أحدث الأخبار مع #«حفلةالتيس»


الشرق الأوسط
١٥-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- الشرق الأوسط
لغز لرواية لم تكتب: يوسا يصفع ماركيز
حين خسر الأديب البيروفي ماريو فارغاس يوسا انتخابات رئاسة بيرو عام 1990، عبرّ صديقه القديم الكاتب الكوبي غييرمو كابريرا إنفانتي عن سعادته بهذه الخسارة قائلاً: «إن مكسب بيرو غير المؤكَّد سيكون خسارة للأدب. الأدب هو الخلود، والسياسة مجرد تاريخ». ماريو فارغاس يوسا أحد أعلام الأدب في أميركا اللاتينية، والحائز على جائزة «نوبل للآداب»، ترك إرثاً أدبياً سيبقى خالداً عبر الزمان. بينما أصبح منافسه الذي فاز برئاسة البلاد زعيماً فاسداً ومستبداً، يماثل الأصنام التي حطمها يوسا في رواياته الأدبية خلال ستين عاماً. لم يكن لوحده، فقد وظّف أدباء أميركا اللاتينية الأدب السياسي وسيلةً لمقاومة الديكتاتورية والتسلط، وتميزوا بقدرتهم على دمج السياسي بالإنساني، وكانت الكتابة بنحو خاص وسيلة الأدباء والمثقفين للبقاء، كما كانت وسيلةً للتحدي، وكان الأدب اللاتيني واقعياً ونابعاً من معايشة القمع والسجون، والمنافي، والخوف، وهو ما جعل نصوصه مشحونة بطاقة حقيقية فريدة من نوعها. بالنسبة ليوسا كانت أعماله تقارع الطغيان السياسي ولكنها لم تترك مقارعة الاستبداد الديني وانعدام الحريات... من بواكير أعماله رواية «البيت الأخضر» وفيها يرسم عالماً من الفساد والتسلط، ويكشف هشاشة الأخلاق حين تتحول السلطة إلى غابة. في عام 2000، قدم رائعته «حفلة التيس» وفيها يصوّر يوسا سقوط الديكتاتور رفائيل تروخيو في جمهورية الدومينيكان، ويكشف وحشيته، وكيف دمّر الخوف الذي زرعه حياة الأفراد. أما رائعته «حرب نهاية العالم» فهي رواية ملحمية تكشف كيف يتحول الحلم الثوري إلى طغيان ديني أو سياسي. الرواية سرد خيالي لحدث تاريخي وقع في البرازيل ويحمل اسم «حرب كانودوس» أواخر القرن التاسع عشر، تروي حكاية كاهن انشقّ على الكنيسة وعلى الدولة وأصبح متمرداً يتجول في الغابات والأدغال والمناطق الريفية يستخدم التبشير الديني لجمع الأتباع مستغلاً الفقر والتدهور الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد لتحريض الفلاحين والفقراء على التمرد والثورة، هذا الكاهن يطلق على نفسه لقب «المرشد»، ويلتف حوله جيش من المهمشين والفقراء ورجال العصابات، وينجح الخطاب الديني في تحويلهم إلى قوة تمرد ذات سطوة عالية وجاذبة لمئات من اللصوص وقطاع الطرق الذين أعلنوا التوبة وانضموا لهذه الحركة الخلاصية، إلى أن يتمكنوا من الاستيلاء على أرض «كانودوس» التي أصبحت معقلاً للجماعة الثورية... وإليها ترسل الحكومة الكتائب العسكرية لمواجهة التمرد. لقد نجح يوسا في أن يحول رمزية المواجهة بين السلطة والحركة الدينية إلى أيقونات من المعاني تناولت الفساد والسلطة وتحويل الخطاب الديني إلى أفيون يستولي على عقول الفقراء والمعوزين ويسوقهم إلى الهلاك. كانت نهاية «المرشد» مأساوية فعلاً، وحلّ الخراب بمدينة «كانودوس»، أما كتائب الجيش الفتاكة فلم تسلم هي الأخرى من الدمار وتفشي الفساد. تميّز ماريو فارغاس يوسا بأنه واحدٌ من أكثر الأدباء في أميركا اللاتينية الذين تحرروا فعلياً من الآيديولوجيا، رغم أنه كان يسارياً ومعارضاً للديكتاتوريات، لم يترك أدبه سجيناً داخل أي إطار أو خطاب حزبي، فقد كان أدبه أكبر من السياسة، ولم ينفصل عنها. كان يوسا ناقداً شرساً للأنظمة الديكتاتورية التي حكمت أميركا اللاتينية، سواء كانت يمينية (مثل رافائيل تروخيو في الدومينيكان) أو يسارية (مثل فيديل كاسترو في كوبا أو تشافيز في فنزويلا)، وخصّ اليسار اللاتيني بنقد أعمق حين شعر أنه تخلى عن الحرية الفردية لصالح الشمولية الثورية، عبّر عن ذلك في مقالاته ومحاضراته، حين كتب يهاجم النماذج الثورية التي تحولت إلى أنظمة قمعية، خصوصاً كوبا وفنزويلا، وكان يقول إن «الثورة التي تقمع الحريات، ليست ثورة بل استبداد جديد». ومن هنا اصطدم بصديقه القديم غابرييل غارسيا ماركيز بسبب دفاعه عن كاسترو، وعلاقته الوثيقة بالزعيم الكوبي بالرغم من أن ماركيز توسط لدى السلطات لإطلاق سراح الشاعر الكوبي هيربيرتو باديا، الذي سجن في 1971 لمعارضته حكم كاسترو. ففي مساء 12 فبراير (شباط) 1976، حضر الكاتبان الكبيران ماركيز ويوسا عرضاً خاصاً لفيلم وثائقي عن الثورة الكوبية في مدينة مكسيكو بالمكسيك، وحين دخل ماركيز، اقترب من يوسا فاتحاً ذراعيه ليعانقه كعادته، لكن يوسا لكمه فجأة في وجهه وأسقطه أرضاً أمام الحضور، وتركه دون أن يقول شيئاً، لكنّ ماركيز نهض وابتسم، ووجهه مليء بالكدمات، ولم يفصح عن السبب... وترك الرجلان حتى وفاتهما سرّ هذه المواجهة العاصفة مدفوناً في صدريهما. هل جاءت تلك اللكمة نتيجة للخلاف السياسي كما أثير؟ أم أنها جاءت نتيجة خلاف شخصي يتعلق بعلاقة غرامية؟ هذا المشهد بحدّ ذاته أصبح لغزاً لرواية لم تكتب.


الدستور
١٤-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- الدستور
عن يوسا وعالمه.. بمناسبة رحيله
تعرفنا على أعمال الكاتب البيرونى ماريو باراجاس «يوسا» «٢٨ مارس ١٩٣٦- ١٣ أبريل ٢٠٢٥» قبل حصوله على جائزة نوبل فى ٢٠١٠، بفضل المترجم الراحل صالح علمانى الذى نقل إلى العربية معظم أعماله، مثل «حفلة التيس» التى انتشرت بشكل واسع بسبب تناولها ديكتاتوريات العالم الثالث، و«امتداح الخالة، وقصة مايتا، وليتوما فى جبال الأنديز، وشيطانات الطفلة الخبيثة، والفردوس على الناصية الأخرى» وغيرها من الأعمال التى اعتبرتها اللجنة التى منحته نوبل أعمالًا «صوّرت بعمق بالغ مقاومة الفرد وثورته وهزيمته»، وأن الراوى «موهوب قادر على تحريك مشاعر القراء». ينتمى «يوسا» إلى جيل مُبدع من أدباء أمريكا اللاتينية، أبهر العالم وقدّم روايات عرفتنا على مجتمعات لها خصوصيتها، وتقترب عوالمها وخرافاتها من عوالمنا، مثل «أوكتافيو باث، وخوليو كورتازار، وماركيز، وكارلوس فوينتيس»، وتميّز أغلبهم بمحاولة التجديد بتمثّل التجربة الأوروبية بتأثر واضح بأعلامها مثل «جيمس جويس، وفرانز كافكا، وفوكنر»، وكتب «يوسا» عن معظم هؤلاء فى السنوات الأخيرة مقالات كانت تنشرها جريدة «الشرق الأوسط» مرتين فى الشهر. دخل «يوسا» معترك الحياة وهو لا يزال صغيرًا، فلم يعرف أن والده على قيد الحياة إلا وهو فى سن العاشرة، إذ كان يعيش فى كنف جده لأمه، وهو فى هذا يتشابه مع صديقه ماركيز، الذى تحوّل إلى عدو فيما بعد، وعاش «يوسا» فى مدارس داخلية وهو طفل، وقاسى صرامة نظامها، وانطلق ليعيش فى شبابه حياة بوهيمية. وتزوّج أخت زوجة خاله جوليا أركويدى ثمانية أعوام، وهو فى التاسعة عشرة من عمره، بينما كانت هى فى الثالثة عشرة من عمرها. كان قارئًا نهمًا، مما أهله للعمل فى الصحافة بعد أن كان قد التحق طالبًا فى الأكاديمية العسكرية ليونثيو برادو، مدرسة ليما العسكرية، التى أكسبته لقب العسكرى الذى عُرف به بين أصدقائه، وبعدما درس العلوم العسكرية حاز شهادة ليسانس فى الآداب من جامعة سان ماركو فى ليما، ثم حصل على منحة مكّنته من مواصلة دراساته حتى حصل على دكتوراه من مدريد. عمل «يوسا» بالتدريس فى جامعتى لندن وكامبريدج، كما عاش مدة من حياته فى برشلونة وباريس، وقال فى حوار صحفى إنه عمل فى البداية أستاذًا للغة الإسبانية فى مدرسة بارليتز «باريس»، ثم انتقل إلى الصحافة، فعمل فى وكالة الأنباء الفرنسية، ثم الإذاعة والتليفزيون الفرنسيين بعد أن وسع «ديجول» أمواج بثّ الإذاعة الموجّهة إلى إسبانيا، وتأسيس إذاعة موجّهة إلى أمريكا اللاتينية. أحب باريس وانفتاحها، وانتعاش الحياة الثقافية فيها، حيث تتزاحم أعمال «بيكت، ويونيسكو، وفيلار، ويارو، وبوليز، وناتالى ساروت، وكلود سيمون»، وكشف عن غرامه بالأدب الفرنسى، إذ بدأ القراءة باللغة الفرنسية مع قراءة «جيل فارن، وفيكتور هوجو»، واكتشف فى باريس أدب أمريكا اللاتينية، وقال إنه تعرف هناك على أعمال «كورتازار، وكارلوس فوانتيس، وأوكتافيو باث، وميجال أنخيل أستورياس»، كتب أكثر من مرة عن إعجابه الشديد ببورخيس رغم أن كتابته بعيدة كل البعد من كتابته، وشياطينه غريبة عن شياطينه، أما انجذابه الأول فكان لصاحب الفرسان الثلاثة ألكسندر دوما، ثم لهمنجواى، وفيتزجيرالد، وفوكنر، والأخير كان يقرأه كما قال والقلم فى يده، ليكتب الملاحظات على الهامش محاولًا فهم آليات كتابته، كما كان لدوس باسوس تأثير كبير فى كتابته، إلى جانب إعجابه بكتّاب القرن التاسع عشر الفرنسيين، خصوصًا فلوبير، وقد تأثر بعده بسارتر، وكامى، ومالرو. كان مرتبطًا مثل عظماء الكتابة بـ«ألف ليلة وليلة»، وأصدر طبعة خاصة منقحة ومحرّرة منها، بوصفها جنسًا أدبيًا عريقًا كان له فضل الريادة فى ابتكار القصص وسردها من أجل تحقيق السعادة للبشرية، مشيرًا إلى أنها الرسالة الحقيقية للأدب التى تكمن فى المقاومة الدائمة للحزن والتعاسة والإحباط، وكان يعتقد أن أهم ما تحمله رواية «ألف ليلة وليلة» من معانٍ يكمن فى «التوظيف الإنسانى الأكثر تحضّرًا ومدنيةً للخيال». جمعت الصداقة الحميمة بين ماركيز و«يوسا»، وكان اتفاقهما على الإعجاب بثورة فيدل كاسترو فى كوبا من القواسم المشتركة، إلا أن «يوسا» انقلب على الثورة لاحقًا، بل اتّهم صاحب «مائة عام من العزلة» بأنه خانع لكاسترو. وقد توتّرت علاقتهما بسبب طلب ماركيز شطب اسمه من بيان إدانة كاسترو لمحاكمته الشاعر هيربرتو باديلا الذى نُشر فى «لوموند» عام ١٩٧١م بتوقيع مثقفين يساريين فى أوروبا، منهم: «خوان غويستيلو، وسارتر، ودو بوفوار، وكورتازار، وباراجاس يوسا». وكان بيلنيو ميدونزا قد وقّع على هذا البيان نيابةً عن ماركيز واثقًا أنه سيوافق عليه، لكن حدث ما لم يكن متوقعًا، وأنكر ماركيز البيان، وأعلن رفضه له، ومع هذا الشأن العام، كان هناك شأن خاص هو سبب القطيعة بين الصديقين؛ فقد ظلّ «يوسا» يظنّ أن صديقه سبب المشاكل بينه وبين زوجته باتريشا، ويحرّضها على الطلاق، وكان من نتيجتها أن ضرب «يوسا» صديقه وأفقده وعيه عام ١٩٧٦ فى مكسيكو سيتى. محترف الكتابة كما يقول «يوسا» هو شخص يستخدم اللغة فقط كأداة، أداة يوصل من خلالها رسالة، أى نوع من الرسائل التى يمكن نقلها، أما الكاتب فهو الشخص الذى يتعامل مع اللغة كغاية، كشىء له مبرر وجوده فى حد ذاته، هذا التفريق له ما يبرره، وهذا تمييز جيد بين الكاتب الحرفى «الآلة» والكاتب المبدع، إذا وجدت فى الكتابة تعويضك ومكافأتك وإشباعك بغض النظر عن الناتج فأنت إذن كاتب مبدع، لكن إذا كنت صاحب صنعة وتستخدمها لإنتاج دعاية سياسية أو دينية أو للترويج لمقولات تطرب المشاهد فأنت سيناريست، الصنعة عنده أهم من الإلهام.