إليها الصين في نهاية عام 2001، في سياق ضبط التبادل الحر المفتوح بين مختلف القوى الاقتصادية الدولية. ما تغير في السنوات الأخيرة، هو أن منطق الصراع عاد بجلاء إلى الساحة الدولية، ليس من المنظور الاستراتيجي التقليدي، فحتى الحروب الروسية الأخيرة في شرق أوروبا لا تندرج في نطاق الرهانات الجيوسياسية الكلاسيكية، وإنما تتعلق بعناصر القوة الاقتصادية التي يتم الدفاع عنها بخطاب الهوية القومية. كما أن سعي الدول الصاعدة لبناء كتلة عالمية جديدة مؤثرة (البريكس) لا يتحدد وفق المصالح الجيوسياسية لتلك البلدان شديدة التمايز والاختلاف من حيث أوضاعها وتوجهاتها السياسية، وإنما غرضها الجلي هو تغيير قواعد وآليات التجارة الدولية بكسر الهيمنة المالية والاقتصادية الأميركية على العالم. ومن هنا ندرك أن سياسات الرئيس ترامب الحمائية لا تعكس تخلياً معلناً عن نهج التبادل التجاري الحر الذي كان لمدة عقود طويلة الدينامو المحرك للقوة الاقتصادية الأميركية، كما أنها لا تترجم رؤية استراتيجية جديدة للعلاقات الدولية على أساس انعزالي يقوض دوائرَ التحالف مع الغرب بمفهومه الواسع، بل الأمر هنا يتعلق باستخدام عناصر القوة الاقتصادية الذاتية في بسط نمط من الهيمنة الرخوة على العالم، من خلال تعديل مسالك التجارة الدولية، وفق المصالح القومية للولايات المتحدة الأميركية. وهكذا يظهر بوضوح أنه لا تعارض بين نهج الرئيس ترامب الانعزالي في السياسة الدولية، والذي يعبّر عنه شعار «أميركا أولاً»، وبين توجهاته الاقتصادية التجارية التي تصدر عن تصور جيو اقتصادي يرى إمكانية كبح ديناميكية العولمة لصالح اعتبارات القوة الذاتية، دون اللجوء إلى السلاح أو العنف. ليس من همنا تقويم هذا النهج الذي اعترض عليه كثير من كبار الاقتصاديين الأميركيين، بما يفسر قرار تعليق الرسوم الجمركية مؤقتاً، لكن يتعين الانتباه إلى أن المسرح التجاري سيكون، دون شك، مجال الصدام الدولي في العالم الجديد. ومع أن الكثيرين يتحدثون عن مؤشرات اندلاع حرب عالمية ثالثة، تبدأ من البلطيق أو منطقة الباسفيك، إلا أن المعطيات الموضوعية تثبت أن القوى الدولية المؤثرة مدركة لمخاطر وتكاليف هذا الصدام المدمر، ولذا فإن الحروب القادمة ستكون، من دون شك، حروباً تجارية لها أثرها الاقتصادي والاجتماعي الطاحن. *أكاديمي موريتاني