أحدث الأخبار مع #«دارالشروق»

مصرس
منذ 5 أيام
- سياسة
- مصرس
هزيمة 67 وعمرو موسى
نشرت جريدة «الشرق الاوسط» حوارًا مطولًا، الأسبوع الماضى، مع وزير خارجية مصر وأمين عام جامعة الدول العربية (سابقًا) «عمرو موسى»، أجرى الحوار رئيس التحرير «غسان شربل» ونشر عبر أربع حلقات متتالية، من السبت إلى الثلاثاء. فى الأولى منها فتح عمرو موسى النقاش مجددًا حول هزيمة الخامس من يونيو سنة 67 وزعامة جمال عبدالناصر، كان هو وقتها دبلوماسيًا شابًا، جاوز الثلاثين من العمر، متحمسًا للتجربة الناصرية ومتأثرًا بكاريزما (الزعيم) جمال عبدالناصر، كان عضوًا بالتنظيم الطليعى، أى شباب وأبناء النظام المختارين أو المفضلين، أصحاب الحظوة فى الوظائف والمناصب، سعد بالأخبار التى أذيعت عن انتصارات نحققها، بيانات أحمد سعيد الشهيرة عن عشرات الطائرات التى أسقطناها، تصريح وزير خارجية العراق «عدنان الباجة جى» بأننا على أبواب تل أبيب وما إن وصل إلى مبنى الخارجية، حيث مكتبه، كانت البرقيات والبيانات والصور، ترد من أنحاء العالم وكانت على النقيض مما يقال هنا، أكتشف الحقيقة المؤلمة، وهى أننا هُزمنا، وهذا يعنى أنه كانت هناك حالة من الكذب علينا، ساعتها فقد إيمانه بزعامة عبدالناصر وإن لم يفقد حبه له، حتى يومنا هذا.ما ورد فى الحوار يلقى الضوء المكثف على بعض ما ورد سابقًا فى «كتابيه»، مذكرات موسى، التى حررها زميلنا النابه الأستاذ خالد أبوبكر ونشرتها «دار الشروق» فى مجلدين، هناك مجلد ثالث فى الطريق.تحدثت بعد قراءة الحوار مع السيد عمرو موسى مندهشًا من «اندهاشه هو»، فى التاسعة صباح يوم الخامس من يونيو؟من يراجع مذكرات محمود رياض وزير الخارجية سنة 67 يجد أن رياض لم يكن متفائلًا بالحرب منذ بداية الأزمة فى مايو 67، كان رياض يرى الشروخ فى النظام، كانت أشد وضوحًا أمامه سنة 66، نفس الأمر، أشد وضوحًا، فى مذكرات سفيرنا بموسكو وقتها، الوزير فيما بعد، مراد غالب.مذكرات السفير منير زهران أشارت بوضوح إلى رفض وتحذير الفريق القانونى بالخارجية لقرار «طرد» القوات الدولية من شرم الشيخ وإغلاق المضايق أمام السفن الإسرائيلية.الفارق أن عمرو موسى وقتها كان لا يزال شابًا متحمسًا، لنقل منبهرًا.الهزيمة عكست أزمة عميقة فى بنية النظام السياسى لم تكن طارئة ولا عابرة، صحيح أن النظام قدم إنجازات هائلة مثل الشروع فى بناء السد العالى والتوسع فى التصنيع، لكن سياسيًا كانت الأزمة عميقة جدًّا.بدأت الأزمة بعد خروج مصر والنظام منتصرًا فى مواجهة العدوان الثلاثى سنة 1956، والواضح أنه لم تتم دراسة وفهم هذا الانتصار ودروسه، الذى حدث أننا سرنا فى الاتجاه العكسى لتلك النتائج.فى العدوان الثلاثى، لم يتم الحسم عسكريًا، إسرائيل كانت أحدث تسليحًا وأكثر تدريبًا وكان معها مساندة ومشاركة من بريطانيا وفرنسا، فى كل الأحوال فرص إسرائيل فى الحصول على أحدث ما فى ترسانة الأسلحة الغربية تفوق فرص العرب جميعًا، حاليًا إسرائيل الدولة الوحيدة فى المنطقة التى لديها الطائرات (F35)، ويجب أن نكون على وعى تام بذلك.الحل السياسى هو الذى أنقذنا سنة 1956، وأجبر إسرائيل على الخروج من سيناء، وفى السياسة لابد من حساب كل شىء، أُجبرت إسرائيل على الانسحاب فى مقابل السماح لسفنها بالمرور فى القناة مع وجود قوات دولية على الحدود ومن ثم ما كان يصح إخفاء ذلك ولا تغييبه عن الرأى العام المصرى والعربى، ذلك الإخفاء جعل بعض النخب الكارهة لزعامة عبدالناصر تعيّره بالشروط السياسية وتصورها مأخذًا عليه.فضلًا عن ذلك فإن صانع القرار ما كان له أن يلوح بإجراء عسكرى، لمواجهة بعض المزايدين على النظام، التلويح تنتظره إسرائيل وتستثمره.الحسم السياسى جاء من مساندة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى معًا، ولذا كان يجب الحفاظ على علاقات متوازنة ومتواصلة مع القوتين العظميين، لكننا انحزنا إلى الاتحاد السوفيتى، تذكرنا إنذار بولغانين رئيس الوزراء السوفيتى وتجاهلنا تمامًا موقف أيزنهاور.الغريب أنه مع نشوب حرب الهند وباكستان كتب محمد حسنين هيكل مقالًا مطولًا فى أن ما وقع سنة 56، من وقوف الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة معنا مشهد غير قابل للتكرار فى منطقتنا ولا فى أى مكان بالعالم، لذا وجب تجنب التلويح بالعمل العسكرى ما لم تكن هناك ضرورة قصوى لذلك. فى مايو 67، تجاهلتنا تلك الحقائق.على المستوى العربى وقفت معظم الشعوب والدول العربية إلى جوارنا، ومن ثم كان يجب أن نبقى نقطة جامعة للدول العربية، نحرص على علاقات متوازنة مع الجميع، لكننا ذهبنا إلى تقسيم الدول العربية إلى رجعية وتقدمية، ودخلنا فى أزمات وصراعات مع جناح «الرجعية العربية»، وخضنا ما بات يعرف بالحرب الباردة العربية/العربية.تناسينا الموقف العربى وتذكرنا فقط الموقف السورى وفقدنا الكثير من صحافتنا السياسية، مثلًا فى ثورة الجزائر قدمنا دعمًا معنويًا ودربنا البعض وبعثنا بالأسلحة، لكننا مع ثورة اليمن تورطنا بإرسال وحدات عسكرية كاملة، رغم أن ثورة الجزائر كانت ضد الاحتلال الفرنسى، بينما ثورة اليمن فى الأخير كانت صراعًا على السلطة وفى القلب منها كانت صراعًا مذهبيًا، لأسباب كثيرة كان ينبغى أن نبتعد تمامًا، كان يكفى مساندة إعلامية خفيفة أو محدودة.داخليًّا كان الانتصار فى العدوان الثلاثى تأكيدًا على شرعية النظام وأنه لا بديل ولا منافس له، فضلًا عن أن الشارع والرأى العام كان داعمًا وبقوة أثناء العدوان الثلاثى، لذا كان يجب إعادة النظر فى الكثير من الإجراءات التى كانت ضرورية للانتقال من النظام الملكى إلى الجمهورى، ومن أسف أنه تم التوسع فى تلك الإجراءات وإضافة المزيد إليها، بما أدى إلى حرمان النظام من كفاءات كثيرة، وازداد حوله المنبهر والمنافق والانتهازى، فضلًا عن الكاره.الحديث ممتد.


الشرق الأوسط
١١-٠٢-٢٠٢٥
- ترفيه
- الشرق الأوسط
إبراهيم فرغلي: عدت إلى القصة القصيرة لأتحرر من إرهاق الرواية
بعد رصيد من الأعمال الروائية، يعود الكاتب والروائي المصري إبراهيم فرغلي إلى القصة القصيرة من خلال مجموعته «حارسة الحكايات» الصادرة أخيراً عن «دار الشروق» بالقاهرة... وكان فرغلي قد أصدر العديد من الروايات ومنها «بيت من زخرف: عشيقة ابن رشد» و«أبناء الجبلاوي» و«معبد أنامل الحرير» اللتان حصلتا على جائزة ساويرس الثقافية في مصر، كما حصلت روايته «قارئة القطار» على جائزة «نجيب محفوظ» عام 2022، ووصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة «البوكر» العربية. هنا حوار معه حول مجموعته الجديدة ومبررات عودته للقصة القصيرة: ■ تعود إلى القصة القصيرة من خلال «حارسة الحكايات»، بعد مسيرة روائية حافلة، هل تعدها استراحة محارب؟ - خلال كتابة آخر رواية لي «بيت من زخرف» كان ينتابني إحساس أن طموحي في هذه الرواية كبير لدرجة أنني كنت كثيراً ما أشعر بأنني ربما لن أستطيع استكمالها كما أطمح، خاصة مع التحديات التي فرضتها على نفسي فيها بألا تتحول إلى عمل يتناول التاريخ بشكل تقليدي. كانت تتطلب مني الكثير من البحث والتمكن من التقنيات ومستويات اللغة التي كنت مُصراً على أن تعبر عن كل زمن على حدة، وعندما انتهيت منها شعرت بأنني استكملت ما كنت أريده وأنني ربما لن أستطيع أن أكتب شيئاً جديداً، وهذا الشك ربما دفعني لأن أبحث عن نص يُحررني من إرهاق الرواية، فوجدتني أميل تجاه القصة القصيرة التي كتبتها في أوقات متباينة لكنها تتماهى في إطار يجمع بين ثنائية الحلم والواقع، كنت مُصراً أن تكون حالتها متكاملة. ■ من اللافت أن قصص المجموعة متأثرة بالفن السينمائي الذي يبدو حاضراً في مشاهدها... - هذا صحيح، ففي المجموعة قصة بعنوان «سينمافيليا» وفيها يجد البطل في مشاهدته للأفلام دلالات وانعكاسات من نفسه، وفي تلك القصة قدر من التحية للسينما وأثرها علينا، وفي قصة أخرى كان ملهمها الأول فيلم «الأحلام» للمخرج الياباني المعروف «كيروساوا»، ورغم أنني أحب هذا الفيلم كثيراً فإنني تماهيت بمخيلتي مع مشهد فيه لجماعة خارجة من معسكر تواجه «مغارة الأشباح»، حيث يتجمد الزمن ويواجه كل منهم نفسه وأشباحه أو أطيافه، فربما شغلني هذا المشهد لأن فكرة الأطياف ومواجهتها تشغلني في الكتابة، الأطياف التي تمثل الضمائر والذوات التي يواجهها الإنسان وتحكم عليه، تشغلني تلك الحالة الباطنية ومعادلاتها الرمزية بشكل كبير. ■ تواجه القصة القصيرة خلال السنوات الأخيرة تهميشاً في مجال النشر في مقابل الرواية. كيف تنظر لتلك المسألة؟ - أنتمي لجيل كان يرى العكس تماماً، فقد بدأنا بكتابة القصة القصيرة التي كانت هي البطل، وكانت تتسع منابر النشر من المجلات والإصدارات الأدبية المميزة لنشرها، وكانت مساحة كبيرة للمنافسة والتجريب، بالتالي فأساسيات السرد كانت في أرض القصة. كتابتي للرواية كانت مغامرة تلت استيعابي لدروس كتابة القصة القصيرة، فمشروع الرواية له طموحه الخاص، لكن تظل كتابة القصة لها تحدياتها الكبيرة. ■ أعمالك يظهر بها البحث ثيمة رئيسة محركة للسرد، كما حدث في رواية «أبناء الجبلاوي» حيث الأبطال يبحثون عن كاتبهم، أو «معبد أنامل الحرير» حيث يبحث نص عن كاتبه، أو في روايتك الأخيرة «بيت من زخرف». - أعتقد أن هذا الأمر له علاقة بفهمي لفن الرواية، باعتبارها محاولة فنية لفهم النفس البشرية، وفي تقديري هي قائمة على فكرة البحث، ولذلك تستهويني الروايات التي تحمل طابع الرحلة وما يُفاجئ الأبطال على مدارها، أذكر هنا مثلاً رواية «نجمة أغسطس» لصنع الله إبراهيم، في تلك الروايات الثلاث التي ذكرتيها في السؤال كان البحث المصحوب بالخوف من اندثار المعرفة واضحاً ومشتركاً، سواء ما يتعلق بتراث نجيب محفوظ على أنه رمز في رواية «أبناء الجبلاوي»، أو البحث عن مؤلف «مخطوط» في «معبد أنامل الحرير» وتراث ابن رشد في «بيت من زخرف». ■ تقوم بتوظيف الفانتازيا في أعمالك بشكل كبير، في «بيت من زخرف» بدت الفانتازيا أقل استخداماً، فهل فرض موضوع الرواية نفسه على فنيات الكتابة؟ - أتوقف كثيراً عند الزاوية المختلفة التي يمكن أن تنطلق منها كتابتي، وأميل بشكل كبير للمزج بين الواقعي والخيالي، ففي رواية «كهف الفراشات» اعتمدت البنية على التراوح بين الواقعي والخيالي داخل كهف غامض، بما يفتح الباب لقراءة منفتحة على العجائبية، وفي «بيت من زخرف» كانت القيود كثيرة في النص، لكن مع ذلك تسللت الفانتازيا في مشاهد متفرقة كالطيور المتخيلة المحلقة على مشهد جنازة «ابن رشد» وهو المشهد الذي حررني بشكل كبير من فكرة أنني أقدم سيرة تاريخية عن ابن رشد، وكان وسيلة فنية بالتوازي مع تتبع مسار قصة البطل المعاصر، علاوة على التوثيق التاريخي لمعارك الخليفة المنصور وتحريم الفلسفة وغيرها من الوقائع، فالفانتازيا كانت تمنح النص التوازن الفني الذي أريده، وكذلك ظهر في مشهد حلم البحث عن العين المقتلعة. ■ هل كنت تبحث عن مناطق جدلية في سيرة «ابن رشد» بخلق شخصيات متخيلة مثل شخصية «لبنى القرطبية» التي تحبه؟ - أذكر أنني كنت في حوار مع سيدة مهتمة بعلوم الفكر الإسلامي، وكان لديها شغف كبير بابن رشد، تلتها نقاشات كثيرة دفعتني لرحلة بحث طويلة حوله، فقرأت ما كتبه عنه العقاد ومحمد لطفي جمعة، اللذان كانا مستندين تقريباً لنفس المصادر التاريخية القديمة العربية، وقرأت كتاب الدكتور محمد الجابري الذي كانت مصادره أوسع وشروحه أكبر، فوجدت أن الفكرة تتطور وأنني أريد تتبع هذا المشروع، واستعنت بأعمال فرنسية مترجمة، منها كتاب للمفكر جان باتيست برونيه الذي فتح أمامي مساحات مهمة حول مسببات حركات التشدد ضد بعض المفكرين والفلاسفة العرب خلال العصور الوسطى، ولأن ابن رشد لم تُكتب سيرته لذلك قررت أن أواصل هذا المشروع البحثي وبناءه بشكل فني. قصة العشيقة «لبنى القرطبية» كانت بمثابة «سقالة» فنية لطرح سيرة حقيقية، فسواء صدقها القارئ أم لم يصدقها لن يضير سيرة ابن رشد في شيء، فهو لم ترتبط سيرته بوجود قصة حب في حياته، أما الحقيقية فهي أنه نُفي لمدة سنة ونصف، وحضور هذه المرأة هنا كان لتتبع هذا النفي، بالإضافة أيضاً إلى أنها لها حضور رمزي لخطابه المناصر للمرأة في ذلك الوقت. ■ هل لذلك استخدمت لصوت ابن رشد في الرواية ضمير الغائب؟ - بالفعل اخترت ضمير الغائب مع استثناء أجزاء تخيلت فيها طفولته، لأعطي خلفية عامة عن طبيعة المجتمع الأندلسي الذي كان يعيش فيه، ومن حسن الحظ عندما ذهبت إلى قرطبة التاريخية تخيلت الأماكن التي مشى فيها، حتى المحراب الذي كان يؤم الناس فيه لا يزال موجوداً، ورغم أن السنوات أدخلت العديد من التغييرات على المكان فإن عمارة قرطبة فاحشة الجمال، والكثير من الأماكن التي قمت بزيارتها ميدانياً رسمت معالم تخيلي للعالم الذي عاشه. نحتاج إلى جهد في قراءة الأعمال من جانب الناشرين ولجان القراءة والنقاد والقائمين على الجوائز إبراهيم فرغلي ■ ظهر في الرواية استلهام لسيرة الدكتور نصر حامد أبو زيد وكأنها في ظلال ابن رشد؟ - أنا من المؤمنين بأن العودة للتاريخ دائماً يجب أن تكون متصلة بالواقع المعاصر، وأنه يجب أن يكون لتلك العودة مبرر واضح، والدافع للعودة لابن رشد ضرورة، لأننا نحتاج لأفكاره بقوة، فأفكاره وقت الظلام الغربي استطاعت أن تنهض بالغرب من هذا الظلام وتؤسس أفكار الفلاسفة الكبار، مثل كانط وسبينوزا تحديداً، بعد أن قام بنقل الفكر اليوناني لأوروبا بالإضافة إلى الشروح التي كان يطرح بها أفكاره الخاصة التي أحياناً تكون نقداً سياسياً أو اجتماعياً. وتأكيداً على تلك الفكرة صنعت هذا الجسر بين التاريخي والمعاصر، بين مشروع ابن رشد الفقيه والفيلسوف، وبين الدكتور نصر حامد أبو زيد بمشروعه الفكري الضخم، ومع ذلك قصدت عدم الإيغال في الإشارة لنصر حامد أبو زيد بقدر ما طرحت في الرواية رمزاً لحالة نصر حامد أبو زيد من خلال شخصية بطل الرواية أستاذ الفلسفة «سعد الدين إسكندر»، كنت أرى أن المنفى جمعهما، وأن الحكم بالتفريق بينه وبين زوجته كان يحمل إهانة كبيرة كالتي تعرض لها ابن رشد بصور أخرى، فهناك تقاطعات المنفى وإهانة الفكر، وغيرهما من التقاطعات التي تعاملت بها بشكل فني. ■ ما أبرز انطباعاتك عن المشهد الأدبي اليوم؟ - أعتقد أننا لدينا مشكلة في فرز الأعمال، وذلك نتيجة للحالة النقدية الضعيفة التي لا توازي تدفق الأعمال وخاصة الروائية منها، ورغم اجتهاد عدد كبير من الناشرين في اختيار عناوين جيدة فإن هناك حالة من الاستسهال والتفكير في الكتابة بمنطق جماهيري، فقد كان جيلنا يعاني من صعوبة النشر في مقابل سهولة النشر المتاحة اليوم، كما أن هناك تشوشاً يخص فهم الأدب باعتباره منتجاً سردياً وليس مجرد حكاية، فالحكاية مجرد جزء منه، لذلك أصبحنا نجد كتابات تعتمد على الحكاية دون التفات لباقي عناصر الأدب من تقنية ولغة، كما أن مشهد الجوائز صار يعتمد على ذوق لجنة معينة في لحظة معينة، ليس هناك اهتمام حقيقي من جانب اللجان لتتويج كتاب يستحق. نحتاج إلى جهد في قراءة الأعمال من جانب الناشرين ولجان القراءة والنقاد والقائمين على الجوائز.

مصرس
٠٤-٠٢-٢٠٢٥
- ترفيه
- مصرس
صدر لها حديثًا «شباك المنور».. فاطمة الشرنوبي: الفوز بجائزة خيري شلبي شهادة ميلاد ذهبية لىّ
- أعظم ما تعلمته عن الكاتب الكبير إعادة اكتشاف العالم فى أبسط صوره قدمت جائزة خيرى شلبى للعمل الروائى الأول منذ انطلاقها، وعلى مدى خمس دورات العديد من الأقلام الأدبية المميزة، وأخرجت للنور أصوات إبداعية شابة تتطمح لتأسيس مشروع كتابى أدبى يجعل لها مكانًا مميزًا فى دنيا الإبداع، وساهم فى ذلك ارتباط الجائزة باسم الأديب الكبير خيرى شلبى، وبتبنى دار الشروق الجائزة ونشرها للروايات الفائزة بالإضافة أيضًا إلى بعض الروايات التى تزكى من لجان تحكيم الجائزة فى دوراتها المختلفة.فى الدورة الخامسة من جائزة خيرى شلبى للعمل الروائى الأول لعام 2024 فازت الكاتبة فاطمة الشرنوبى بالجائزة عن روايتها «شباك المنور»، وأصدرت دار الشروق الرواية حديثًا.ماذا مثل لك الفوز بجائزة خيرى شلبى للعمل الروائى الأول؟- الفوز بجائزة خيرى شلبى للعمل الروائى الأول كان بمثابة شهادة ميلاد ذهبية لى ككاتبة. خيرى شلبى هو أعظم كتّاب جيل الستينيات وكم هى صدفة جميلة أن تجرى هذا الحوار معى، وأنا أعيش هذه الأيام مع رائعة «وكالة عطية» لشيخ الحكّائين ونصير المهمّشين خيرى شلبى. أن أدرك أننى أحمل جائزة لروايتى الأولى باسم صانع الشوادفى وسيّد (وإن لم يكن قد ذكر اسمه فى الرواية، ولكن اسمه كان كذلك فى المسلسل المأخوذ عن الرواية) ودميانة القرداتية وداية والحانوتى وبدرية وقطيطة أمرٌ يحمّلنى المسئولية كى أُسائل نفسى فى كل مرة أكتب فيها نصًا جديدًا. ولدى العديد من الأصدقاء الذين يحاربون من أجل نشر رواياتهم مع دور نشر عريقة وكبيرة، فإن يأخذنى القدر لأنشر أولى رواياتى مع دار نشر كبيرة بحجم «دار الشروق» يعنى أنه القدر الذى قرّر أن يصاحبنى والحظّ الوفير الذى حظيت به مع تلك الجائزة. و«دار الشروق» هى دار عريقة نشر معها أغلب كبار الكتّاب فى مصر والعالم العربى، وقد حظيت من اليوم الأول فى رحابهم بالاحترام والتكريم والاحتواء شاعرة أنه بيتى الثانى الذى أطمئن إلى التواجد فيه.حدثينى أكثر عن شخصية رقية بطلة الرواية والمشاكل التى تعانى منها؟- رقية ببساطة تمثّل فتيات كُثُر هن بيننا، نلتقى بهنّ فى المدرسة والجامعة والمكاتب والشارع والمواصلات العامة، غير أننا لا نعرف شيئًا عمّا يجرى معهنّ فى أوقات حالكة كالحة غير مرئية للجمهور؛ رقية كأنثى تعرضت لما تتعرض له فتيات كثيرات فى مجتمعنا من سوء معاملة فى المدرسة وفى البيت والشارع وساحات العمل؛ الختان والتحرش وكشف العذرية، إذا شكّ أحد بأمرها، كل ذلك مباحًا ما دام أن المجتمع أعطى الحقّ لنفسه كى يحقّق ويحكم ويجلد ويطهّر ويُؤدّب، تمامًا مثلما صرخت رقية فى سرّها، ولم تكن لها الجرأة بأن تبوح بما يدور فى خلدها، «أنا بخسة حقًّا.. أنا من شأنكم وليسَت لنفسى شأن بى!»، كما وصفت نفسها لاحقًا، قائلة: «كبضاعة رخيصة». رقية عاقبها الزمن مرتين: مرة لأنها أنثى، ومرة من خلال أمها لسِرّ قد انكشف ستاره لها.حدثينا عن فكرة قفزات الزمن بالرواية؟- تقديمًا لنظرة أشمل على حياة رقية وإبرازًا للتغيرات النفسية بفعالية كان لا بدّ من بعض القفزات من نقطة زمنية إلى أخرى بشكل مباشر متجاوزة الفترات الزمنية التى لن تضيف الكثير للحبكة. كانت هذه التقنية، التى كنت أخشاها كثيرًا قبيل الفوز بالجائزة، المفاجأة الكبرى؛ إذ تحولت إلى إحدى أبرز النقاط التى أجمعت لجنة التحكيم على الإشادة بها، فرفعت من مستوى التقييم وجعلت الرواية فى الصدارة.وماذا عن تأثير خيرى شلبى عليك؟- الحروف تعجز عن احتواء هذا الأثر. خيرى شلبى، بسحر قلمه، جعل المستحيل ممكنًا، وحوّل اللا معقول إلى واقع مألوف، وأعاد صياغة العادى، بل شديد العادية، ليغدو فى عينى القارئ قمة فى الإثارة.أراقب البشر من حولى طيلة الوقت: أصواتهم، أنفاسهم، نظراتهم، لغة أجسادهم، كلماتهم، وحتى اهتماماتهم الصغيرة العابرة. كنت أعتقد أن بعض التفاصيل ليست مثيرة بما يكفى لأضمنها فى كتاباتى، أو أن تأثيرها هامشى. لكن حين قرأت بعض أعمال خيرى شلبى، فوجئت بحرفيته المدهشة. كان قادرًا على التقاط أكثر اللحظات بساطة وإضفاء قيمة درامية عميقة عليها، بل ربطها بمجرى الأحداث بسلاسة. بأسلوبه، أعاد تعريف العادى ليصبح استثنائيًا، وتجلت عبقريته فى استغلال اللغة وذائقته الأدبية التى تخطت حدود المتوقع.ربما هذا هو أعظم ما تعلّمته عن خيرى شلبى حتى الآن: إعادة اكتشاف العالم فى أبسط صوره، وتوظيف هذه البساطة بحرفية تجعلها تخطف القلوب وتجذب الأرواح إلى السطور.كيف تفكرين فى القادم؟- أودّ ألا أتكاسل أو أتباطأ فى كتابتى الإبداعية. أعمل منذ شهور على روايتى الثانية التى كتبت منها حتى الآن ما يزيد على 28 ألف كلمة. ستحمل فى طياتها قضايا جديدة غير تلك التى أثرتها فى «شُباك المنور»، كما ستقدم تنوعًا أكبر فى الشخصيات الروائية، ولن تكون الأحداث متمركزة حول شخصية واحدة، وفقط كما كان فى «شُباك المنور».