
من «الجيوسياسة» إلى «الجيو اقتصاد».. صراعات دولية جديدة
من «الجيوسياسة» إلى «الجيو اقتصاد».. صراعات دولية جديدة
ما نشهده راهناً من استفحال الصراع الأميركي الصيني، تجارياً واقتصادياً، لا يمكن بطبيعة الحال إرجاعه إلى العوامل الاستراتيجية والسياسية التقليدية. فمن البديهي أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يميز في حربه التجارية بين حلفاء بلاده وخصومها، ولذا ندرك طبيعة الرسوم الجمركية المقررة على الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية، وهي كلها أطراف حليفة للولايات المتحدة منذ قيام النظام الدولي الليبرالي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
لا يمكن تفسير هذه التحولات بطبيعة مزاج الرئيس ترامب الشخصي، ولا حتى خياراته السياسية والأيديولوجية، بل الأمر في الحقيقة يتعلق بتغير نوعي في السياسة الدولية التي لم تعد تتحدد وفق مفاهيم الجيوسياسة الكلاسيكية التي استُبدلت بما يسمى «الجيو اقتصاد» (Geoeconomics)، وهي عبارة يتم استخدمها اليوم على نطاق واسع.
وكما ذهبت جليان تت، المحررة الاقتصادية في صحيفة «فيننشال تايمز» (4 أبريل 2025) إلى أن سياسة ترامب التجارية المعلنة تندرج في منطق هذا البراديغم الذي ترجع جذوره إلى الاقتصادي الألماني ألبرت هريتشمان الذي أصدر في عام 1945 كتاباً هاماً بعنوان «السلطة الوطنية وبنية التجارة العالمية». في هذا الكتاب، يبين المؤلف العلاقةَ العضوية بين الهيمنة السياسية والقدرة على التحكم في مسالك التجارة الدولية، مفنداً الأطروحة الليبرالية الكلاسيكية التي تصدر عن مسلّمة أولوية الاقتصاد على السياسة. ومن المعروف أن الاقتصادي والمؤرخ الأميركي إدوارد لتواك كان قد طوّر أطروحةَ هريتشمان في عدد من أعماله الصادرة في التسعينيات، معتبراً أن الرهان الأساسي في عالم ما بعد الحرب الباردة يتمثل في القوة الاقتصادية لا العسكرية والسياسية، وأن نمط الحروب القادمة يدور على أرضية المصالح التجارية، لا المساحات الجغرافية، وأن الأسواق هي ميدان المعارك المستقبلية، حيث استُبدلت بالقوة الحربية القدرات الاستثمارية والتمويلية. بيد أن خطاب «العولمة السعيدة»، الذي سيطر على الفكر السياسي الغربي بعد نهاية الحرب الباردة، طمس جذرياً صراعات القوة الاقتصادية، من منظور ترابط وتشابك المصالح التجارية والصناعية بين مختلف دول العالم.
إنها المرحلة التي ظهرت فيها منظمة التجارة العالمية (1995)، والتي انضمت إليها الصين في نهاية عام 2001، في سياق ضبط التبادل الحر المفتوح بين مختلف القوى الاقتصادية الدولية. ما تغير في السنوات الأخيرة، هو أن منطق الصراع عاد بجلاء إلى الساحة الدولية، ليس من المنظور الاستراتيجي التقليدي، فحتى الحروب الروسية الأخيرة في شرق أوروبا لا تندرج في نطاق الرهانات الجيوسياسية الكلاسيكية، وإنما تتعلق بعناصر القوة الاقتصادية التي يتم الدفاع عنها بخطاب الهوية القومية. كما أن سعي الدول الصاعدة لبناء كتلة عالمية جديدة مؤثرة (البريكس) لا يتحدد وفق المصالح الجيوسياسية لتلك البلدان شديدة التمايز والاختلاف من حيث أوضاعها وتوجهاتها السياسية، وإنما غرضها الجلي هو تغيير قواعد وآليات التجارة الدولية بكسر الهيمنة المالية والاقتصادية الأميركية على العالم.
ومن هنا ندرك أن سياسات الرئيس ترامب الحمائية لا تعكس تخلياً معلناً عن نهج التبادل التجاري الحر الذي كان لمدة عقود طويلة الدينامو المحرك للقوة الاقتصادية الأميركية، كما أنها لا تترجم رؤية استراتيجية جديدة للعلاقات الدولية على أساس انعزالي يقوض دوائرَ التحالف مع الغرب بمفهومه الواسع، بل الأمر هنا يتعلق باستخدام عناصر القوة الاقتصادية الذاتية في بسط نمط من الهيمنة الرخوة على العالم، من خلال تعديل مسالك التجارة الدولية، وفق المصالح القومية للولايات المتحدة الأميركية. وهكذا يظهر بوضوح أنه لا تعارض بين نهج الرئيس ترامب الانعزالي في السياسة الدولية، والذي يعبّر عنه شعار «أميركا أولاً»، وبين توجهاته الاقتصادية التجارية التي تصدر عن تصور جيو اقتصادي يرى إمكانية كبح ديناميكية العولمة لصالح اعتبارات القوة الذاتية، دون اللجوء إلى السلاح أو العنف. ليس من همنا تقويم هذا النهج الذي اعترض عليه كثير من كبار الاقتصاديين الأميركيين، بما يفسر قرار تعليق الرسوم الجمركية مؤقتاً، لكن يتعين الانتباه إلى أن المسرح التجاري سيكون، دون شك، مجال الصدام الدولي في العالم الجديد.
ومع أن الكثيرين يتحدثون عن مؤشرات اندلاع حرب عالمية ثالثة، تبدأ من البلطيق أو منطقة الباسفيك، إلا أن المعطيات الموضوعية تثبت أن القوى الدولية المؤثرة مدركة لمخاطر وتكاليف هذا الصدام المدمر، ولذا فإن الحروب القادمة ستكون، من دون شك، حروباً تجارية لها أثرها الاقتصادي والاجتماعي الطاحن. *أكاديمي موريتاني
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البوابة
منذ 24 دقائق
- البوابة
الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على روسيا بسبب "استخدام أسلحة كيميائية" في أوكرانيا
قرر مجلس الاتحاد الأوروبي، اليوم الثلاثاء، فرض عقوبات جديدة ضد ثلاثة كيانات تابعة للقوات المسلحة الروسية نظرًا لتورطها في تطوير الأسلحة الكيميائية واستخدامها. وذكر مجلس الاتحاد الأوروبي، في بيان نشره على موقعه الرسمي، أن هذا القرار جاء في ضوء التقارير الصادرة عن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في نوفمبر عام 2024 وفي فبراير عام 2025، والتي تؤكد وجود مواد لمكافحة الشغب ومن بينها مادة "سي إس" الكيميائية؛ وهي نوع من الغاز المسيل للدموع. وأوضح البيان أن القوات الروسية في أوكرانيا قد استخدمت هذه المواد كوسيلة للحرب، في انتهاك لمعاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، التي تعد روسيا دولة طرفا فيها. وتُطَبق التدابير التقييدية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي ضد انتشار الأسلحة الكيميائية واستخدامها على 25 فردًا و6 كيانات. وأكد البيان أن الاتحاد الأوروبي يظل ملتزما تماما بمكافحة انتشار الأسلحة الكيميائية واستخدامها ويؤيد الأحكام المنصوص عليها في معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية.


صحيفة الخليج
منذ 25 دقائق
- صحيفة الخليج
ترامب يوقّع قانوناً لمكافحة «الانتقام الإباحي» (فيديو)
واشنطن - أ ف ب وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاثنين، قانوناً يجرّم أي نشر يتم من دون رضا الطرف المعنيّ لأي صور مخلة، سواء أكانت حقيقية أم مولّدة بالذكاء الاصطناعي، وبخاصة لأغراض «الإباحية الانتقامية»، وهي ظاهرة لا تنفكّ تتنامى. والنصّ الذي أُطلق عليه اسم «قانون إزالة المحتوى غير المرغوب فيه» دعمته السيدة الأولى ميلانيا ترامب، وسبق وأن أقره مجلسي الشيوخ والنواب، حيث حظي بدعم واسع من الحزبين. وقال الرئيس الجمهوري لدى توقيعه النصّ: «سيكون هذا أول قانون فيدرالي على الإطلاق يهدف إلى مكافحة نشر الصور الفاضحة والخيالية من دون موافقة الشخص» المعني. وأضاف، أن «أي شخص ينشر عمداً صوراً فاضحة من دون موافقة الشخص المعني سيواجه عقوبة تصل إلى السجن لمدة ثلاث سنوات»، مشيراً أيضاً إلى «مسؤوليات مدنية» ستتحمّلها مواقع التواصل الاجتماعي إذا ما نشرت تلك الصور و«رفضت إزالتها بسرعة». ويُعتبر نشر صور ذات طابع إباحي من دون موافقة مسبقة من الشخص المعني، وهي أحياناً صور يتم إنشاؤها بالذكاء الاصطناعي، ظاهرة تؤثر في المقام الأول في الفتيات والنساء اليافعات - بمن فيهن فنانات وسياسيات شهيرات مثل المغنية تايلور سويفت والنائبة الديمقراطية ألكسندريا أوكاسيو كورتيز. ومع انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي، أصبح إنشاء هذه الصور أو مقاطع الفيديو الشديدة الواقعية أمراً أسهل بكثير، ما فتح الطريق لاستخدامها على نطاق واسع لأغراض المضايقة أو الإذلال.


سبوتنيك بالعربية
منذ 26 دقائق
- سبوتنيك بالعربية
الاتحاد الأوروبي يقرر رفع عقوباته الاقتصادية المفروضة على سوريا
الاتحاد الأوروبي يقرر رفع عقوباته الاقتصادية المفروضة على سوريا الاتحاد الأوروبي يقرر رفع عقوباته الاقتصادية المفروضة على سوريا سبوتنيك عربي أعلنت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، أن الاتحاد قرر اليوم رفع عقوباته الاقتصادية المفروضة على سوريا بالكامل. 20.05.2025, سبوتنيك عربي 2025-05-20T17:10+0000 2025-05-20T17:10+0000 2025-05-20T17:10+0000 أخبار سوريا اليوم العالم العربي أخبار الاتحاد الأوروبي وكتبت كالاس في منشور على منصة "إكس": "اتخذنا قرارًا اليوم برفع عقوباتنا الاقتصادية المفروضة على سوريا. نريد مساعدة الشعب السوري على بناء سوريا جديدة واستيعابية وسلمية. الاتحاد الأوروبي وقف إلى جانب السوريين خلال الأعوام الأربعة عشرة الماضية وسيواصل ذلك".وأشارت المصادر إلى أن "سفراء الدول الـ27 الأعضاء في التكتل القاري توصلوا لاتفاق مبدئي بهذا الشأن"، لافتة إلى أن مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد، كايا كالاس، قالت إنها تريد أن تدور عجلة الحياة في سوريا، وتريد منح الشعب السوري فرصة لإعادة البناء".وقال البيت الأبيض إن الرئيس ترامب أبلغ رئيس الحكومة السورية المؤقتة أحمد الشرع خلال اللقاء الذي جمعهما في السعودية، بضرورة مساعدة الولايات المتحدة في منع عودة تنظيم "داعش" الإرهابي المحظور في روسيا وعدة دول أخرى وطلب منه الانضمام للاتفاقية الإبراهيمية مع إسرائيل. سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 2025 سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 الأخبار ar_EG سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 1920 1080 true 1920 1440 true 1920 1920 true سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 سبوتنيك عربي أخبار سوريا اليوم, العالم العربي, أخبار الاتحاد الأوروبي