أحدث الأخبار مع #«الدارالمصرية


الشرق الأوسط
١٧-٠٤-٢٠٢٥
- أعمال
- الشرق الأوسط
مذكرات صلاح دياب... إمبراطورية الأعمال والشغف
حين يقرر أحد رجال المال والأعمال العرب أن يكتب مذكراته، عادةً ينطلق من هدف مُعلن مفاده نقل خبراته وتجاربه للأجيال الأحدث، ما يظهر جلياً في مذكرات شخصيات مصرية مثل محمود العربي أو رؤوف غبور، أو حتى في نصائح وشذرات تركها طلعت حرب رائد الاقتصاد المصري. لكن رجل الأعمال المصري المعروف صلاح دياب ينطلق في تدوينه لسيرته الذاتية من بُعدٍ إضافي إلى جانب نقل الخبرة: الشغف. ففي مذكراته الصادرة عن «الدار المصرية اللبنانية» بالقاهرة تحت عنوان «هذا أنا»، في 2025، تبدو فكرة الشغف بالكتابة والرغبة في البوح هي المحرك الأساسي الذي دفعه لتسجيل مشوار حياته، عبر محطات متباينة بعضها يشكل قصصاً ملهمةً. أما البعض الآخر فأسماه «تجارب لم تكتمل»، وهي تجارب عدّها «دروساً مرتفعة التكلفة». صلاح دياب هو صاحب ما يمكن اعتباره إمبراطورية من الأعمال المتشعبة، وبرغم ذلك يطرح تساؤلاً مبدئياً حول السبب الذي دفعه لكتابة مذكراته: «لست زعيماً سياسياً ملهماً، أو نجماً سياسياً يجتذب الأضواء، أو مصلحاً اجتماعياً يتأمل الناس سيرته، أو مجدداً يتتبع الجمهور مسيرته». لكنه في الوقت ذاته يحرص على تعريف القارئ بنفسه في كلمات سريعة؛ فهو حلواني ومزارع ورجل بترول ومستثمر عقاري وناشر وكاتب. خاض الكثير من المعارك، خصوصاً حين بدأ عام 2012 في كتابة عموده اليومي بجريدة «المصري اليوم» تحت اسم مستعار «نيوتن»، وبعد 8 سنوات من كتابة المقال اليومي اضطُر للإفصاح عن شخصيته؛ إثر حملة تعرض لها بعد مقال نشره حول اللامركزية وسيلةً لإحداث طفرة اقتصادية، واجه بسببه اتهامات من أوساط صحافية بالترويج لأفكار «انفصالية». ولد صلاح دياب في 4 فبراير (شباط) عام 1944 لعائلة من محافظة الشرقية في دلتا النيل، واختارت الأسرة له اسم خاله الذي رحل عام 1942 في حادث أليم. وتحكي المذكرات عن الجذور البعيدة للعائلة، والدور الذي قام به جده في الثورة العرابية (1882) والحكم عليه بالإعدام، ثم تحديد إقامته في قريته بعد عفو من الخديو توفيق. يتضح الشغف بالكتابة منذ مفتتح المذكرات برسالة يوجهها الكاتب إلى جده توفيق دياب (1886 - 1963)، صاحب جريدة «الجهاد»، التي كانت في فترة ما لسان حال حزب «الوفد»، وربما كان هذا الشغف، الذي تربى صلاح دياب في كنفه، هو ما دفعه لاستعادة تجربة جدّه (لأُمِّه) في إصدار جريدة يومية هي «المصري اليوم»، بمشاركة رجال أعمال آخرين، وحققت الجريدة صدى واسعاً في الأوساط الصحافية بمصر. وإذا كانت بعض المذكرات، خصوصاً في الغرب تعتمد على «فلسفة الاعتراف» التي ركّزها جان جاك روسو (1712 - 1778) في مفهوم «الحب الشخصي»، بمعنى حب الذات والارتقاء بها عبر البوح بأدرانها سعياً للتخلص من عبئها، فإن هذه الفلسفة تكاد تكون محدودةً في العالم العربي، نظراً لخصوصية القيم التي تحكمه. ورغم أن فلسفة الاعتراف حضرت في بعض الأعمال النادرة مثل مذكرات سعد زغلول، الذي لم تمنعه مكانته السياسية المرموقة، كرمز لثورة 1919 في مصر ضد الاحتلال الإنجليزي، عن الاعتراف بإدمانه القمار، ومحاولته التخلص من هذه العادة السيئة، فقليلاً ما يظهر أنموذج مشابه. وفي حين يجعل صلاح دياب في مذكراته «الاعتراف والصراحة من مبادئ البوح»، فقد قرر الكتابة بنفسه، مؤكداً أن من يعرفونه عن قرب «سيصدقون كل ما يكتبه»، لأنهم يدركون أنه يمتلك من العفوية أو «التهور» ما يجعله يقول كل شيء وأي شيء، حسب تعبيره. مدفوعاً بالرغبة في الاعتراف، تحدث دياب عن فترة الشباب، ومخالفاته التي ارتكبها خلال التحاقه بالكلية الفنية العسكرية، حتى تعرضه للحبس والفصل منها، ومحاولة التوسط لدى المشير عبد الحكيم عامر لإعادته للكلية دون جدوى، ثم توجهه للدراسة في كلية الهندسة، ولا ينكر بعض الانفلات في سلوكه بمرحلة الشباب، وفي الوقت نفسه شهدت هذه الفترة أول عمل حقيقي يتولاه وهو طالب، ويحكي كيف نجح في هذا العمل، الذي كان دافعاً لنجاحات أخرى لاحقة. لا ينفي صلاح دياب الأزمات التي تعرض لها منذ الصغر، بداية من تربيته في بيت جده بعيداً عن الأب والأم اللذين انفصلا، وصولاً إلى فترات شبابه الأولى من خلال ما يعرّفه بأنه مجموعة من الأرستقراطيات. لم يخلُ بعضها من أزمات وخسارات فادحة. يبدأ بالأرستقراطية الاجتماعية التي انتمى إليها بحكم تعليمه الأساسي في المدرسة الإنجليزية، ثم الأرستقراطية الريفية في مزرعة جده، ثم الأرستقراطية العسكرية الأكاديمية، ثم أرستقراطية السجن. وبجملٍ لا تخلو من المرارة، يحكي صاحب المذكرات عن تعرضه للسجن، ويشرح بالتفصيل طريقة القبض عليه ووضع الأصفاد في يديه وتصويره بهذه الهيئة، ويشير إلى أن «التهمة الباطلة التي كانت بانتظاره ظاهرياً» هي ضبط سلاح بدون ترخيص في منزله، في حين أن الرسائل التي وصلته قبلها ولم ينتبه لها كانت مرتبطة باتهامات للجريدة التي أسسها. كما يحكي صاحب المذكرات عن ظروف الإفراج عنه، وعن لقاءين جمعاه بالرئيس المصري استمر أحدهما لثلاث ساعات، والجهود التي بذلها مع رجال أعمال آخرين في صندوق «تحيا مصر» الذي أنشأته الدولة لدعم الاقتصاد. مغرم صاحب المذكرات بالمفارقات، فهو يرى في الصدفة فرصة تبحث عمن يحسن توظيفها، ويرى في المحنة منحة لمن يتمكن من الاستفادة منها في التعلم والتأمل، ومن هذا المنطق يحكي عن الكثير من المشروعات الكثيرة، التي خاض غمارها و«معظمها لم ينجح». وفي أكثر من موضع يبدو كأنه يرفع شعار مؤسس «علي بابا» جاك ما، في الكتاب الذي يضم خلاصة خبرته؛ وعنوانه «لا تستسلم أبداً» يشرح مقصده. يعتقد دياب أن فكرة الكتابة لم تنبت لديه من الفراغ أو لمجرد التأثر بجدّه، بل تتصل بعلاقاته الوثيقة بكبار الكتاب مثل أنيس منصور ومصطفى أمين ويوسف إدريس وعلي سالم وغيرهم. وحكى كيف بدأت فكرة عمود «نيوتن» بالتعاون بينه وبين عبد الله كمال، فكان دياب يقدم الفكرة وكمال يصوغها بأسلوبه الرشيق. وصاغ صلاح دياب أكثر من فكرة حول فلسفة الحياة وقوة الإرادة، والتعامل مع الدين بأريحية ونظرة فلسفية عميقة، من خلال شخصية «نيوتن»، وهي أفكار أعادها في مذكراته أيضاً بوصفها قناعات آيديولوجية تدفعه للبوح كتابة.


الشرق الأوسط
٠٦-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- الشرق الأوسط
«عملية تجميل»... فانتازيا سردية على وتر الثورة العلمية
من خلال رؤية فانتازية تطرح رواية «عملية تجميل» للروائية المصرية زينب عفيفي مفهوم الجمال من خلال لعبة مع الزمن، حيث العُمر يعود أدراجه الأولى، مخالفاً سنن الحياة، وهو يُراوغ الكمال وأساطيره، فتنطلق الرواية من مدينة تتبدّل وجوه أصحابها ليصبحوا جميعاً في عمر الشباب، كأنما تم صبهم في قالب عمري واحد، لتجمعهم تجربة جماعية أقرب في تأثيرها لما يفعله الوباء. صدرت الرواية أخيراً عن «الدار المصرية اللبنانية» بالقاهرة، وفيها تبدو البطلة العجوز كأنما تم استثناؤها من هذا الوباء الذي أصاب الطبيعة البشرية وتفاعلها مع الزمن، حيث يعود الناس لسن الشباب بدلاً من التقدم في العُمر، كأن البطلة بتجاعيد وجهها تقف خارج أسوار هذا الزمن الجديد، فيما يقف طبيب التجميل «الساحِر» كما يُطلق عليه الأهالي، في بؤرة تلك المدينة بتكوينها الإنساني والنفسي الجديد، في ثنائية تصنعها الرواية عبر بطليها الرئيسين؛ التمسّك بالحقيقة من جهة، واحتراف صناعة الزيف من جهة أخرى. كما أنها تروج للجمال وتقدمه منزوع التجاعيد، بينما تقف آثار الزمن على أعلى سلم المُغريات، فيُسلّم أهل المدينة وجوههم سواء كانوا نساء أو رجالاً مسلوبي الإرادة إلى يد «الطبيب» الذي يصطفون أمام عيادته بالطوابير ليهبهم ذوات جديدة، بوجوه بلاستيكية لامعة تتمرد على الشيخوخة العالقة في خلاياهم، وتترك كل واحد منهم في صراع عنيف بين صورته الخارجية وشعوره الداخلي بالعُمر، مما يُحرك دوافع أبطال العمل في اتجاهات متباينة. تفريغ المدينة تربط الكاتبة بين الثورة العلمية التي تركت بصمتها على وجوه أهل المدينة والتغييرات التي بدأت تمسخ وجه المدينة نفسها من تغييرات في معمارها، وتجريد لأشجارها، وعبث بدروبها القديمة، فيما تبدو كأنها «استراتيجية» كاملة لتخليص البشر والحجر من هُويتهم، وتفريغ التاريخ الحيّ من جوهره: «عادت الاحتجاجات إلى شوارع المدينة وعلى منصات التواصل الاجتماعي تهاجم بشكل ساخر طرق التشويه التي عَلَت الوجوه، مثلما نالت من جمال المدينة بتحويل بعض الحدائق العامة إلى ميادين خالية من الأشجار، أو تقاطِع التراجع للخلف للسيارات في الاتجاه العكسي، وغاب اللون الأخضر الذي ظلّ يميزها منذ سنوات طويلة». وتكشف شخصيات الرواية عن وجهات النظر التي تتراوح بين دعاوى التغيير والتحديث، وكثير من المجادلة حول مفهوم «الجمال»، و«القبح»، و«التجميل» الذي تتمسك بطلة الرواية وراوِيتها الرئيسية «شيريهان» بنظرتها «المثالية» حياله، متجردةً من ماديته، والانحياز للزمن ورومانسيته، وجماليات مروره: «تجاعيد جبيني هي دهشتي أمام الحياة، وتلك المحيطة بفمي لأنها تُظهر كم ضحكت وكم قبّلت». يفرض هذا الواقع «العبثي» الجديد بصمته على تلقي أهل المدينة للحياة والحب، فتسود حالة من الاختلاط والتشويش، التي تجعل الشباب ينجذبون لسيدات في عمر أمهاتهن بعد أن صرن يُشبهن بناتهن، فتختلط التركيبة العمرية للمدينة، ويبدو «التصابي» أسلوب الحياة الاصطناعي المهيمن، حيث الصور «الكاذبة» تبدو بمثابة واجهة مجتمعية جديدة، ويبدو الدكتور «ماهر» طبيب التجميل وصاحب الاختراع الذي يُعيد الكهل شاباً، يبدو أقرب إلى صورة «المُخلّص» الذي يتدافع الناس في طوابير من أجل «إكسير» الشباب الذي قام باختراعه، ثم سرعان ما ينفض يديه من التبعات الكارثية التي تحلّ على أهل هذه المدينة نتيجة تشويه هذا الإكسير لطبيعتهم البشرية. تجربة جماعية تضع الرواية هذا الاختراع الطبي المستخدم في عمليات التجميل التي يتسارع من أجلها الناس، معادلاً للتخريب التكنولوجي والرأسمالي الذي يتهرب من مسؤوليته الأخلاقية، وذلك بعد أن تجعل المدينة تخوض «التجميل» بوصفه تجربة جماعية كبرى، بدأت كتجربة مُغوية، وانتهت بالعبث بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمدينة، علاوة على تفجير الجنون والصراع النفسي العنيف لدى أصحابه، وجعلت الرواية الطبيب «الساحِر» ممثلاً لهذا التهرب من المسؤولية الأخلاقية، وهو الطبيب الذي يخطو نحو الستين من عمره فيما وجهه في الثلاثين، ويتحدث عن اختراعه على أنه انتصار لم يتم تقديره من سكان المدينة: «نيتي كانت نشر الجمال والسعادة، عيوب التطبيق ليست من شأني، لم يكن هدفي تدمير المدينة وتحويلها إلى مشفى للأمراض النفسية». ومن ثم، يبرز «الهروب» من العُمر، والحقيقة، والذاكرة، بوصفه أحد مرتكزات الرواية، في مقابل ما بدا كأنه مزاد على «الحق في الحياة» حيث تسود الفوضى، مع تمسك «المتصابين» بعد عمليات التجميل، بالخروج إلى ساحة ميدان المدينة للمطالبة بحقهم في الاستمرار في وظائفهم ما داموا شباباً، فيما الشباب يرفعون صور هؤلاء المتصابين قبل وبعد تناولهم إكسير الشباب في احتجاج على حقهم في «فرص الحياة»، أما بطلة الرواية التي تجاوزتها الحياة والحُب فتطل على هذا المشهد الجمعي المستعِر، عبر صوتها «الفرد» في مواجهة جنون الخارج: «ما أجده غريباً ليس تقدمي في السن، ليس أنني صرت عجوزاً، ولا تحوّل كل صديقاتي إلى شابات... ما يزعجني أنني أشعر بالحزن لأنني تقدمت في العمر بنفس الطريقة التي تقدم بها من حولي وصاروا كلهم شباباً، ومات الحلم بداخلي أن أعيش حياة طبيعية».