منذ يوم واحد
جونزالو جارسيا.. طالب إدارة الأعمال يرث عرش «راؤول» و«بنزيما» فى ريال مدريد
منذ الوهلة الأولى تدرك أنك أمام موهبة استثنائية، مهاجم ذكى، يجد لنفسه المكان الصحيح دائمًا، لينتابك بمجرد مشاهدته فى الملعب الحنين إلى ماضٍ قريب، مع أولئك المهاجمين «السفاحين»، مدمنى الفتك بالشباك وإخضاع حراس مرمى المنافسين، بالتعبير الكروى.
إنه جونزالو جارسيا، مهاجم ريال مدريد الشاب، الذى قالوا عنه «خليفة راؤول جونزاليز»، و«رقم ٩» الجديد الذى يبحث عنه ريال مدريد ووجد فيه ضالته، منذ رحيل كريم بنزيما إلى السعودية، بعدما خطف الأنظار منذ ظهوره الأول بقميص «الملكى»، ثم تألق بصورة كبيرة فى كأس العالم للأندية.
انضم إلى «الملكى» فى العاشرة.. وسجل 35 هدفًا فى موسمه الأول مع «كاستيا»
جونزالو جارسيا توريس من مواليد ٢٤ مارس ٢٠٠٤، بدأ رحلته مع كرة القدم مبكرًا، وانضم إلى «مدرسة سان إستانيسلاو دى كوستكا»، وهى مؤسسة خاصة مهتمة بالتعليم والرياضة جنبًا إلى جنب، تجمع بين التعليم الأكاديمى وبرامج رياضية قوية، خاصة فى كرة القدم، وتوفر للاعبين الناشئين بيئة تدريب احترافية بالتعاون مع أندية كبرى مثل ريال مدريد، وتُعد محطة انطلاق مهمة للمواهب الشابة بفضل ملاعبها ومدربيها المتخصصين.
ينحدر «جارسيا» من عائلة لها جذور رياضية، ويدرس إدارة الأعمال فى جامعة «فيلانويفا» بإسبانيا، وانتقل انضباطه فى الملاعب إلى قاعات الدراسة والمحاضرات، فكل معلميه أثنوا على انضباطه والتزامه، الذى يعكس نضجًا واحترافية عالية لديه. فى سن السادسة انتقل إلى «سانت باربرا»، وهو نادٍ محلى فى إسبانيا، ولعب له حتى الثامنة من عمره، قبل الانتقال إلى «مدرسة جاراما ريس» لكرة القدم. هناك وقعت أنظار خوسيه جيريرو، رئيس المدرسة آنذاك وصديق عائلة جونزالو جارسيا، على موهبة الطفل الذى لم يبلغ العاشرة بعد.
رأى «جيريرو» الموهبة فى عينى «جارسيا» وبين قدميه. يقول لصحيفة «سير ديبورتيفو»: «كنا نعلم أن تألقه مسألة وقت. كان لاعبًا استثنائيًا. فى التاسعة من عمره كنا نلاحظ اختلافه عن الآخرين».
وبفضل مستواه الاستثنائى، انهالت المكالمات من الأندية المحيطة بـ«جاراما ريس» لضم اللاعب إلى صفوفها. لكن صديق العائلة طلب من والده الانتظار قليلًا، لأنه أراد أن يضم «جارسيا» إلى ريال مدريد، خاصة أن والديه وكل المحيطين به من مشجعى «الملكى»، وبالفعل انضم إلى «الريال» فى العاشرة.
منذ انضمامه إلى أكاديمية ريال مدريد فى سن العاشرة، أدرك الجميع فى مقر تدريبات النادى العريق «فالديبياس» أنهم أمام موهبة استثنائية. يقول هيرنان بيريز، مدرب شباب ريال مدريد السابق: «جونزالو انضم لنا أصغر سنة من العمر المعتاد لضم اللاعبين، لكنه أثبت سريعًا أننا أمام موهبة فريدة، خاصة مع رغبته فى التعلم وإخلاصه فى التدريبات وطموحه، بجانب موهبته واحترافيته وشخصيته».
تدرج جونزالو جارسيا فى فرق الناشئين بريال مدريد، وبدأ اللعب فى مركز الجناح الأيسر، قبل أن يتنبه مدربوه إلى أهمية وجوده بالقرب من المرمى، ومن وقتها انتقل إلى مركز المهاجم الصريح.
فى موسمه الأول مع «كاستيا» ٢٠٢٢/ ٢٠٢٣ سجل جونزالو جارسيا ٣٥ هدفًا فى ٤٣ مباراة بجميع المسابقات، واستمر فى التوهج خلال المواسم التالية، ومن بينها الموسم الماضى، الذى سجل خلاله ٢٥ هدفًا فى ٣٦ مباراة، تحت قيادة راؤول جونزاليز نفسه.
التمركز فى منطقة الجزاء أبرز مزاياه ويجيد التحرك الذكى وصناعة اللعب
تألق «جارسيا» لم يكن ضربة حظ، بل حصاد رحلة بُنيت على دعم أسرى متماسك، وتكوين أكاديمى رياضى يوازن بين تنمية الفكر وصقل المهارات، ويُعلى من شأن التعلّم الصحيح كركيزة لصناعة التميز.
لعل هذا ما عبّر عنه هيرنان بيريز، مدرب المنتخب الإسبانى تحت ١٧ عامًا، الذى قال عن «جارسيا»: «إنه يسأل كثيرًا ويشاهد مقاطع الفيديو ويدرس المباريات. العديد من اللاعبين لديهم المواهب ولكن لا يملك جميعهم الرغبة والالتزام اللذين أظهرهما جونزالو جارسيا». «بيريز» من أشد المؤمنين بقدرات «جارسيا»، ويرى أنه المهاجم الذى بإمكانه أن يمثل ريال مدريد لـ١٠ أو ١٢ عامًا مقبلة إذا حصل على الثقة والاستمرارية، بل إن إمكاناته تؤهله لمقارعة إرلنج هالاند.
تفجر موهبة جونزالو جارسيا دفع زين الدين زيدان، مدرب ريال مدريد السابق، إلى تصعيده للمشاركة فى تدريبات الفريق، لكنه لم يشارك فى مباريات رسمية. كارلو أنشيلوتى رأى أيضًا موهبة المهاجم الشاب، وأدرك أنه من نوعية اللاعبين الذين يحتاجون للمسة واحدة فقط أمام المرمى للتسجيل، فسار على درب «زيدان» معه.
المشاركة الأولى لـ«جارسيا» بقميص فريق ريال مدريد الأول كانت فى ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٣ ضد قادش. لكن هذه الفترة كان مركزه متخمًا بوجود كريم بنزيما وخلفه خوسيلو، فلعب مباراتين فقط، الأولى ضد قادش لمدة ١٢ دقيقة، والثانية أمام خيتافى لـ٥ دقائق فقط. مثل كثير من المهاجمين الواعدين، يرى جونزالو جارسيا فى كريستيانو رونالدو المثل الأعلى الذى يسعى لبلوغ مستواه. ولأنه لا يشبع من التعلم، يحرص دائمًا على مراقبة زملائه، وبالأخص كيليان مبابى، الذى تابع تحركاته عن قرب فى تدريبات الفريق الأول.
«لست متفاجئًا من مستواه، لقد شاهدته يفعل ذلك مرات عديدة مع الكاستيا، إنه مهاجم رقم ٩ كلاسيكى، ينتظر اللحظة المناسبة، ويتحرك بذكاء داخل منطقة الجزاء، هو يذكرنى بتحركات راؤول جونزاليز، وأنا سعيد له». تلك كلمات تشابى ألونسو، المدير الفنى الحالى لريال مدريد، عن مستوى «جارسيا» مع الفريق فى مباراة سالزبورج بمونديال الأندية، البطولة التى يتقاسم مهاجم ريال مدريد الشاب صدارة هدافيها بـ٤ أهداف، رفقة آنخيل دى ماريا، جناح بنفيكا، وماركوس ليوناردو مهاجم الهلال، وكلاهما ودع البطولة، وكذلك كل منافسيه على «الحذاء الذهبى» للمونديال.
الجميع اتفق على ذكاء تحركاته داخل منطقة الجزاء، وإجادته أدوار الضغط على دفاعات الخصوم، وكذلك المساهمة فى صناعة اللعب والدفاع مع زملائه. لكن موهبة اختيار المكان الصحيح داخل المنطقة لا يمكن تعلمها فى حصص تدريبية أو فى أكاديميات ناشئين، لكنها موهبة فطرية، إما أن توجد فى ذهن المهاجم أو لا. وبوجود جونزالو جارسيا تزايدت التكهنات حول رحيل رودريجو، جناح «الملكى»، خاصة مع إيمان تشابى ألونسو الشديد بقدرات مهاجمه الشاب. ربما يتحرر بذلك كيليان مبابى وفينيسيوس جونيور حول «جارسيا»، ليتحركا بديناميكية تناسب طريقة «ألونسو»، وترضى رغبات «مبابى» الذى يفضل الهجوم من الرواق الأيسر على العمق.
نحن اليوم أمام موهبة قادرة على منافسة نجوم يتصدرون شباك النجومية حاليًا، ومن خلاله وجد ريال مدريد «رقم ٩» الذى يحتاجه حقًا. ريال مدريد اليوم لا يملك مهاجمًا شابًا فقط، بل مشروع أسطورة جديدة.