logo
#

أحدث الأخبار مع #«الصعودالفانسي»

من حزام الصدأ إلى عالم المال والسياسة
من حزام الصدأ إلى عالم المال والسياسة

بوابة الأهرام

time٢٨-٠٢-٢٠٢٥

  • سياسة
  • بوابة الأهرام

من حزام الصدأ إلى عالم المال والسياسة

«لم أكتب هذا الكتاب لأنى أنجزت إنجازا غير عادى، وإنما لأنى أنجزت ــ بالكلية ــ إنجازا عاديا، الأمر الذى لا يتحقق للكثير من الأطفال الذين تربوا فى ظروف اجتماعية مثل التى تنشأت فيها»... وردت هذه الكلمات فى مقدمة المذكرات التى أصدرها «جيمس دافيد فانس» (41 عاما)، الناشط الشاب فى عالمى المال والسياسة ــ آنذاك ــ فى العام 2016، وذلك عندما بلغ الثانية والثلاثين من العمر. وبالرغم من انقضاء عدة سنوات على صدور المذكرات إلا أنه قد تجدد الاهتمام بها خلال الشهور الماضية مرتين: المرة الأولى عندما اختير فانس ليخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية كنائب لدونالد ترامب فى الصيف الماضى لمعرفة المزيد عن تاريخ الرجل. أما المرة الثانية فكانت بعد الكلمة العنيفة التى ألقاها فى مستهل فعاليات مؤتمر ميونيخ للأمن (14 فبراير الماضي) بعد انتخابه نائبا للرئيس رقم 47 للولايات المتحدة الأمريكية «دونالد ترامب»، والتى رفضها معظم القادة الأوروبيين لما اعتبرته تدخلا سافرا للشأن الداخلى لأوروبا من جانب، وتعبئة للقوى الشعبوية المتطرفة الأوروبية من جانب آخر. حظيت المذكرات عند صدورها باهتمام كبير نظرا لأنها - عبر 200 صفحة تضمنت مقدمة و15 فصلا وخاتمة - وثيقة حية حول واقع الفقر فى إحدى بقاع أرض الحلم الأمريكى (ميدلتاون بولاية أوهايو)، وكان من نتاج هذا الاهتمام أن أنتجت إحدى المنصات الرقمية فيلما مستلهما وقائع المذكرات. كذلك اعتبرها الباحثون فى علم الاجتماع السياسى من جهة، والخبراء فى السلوك السياسى من جهة أخرى دليلا استرشاديا لفهم ديناميات التصويت فيما بات يُعرف فى أدبيات الاجتماع السياسى: «حزام الصدأ» Rust Belt؛مسرح أحداث سيرة بطل المذكرات.وتجدر الإشارة هنا إلى أنه وإبان الاستعداد لحملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية صدر، من ضمن ما صدر، لفهم الدوافع التصويتية للقواعد الطبقية والاجتماعية فى الولايات المتحدة الأمريكية (أو ما بات يُعرف بجغرافيا وسوسيولوجياالتصويت) كتاب مرجعى لعالمة الاجتماع السياسى المعتبرة «تيدا سكوبول» (78 عاما) عنوانه: حزام الصدأ الأزرق؛ تحاول فيه الإجابة عن سؤال لماذا يتحول المصوتون الذين ينتمون للطبقة العاملة بعيدا عن الحزب الديمقراطي. كذلك صدور أكثر من كتاب يدرس رحلة «الصعود الفانسي» وما طرأ على الرجل من تغيرات على مستوى القناعات والخيارات العملية أثرت على رحلته فى دنيا المال ــ السياسة. تلك التغيرات التى اعتبرها المتابعون تجسيدا لتحولات طالت كتلة مجتمعية قاعدية. ويبدو لى أن المذكرات يمكن أن تفتح لنا أفقا لفهم الداخل الأمريكي. بداية عنوان المذكرات كما يلي: «مرثية هيلبيللي: سيرة أسرة وثقافة فى أزمة Hillbilly Elegy : A Memoir of A Family And Culture In Crisis؛ إذ يتناول «فانس» سيرته وكيف ولد فى منطقة تنتمى إلى ما يعرف بنطاقات «حزام الصدأ» Rust Belt؛ ويقصد بها تلك المناطق التى كانت مزدهرة صناعيا حول الحرب العالمية الثانية، ولكنها تخلفت تخلفا شديدا مع مطلع ستينيات القرن الماضى، لذا وصفت «بمناطق الصناعات الصدئة»، أى التى عفا عليها الزمن، لأنها لم تستطع أن تواكب العصر. ومن ثم عانى أهل «حزام الصدأ» من حال بائس اجتاحته كل الموبقات التى عادة تجتاح هكذا حال بائس. وبالأخير كيف استطاع صاحب السيرة «فانس» - آنذاك - «الإبحار فى واقع مضطرب» ليرسو على شاطئ عالم الاستثمار. أو بالأحرى، هؤلاء البيض الذين لا ينتمون إلى ما يعرف بذوى البشرة البيضاء الأنجلوساكسون البروتستنانت (WASP)، إذ هم «ينتمون واقعيا إلى الأمريكيين البيض الذين ينتمون إلى الطبقة العاملة فى منطقة متدهورة صناعيا وفقيرة اقتصاديا ومتراجعة تعليميا.إنهم الذين يطلق عليهم الأمريكيون فى الثقافة الشعبية كما يقول «فانس» «بذوى الرقبة الحمراء» الذين يتسمون «بالجلافة»، ويراهم الآخرون بأنهم غير متعلمين وأنهم فى منزلة دنيا. لذا يصفون بـ «White trash». لا يكتفى فانس بإلقاء الضوء على الجانب الإثنى «للهيلبيللى» بل نجده يقوم بإضاءة الوجه الآخر من العملة ألا وهو الجغرافيا الاجتماعية لهؤلاء المهمشين وما آلت إليه من واقع مترد. وذلك من خلال سرد تفصيلى للتاريخ الاجتماعى لأسرته من جانب، ولتاريخ تدهور الموضع من جهة أخرى. ولا يخجل «فانس» من سرد بعض القصص الشائنة بكل صراحة وجرأة إلا أنه فى المقابل لا يقدم أسبابا للتدهور الذى طال الطبقة الصناعية/الصناعة فى موضع نشأته وضمها إلى «حزام الصدأ». كما تعكس سيرة فانس كيف أنه قام بالكثير من التحولات، اتسم بعضها بالجدية ــ يسردها بأريحية كبيرة ــ ما مهد له الطريق نحو مزيد من التقدم اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. ويعتبر «فانس» تقدمه لحظة فارقة ميزت (راجع الفصل الحادى عشر) بين «التفاؤل الذى يشعر به وبين التشاؤم الذى يهيمن على مجتمعه»(القابع فى حزام الصدأ). عندئذ انتبه «فانس» بأن هذا المجتمع يحتاج إلى «بطل» يستنقذ أهله من الاغتراب الذى يعانون منه منذ عهد بيل كلينتون وحتى أوباما». وتجسدت هذه المعاناة فى عدم الثقة فى الحكومات، ولا فى سياساتها الاجتماعية، ولا فى سياسييها. «هؤلاء علينا أن نمكنهم»، يقول فانس. لقد وجد ضالته فى هذه الطبقة لتكون القاعدة الاجتماعية التى يمكن أن تنطلق منها النخبة المحافظة الجديدة قفزا على النخبة الجمهورية المحافظة التاريخية. ولا شك أن مذكرات فانس ساهمت فى توجيه النظر إلى مسار التحولات الطبقية وما ترتب عليها من تغيرات أيديولوجية وسلوكية سياسية لعل من أبرزها خيارات الأجيال الجديدة لأسر الطبقة العاملة. هؤلاء الذين عنوا أن يتعلموا تعليما يتناسب مع الزمن الرقمى وأن يرتبطوا بدوائر النخبة الرأسمالية الرقمية. وهو الخيار الذى كان «فانس» رائدا فيه حسب سيرته. (ويرصد أكثر من باحث أهمية هذا التحول الذى أطلق عليه بإعادة تكوين اقتصادية فارقة فى الجسم الانتخابى الأمريكى أظنها تحتاج إلى تفصيل قد نعود إليه لاحقا)، وضمن له وسيضمن لشريحة واسعة الصعود من القاعدة الصدئة إلى قمة دنيا المال والسياسة. الخلاصة، مذكرات فانس ــ بما تضمنته من تحولات وتجاوزات ــ تعكس طبيعة القوى الجديدة: النخبة الرأسمالية الرقمية وقاعدتها الشعبوية؛ التى تشكل أمريكا، أو النموذج «الترامبى».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store