أحدث الأخبار مع #«شارعالأعشى»

سعورس
منذ 3 أيام
- ترفيه
- سعورس
القراءة المتربصة بين التاريخ والثقافة: تفكيك نقدي
لم يكن هذا الشعور بسبب عضوية الدكتور وليد فحسب، بل لأنه رفعني بذكر اسمي مشكوراً في مقاله (القصيمي متمرد ساخط على المجتمع) الذي جاء تعقيباً على مقال (القصيمي وجرأة التنوير... فروسية فكر بلا سرج ولا لجام)، لكن سرعان ما تلاشى هذا الشعور، حين أدركت موقعي المتواضع، فأنا لست بمستوى الدكتور وليد، ولا أنتمي إلى أي ناد ثقافي أو جمعية أدبية، ولا أحمل أي ألقاب براقة يمكن أن تثير (رهبة الجماهير المثقفة). ثم جاءت لحظة الحقيقة الحاسمة عند مراجعتي لمقالي، فوجدته مجرد نقولات متفرقة، كان أبرزها (دفاع القصيمي عن نفسه أمام خصومه) وهو دفاع يكفي ولا يحتاج إلى إعادة تكرار. أما عن الدكتور وليد أبو ملحة، فإني أرى من المناسب أن يعود إلى كتاب «آفة الحرس القديم» الذي جمعه وأعده علي فايع الألمعي، فربما يجد فيه ما يخرجه من (ظلال الحرس القديم) وهو توجه تأكد لي عند تصفحي لأرشيفه، حيث تفاجأت بمقاله: «شارع الأعشى لا يشبهنا في شيء» الذي يهاجم فيه مسلسلاً مقتبساً عن رواية الدكتورة بدرية البشر «غراميات شارع الأعشى». في نهاية مقاله استخدم عبارة شديدة اللهجة كثيراً ما سمعتها من الحرس القديم: «ليس من حق أي كاتب أو صانع دراما أن ينقل الواقع كما يحب هو أن يكون...» بهذه الجملة، لم يكتف بممارسة الوصاية على المسلسل وكاتبه، بل امتدت إلى القنوات الفضائية نفسها، هل يذكركم هذا بشيء؟ بالنسبة إلي، تذكرت فتوى عام 2008 بقتل ملاك الفضائيات العربية التي استنكرتها وسائل الإعلام العالمية، كما تذكرت كتاب «الحداثة في ميزان الإسلام»، الذي قدم فيه المؤلف نفسه كمتحدث باسم مليار ونصف مسلم، مستخدماً قطعيات تشبه من يرى أنه «الممثل الوحيد للإسلام والنبوة والوحي»، وهي رؤية تجعل حتى «وثيقة مكة المكرمة 2019» عرضة للنقد من هؤلاء بحجة مألوفة نعرفها جيداً: «تمييع الدين وإضعاف الإسلام». لا أنوي تحميل الدكتور وليد أبوملحة وزر (الحرس القديم) فهو إنسان مستمتع بالحياة، والدليل متابعته الدقيقة لمسلسل «شارع الأعشى» رمضان الماضي، دون أن يغير القناة بحثاً عن دراما أكثر انسجاماً مع تحفظاته الدينية والفكرية، بل تابع بشغف، ثم اختتم الشهر بمقال استنكاري، وكأنه بعد الاستمتاع، قرر أن يتمضمض بمقال يندد بالمحتوى الذي تابع تفاصيله حتى النهاية! هذه الظاهرة تذكرني بمفهوم (الاستشراف)، الذي كتب عنه الدكتور فالح العجمي في مقاله (فئات المستشرفين...) بصحيفة اليوم 2017، كما كتب عنه الدكتور عبدالرحمن الشلاش في صحيفة «الجزيرة» بعنوان أشد قسوة، وفي رأيي، أن المستشرف أقرب إلى (متلازمة ستوكهولم) منه إلى (الوعي بتموضعه الفكري). بين البداوة والحضارة أعترف أنني أتعلم (التواضع العلمي والحلم الأخلاقي) من أمثال الدكتور وليد أبو ملحة، لذا أراعي وأتفهم (تعدد الأفهام) بين: (راعي الغنم المثقف) وهو الأقرب للبداوة من أمثالي، وبين (ابن المدينة المترف) وهو الأقرب للحضارة من أمثاله، فالبداوة التهامية تفرض علي (العفوية والصدق) دون حسابات (القراءة المتربصة) التي وصفها محمد زايد الألمعي بدقة حين قال (القراءة المتربصة أسوأ من عدم القراءة، فهي تعيد إنتاج جهلها بوهم أنها قرأت وفهمت، ومن ثم تورط قارئاً آخر في الوهم ذاته). القراءة المتربصة تاريخ طويل، والبحث في تراثنا العربي يكشف جذور (القراءة المتربصة)، التي تعود إلى زمن ابن قتيبة (213 - 276ه) فقد بدأ كتابه «عيون الأخبار» بتحذير واضح ضد هذا النوع من الفهم السطحي للنصوص، قائلاً «فإذا مر بك أيها المتزمت حديث تستخفه.. فاعرف المذهب فيه، وما أردنا به، واعلم أنك إن كنت مستغنياً عنه بتنسكك، فإن غيرك ممن يترخص فيما تشددت فيه محتاج إليه...» لكن هذه النزعة تفاقمت بعد (هجمة المغول 656ه) كمؤشر إلى (الانحطاط الحضاري)، فازدادت معها (سطوة القراءة المتربصة)، التي لا علاقة لها بالنقد الحقيقي، بل هي نوع من (الملاحقة الفكرية) للتراث العربي، بحيث لو استطاعت لحاربت (رسالة الغفران) لأبي العلاء المعري (ت 449ه)، وقبله التوحيدي (ت 414ه) وقبلهما الجاحظ (ت 255ه)، وحتى بعض كتب التفسير التراثية لن تسلم! من يقرأ التاريخ يرى كيف استهدفت هذه النزعة كتباً كثيرة، مثل «رسائل إخوان الصفا» في القرن الرابع الهجري، وحتى «الأغاني» لأبي فرج الأصفهاني (ت 356ه)، فكيف بالنواسي وديوانه (ت 198ه) الذي جمع أخباره ابن منظور (ت 711ه)، بل امتدت لعصور طويلة بدءاً من ابن المقفع (ت 142ه)، جابر ابن حيان (ت 200ه)، الكندي (ت 256ه)، الفارابي (339ه)، ابن الهيثم (ت 430ه)، ابن سيناء (427ه)، وابن رشد (595ه) وغيرهم كثير في التاريخ العربي. (لا نريد عودة الماضي) عزيزي القارئ، لا تدفع نفسك إلى تلك (الأوهام الفكرية)، ولا تتأثر بما عايشته خلال معرض الرياض الدولي للكتاب في سنوات مضت: شجار هنا، صراخ على دار نشر (ملحدة) هناك! حتى (طاش ما طاش) استعرض هذه الظواهر سابقاً. إنها (سنوات لا نريدها أن تعود) ونأمل لمن تأخر في تجاوزها أن يجد (شفاء عاجلاً)، ولمن خلصنا منها أن يزداد قوة وتمكيناً.


الوطن
منذ 3 أيام
- ترفيه
- الوطن
القراءة المتربصة بين التاريخ والثقافة: تفكيك نقدي
الدكتور وليد أبو ملحة يعرف نفسه في تويتر/إكس بأنه (عضو جمعية كتاب الرأي) وهذا بلا شك لقب فخم فاخر مذهل في تميزه وعبقريته، يستحق أن يخلد في سجلات الإنجاز الثقافي! لحظة قراءتي لهذا التعريف، انتابتني قشعريرة مهيبة، ورهبة اعتزاز سمت بي إلى آفاق طه حسين والعقاد من العرب، وامرسون ومونتيني من العجم، وكدت أتوهم أنني أقف على منعطف تاريخي للثقافة العربية! لم يكن هذا الشعور بسبب عضوية الدكتور وليد فحسب، بل لأنه رفعني بذكر اسمي مشكوراً في مقاله (القصيمي متمرد ساخط على المجتمع) الذي جاء تعقيباً على مقال (القصيمي وجرأة التنوير... فروسية فكر بلا سرج ولا لجام)، لكن سرعان ما تلاشى هذا الشعور، حين أدركت موقعي المتواضع، فأنا لست بمستوى الدكتور وليد، ولا أنتمي إلى أي ناد ثقافي أو جمعية أدبية، ولا أحمل أي ألقاب براقة يمكن أن تثير (رهبة الجماهير المثقفة). ثم جاءت لحظة الحقيقة الحاسمة عند مراجعتي لمقالي، فوجدته مجرد نقولات متفرقة، كان أبرزها (دفاع القصيمي عن نفسه أمام خصومه) وهو دفاع يكفي ولا يحتاج إلى إعادة تكرار. أما عن الدكتور وليد أبو ملحة، فإني أرى من المناسب أن يعود إلى كتاب «آفة الحرس القديم» الذي جمعه وأعده علي فايع الألمعي، فربما يجد فيه ما يخرجه من (ظلال الحرس القديم) وهو توجه تأكد لي عند تصفحي لأرشيفه، حيث تفاجأت بمقاله: «شارع الأعشى لا يشبهنا في شيء» الذي يهاجم فيه مسلسلاً مقتبساً عن رواية الدكتورة بدرية البشر «غراميات شارع الأعشى». في نهاية مقاله استخدم عبارة شديدة اللهجة كثيراً ما سمعتها من الحرس القديم: «ليس من حق أي كاتب أو صانع دراما أن ينقل الواقع كما يحب هو أن يكون...» بهذه الجملة، لم يكتف بممارسة الوصاية على المسلسل وكاتبه، بل امتدت إلى القنوات الفضائية نفسها، هل يذكركم هذا بشيء؟ بالنسبة إلي، تذكرت فتوى عام 2008 بقتل ملاك الفضائيات العربية التي استنكرتها وسائل الإعلام العالمية، كما تذكرت كتاب «الحداثة في ميزان الإسلام»، الذي قدم فيه المؤلف نفسه كمتحدث باسم مليار ونصف مسلم، مستخدماً قطعيات تشبه من يرى أنه «الممثل الوحيد للإسلام والنبوة والوحي»، وهي رؤية تجعل حتى «وثيقة مكة المكرمة 2019» عرضة للنقد من هؤلاء بحجة مألوفة نعرفها جيداً: «تمييع الدين وإضعاف الإسلام». لا أنوي تحميل الدكتور وليد أبوملحة وزر (الحرس القديم) فهو إنسان مستمتع بالحياة، والدليل متابعته الدقيقة لمسلسل «شارع الأعشى» رمضان الماضي، دون أن يغير القناة بحثاً عن دراما أكثر انسجاماً مع تحفظاته الدينية والفكرية، بل تابع بشغف، ثم اختتم الشهر بمقال استنكاري، وكأنه بعد الاستمتاع، قرر أن يتمضمض بمقال يندد بالمحتوى الذي تابع تفاصيله حتى النهاية! هذه الظاهرة تذكرني بمفهوم (الاستشراف)، الذي كتب عنه الدكتور فالح العجمي في مقاله (فئات المستشرفين...) بصحيفة اليوم 2017، كما كتب عنه الدكتور عبدالرحمن الشلاش في صحيفة «الجزيرة» بعنوان أشد قسوة، وفي رأيي، أن المستشرف أقرب إلى (متلازمة ستوكهولم) منه إلى (الوعي بتموضعه الفكري). بين البداوة والحضارة أعترف أنني أتعلم (التواضع العلمي والحلم الأخلاقي) من أمثال الدكتور وليد أبو ملحة، لذا أراعي وأتفهم (تعدد الأفهام) بين: (راعي الغنم المثقف) وهو الأقرب للبداوة من أمثالي، وبين (ابن المدينة المترف) وهو الأقرب للحضارة من أمثاله، فالبداوة التهامية تفرض علي (العفوية والصدق) دون حسابات (القراءة المتربصة) التي وصفها محمد زايد الألمعي بدقة حين قال (القراءة المتربصة أسوأ من عدم القراءة، فهي تعيد إنتاج جهلها بوهم أنها قرأت وفهمت، ومن ثم تورط قارئاً آخر في الوهم ذاته). القراءة المتربصة تاريخ طويل، والبحث في تراثنا العربي يكشف جذور (القراءة المتربصة)، التي تعود إلى زمن ابن قتيبة (213 - 276هـ) فقد بدأ كتابه «عيون الأخبار» بتحذير واضح ضد هذا النوع من الفهم السطحي للنصوص، قائلاً «فإذا مر بك أيها المتزمت حديث تستخفه.. فاعرف المذهب فيه، وما أردنا به، واعلم أنك إن كنت مستغنياً عنه بتنسكك، فإن غيرك ممن يترخص فيما تشددت فيه محتاج إليه...» لكن هذه النزعة تفاقمت بعد (هجمة المغول 656هـ) كمؤشر إلى (الانحطاط الحضاري)، فازدادت معها (سطوة القراءة المتربصة)، التي لا علاقة لها بالنقد الحقيقي، بل هي نوع من (الملاحقة الفكرية) للتراث العربي، بحيث لو استطاعت لحاربت (رسالة الغفران) لأبي العلاء المعري (ت 449هـ)، وقبله التوحيدي (ت 414هـ) وقبلهما الجاحظ (ت 255هـ)، وحتى بعض كتب التفسير التراثية لن تسلم! من يقرأ التاريخ يرى كيف استهدفت هذه النزعة كتباً كثيرة، مثل «رسائل إخوان الصفا» في القرن الرابع الهجري، وحتى «الأغاني» لأبي فرج الأصفهاني (ت 356هـ)، فكيف بالنواسي وديوانه (ت 198هـ) الذي جمع أخباره ابن منظور (ت 711هـ)، بل امتدت لعصور طويلة بدءاً من ابن المقفع (ت 142هـ)، جابر ابن حيان (ت 200ه)، الكندي (ت 256هـ)، الفارابي (339هـ)، ابن الهيثم (ت 430هـ)، ابن سيناء (427هـ)، وابن رشد (595هـ) وغيرهم كثير في التاريخ العربي. (لا نريد عودة الماضي) عزيزي القارئ، لا تدفع نفسك إلى تلك (الأوهام الفكرية)، ولا تتأثر بما عايشته خلال معرض الرياض الدولي للكتاب في سنوات مضت: شجار هنا، صراخ على دار نشر (ملحدة) هناك! حتى (طاش ما طاش) استعرض هذه الظواهر سابقاً. إنها (سنوات لا نريدها أن تعود) ونأمل لمن تأخر في تجاوزها أن يجد (شفاء عاجلاً)، ولمن خلصنا منها أن يزداد قوة وتمكيناً.


الوطن
١٤-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- الوطن
رواية حقيقية من الزمن الماضي
لفتت نظري مقالة كتبها أخي عبدالله العامري تحت عنوان «رواية الأعمى»، التي تدور حول المسلسل الدرامي الذي عُرض طيلة شهر رمضان المبارك الموسوم بـ«شارع الأعشى». كان مسلسلا مستوحى من رواية " غراميات شارع الأعشى" ، وقد أبدع ممثلوه في أدوارهم على أكمل وجه، وهذا دليل على تقدم أبناء الوطن في كل المجالات، ومن ضمنها كتابة الرواية والتمثيل. لكن هناك بعض الملاحظات، وهي ما ذكرها أخي في مقالته، منها المبالغة في تجاوز العادات والتقاليد، والنخوة والرجولة في آبائنا وأمهاتنا وبناتنا بتلك الحقبة، وكذلك التعتيم على الجانب المشرق الذي كان الحياء غطاء وسترا له، وكانت القيم هي الركيزة الأساسية في التربية والتوجيه، مع أن المجتمع في ذلك الزمن كان ليس مجتمعا ملائكيا، لا توجد لديه أخطاء، فالأخطاء واردة في كل زمان، والبشر ليسوا معصومين من الخطأ، ولكن المسلسل فيه إجحاف لدور الأب والأم في تربية أبنائهم على القيم والمبادئ. كما أن العشق والغزل موجودان على مر العصور، ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك، لكن كان في حدود الحشمة والأدب، وبنات ذلك الجيل، حتى وإن أجحف عليها أهلها، من الحجر عليها أو تزويجها بمن لا تريده، فإنها تلجأ إلى العقلاء من الأسرة أو القبيلة، لإنهاء المشكلة وإعطائها حقها. أما الهروب مع العشيق فلا يوجد في قاموسهن، ولا الخنوع لضعاف النفوس. لم نسمع من الواقع عن قصص كهذه التي عرضت في المسلسل، فكل أفراد الأسر لديهم شجاعة وعفة وشرف وصدق، لذلك على من يكتبون الروايات الرجوع إلى ثقافة المجتمع في ذلك الوقت، وأخذها من مصادرها، وعدم مزج هذه الروايات بما لا يليق بتاريخ آبائنا وأجدادنا المشرق. قد تكون هذه العادات موجودة في أماكن أخرى لا علاقة لها بتاريخنا العريق.. الآباء والأمهات كان دورهم عظيما في التربية وتوجيه أبنائهم. من المهم جدًا للأجيال الجديدة أن تتعرف على تلك المرحلة من تاريخ آبائهم وأجدادهم التي تكشف لهم عن وجه جديد عن ماضيهم الذي ليس كله كما يعتقدون تشددا فكريا، ونساء خاضعات، وفنونا محاربة، ومواهب مقموعة، ورجالا يتدخلون في خصوصيات الناس. حقيقة أن هناك جوانب إيجابية يجب أن تُعطى حقها، وأن يتعرف هذا الجيل عليها عن طريق الإعلام المقروء والمسموع والمُشاهد.. يجب على الكاتب أن يبحث في ملامح تلك الفترة وليس عن أُناسها وعرباتها وبيوتها وأحداثها المفصلية، بل عن كل شيء في تلك الفترة، لأن الكتابة عن صفحة من أعماق بعيدة لم نعشها تحتاج جهدًا بحثيًّا يضاهي جهد كتابة فصل كامل أو أكثر من رواية يومية واقعية، لذا لا بد أن نفرّق بين الرواية الحقيقية من الزمن الماضي والرواية التي من الخيال!!


الوطن
٠٩-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- الوطن
شارع الأعشى لا يشبهنا في شيء
تؤدي الدراما دوراً مهماً وفعالاً في أي مجتمع، خصوصاً من خلال التلفزيون. فالدراما الحقة تسعى إلى المساهمة في بناء المجتمعات وتشكيل الوعي، وإرساء القيم الأخلاقية والثقافية، فهي بالتالي تعكس الواقع الاجتماعي وقضاياه بأمانة وموضوعية، من دون إسقاطات وغموض وتبني وجهات النظر الشخصية للمؤلف وصناع العمل، وهذا يستوجب تحليهم بالمسؤولية الأخلاقية لضمان تقديم محتوى يثري المجتمع ولا يفسده، والحذر من السقوط في فخ الإثارة الرخيصة والمشاهد المفتعلة الفجة. كما يجب أن تراعي الأعمال الدرامية خصوصية المجتمعات التي توجه لها تلك الأعمال، فلا تروج لما يتعارض مع القيم الأخلاقية والثقافية والدينية والاجتماعية لهذا المجتمع، واحترام نمط حياته وقيمه الأسرية. ومن المهم أن تكون الدراما صادقة في تصوير الواقع، وألا تحاول أن تكون جاذبة ومثيرة لاهتمام المتلقي، فتسعى إلى التوظيف السيئ للقضايا الساخنة كالجريمة والفقر والاضطهاد والتطرف وقضايا المرأة. فالمرأة في معظم هذه الأعمال الدرامية تقدم بصورة نمطية وسطحية ومشينة ومشوهة، بعيداً من المعالجة الموضوعية والرؤية العميقة الحقيقية لإبراز أي إشكالية تحوم حولها. المرأة يجب أن تقدم عبر أدوارها الحقيقية والملهمة في المجتمع، بدلاً من وضعها في قالب الضحية والمستضعفة والمستغلة والعاشقة وسط كبت عاطفي مفتعل وسطوة ذكورية مبالغ فيها، فنحن في حاجة إلى قدوات ملهمة. وهذا لا يعني عدم وجود جوانب سلبية، ولكن يجب أن تناقش في إطارها الحقيقي، من دون الذهاب للتجاوزات والتضخيم غير المبرر. محاذير وخطورة الدراما التلفزيونية أنها تخاطب شريحة كبرى في المجتمع، معظمهم من الشباب والمراهقين والأطفال، فكان لا بد أن تسهم في بناء شخصيات واعية بينهم، وأن تعزز قيماً عالية كالصدق والتعاون والتكافل والتسامح وغيرها، وتؤدي في محصلتها لرسالة إيجابية تسهم في التغير الإيجابي. ما ذكرناه آنفاً لا يعني تقييداً للإبداع والحريات، بل هو توجيه نحو إنتاج أعمال تثري العقول وترتقي بالمجتمعات، فالدراما لم تعد وسيلة للترفيه، بل قوة ناعمة لا يمكن إغفالها، تسهم في تشكيل وعي الأفراد والمجتمع. أخيراً عرض على شاشة إحدى القنوات التلفزيونية مسلسل بعنوان «شارع الأعشى» وهو مأخوذ عن رواية «غراميات شارع الأعشى» للكاتبة بدرية البشر، ولا أدري لماذا جاء مسمى العمل الدرامي منقوصاً من مسماه الغرامي الأصلي، على رغم أن محوره وأهم تفاصيله تدور في فلك غراميات شخصياته الرئيسة؟! لن أدخل في دهاليز النقد الأدبي، ولكنني سآتي على سياق العمل وأفكاره الأساسية وتطوره الزمني والتشريح لشخصياته الرئيسة والتحولات المجتمعية التي أشار إليها العمل الذي ترصد أحداثه الفترة من 1976 حتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي. وهذه الفترة تحديداً تسمى «زمن الطفرة الأولى» التي شهدت نهضة تنموية ضخمة، ولكن هذا لا يعني أننا بدأنا مع هذه الطفرة من الصفر، بل كنا نعيش قبلها مراحل تطور كبيرة في كل المجالات، ولكن هذه الطفرة شهدت نقطة الذروة في التحولات المادية. ففرحة الأسرة بالتلفزيون في المسلسل كانت غير مقبولة ومفتعلة، فالتلفزيون دخل الرياض منذ منتصف الستينيات، ولكن البث الملون دخل في ذلك العام. والرياض كانت تعيش منذ منتصف السبعينيات مداً هائلاً في كل المجالات العمرانية ومخططاتها الحديثة والبنية التحتية العملاقة، والتقدم العلمي والمهني، والحراك الثقافي والإعلامي المميز، بل إن كل مظاهر الحداثة العصرية كانت حاضرة في شوارع الرياض وأسواقها. كل هذا والحي الحاضر في المسلسل غائب عن المشهد الحضاري تماماً، لا يتحرك قيد أنملة لمواكبة التحولات العملاقة التي تعج بها كل أركان المدينة. وإن قال قائل «ولكن الأحياء الشعبية كانت بعيدة بعض الشيء عن هذا التغير» نقول: إن هذا التغير الحتمي طال الجميع ولو بتغير نال من نمط حياتهم المادية أو الاجتماعية، بل إن عديداً من سكانه انتقلوا إلى أحياء أخرى، وهذا ما حدث لمن رصد تلك الحقبة. ثم لنذهب إلى «الأعشى»، فلماذا اختيار هذا الاسم بالذات؟ واجتهاداً مني أقول: إن الاسم له تعليلان أحدهما اسم الشاعر (الجاهلي) الأعشى؟ والآخر يذهب إلى المعنى اللغوي الذي يعبر عن الشخص ضعيف البصر الذي لا يرى ليلاً. فهل تريدنا الكاتبة أن نصل إلى حقيقة أن مجتمعها الروائي كان متخبطاً في خطواته، وناقص البصر والبصيرة، محاولاً الوصول إلى التحول الحقيقي الذي يصل به إلى فهم الحياة بواقعها الطبيعي كما تريد الكاتبة؟ ولهذا كان (التمرد) هو المحرك الحقيقي لكل أحداث العمل وشخصياته، التي تتطلع لكسر القيود الاجتماعية والثقافية والدينية، والتي تحول دون حدوث هذا التحول الإيجابي المزعوم؟ فشخصية (عزيزة) المراهقة المولعة بالأفلام المصرية، وتحاول التماهي مع شخصيات بطلاته والتمرد على واقع مجتمعها الذي يحول بينها وبين الانطلاق في سماء أحلامها، ولتأثرها بتلك الثقافة. فهي تقع في غرام طبيبها المصري وتطارده، والغريب أن الطبيب هو من أسدل الستار على تلك العلاقة، معتمداً على بقية لديه من قيم ومبادئ امتلكها وافتقدتها تلك الفتاة اللعوب التي ما فتئت بعد ذلك في التنقل من غرام لآخر حتى نهاية الرواية. لتمتد الروح الثائرة المتمردة إلى أختها (عواطف) التي اتخذت من «السطوح» مرتعاً لغرامياتها مع ابن الجيران، على الرغم من أن سطوح منازل ذلك الزمان كانت ورقة مكشوفة لكل الجيران. ولا تنجو أسرة (وضحى) المرأة البدوية القادمة من مجتمع أكثر محافظة وتمسكاً بالعادات والتقاليد الأصيلة، من إصابة أسرتها بفيروس التمرد عبر ابنتها (مزنة) التي تقع في غرام شاب فلسطيني، تتزوجه والهجرة من دون موافقة أسرتها، وليمثل ابنها (ضاري) النموذج الذكوري للتمرد، الذي طال والدته وإدارة مدرسته ومجتمعه الصغير. وتستمر الرواية في التشريح المجحف ليطال كينونة المجتمع بأكمله، الذي يعيش حالة عامة من التطرف الأسري والاجتماعي والثقافي والديني. في حالة التطرف الديني ارتكزت الكاتبة على «حادثة الحرم الشهيرة» منطلقاً لهذا التطرف بل أشارت إلى مسايرة تلك التوجهات المتطرفة عبر تشديد الرقابة بعد ذلك الحادث. وجميعنا يعرف أننا تجاوزنا تبعات تلك الحادثة سريعاً، وكانت هناك أحداث أخرى مهمة في ما بعد أدت إلى التطرف مثل حرب أفغانستان وظهور «القاعدة» و«داعش» وكل ذلك تجاوزته بلادنا- حفظها الله تعالى- سريعاً، وكان تأثيره وقتياً، ولم يعد له أثر بعد ذلك. في هذا العمل وسم المجتمع بعادات وسلوكيات بغيضة كتسيد النميمة والغيبة والتلصص على أسرار البيوت، بل إن المقهى الشعبي الحاضر بقوة في أحداث المسلسل، ظهر كمقر للغيبة والدسائس والمشاجرات بين أهل الحي، وغابت الحقيقة التي يعلمها الجميع حول شخصية مقاهي تلك الفترة التي اتصفت بكونها مكاناً للألفة وتبادل الأخبار وتفقد أحوال الجيران، ومنطلقاً للمبادرات الاجتماعية الخيرية. لقد حولت الكاتبة مجتمع الحي إلى مادة تجريدية صماء، صالحة لأي تحليل غير منطقي، ولهذا لم يظهر المجتمع في العمل على حقيقته من البساطة والبراءة والفطرة السوية، وعلى طيبة أهله وأصالتهم وتكاتفهم. وجميع من عاشوا تلك الحقبة يعلمون كيف كانت تفاصيل حياتهم السوية، وكيف أن شرف وسمعة أي فتاة في الحي، شرف وعفة للجميع، على الكل الدفاع والذود عنه، وكيف أن معيار الشرف والنخوة والشهامة والأصالة والصفات الحميدة كافة، كانت في حدها الأعلى. فهل يعقل أن عملاً ترجم إلى التركية ثم إلى الإنجليزية ليعود عربياً ثم يظهر برؤية مخرج وكتاب سيناريو أتراك، ثم يأتي من يقنعنا أن هذا هو واقعنا الذي كنا نعيشه! وكأننا كنا نعيش حالة غيبوبة جبرية في وقت غفا فيها زمن أرادوه لنا؟ باختصار هذا العمل لا يشبهنا في شيء، وليس من حق أي كاتب أو صانع للدراما أن ينقل الواقع كما يحب هو أن يكون، وليس كما هو على حقيقته.

سعورس
٠٩-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- سعورس
الدراما السعودية تنافس عربياً في تحليل المحتوى الرقمي
وتضمنت تقرير النتائج الرئيسة رصدا للتحول في توازنات القوى داخل مشهد الإنتاج الدرامي محافظة الإنتاج في مصر على ريادتها بنسبة 21 % من المحتوى الرمضاني، وصعود المملكة العربية السعودية بقوة من خلال تصوير تسعة مسلسلات كبرى في الرياض ، والذي يشير إلى تطور كبير في هذه الصناعة. بينما ساهمت العراق في زيادة نشاطها الدرامي بنسبة 14 %، مما يؤكد على تنوع مصادر المحتوى هذا العام. وقد استمر إنتاج المسلسلات المكونة من 15 حلقة، والتي مثلت 57 % من إجمالي عدد المسلسلات، مقارنةً بنسبة 43 % في العام الماضي، مما يشير إلى تفضيل الجمهور لأسلوب السرد المؤثر سريع الإيقاع، وفي الوقت نفسه، خاضت الإنتاجات الخليجية تجربة تقديم مزيج متنوع من الدراما الاجتماعية والإثارة والكوميديا، لتلبية تفضيلات الجمهور المتغيرة. ويسلط التقرير الضوء على احتلال المنصات الرقمية مركز الصدارة، من خلال أعمال حصرية مثل «الشرنقة» على منصة و»وحوش»، و»الحلانجي»، مما يعزز التفاعل الرقمي، وتصدرت المسلسلات المصرية المناقشات عبر الإنترنت، حيث تمت الإشارة إلى تلك الأعمال بمعدل 72 ألف مرة، وبلغ عدد مرات الظهور لمتصفحي الإنترنت 18.6 مليار انطباع وسجلت 2.9 مليون تفاعل، مما يعكس التأثير الثقافي العميق للمحتوى الرمضاني. كما حصلت الإنتاجات الخليجية على 32 ألف إشارة، مما يوضح انتشار هذه الأعمال عبر الإنترنت والذي حقق خمس مليارات انطباع، و660,900 تفاعل، الأمر الذي يشير إلى وجود حوارات مكثفة على المنصات الرقمية، وظهور كبير وتفاعل نشط من الجمهور. كما كان تداخل المواهب الفنية سمة مميزة لرمضان 2025، حيث ظهر الموسيقيون، وفنانو الكوميديا الارتجالية، والمؤثرون الرقميون في إنتاجات رئيسة. ففي المملكة العربية السعودية، شهد مسلسل «شارع الأعشى» تكاملاً قويًا مع «TikTok» من خلال صناع المحتوى الرقمي، بينما في مصر، لعب مغني الراب فليكس دورًا في مسلسل «ولاد الشمس»، وأدى فنان الكوميديا الارتجالية عبد الرحمن محمد دورًا رئيسًا في مسلسل «النوة». وشهد الموسم أيضًا مناقشات كبرى على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أثارت بعض الأعمال الدرامية مثل «لام شمسية» الجدل حول التحرش بالأطفال، كما تعرض مسلسل «وحوش» لمساءلات قانونية. ويستند التقرير إلى البيانات التي تم جمعها في الفترة من 20 فبراير إلى 24 مارس، والتي رصدت حالة الترقب قبل رمضان وزيادة التفاعل الأوَلِي. باستخدام أداة «Mention Analytics»، والذي تابع التقرير بدقة المناقشات عبر وسائل الإعلام التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي وخدمات البث الرقمي لتقديم تحليل شامل لمشاعر الجمهور وتفاعله طوال فترة رمضان. وفي تعليقها على هذه الدراسة، صرحت مي أباظة، بأن تقرير رمضان 2025 ليس مجرد تحليل للاتجاهات، بل هو أداة استراتيجية لاستطلاع السوق. لذلك قمنا بمسح دقيق لمنظومة الترفيه الرمضاني، واكتشفنا من خلاله التحولات التي طرأت على سلوك الجمهور واستهلاك المحتوى. إذ نقدم رؤانا المستندة إلى البيانات ميزة تنافسية واضحة تمكن قادة شركات الإنتاج الترفيهي من فهم ما يحدث في موسم رمضان، بل والتخطيط بشكل استباقي في المستقبل، والاستفادة من تحليلنا المواكب لوقت العرض لتحقيق أقصى قدر من التأثير وبناء علاقات دائمة مع الجمهور. مضيفةً: «شهدنا هذا العام تطورًا في سرد الدراما الرمضانية. ولمسنا بشكل مباشر كيف أن الروايات المقنعة، المدعومة باستراتيجيات رقمية ذكية وموسيقى مؤثرة، أصبحت أهم عوامل النجاح وسط هذه المنافسة الشديدة. لم تعد الدعاية المبكرة وبناء استراتيجية والتأثير المشهود لوسائل التواصل الاجتماعي وتفضيل المحتوى الرقمي القصير مجرد اتجاهات، بل إنها قواعد المشاركة الجديدة، وهذا بالضبط ما سيشكل مستقبل سرد القصص الترفيهية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». الانتشار الواسع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ل«شارع الأعشى» يوميات رجل عانس حقق أرقاماً قياسية في تقرير المحتوى الرقمي مسلسل «أم 44» تم تصويره في مدينة الرياض