#أحدث الأخبار مع #«حملةالماغا»جريدة الايام١٥-٠٥-٢٠٢٥سياسةجريدة الايامعن الخلاف بين ترامب ونتنياهوفجأة وبلا مُقدمات، خرج الإعلام العربي مُحمَلاً بعدد كبير من «المُحلِلين» السياسيين، لِيروج عن خلاف بين ملك الولايات المتحدة، ترامب، وملك إسرائيل، نتنياهو. وفي التفاصيل تم سوق «الأدلة» الآتية على هذا الخلاف: ترامب يريد إنهاء الحرب في غزة، ونتنياهو لا يريد ذلك. ترامب يريد التأسيس لسلام دائم في المنطقة لينال جائزة نوبل للسلام، ونتنياهو يريد الاستمرار في التصعيد والحروب. ترامب يريد الاتفاق مع إيران على برنامجها النووي، ونتنياهو يريد «غزو» إيران وتدمير مقدراتها النووية. قاعدة ترامب الانتخابية الجمهورية أو ما يُعرف بأنصار «حملة الماغا» الأميركية لا تؤيد إسرائيل ولا تتعاطف معها. ترامب خرج من الحرب على اليمن دون أن يُنسِق مع نتنياهو أو يُعلمه بقراره. ترامب فاوض سراً «حماس» للإفراج عن الأسير الإسرائيلي ألكسندر عيدان، دون إعلام نتنياهو. ترامب تعامل مع نتنياهو أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن بدرجة أفضل قليلاً من تعامله مع زيلينسكي. الغريب في كل ما قيل أن جميع هذه «الأدلة» تم نسبها «للمجهول». لا يوجد اسم واحد في الإدارة الأميركية أو من «الخبراء» في السياسة الأميركية، تم إرجاع هذه المعلومات أو نسبها لهم، باستثناء تقرير نُشِر في صحيفة الواشنطن بوست ذُكرِت فيه المعلومة التي قارنت بين لقاء ترامب مع نتنياهو ولقائه مع زيلينسكي، وحتى هذا التقرير نَسب المعلومة لمصدر «مجهول» في إدارة ترامب. ما هو مؤكد يقيناً وبالأدلة هو الآتي: لقد أيد ترامب وأركان إدارته «خروج» دولة الاحتلال من اتفاق وقف إطلاق النار مع المقاومة في غزة والذي عُقِد برعاية هذه الإدارة وبضمانات منها قُبيل توليه للرئاسة بيوم واحد. وهو أيد عملياتها العسكرية الوحشية في غزة بما فيها سياسات الحصار والتجويع والإبادة، ولم يصدر عنه أو عن أي من أركان إدارته ولو حتى «انتقاد» هامشي لجرائمها في غزة. لقد أيدت إدارة ترامب وما زالت سياسة دولة الاحتلال المُعلنة بضرورة القضاء كلياً على المقاومة بما في ذلك تجريدها من سلاحها وتصفية قادتها أو نفيهم. ودعونا نُذكِر هنا، بأن إدارة ترامب كانت أكثر تطرفاً من إدارة نتنياهو، فهي من اقترح علناً تهجير فلسطيني قطاع غزة في الوقت الذي كانت فيه دولة الاحتلال تعمل على ذلك دون أن تجاهر به علناً. لقد أبعدت إدارة ترامب آدم بوهلر عن ملف المفاوضات الخاص بالأسرى بعد أن احتجت دولة الاحتلال على تصريحه بأن إدارة ترامب «لا تعمل لدى إسرائيل» وأن سياساتها مُستقلة عنها بعد اجتماعه بقادة حماس. لم يصدر أي تصريح من إدارة ترامب ينتقد سلوك دولة الاحتلال في سورية أو لبنان، بل إن سياسات إدارة ترامب في لبنان على الأقل مُعلنه ومُنسجمة كلياً مع ما تريده دولة الاحتلال. فهي ما زالت تمنع إعادة إعمار لبنان إلى أن يتم تجريد حزب الله من سلاحه، وهي ما زالت تؤيد وتدافع عن الخروقات اليومية لدولة الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار. وفي سورية، قالت إسرائيل إن سياساتها يتم تنسيقها مع إدارة ترامب، ولم تُنكر الأخيرة ذلك. أما في الملف النووي الإيراني، فالخلاف بين ترامب ونتنياهو، هو مثل الخلاف بين أي إدارة أميركية سابقة وبين قادة دولة الاحتلال، حكومة ومعارضة. الإدارات الأميركية المتعاقبة لم تُرد الحرب على إيران لكلفتها العالية عليها، بينما يرى قادة إسرائيل أن على الولايات المتحدة وإسرائيل «معاً» تدمير برنامج إيران النووي كلياً، لأن مجرد وجوده في ظل الخبرات النووية التي راكمها الإيرانيون يسمح لهم، إذا أرادوا، بتحويل البرنامج إلى المجال العسكري. في هذا السياق، دولة الاحتلال ترى فرصة قائمة للحرب على إيران لتدمير برنامجها النووي مُفترضين أن حلفاء إيران في المنطقة قد تم إضعافهم كثيراً، وأن إدارة ترامب بتاريخها السابق والمؤيد لدولة الاحتلال - ما منحته سابقاً لها من تطبيع مع العرب، والسيادة على القدس والجولان، وخروجها من الاتفاق النووي مع إيران - يسمحان بتوجيه هذه الضربة الآن. في المقابل، لم تحسم إدارة ترامب خياراتها بعد. هي من جهة لا تريد أن تتورط في حرب كبيرة في المنطقة، وهي من جهة أخرى، لا تريد أن تعقد اتفاقاً نووياً مع إيران مشابهاً للاتفاق الذي خرجت منه العام 2018. والواقع أن التصريحات الأميركية متناقضة في هذا الاتجاه، وهي تتراوح ما بين المطالبة بالتفكيك الكامل للبرنامج النووي الإيراني والقبول ببرنامج نووي سلمي يُسمح فيه لإيران بتخصيب اليورانيوم بالحدود الدنيا مع رقابة صارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهو ما تَقبله إيران. بلا شك، سَيحسم ترامب خياراته وهو أمام اللوبي الإسرائيلي في واشنطن وأمام حلفائها في الكونغرس، ربما يُفضل الإبقاء على سياسات العقوبات القصوى على إيران بديلاً لاتفاق شبيه بالاتفاق الذي وقعه الرئيس أوباما معها، وبديلاً أيضاً لخيار الحرب الذي تريده إسرائيل. وفي الشأن اليمني، كان خروج ترامب من الحرب معها مدفوعاً بعاملين: الأول أن الولايات المتحدة خسرت خلال شهرين من الحرب ما يقارب ملياري دولار دون أن تتمكن من تقويض القدرات اليمنية على إطلاق الصواريخ باتجاه دولة الاحتلال. والثاني أن الهجمات اليمنية على حاملات الطائرات الأميركية في البحر الأحمر كان يمكن، في مرتين على الأقل، أن تودي إلى سقوط طائراتها وخسارة طياريها، وهو ما كان سيدفع إدارة ترامب للتورط أكثر وأكثر في الحرب. لذلك اختصر ترامب الطريق وعاد إلى ممارسة سياسات الدفاع عن إسرائيل، بمعنى محاولات اعتراض الصواريخ اليمنية، دون المشاركة المباشرة في الحرب. لا يوجد شيء هنا يتعلق بالخلاف مع دولة الاحتلال بما في ذلك التفاوض مع أنصار الله سِراً، فلا يوجد في هذه المفاوضات ما يستدعي إخبار إسرائيل بها ما ناحية عدم وجود التزامات قدمتها الولايات المتحدة نيابة عن إسرائيل وفرضتها عليها. كان هذا هو الحال في السابق وهذا هو الحال الآن. مثلا، الرئيس أوباما فاوض إيران على برنامجها النووي سِراً دون أن يُعلم إسرائيل بذلك، وفقط عندما تم التوصل لاتفاق مع إيران، أخذت إسرائيل علما بالمفاوضات. وليس صحيحاً أيضاً أن ترامب عامل نتنياهو بطريقة سيئة في زيارته الثانية لواشنطن. في حينه، لم تتحدث أي وسيلة إعلام أميركية عن ذلك، وكان من الواضح أن الزيارة أتت لتنسيق المواقف قبل بدء المحادثات الأميركية الإيرانية. ونتنياهو عاد من تلك الزيارة دون أن يُغير من سياساته، ولو كان هنالك خلاف بين الرجلين بشأن غزة مثلاً، لخرج على الأقل تصريح من أركان إدارة ترامب ينتقد الهجوم الإسرائيلي الواسع على غزة وحصارها وقتل أهلها جوعاً. نعم هناك خلاف بين أميركا وإسرائيل حول المسألة الفلسطينية. أميركا ومن باب مساعدة حلفائها العرب تريد أن «ينتهي الملف الفلسطيني بتسوية ما أياً كانت» تفتح الطريق أمام تطبيع للعلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. لكن هذا لا يتعلق بإدارة ترامب، كانت هذه رغبة الرئيس بايدن قبله، ورغبة كل رئيس أميركي سابق. لكن إسرائيل، بحكومتها الحالية وبمن يعارضها، لا تريد أي نوع من الكيانية الفلسطينية. دع عنك إقامة دولة على حدود العام 1967، دولة الاحتلال، حكومة ومعارضة للتأكيد، لا تريد «دولة فلسطينية على أي جزء مهما كان حجمه من أرض فلسطين التاريخية». لذلك هذا الخلاف ليس خاصاً بالرئيس ترامب ولكن مع الإدارة الأميركية التي سبقته أيضاً. أما بشأن قاعدة ترامب الانتخابية وعدم وقوفها إلى جانب إسرائيل، فهذه واحدة من أكبر الأكاذيب لسببين: الأول أن القاعدة الانتخابية للحزب الجمهوري مما يعرف بالإنجيليين الصهاينة هم مؤيدون لإسرائيل. والثاني أن هنالك غالبية في الشعب الأميركي ترفض جرائم دولة الاحتلال في غزة، لكن ذلك لم يمنع لا إدارة بايدن ولا إدارة ترامب من التضييق على الجامعات الأميركية التي تنظم فيها التظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني ولم يمنع ذلك طرد أساتذة الجامعات والطلاب المناصرين للشعب الفلسطيني، ولا من سَن التشريعات المُقيدة لحرية التعبير في الولايات المتحدة. لماذا إذاً كل هذا الحديث «الممجوج» والفجائي عن خلاف بين ترامب ونتنياهو؟ لا داعي للتنجيم هنا. ترامب كان في طريقه «لحصاد اقتصادي خرافي في الإقليم لا يحدث حتى في قصص ألف ليلة وليلة» دون أن يُقدم مقابل ذلك ولو «كيس طحين واحداً لأهلنا في غزة» وكان من الضروري التمهيد لهذا الحصاد، وممارسة الضغوط على المقاومة الفلسطينية لتقديم «ألكسندر عيدان» هديه له تحت مسمى «الخلاف بين الرجلين». وهذا هو أصل حكاية الخلاف غير القائم بين ملكي الولايات المتحدة وإسرائيل. لا نقول إن الرجلين مُغرمان ببعضهما البعض، فلكل منهما «إيغو كبير» لا يسمح بهذا الغرام بينهما. لكن ذلك لا ينعكس خلافاً بينهما في أي من الملفات باستثناء رغبة إسرائيل بالحرب على إيران، ورغبة أميركا بتفاديها. لكن هذا النوع من الخلاف سابق للرئيس ترامب بِعدة رؤساء وهو خلاف من أيام الرئيس جورج دبليو بوش. لعل الأسوأ من كل ما سبق هو تقديم سورية «الشرع» على أنها حققت اختراقاً إستراتيجياً برفع العقوبات الاقتصادية عنها مقابل الوعد بالتطبيع مع إسرائيل ومحاصرة قوى المقاومة الفلسطينية فيها. دعونا نُذكر هؤلاء: لو فعلها نظام الأسد «المخلوع» لكان في الحكم الآن في سورية، ولكان «الشرع» لا يزال مطلوباً كأكبر رجل إرهابي. كم هو بائس ومُخادع هذا الإعلام العربي.
جريدة الايام١٥-٠٥-٢٠٢٥سياسةجريدة الايامعن الخلاف بين ترامب ونتنياهوفجأة وبلا مُقدمات، خرج الإعلام العربي مُحمَلاً بعدد كبير من «المُحلِلين» السياسيين، لِيروج عن خلاف بين ملك الولايات المتحدة، ترامب، وملك إسرائيل، نتنياهو. وفي التفاصيل تم سوق «الأدلة» الآتية على هذا الخلاف: ترامب يريد إنهاء الحرب في غزة، ونتنياهو لا يريد ذلك. ترامب يريد التأسيس لسلام دائم في المنطقة لينال جائزة نوبل للسلام، ونتنياهو يريد الاستمرار في التصعيد والحروب. ترامب يريد الاتفاق مع إيران على برنامجها النووي، ونتنياهو يريد «غزو» إيران وتدمير مقدراتها النووية. قاعدة ترامب الانتخابية الجمهورية أو ما يُعرف بأنصار «حملة الماغا» الأميركية لا تؤيد إسرائيل ولا تتعاطف معها. ترامب خرج من الحرب على اليمن دون أن يُنسِق مع نتنياهو أو يُعلمه بقراره. ترامب فاوض سراً «حماس» للإفراج عن الأسير الإسرائيلي ألكسندر عيدان، دون إعلام نتنياهو. ترامب تعامل مع نتنياهو أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن بدرجة أفضل قليلاً من تعامله مع زيلينسكي. الغريب في كل ما قيل أن جميع هذه «الأدلة» تم نسبها «للمجهول». لا يوجد اسم واحد في الإدارة الأميركية أو من «الخبراء» في السياسة الأميركية، تم إرجاع هذه المعلومات أو نسبها لهم، باستثناء تقرير نُشِر في صحيفة الواشنطن بوست ذُكرِت فيه المعلومة التي قارنت بين لقاء ترامب مع نتنياهو ولقائه مع زيلينسكي، وحتى هذا التقرير نَسب المعلومة لمصدر «مجهول» في إدارة ترامب. ما هو مؤكد يقيناً وبالأدلة هو الآتي: لقد أيد ترامب وأركان إدارته «خروج» دولة الاحتلال من اتفاق وقف إطلاق النار مع المقاومة في غزة والذي عُقِد برعاية هذه الإدارة وبضمانات منها قُبيل توليه للرئاسة بيوم واحد. وهو أيد عملياتها العسكرية الوحشية في غزة بما فيها سياسات الحصار والتجويع والإبادة، ولم يصدر عنه أو عن أي من أركان إدارته ولو حتى «انتقاد» هامشي لجرائمها في غزة. لقد أيدت إدارة ترامب وما زالت سياسة دولة الاحتلال المُعلنة بضرورة القضاء كلياً على المقاومة بما في ذلك تجريدها من سلاحها وتصفية قادتها أو نفيهم. ودعونا نُذكِر هنا، بأن إدارة ترامب كانت أكثر تطرفاً من إدارة نتنياهو، فهي من اقترح علناً تهجير فلسطيني قطاع غزة في الوقت الذي كانت فيه دولة الاحتلال تعمل على ذلك دون أن تجاهر به علناً. لقد أبعدت إدارة ترامب آدم بوهلر عن ملف المفاوضات الخاص بالأسرى بعد أن احتجت دولة الاحتلال على تصريحه بأن إدارة ترامب «لا تعمل لدى إسرائيل» وأن سياساتها مُستقلة عنها بعد اجتماعه بقادة حماس. لم يصدر أي تصريح من إدارة ترامب ينتقد سلوك دولة الاحتلال في سورية أو لبنان، بل إن سياسات إدارة ترامب في لبنان على الأقل مُعلنه ومُنسجمة كلياً مع ما تريده دولة الاحتلال. فهي ما زالت تمنع إعادة إعمار لبنان إلى أن يتم تجريد حزب الله من سلاحه، وهي ما زالت تؤيد وتدافع عن الخروقات اليومية لدولة الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار. وفي سورية، قالت إسرائيل إن سياساتها يتم تنسيقها مع إدارة ترامب، ولم تُنكر الأخيرة ذلك. أما في الملف النووي الإيراني، فالخلاف بين ترامب ونتنياهو، هو مثل الخلاف بين أي إدارة أميركية سابقة وبين قادة دولة الاحتلال، حكومة ومعارضة. الإدارات الأميركية المتعاقبة لم تُرد الحرب على إيران لكلفتها العالية عليها، بينما يرى قادة إسرائيل أن على الولايات المتحدة وإسرائيل «معاً» تدمير برنامج إيران النووي كلياً، لأن مجرد وجوده في ظل الخبرات النووية التي راكمها الإيرانيون يسمح لهم، إذا أرادوا، بتحويل البرنامج إلى المجال العسكري. في هذا السياق، دولة الاحتلال ترى فرصة قائمة للحرب على إيران لتدمير برنامجها النووي مُفترضين أن حلفاء إيران في المنطقة قد تم إضعافهم كثيراً، وأن إدارة ترامب بتاريخها السابق والمؤيد لدولة الاحتلال - ما منحته سابقاً لها من تطبيع مع العرب، والسيادة على القدس والجولان، وخروجها من الاتفاق النووي مع إيران - يسمحان بتوجيه هذه الضربة الآن. في المقابل، لم تحسم إدارة ترامب خياراتها بعد. هي من جهة لا تريد أن تتورط في حرب كبيرة في المنطقة، وهي من جهة أخرى، لا تريد أن تعقد اتفاقاً نووياً مع إيران مشابهاً للاتفاق الذي خرجت منه العام 2018. والواقع أن التصريحات الأميركية متناقضة في هذا الاتجاه، وهي تتراوح ما بين المطالبة بالتفكيك الكامل للبرنامج النووي الإيراني والقبول ببرنامج نووي سلمي يُسمح فيه لإيران بتخصيب اليورانيوم بالحدود الدنيا مع رقابة صارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهو ما تَقبله إيران. بلا شك، سَيحسم ترامب خياراته وهو أمام اللوبي الإسرائيلي في واشنطن وأمام حلفائها في الكونغرس، ربما يُفضل الإبقاء على سياسات العقوبات القصوى على إيران بديلاً لاتفاق شبيه بالاتفاق الذي وقعه الرئيس أوباما معها، وبديلاً أيضاً لخيار الحرب الذي تريده إسرائيل. وفي الشأن اليمني، كان خروج ترامب من الحرب معها مدفوعاً بعاملين: الأول أن الولايات المتحدة خسرت خلال شهرين من الحرب ما يقارب ملياري دولار دون أن تتمكن من تقويض القدرات اليمنية على إطلاق الصواريخ باتجاه دولة الاحتلال. والثاني أن الهجمات اليمنية على حاملات الطائرات الأميركية في البحر الأحمر كان يمكن، في مرتين على الأقل، أن تودي إلى سقوط طائراتها وخسارة طياريها، وهو ما كان سيدفع إدارة ترامب للتورط أكثر وأكثر في الحرب. لذلك اختصر ترامب الطريق وعاد إلى ممارسة سياسات الدفاع عن إسرائيل، بمعنى محاولات اعتراض الصواريخ اليمنية، دون المشاركة المباشرة في الحرب. لا يوجد شيء هنا يتعلق بالخلاف مع دولة الاحتلال بما في ذلك التفاوض مع أنصار الله سِراً، فلا يوجد في هذه المفاوضات ما يستدعي إخبار إسرائيل بها ما ناحية عدم وجود التزامات قدمتها الولايات المتحدة نيابة عن إسرائيل وفرضتها عليها. كان هذا هو الحال في السابق وهذا هو الحال الآن. مثلا، الرئيس أوباما فاوض إيران على برنامجها النووي سِراً دون أن يُعلم إسرائيل بذلك، وفقط عندما تم التوصل لاتفاق مع إيران، أخذت إسرائيل علما بالمفاوضات. وليس صحيحاً أيضاً أن ترامب عامل نتنياهو بطريقة سيئة في زيارته الثانية لواشنطن. في حينه، لم تتحدث أي وسيلة إعلام أميركية عن ذلك، وكان من الواضح أن الزيارة أتت لتنسيق المواقف قبل بدء المحادثات الأميركية الإيرانية. ونتنياهو عاد من تلك الزيارة دون أن يُغير من سياساته، ولو كان هنالك خلاف بين الرجلين بشأن غزة مثلاً، لخرج على الأقل تصريح من أركان إدارة ترامب ينتقد الهجوم الإسرائيلي الواسع على غزة وحصارها وقتل أهلها جوعاً. نعم هناك خلاف بين أميركا وإسرائيل حول المسألة الفلسطينية. أميركا ومن باب مساعدة حلفائها العرب تريد أن «ينتهي الملف الفلسطيني بتسوية ما أياً كانت» تفتح الطريق أمام تطبيع للعلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. لكن هذا لا يتعلق بإدارة ترامب، كانت هذه رغبة الرئيس بايدن قبله، ورغبة كل رئيس أميركي سابق. لكن إسرائيل، بحكومتها الحالية وبمن يعارضها، لا تريد أي نوع من الكيانية الفلسطينية. دع عنك إقامة دولة على حدود العام 1967، دولة الاحتلال، حكومة ومعارضة للتأكيد، لا تريد «دولة فلسطينية على أي جزء مهما كان حجمه من أرض فلسطين التاريخية». لذلك هذا الخلاف ليس خاصاً بالرئيس ترامب ولكن مع الإدارة الأميركية التي سبقته أيضاً. أما بشأن قاعدة ترامب الانتخابية وعدم وقوفها إلى جانب إسرائيل، فهذه واحدة من أكبر الأكاذيب لسببين: الأول أن القاعدة الانتخابية للحزب الجمهوري مما يعرف بالإنجيليين الصهاينة هم مؤيدون لإسرائيل. والثاني أن هنالك غالبية في الشعب الأميركي ترفض جرائم دولة الاحتلال في غزة، لكن ذلك لم يمنع لا إدارة بايدن ولا إدارة ترامب من التضييق على الجامعات الأميركية التي تنظم فيها التظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني ولم يمنع ذلك طرد أساتذة الجامعات والطلاب المناصرين للشعب الفلسطيني، ولا من سَن التشريعات المُقيدة لحرية التعبير في الولايات المتحدة. لماذا إذاً كل هذا الحديث «الممجوج» والفجائي عن خلاف بين ترامب ونتنياهو؟ لا داعي للتنجيم هنا. ترامب كان في طريقه «لحصاد اقتصادي خرافي في الإقليم لا يحدث حتى في قصص ألف ليلة وليلة» دون أن يُقدم مقابل ذلك ولو «كيس طحين واحداً لأهلنا في غزة» وكان من الضروري التمهيد لهذا الحصاد، وممارسة الضغوط على المقاومة الفلسطينية لتقديم «ألكسندر عيدان» هديه له تحت مسمى «الخلاف بين الرجلين». وهذا هو أصل حكاية الخلاف غير القائم بين ملكي الولايات المتحدة وإسرائيل. لا نقول إن الرجلين مُغرمان ببعضهما البعض، فلكل منهما «إيغو كبير» لا يسمح بهذا الغرام بينهما. لكن ذلك لا ينعكس خلافاً بينهما في أي من الملفات باستثناء رغبة إسرائيل بالحرب على إيران، ورغبة أميركا بتفاديها. لكن هذا النوع من الخلاف سابق للرئيس ترامب بِعدة رؤساء وهو خلاف من أيام الرئيس جورج دبليو بوش. لعل الأسوأ من كل ما سبق هو تقديم سورية «الشرع» على أنها حققت اختراقاً إستراتيجياً برفع العقوبات الاقتصادية عنها مقابل الوعد بالتطبيع مع إسرائيل ومحاصرة قوى المقاومة الفلسطينية فيها. دعونا نُذكر هؤلاء: لو فعلها نظام الأسد «المخلوع» لكان في الحكم الآن في سورية، ولكان «الشرع» لا يزال مطلوباً كأكبر رجل إرهابي. كم هو بائس ومُخادع هذا الإعلام العربي.