
من حزام الصدأ إلى عالم المال والسياسة
«لم أكتب هذا الكتاب لأنى أنجزت إنجازا غير عادى، وإنما لأنى أنجزت ــ بالكلية ــ إنجازا عاديا، الأمر الذى لا يتحقق للكثير من الأطفال الذين تربوا فى ظروف اجتماعية مثل التى تنشأت فيها»...
وردت هذه الكلمات فى مقدمة المذكرات التى أصدرها «جيمس دافيد فانس» (41 عاما)، الناشط الشاب فى عالمى المال والسياسة ــ آنذاك ــ فى العام 2016، وذلك عندما بلغ الثانية والثلاثين من العمر. وبالرغم من انقضاء عدة سنوات على صدور المذكرات إلا أنه قد تجدد الاهتمام بها خلال الشهور الماضية مرتين: المرة الأولى عندما اختير فانس ليخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية كنائب لدونالد ترامب فى الصيف الماضى لمعرفة المزيد عن تاريخ الرجل. أما المرة الثانية فكانت بعد الكلمة العنيفة التى ألقاها فى مستهل فعاليات مؤتمر ميونيخ للأمن (14 فبراير الماضي) بعد انتخابه نائبا للرئيس رقم 47 للولايات المتحدة الأمريكية «دونالد ترامب»، والتى رفضها معظم القادة الأوروبيين لما اعتبرته تدخلا سافرا للشأن الداخلى لأوروبا من جانب، وتعبئة للقوى الشعبوية المتطرفة الأوروبية من جانب آخر.
حظيت المذكرات عند صدورها باهتمام كبير نظرا لأنها - عبر 200 صفحة تضمنت مقدمة و15 فصلا وخاتمة - وثيقة حية حول واقع الفقر فى إحدى بقاع أرض الحلم الأمريكى (ميدلتاون بولاية أوهايو)، وكان من نتاج هذا الاهتمام أن أنتجت إحدى المنصات الرقمية فيلما مستلهما وقائع المذكرات. كذلك اعتبرها الباحثون فى علم الاجتماع السياسى من جهة، والخبراء فى السلوك السياسى من جهة أخرى دليلا استرشاديا لفهم ديناميات التصويت فيما بات يُعرف فى أدبيات الاجتماع السياسى: «حزام الصدأ» Rust Belt؛مسرح أحداث سيرة بطل المذكرات.وتجدر الإشارة هنا إلى أنه وإبان الاستعداد لحملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية صدر، من ضمن ما صدر، لفهم الدوافع التصويتية للقواعد الطبقية والاجتماعية فى الولايات المتحدة الأمريكية (أو ما بات يُعرف بجغرافيا وسوسيولوجياالتصويت) كتاب مرجعى لعالمة الاجتماع السياسى المعتبرة «تيدا سكوبول» (78 عاما) عنوانه: حزام الصدأ الأزرق؛ تحاول فيه الإجابة عن سؤال لماذا يتحول المصوتون الذين ينتمون للطبقة العاملة بعيدا عن الحزب الديمقراطي. كذلك صدور أكثر من كتاب يدرس رحلة «الصعود الفانسي» وما طرأ على الرجل من تغيرات على مستوى القناعات والخيارات العملية أثرت على رحلته فى دنيا المال ــ السياسة. تلك التغيرات التى اعتبرها المتابعون تجسيدا لتحولات طالت كتلة مجتمعية قاعدية. ويبدو لى أن المذكرات يمكن أن تفتح لنا أفقا لفهم الداخل الأمريكي.
بداية عنوان المذكرات كما يلي: «مرثية هيلبيللي: سيرة أسرة وثقافة فى أزمة Hillbilly Elegy : A Memoir of A Family And Culture In Crisis؛ إذ يتناول «فانس» سيرته وكيف ولد فى منطقة تنتمى إلى ما يعرف بنطاقات «حزام الصدأ» Rust Belt؛ ويقصد بها تلك المناطق التى كانت مزدهرة صناعيا حول الحرب العالمية الثانية، ولكنها تخلفت تخلفا شديدا مع مطلع ستينيات القرن الماضى، لذا وصفت «بمناطق الصناعات الصدئة»، أى التى عفا عليها الزمن، لأنها لم تستطع أن تواكب العصر. ومن ثم عانى أهل «حزام الصدأ» من حال بائس اجتاحته كل الموبقات التى عادة تجتاح هكذا حال بائس. وبالأخير كيف استطاع صاحب السيرة «فانس» - آنذاك - «الإبحار فى واقع مضطرب» ليرسو على شاطئ عالم الاستثمار. أو بالأحرى، هؤلاء البيض الذين لا ينتمون إلى ما يعرف بذوى البشرة البيضاء الأنجلوساكسون البروتستنانت (WASP)، إذ هم «ينتمون واقعيا إلى الأمريكيين البيض الذين ينتمون إلى الطبقة العاملة فى منطقة متدهورة صناعيا وفقيرة اقتصاديا ومتراجعة تعليميا.إنهم الذين يطلق عليهم الأمريكيون فى الثقافة الشعبية كما يقول «فانس» «بذوى الرقبة الحمراء» الذين يتسمون «بالجلافة»، ويراهم الآخرون بأنهم غير متعلمين وأنهم فى منزلة دنيا. لذا يصفون بـ «White trash».
لا يكتفى فانس بإلقاء الضوء على الجانب الإثنى «للهيلبيللى» بل نجده يقوم بإضاءة الوجه الآخر من العملة ألا وهو الجغرافيا الاجتماعية لهؤلاء المهمشين وما آلت إليه من واقع مترد. وذلك من خلال سرد تفصيلى للتاريخ الاجتماعى لأسرته من جانب، ولتاريخ تدهور الموضع من جهة أخرى. ولا يخجل «فانس» من سرد بعض القصص الشائنة بكل صراحة وجرأة إلا أنه فى المقابل لا يقدم أسبابا للتدهور الذى طال الطبقة الصناعية/الصناعة فى موضع نشأته وضمها إلى «حزام الصدأ». كما تعكس سيرة فانس كيف أنه قام بالكثير من التحولات، اتسم بعضها بالجدية ــ يسردها بأريحية كبيرة ــ ما مهد له الطريق نحو مزيد من التقدم اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. ويعتبر «فانس» تقدمه لحظة فارقة ميزت (راجع الفصل الحادى عشر) بين «التفاؤل الذى يشعر به وبين التشاؤم الذى يهيمن على مجتمعه»(القابع فى حزام الصدأ). عندئذ انتبه «فانس» بأن هذا المجتمع يحتاج إلى «بطل» يستنقذ أهله من الاغتراب الذى يعانون منه منذ عهد بيل كلينتون وحتى أوباما». وتجسدت هذه المعاناة فى عدم الثقة فى الحكومات، ولا فى سياساتها الاجتماعية، ولا فى سياسييها. «هؤلاء علينا أن نمكنهم»، يقول فانس. لقد وجد ضالته فى هذه الطبقة لتكون القاعدة الاجتماعية التى يمكن أن تنطلق منها النخبة المحافظة الجديدة قفزا على النخبة الجمهورية المحافظة التاريخية.
ولا شك أن مذكرات فانس ساهمت فى توجيه النظر إلى مسار التحولات الطبقية وما ترتب عليها من تغيرات أيديولوجية وسلوكية سياسية لعل من أبرزها خيارات الأجيال الجديدة لأسر الطبقة العاملة. هؤلاء الذين عنوا أن يتعلموا تعليما يتناسب مع الزمن الرقمى وأن يرتبطوا بدوائر النخبة الرأسمالية الرقمية. وهو الخيار الذى كان «فانس» رائدا فيه حسب سيرته. (ويرصد أكثر من باحث أهمية هذا التحول الذى أطلق عليه بإعادة تكوين اقتصادية فارقة فى الجسم الانتخابى الأمريكى أظنها تحتاج إلى تفصيل قد نعود إليه لاحقا)، وضمن له وسيضمن لشريحة واسعة الصعود من القاعدة الصدئة إلى قمة دنيا المال والسياسة.
الخلاصة، مذكرات فانس ــ بما تضمنته من تحولات وتجاوزات ــ تعكس طبيعة القوى الجديدة: النخبة الرأسمالية الرقمية وقاعدتها الشعبوية؛ التى تشكل أمريكا، أو النموذج «الترامبى».
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

مصرس
منذ 4 أيام
- مصرس
نائب الرئيس الأمريكي يلتقى زيلينسكي في روما على هامش مراسم تنصيب بابا الفاتيكان
التقى نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم /الأحد/ في روما، على هامش قداس تنصيب البابا ليو الرابع عشر في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان. في وقت سابق من اليوم، حضر نائب الرئيس فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو قداس التنصيب للبابا ليو الرابع عشر، ومن المقرر أن يلتقي نائب الرئيس في وقت لاحق من اليوم برئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين.رافق فانس في هذا اللقاء وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ورئيس مكتب الرئاسة الأوكرانية أندري يرماك. يعد هذا اللقاء الأول بين فانس وزيلينسكي منذ اجتماعهما المتوتر في البيت الأبيض في فبراير الماضي، والذي شهد خلافات حول مسار الحرب في أوكرانيا، بحسب تقرير لشبكة "إن بى سى" نيوز الامريكية.جاء هذا اللقاء في إطار جهود دبلوماسية مكثفة قبيل مكالمة هاتفية مرتقبة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تهدف إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا.كما التقى زيلينسكي بالبابا ليو الرابع عشر، الذي أعرب عن رغبته في أن يكون الفاتيكان منصة محتملة لمحادثات السلام بين أوكرانيا وروسيا.يذكر أن البابا ليو الرابع عشر، أول بابا أمريكي، دعا خلال قداس تنصيبه إلى "سلام عادل ودائم" في أوكرانيا، مشددًا على أهمية الوحدة داخل الكنيسة الكاثوليكية ومعالجة الأزمات الإنسانية في مناطق مثل غزة.


النبأ
منذ 4 أيام
- النبأ
ترامب يدعو البابا ليو الرابع عشر لزيارة أمريكا
وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الإثنين، دعوة إلى البابا ليو الرابع عشر بابا الفاتيكان الجديد لزيارة الولايات المتحدة. ترامب يدعو البابا ليو الرابع عشر لزيارة أمريكا وسلم فانس، لأول أمريكي يتقلد منصب بابا الفاتيكان، رسالة من الرئيس ترامب والسيدة الأولى يدعوانه فيها لزيارة الولايات المتحدة. وتناول البابا ليو المولود في ولاية شيكاغو الأمريكية، الرسالة ووضعها على مكتبه وسمع يقول في مقطع فيديو للاجتماع بينهما وأذاعته وسائل إعلام الفاتيكان: "في وقت ما". كما أعطى فانس، الذي تحول إلى الكاثوليكية في عام 2019، البابا نسخة من اثنين من أهم أعمال القديس أوغسطين، هما "مدينة الله" و"حول العقيدة المسيحية"، حسبما أفاد مكتب نائب الرئيس الأمريكي. كما سلمه هدية أخرى هي قميص تي شيرت فريق "شيكاغو بيرز" مكتوب عليه اسم ليو. وقاد فانس، الكاثوليكي المتحول، الوفد الأمريكي إلى القداس الرسمي الذي أقيم بمناسبة بدء حبرية أول بابا أمريكي في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية. وقال المتحدث باسم فانس، لوك شرودر، إن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، وهو كاثوليكي أيضا، انضم إلى فانس في الفاتيكان. وتبع ذلك اجتماع بين الضيوف الأمريكيين ورئيس الأساقفة بول ريتشارد جالاجر، سكرتير الفاتيكان للعلاقات مع الدول الأجنبية، حسبما أفادت وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ). ونقلت (د ب أ) عن الكرسي الرسولي قوله إنه تم خلال الاجتماعات، "تبادل للآراء" بشأن الحروب الجارية في جميع أنحاء العالم. وجاء في بيان صادر عن الفاتيكان دعوة للأطراف المعنية إلى "احترام القانون الإنساني والقانون الدولي في مناطق النزاع" والتوصل إلى "حل عبر التفاوض". ولم يذكر البيان حروبا بعينها. وكان ليو قد أشار بشكل صريح أمس الأحد، إلى غزة وميانمار وأوكرانيا خلال قداس في ساحة القديس بطرس. وأدرج الفاتيكان وفد فانس كأول لقاء من بين عدة لقاءات خاصة يعقدها ليو اليوم الاثنين، مع أشخاص قدموا إلى روما لحضور قداسه الافتتاحي، بمن فيهم قادة مسيحيون آخرون ومجموعة من المؤمنين من أبرشيته القديمة في تشيكلايو في بيرو. وقال الفاتيكان إن كبار المسئولين تحدثوا عن "الرضا عن العلاقات الثنائية الجيدة" بين الكرسي الرسولي والولايات المتحدة.


وكالة نيوز
منذ 5 أيام
- وكالة نيوز
يلتقي JD Vance بالبابا ليو الرابع عشر في الفاتيكان ، ويمنحه قميص شيكاغو بيرز
روما – البابا ليو الرابع عشر والتقى نائب الرئيس JD Vance في الفاتيكان يوم الاثنين قبل موجة من الجهود الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة التي تهدف إلى إحراز تقدم في إيقاف إطلاق النار في حرب روسيا في أوكرانيا. كان فانس ، وهو تحويل كاثوليكي ، قد قاد الوفد الأمريكي إلى الكتلة الرسمية التي تفتح pontificate من البابا الأمريكي الأول. وقال لوك شرودر المتحدث باسم فانس ، وهو ينضم إليه في الاجتماع يوم الاثنين ، وهو وزير الخارجية ماركو روبيو ، وهو أيضًا كاثوليكي. 'كان هناك تبادل للآراء حول بعض القضايا الدولية الحالية ، يدعو إلى احترام القانون الإنساني والقانون الدولي في مجالات الصراع وللحل التفاوضي بين الطرفين المعنيين' ، وفقًا لبيان الفاتيكان بعد اجتماعهم. كان هناك أيضًا تبادل عرفي للهدايا ، حيث يقدم فانس الحبر المولود في شيكاغو قميص الدببة يحمل اسم 'البابا ليو' والرقم 'الرابع عشر'. البابا هو أيضا من محبي سوكس الأبيض ، له أكد الأخ في وقت سابق من هذا الشهر. قال مكتب فانس إنه أعطى البابا كتابين من قبل القديس أوغسطين ، 'مدينة الله' و 'على' العقيدة المسيحية '. وأشار مكتب نائب الرئيس إلى أن فانس اختار القديس أوغسطين كقديه الراعي عندما تحول إلى الكاثوليكية وتعمد في عام 2019. أدرج الفاتيكان وفد فانس باعتباره الأول من بين العديد من الجماهير الخاصة التي كان ليو يوم الاثنين مع أشخاص جاءوا إلى روما بسبب جدواته الافتتاحية ، بما في ذلك القادة المسيحيين الآخرين ومجموعة من المؤمنين من أبرشيةه القديمة في تشيكليو ، بيرو. عرض الفاتيكان ، الذي تم تهميشه إلى حد كبير خلال السنوات الثلاث الأولى من غزو روسيا لأوكرانيا ، استضافة أي محادثات سلام مع استمرار الجهود الإنسانية لتسهيل مقايضات السجناء وجمع شمل الأطفال الأوكرانيين التي اتخذتها روسيا. بعد تحية ليو لفترة وجيزة في نهاية قداس يوم الأحد ، قضى فانس بقية اليوم في اجتماعات منفصلة ، بما في ذلك مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي. كما التقى برئيس لجنة الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لين ورئيس مجلس إدارة إيطاليا جورجيا ميلوني ، التي قالت إنها تأمل في أن يكون الاجتماع التجريبي 'بداية جديدة'. في المساء ، تحدث ميلوني عبر الهاتف مع الرئيس ترامب والعديد من القادة الأوروبيين الآخرين قبل دعوة السيد ترامب المتوقع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الاثنين ، وفقًا لبيان صادر عن مكتب ميلوني. ليو ، الكاردينال روبرت بريفوست السابق ، هو مبشر أوغسطيني المولود في شيكاغو والذي قضى الجزء الأكبر من وزارته في تشيكليو ، وهي مدينة تجارية تبلغ حوالي 800000 على ساحل بيرو في شمال المحيط الهادئ. في الأيام التي تلت انتخابه في 8 مايو ، تعهد ليو 'بكل جهد' للمساعدة في جلب السلام إلى أوكرانيا. كما أكد على استمراريته مع البابا فرانسيس ، الذي جعل الاهتمام بالمهاجرين والفقراء أولوية من بونتيفتي. قبل انتخابه ، شارك Prevost مقالات إخبارية حول X كانت تنتقد خطط إدارة ترامب الترحيل الجماعي من المهاجرين. كان فانس أحد آخر المسؤولين الأجانب الذين يجتمعون مع فرانسيس قبل وفاة البابا الأرجنتيني في 21 أبريل. كان الاثنان قد تشابكان على الهجرة ، حيث قام فرانسيس بتوبيخ خطة الترحيل الخاصة بإدارة ترامب وتصحيح التبرير اللاهوتي لفانس.