أحدث الأخبار مع #«مارشال»


العرب اليوم
٠٧-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- العرب اليوم
الترامبية المتهورة.. الرسوم الجمركية وما بعدها!
بدا مشهد الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، وهو يستعرض فى حديقة البيت الأبيض أمرا تنفيذيا يفرض بموجبه رسوما جمركية غير مسبوقة على واردات بلاده من دول العالم موحيا بنهاية عصر كامل تجاريا واستراتيجيا فى العلاقات الدولية. تكاد تؤسس الرسوم الجمركية، التى شملت الحلفاء والخصوم على حد سواء، لقطيعة شبه كاملة مع إرث ما بعد الحرب العالمية الثانية، التى خرجت الولايات المتحدة من تحت أنقاضها قوة عظمى تقود تحالفا غربيا واسعا على جانبى المحيط الأطلسى فى مواجهة تحالف آخر يقوده الاتحاد السوفيتى. فى (9) نوفمبر (1989) انهار جدار برلين وبدأ السقوط السريع للاتحاد السوفيتى والمنظومة الاشتراكية وذراعها العسكرية حلف «وارسو» الذى كان يقابل حلف «الناتو». فى شريط سينمائى ألمانى أنتج عام (٢٠٠٣) باسم «وداعا لينين» لخص مشهدا واحدا بعض تراجيديا ما جرى بعد انهيار الجدار. كانت هناك مروحية تحلق فوق برلين متدليا منها بحبال من صلب تمثال ضخم لزعيم الثورة البلشفية ومفكرها الأكبر «فلاديمير لينين»، بينما ناشطة فى الحزب الشيوعى الألمانى تؤمن بأفكاره ترقب المشهد غير مصدقة. مالت المروحية قليلا فبدت حركة التمثال كأن «لينين» يمد يده للناشطة الألمانية المصدومة بالمصافحة الأخيرة. أراد الشريط السينمائى أن يقول إن كل شىء قد انتهى. إثر انهيار القوة العظمى السوفيتية طرح سؤال: هل تنتظر القوة العظمى الأمريكية مصيرا مماثلا؟ استبعد «فرانسيس فوكوياما» بأطروحته «نهاية التاريخ» السؤال بحمولاته الاستراتيجية، فالتاريخ قال كلمته الأخيرة، بعدما وصل إلى نقطة النهاية للتطور الاجتماعى والثقافى والسياسى للإنسان. بقوة الحقائق تراجعت مقولات «فوكوياما» إلى الهامش وتبدد مفعولها بعدما استغرقت سجالات ونقاشات لوقت طويل نسبيا. بعد نهاية الحرب الباردة أعادت أزمات النظام الدولى طرح السؤال حتى وصلنا إلى أزمة الرسوم الجمركية. يردد صحفيون ومفكرون أمريكيون الآن بصيغ عديدة: «وداعا لأمريكا التى نعرفها». إنه انقلاب استراتيجى كامل على إرث ثمانية عقود تلت الحرب العالمية الثانية. كان «هارى ترومان»، الذى صعد للبيت الأبيض من موقع نائب الرئيس إثر وفاة «فرانكلين روزفلت» قبيل انتهاء الحرب، أول من أسس للقوة الأمريكية فى بنية نظام دولى جديد تنازعت القوة فيه مع الاتحاد السوفييتى. ضرب «هيروشيما» و«نجازاكى» اليابانيتين بالقنابل الذرية لتسريع إنهاء الحرب كانت تلك جريمة تاريخية لا تغتفر لترهيب العالم بأسره.. غير أن حصول الاتحاد السوفيتى على الرادع النووى صاغ معادلات جديدة فى موازين القوى بين المعسكرين المتضادين. أطلق «ترومان» مشروع «مارشال» لإعادة بناء أوروبا بعد الحرب، لم يكن ذلك عملا خيريا بقدر ما كان لازما لاستيفاء مقومات القيادة، وهو ما يغيب عن إدراك «ترامب». أشرف على إنشاء حلف «الناتو» كذراع عسكرية للتحالف الغربى، الذى يضيق به «ترامب» بذريعة أعبائه المالية على الموازنة الأمريكية. مقارباته تنزع عن أمريكا أسس صعودها، فيما يردد دون كلل: «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»! بتشبيه لافت للكاتب «توماس فريدمان» فى الـ«نيويورك تايمز» فإن: «أمريكا أصبحت عظيمة بسبب الأشياء التى يكرهها ترامب». يصعب حصر التفاعلات فى حدودها التجارية ومدى تأثيرها على الاقتصادات الدولية. المسألة فى صميمها تتعلق بمستقبل القوة الأمريكية ومستقبل النظام الدولى نفسه. هذه لحظة انكسار فادحة لأية قوة معنوية، أو سياسية منسوبة للولايات المتحدة. بدا تبادل الاتهامات الحادة بين الحلفاء المفترضين مؤشرا على قرب انفضاض الشراكة التاريخية عبر ضفتى الأطلسى بين الولايات المتحدة والقارة الأوروبية. أوروبا تبحث بجدية عن وحدة موقف فى وجه الرسوم الأمريكية تتصدرها فرنسا وألمانيا. دول حليفة أخرى اعتبرت الرسوم الأمريكية عملا عدائيا يستدعى الرد بالمثل. أطلق «ترامب» على اليوم الذى أعلن فيه الارتفاعات غير المسبوقة فى الرسوم الجمركية «يوم التحرير» قاصدا تحرير الاقتصاد الأمريكى من البضائع الأجنبية!.. دون أن يدرك مغبتها على مستقبل الاقتصاد الأمريكى نفسه. فى يوم واحد خسرت الأسهم الأمريكية أكثر من تريليونى دولار، وعانت البورصات العالمية خسائر تاريخية فادحة. بتحذير مسبق كتب «فريدمان»: «إذا قمت بتدمير النظام العالمى فجأة بدون خطة واضحة باستثناء انتقام اليمين المتطرف فاستعد لرؤية ما يحدث للجميع». بمصادفات التوقيت تماهى «ترامب» فى تضامنه مع زعيمة اليمين الفرنسى «مارين لوبان» إلى حد اعتبار الأحكام القضائية التى تمنعها من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة تماثل ما تعرض له من ملاحقات عليها قرائن وأدلة. ثم كان إقدام رئيس الوزراء المجرى «فيكتور أوربان» أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» على الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية بذريعة أنها مسيسة ومعادية للسامية تعبيرا آخر عن وحدة اليمين المتطرف فى أمريكا وإسرائيل وفرنسا والمجر فى لحظة تاريخية واحدة. أسوأ ما يعلق الآن بصورة الولايات المتحدة أن رئيسها أصبح زعيما لليمين المتطرف لا للعالم الحر حسب التوصيفات القديمة. خشية أن تفضى ردات الفعل الاقتصادية والسياسية إلى الإضرار الفادح بالمصالح الأمريكية دعا وزير الخزانة «سكوت بيسنت» عبر محطة «سى. إن. إن»: «اهدأوا وخذوا نفسا عميقا، ودعونا نرى إلى أين تتجه الأمور لأن الرد الانتقامى سيؤدى إلى التصعيد». إنها محاولة لامتصاص الغضب المتصاعد فى أنحاء العالم، وإبداء نوع من الاستعداد للتفاوض والتراجع كما اعتادت «الترامبية المتهورة» عندما تواجه بالردع لا الإذعان.

سرايا الإخبارية
١٧-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- سرايا الإخبارية
د. أحمد بطّاح يكتب: هل يغيّر ترامب «مُسلَّمات» السياسة الخارجية الأميركية .. ؟!
بقلم : منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945 تبنت الولايات المتحدة تحالفات معينة نابعة من مصالحها، ومن منظومتها القيمية ورسالتها التي تراها لنفسها، ولعل أهم هذه التحالفات التي ظلت راسخة وبغض النظر عن تغّير الرؤساء والإدارات: أولاً: الانتظام في حلف «الناتو» والإسهام الرئيسي في موازنته، بل وتشكيل الثقل الأساسي فيه، وغني عن القول إن هذا الحلف كان يضم عند إنشائه معظم دول أوروبا الغربية بالإضافة إلى الولايات المتحدة أما الآن فهو يضم (32) دولة بعد انضمام فنلندا والسويد مؤخراً إليه. ثانياً: التحالف مع أوروبا الغربية أولاً ثم كل أوروبا (الغربية والشرقية) بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، والواقع أن هذا التحالف تعمّد بالدم عندما دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية مُلقيةً بكل ثقلها العسكري والاقتصادي إلى جانب أوروبا (بريطانيا، فرنسا،....)، وقد شفعت ذلك بدعم اقتصادي هائل بعد الحرب من خلال مشروع «مارشال» لإنقاذ أوروبا من الدمار والخراب، ولم يشمل هذا الدعم دول الحلفاء من أوروبا (بريطانيا وفرنسا) فقط بل شمل حتى الدول الأوروبية التي شكلت «دول المحور» المعادي خلال الحرب العالمية الثانية مثل ألمانيا وإيطاليا. ثالثاً: معاداة الاتحاد السوفياتي سابقاً وروسيا لاحقاً حيث اعتبرت الولايات المتحدة الاتحاد السوفياتي خطراً استراتيجياً عليها، ولم يختلف الأمر كثيراً بعد أن خلفت روسيا الاتحاد السوفياتي بعد سقوطه في عام 1991، حيث ظلت الترسانة النووية الهائلة التي كان يملكها الاتحاد السوفياتي في يد روسيا (6.000 رأس نووي إستراتيجي)، وحيث ظلت روسيا عدواً مُفترضاً بالنسبة للدول الأوروبية حليفة الولايات المتحدة في حلف «الناتو»، وقد رأت هذه الدول الأوروبية أن الهجوم الروسي على أوكرانيا دليل قاطع على أن روسيا عدو خَطِر «كامن» للدول الأوروبية وبالتالي للولايات المتحدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا في ضوء تقارب ترامب مع روسيا (لحل النزاع الروسي الأوكراني أساساً)، وفي ضوء تهديد ترامب بالانسحاب من الناتو إذا لم ترفع الدول الأوروبية مساهمتها المالية في الحلف بحيث تصل إلى 5% من الناتج القومي الإجمالي، (الأمر الذي يهدد التحالف التاريخي بين الولايات المتحدة وأوروبا ويخلق بلبلة واضطراباً في العلاقات الدولية التي ظلت سائدة طوال (80) سنة تقريباً).هذا السؤال هو: هل يستطيع ترامب حقاً تغيير هذه التحالفات التي يُفترض أنها مُسلمات من منظور «الجيوبوليتك» الأمريكي؟ إنّ ذلك في حقيقة الأمر مُستبعد وذلك بالنظر إلى الاعتبارات الآتية: أولاً: أنّ الرأي العام الأمريكي بشكل عام، والنخب السياسية (Elite)، والدولة العميقة (Deep State) لن تقبل العبث بهذه التحالفات لأنها تدرك أنها هي «التحالفات الطبيعية» في ضوء المصالح الأمريكية (American Interests)، ومنظومة القيم الأمريكية (Value-Systems). ثانياً: أنّ الحزبين الأمريكيين الرئيسيين (الجمهوري والديموقراطي) متوافقان إجمالاً على أهمية وحيوية هذه التحالفات، وأنها هي «التحالفات الطبيعية» في ضوء العوامل المشار إليها آنفاً والمتعلقة بالمصالح والقيم. إنّ الحزبين: الجمهوري والديموقراطي في الولايات المتحدة يشكلان «الفئة المُسيّسة» وهما اللذان يفرزان القيادات الهامة كالرئيس، وأعضاء الكونغرس (النواب والشيوخ)، وحكام الولايات وغيرهم، ومع أن هذين الحزبين قد يختلفان أحياناً في بعض الطروحات إلا أنهما في الواقع لا يختلفان في «الأساسيات» المتعلقة بمصلحة الولايات المتحدة، وخياراتها الاستراتيجية وبالذات على المستوى العالمي. ثالثاً: طبيعة النظام السياسي الأمريكي القائم على التوازن بين السلطات (Cheques And Balances) أيّ بين السلطة التنفيذية التي يمثلها الرئيس، والسلطة التشريعية التي يمثلها «الكونغرس»، والسلطة القضائية التي تمثلها المحاكم وبالذات «محكمة العدل العليا» (Supreme Court). إن طبيعة هذا النظام لا تتيح للرئيس -حتى وهو يملك صلاحيات أقوى رئيس تنفيذي في العالم، وحتى وهو يملك الأغلبية في الكونغرس وفي نوعية قضاة المحكمة العليا- أن «يتفرد» بالقرار ويقلب أولويات وتحالفات البلاد رأساً على عَقِب. رابعاً: ضغط «العدو الاستراتيجي» -وهو روسيا في هذه الحالة وقد تكون الصين قريباً- على ترامب، حيث من الطبيعي أن لهذا العدو (من وجهة النظر الأمريكية) مصالح تتضارب مع المصالح الأمريكية أو مع مصالح حلفائها كما يحصل الآن نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، الأمر الذي لا يترك له مجالاً إلا أن يتبنى موقف الند والطرف الآخر. صحيح أن العلاقات الشخصية (كما يحصل الآن بين بوتين وترامب) قد تلعب دوراً في تحسين العلاقات، وتليين العداوات، ولكن الحقائق في النهاية تفرض نفسها. وختاماً فإن «تحالفات الولايات المتحدة» نابعة من مصالحها أو من رسالتها ورؤيتها لنفسها وللعالم، ولذا فلا يستطيع ترامب أو أيّ رئيس آخر أن «يعبث» بهذه التحالفات. إنه قد يستطيع إعادة ترتيب الأولويات (Priorities)، أو تضخيم وتهوين بعض التحالفات وانعكاساتها، ولكنه بالقطع لا يستطيع تغيرها، وإنّ غداً لناظره قريب. الراي


الرأي
٠١-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- الرأي
لماذا لا «تستقّل» أوروبا عن الولايات المتحدة؟!
إنّ مما لا شك فيه أنّ العلاقة بين أوروبا (كقارة) وبين الولايات المتحدة علاقة تاريخية فالولايات المتحدة هي «بنت» أوروبا إذا جاز التعبير، فمعظم المهاجرين الأوائل إلى أميركا هم مهاجرون من أوروبا، وقد استعمرت «بريطانيا العظمى» (Great Britain) في عزّ قوتها وسطوتها الولايات المتحدة (التي كانت في ذلك الوقت مجموعة مستعمرات قليلة قبل أن تستقل في عام 1776) لفترة غير قصيرة من الزمن، وما زال الوصف الدقيق للأميركي العادي (Typical Citizen) أنه (White, Anglo Saxon, Protestant) (WASP) أيّ (أبيض، ويعود إلى أصول أنجلوسكسونية، وبروتستانتي) ومن الواضح أن هذه الخصائص هي خصائص الكثيرين من سكان أوروبا. ولقد تعمّقت هذه الصلة بين أوروبا والولايات المتحدة إبان الحرب العالمية الثانية وبعدها، فخلال تلك الحرب ألقت الولايات المتحدة بكل ثقلها إلى جانب حلفائها الأوروبيين (بريطانيا، فرنسا.....) ضد النازية والفاشية، وبعد الحرب مباشرةً تبنت مشروع «مارشال» لإسعاف أوروبا، وإنقاذها من الخراب والدمار اللذين لحقا بها بسبب الحرب التي استمرت سبع سنوات (1939-1945) وأتت على الأخضر واليابس، كما قدّمت لها الحماية الاستراتيجية (بالسلاح النووي ضد الاتحاد السوفياتي من خلال حلف الناتو). الآن... ومع مجيء ترامب للحكم تبدت الخلافات بين أوروبا والولايات المتحدة بشكل واضح وبالذات حول أسلوب التعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية، وبدأ «ترامب» يطالب دول أوروبا (كما في عهدته الأولى 2016-2020) بأن تدفع كُلفة حمايتها من خلال مساهمة مالية أكبر في موازنة حلف الناتو، بل وصل الأمر بنائب الرئيس الأميركي «جيه دي فانس» إلى أن يشكك بمنظومة القيم الديمقراطية التي تتبناها أوروبا حيث اتهمها بأنها لا تتيح لمواطنيها الحدّ الكافي من حرية التعبير (يعني حرية اليمين السياسي المتمثل في «حزب البديل» الألماني). إنّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تستطيع أوروبا «الاستقلال» عن الولايات المتحدة؟ أم أنّ قدرها أن تظل تحت الحماية الأميركية (من خلال الناتو)، الأمر الذي يجعلها تابعة فعلياً لها على المستوى السياسي؟ إنّ المُرجّح هو أن تظل العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة علاقة «تبعية» (أوروبا تتبع الولايات المتحدة) برغم كل مظاهر الخلاف والتمرد التي تظهر بين الحين والآخر من بعض زعماء الدول الأوروبية، ولعلّ ذلك عائد إلى الأسباب الآتية: أولاً: أنّ أوروبا تضم العديد من الدول التي تتباين فيما بينها. صحيح أن معظمها (27 دولة ملتحقة في الاتحاد الأوروبي) ولكن بعضها خارج هذا الاتحاد مثل بريطانيا ذات الوزن الخاص في المنظومة الأوروبية، وفضلاً عن ذلك فإنّ بعض الدول الأوروبية محكومة من اليمين السياسي (إيطاليا، المجر مثلاً)، وبعضها الآخر محكومة من قبل اليسار السياسي (إسبانيا، بريطانيا مثلاً)، الأمر الذي لا يجعل صوتها واحداً في مواجهة «القطب الأميركي» الذي يترّبع على عرش العالم في هذه الآونة التاريخية. ثانياً: لا تملك الدول الأوروبية السلاح الاستراتيجي الكافي لحماية نفسها فهناك دولتان نوويتان منها فقط (بريطانيا، وفرنسا) اللتان لا تملكان مجتمعتين أكثر من (600) رأس نووي وهذا لا يُقاس بما تملكه كل من الولايات المتحدة وروسيا والذي يُقدّر بـ(6000) رأس نووي استراتيجي، ومن هنا فإنّ الدول الأوروبية وبرغم دعوتها أحياناً لتكوين جيش أوروبي مستقل لا تستطيع الاستغناء عن القوة الأميركية وبالذات في مواجهة غريمها التاريخي وهو روسيا. ثالثاً: المصلحة الاقتصادية لأوروبا فهي قوه اقتصادية وازنة، ولكن مصالحها الاقتصادية ذات علاقة تأثر وتأثير بعدد من عمالقة الاقتصاد كالصين (ثاني اقتصاد في العالم)، ومجموعة البريكس (Brics) ذات الثِقَل الاقتصادي والمستقبل الواعد، ومما يزيد الأمر تعقيداً بالنسبة لأوروبا أنها تعتمد إلى درجة كبيرة على الطاقة الرخيصة (النفط والغاز) التي تستوردها عادةً (قبل الحرب الروسية الأوكرانية) من روسيا. إن هذا الوضع الاقتصادي معقد لأوروبا، وعلاقتها الاقتصادية المتداخلة (وبالذات مع الصين وروسيا) يجعلها بحاجة لخلق حالة توازن وذلك بتوثيق التحالف مع أميركا، كما يجعل أمر استقلالها عن الولايات المتحدة مسألة تحتاج إلى تفكير عميق، وحسابات دقيقة. رابعاً: «عقدة» روسيا، إذْ رغم أن روسيا دولة أوروبية كما هي آسيوية، إلا أنّ علاقات أوروبا معها كانت دائماً «غير طبيعية» إن لم نقُل عدائية، ويكفي أن نتذكر في هذا السياق أنّ روسيا تعّرضت للغزو الأوروبي مرتين فقد غزاها «نابليون بونابرت» الفرنسي (1812)، كم غزاها «هتلر» الألماني (1941) وغنيٌ عن القول أن أوروبا الغربية قد اصطفت بجميع دولها ضد «الاتحاد السوفييتي» أبان الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية، ولعل مما لا شك فيه أن أيّ استقلال لأوروبا عن الولايات المتحدة سوف يُخّل بموازين القوى ويجعلها هشة أمام روسيا، وقد كان واضحاً تماماً أن أوروبا قد دعّمت أوكرانيا بكل قوة لإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، كما أنها الآن غير راضية عن «تقّرب» ترامب من روسيا ومحاولته عقد «صفقة» معها. إنّ «عقدة» روسيا تجعل أوروبا راغبة دائماً في استمرار التحالف مع الولايات المتحدة حتى وإن أدى ذلك إلى نوع من (التبعية)، كما هو حاصل حتى الآن.

عمون
٠١-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- عمون
لماذا لا «تستقّل» أوروبا عن الولايات المتحدة؟!
إنّ مما لا شك فيه أنّ العلاقة بين أوروبا (كقارة) وبين الولايات المتحدة علاقة تاريخية فالولايات المتحدة هي «بنت» أوروبا إذا جاز التعبير، فمعظم المهاجرين الأوائل إلى أميركا هم مهاجرون من أوروبا، وقد استعمرت «بريطانيا العظمى» (Great Britain) في عزّ قوتها وسطوتها الولايات المتحدة (التي كانت في ذلك الوقت مجموعة مستعمرات قليلة قبل أن تستقل في عام 1776) لفترة غير قصيرة من الزمن، وما زال الوصف الدقيق للأميركي العادي (Typical Citizen) أنه (White, Anglo Saxon, Protestant) (WASP) أيّ (أبيض، ويعود إلى أصول أنجلوسكسونية، وبروتستانتي) ومن الواضح أن هذه الخصائص هي خصائص الكثيرين من سكان أوروبا. ولقد تعمّقت هذه الصلة بين أوروبا والولايات المتحدة إبان الحرب العالمية الثانية وبعدها، فخلال تلك الحرب ألقت الولايات المتحدة بكل ثقلها إلى جانب حلفائها الأوروبيين (بريطانيا، فرنسا.....) ضد النازية والفاشية، وبعد الحرب مباشرةً تبنت مشروع «مارشال» لإسعاف أوروبا، وإنقاذها من الخراب والدمار اللذين لحقا بها بسبب الحرب التي استمرت سبع سنوات (1939-1945) وأتت على الأخضر واليابس، كما قدّمت لها الحماية الاستراتيجية (بالسلاح النووي ضد الاتحاد السوفياتي من خلال حلف الناتو). الآن... ومع مجيء ترامب للحكم تبدت الخلافات بين أوروبا والولايات المتحدة بشكل واضح وبالذات حول أسلوب التعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية، وبدأ «ترامب» يطالب دول أوروبا (كما في عهدته الأولى 2016-2020) بأن تدفع كُلفة حمايتها من خلال مساهمة مالية أكبر في موازنة حلف الناتو، بل وصل الأمر بنائب الرئيس الأميركي «جيه دي فانس» إلى أن يشكك بمنظومة القيم الديمقراطية التي تتبناها أوروبا حيث اتهمها بأنها لا تتيح لمواطنيها الحدّ الكافي من حرية التعبير (يعني حرية اليمين السياسي المتمثل في «حزب البديل» الألماني). إنّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تستطيع أوروبا «الاستقلال» عن الولايات المتحدة؟ أم أنّ قدرها أن تظل تحت الحماية الأميركية (من خلال الناتو)، الأمر الذي يجعلها تابعة فعلياً لها على المستوى السياسي؟ إنّ المُرجّح هو أن تظل العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة علاقة «تبعية» (أوروبا تتبع الولايات المتحدة) برغم كل مظاهر الخلاف والتمرد التي تظهر بين الحين والآخر من بعض زعماء الدول الأوروبية، ولعلّ ذلك عائد إلى الأسباب الآتية: أولاً: أنّ أوروبا تضم العديد من الدول التي تتباين فيما بينها. صحيح أن معظمها (27 دولة ملتحقة في الاتحاد الأوروبي) ولكن بعضها خارج هذا الاتحاد مثل بريطانيا ذات الوزن الخاص في المنظومة الأوروبية، وفضلاً عن ذلك فإنّ بعض الدول الأوروبية محكومة من اليمين السياسي (إيطاليا، المجر مثلاً)، وبعضها الآخر محكومة من قبل اليسار السياسي (إسبانيا، بريطانيا مثلاً)، الأمر الذي لا يجعل صوتها واحداً في مواجهة «القطب الأميركي» الذي يترّبع على عرش العالم في هذه الآونة التاريخية. ثانياً: لا تملك الدول الأوروبية السلاح الاستراتيجي الكافي لحماية نفسها فهناك دولتان نوويتان منها فقط (بريطانيا، وفرنسا) اللتان لا تملكان مجتمعتين أكثر من (600) رأس نووي وهذا لا يُقاس بما تملكه كل من الولايات المتحدة وروسيا والذي يُقدّر بـ(6000) رأس نووي استراتيجي، ومن هنا فإنّ الدول الأوروبية وبرغم دعوتها أحياناً لتكوين جيش أوروبي مستقل لا تستطيع الاستغناء عن القوة الأميركية وبالذات في مواجهة غريمها التاريخي وهو روسيا. ثالثاً: المصلحة الاقتصادية لأوروبا فهي قوه اقتصادية وازنة، ولكن مصالحها الاقتصادية ذات علاقة تأثر وتأثير بعدد من عمالقة الاقتصاد كالصين (ثاني اقتصاد في العالم)، ومجموعة البريكس (Brics) ذات الثِقَل الاقتصادي والمستقبل الواعد، ومما يزيد الأمر تعقيداً بالنسبة لأوروبا أنها تعتمد إلى درجة كبيرة على الطاقة الرخيصة (النفط والغاز) التي تستوردها عادةً (قبل الحرب الروسية الأوكرانية) من روسيا. إن هذا الوضع الاقتصادي معقد لأوروبا، وعلاقتها الاقتصادية المتداخلة (وبالذات مع الصين وروسيا) يجعلها بحاجة لخلق حالة توازن وذلك بتوثيق التحالف مع أميركا، كما يجعل أمر استقلالها عن الولايات المتحدة مسألة تحتاج إلى تفكير عميق، وحسابات دقيقة. رابعاً: «عقدة» روسيا، إذْ رغم أن روسيا دولة أوروبية كما هي آسيوية، إلا أنّ علاقات أوروبا معها كانت دائماً «غير طبيعية» إن لم نقُل عدائية، ويكفي أن نتذكر في هذا السياق أنّ روسيا تعّرضت للغزو الأوروبي مرتين فقد غزاها «نابليون بونابرت» الفرنسي (1812)، كم غزاها «هتلر» الألماني (1941) وغنيٌ عن القول أن أوروبا الغربية قد اصطفت بجميع دولها ضد «الاتحاد السوفييتي» أبان الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية، ولعل مما لا شك فيه أن أيّ استقلال لأوروبا عن الولايات المتحدة سوف يُخّل بموازين القوى ويجعلها هشة أمام روسيا، وقد كان واضحاً تماماً أن أوروبا قد دعّمت أوكرانيا بكل قوة لإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، كما أنها الآن غير راضية عن «تقّرب» ترامب من روسيا ومحاولته عقد «صفقة» معها. إنّ «عقدة» روسيا تجعل أوروبا راغبة دائماً في استمرار التحالف مع الولايات المتحدة حتى وإن أدى ذلك إلى نوع من (التبعية)، كما هو حاصل حتى الآن.


عكاظ
٠١-٠٣-٢٠٢٥
- أعمال
- عكاظ
السعودية.. ريادة دبلوماسية وصناعة مستقبل
تشهد المملكة العربية السعودية نهضة غير مسبوقة في مختلف المجالات، مدفوعة برؤية استراتيجية واضحة يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان. هذه النهضة لم تكن وليدة اللحظة، بل هي ثمرة تخطيط دقيق وإرادة قوية جعلت من المملكة لاعباً رئيسياً على الساحة الدولية، سياسياً واقتصادياً، كما حدث مع العديد من الدول الكبرى التي رسمت مستقبلها برؤى استراتيجية، مثل خطة «الميجي» في اليابان التي قادت نهضة اقتصادية هائلة، أو مشروع «مارشال» الذي أسهم في إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. بقيادة ولي العهد، برزت السعودية كقوة دبلوماسية مؤثرة، تستند إلى رؤية 2030، التي تمثل خارطة طريق للمستقبل، وترسم ملامح تحول اقتصادي وتنموي شامل. من خلال هذه الرؤية، استطاعت المملكة تعزيز حضورها العالمي، وترسيخ مكانتها كدولة ذات تأثير يمتد إلى مختلف القضايا الدولية، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الأمني، تماماً كما نجحت الصين في التحول إلى قوة اقتصادية عالمية عبر سياسة «الإصلاح والانفتاح» التي أطلقها دنغ شياو بينغ في أواخر السبعينيات. وفي ظل التحولات العالمية المتسارعة، برز الأمير محمد بن سلمان كقائد يمتلك رؤية استراتيجية وقدرة على بناء تحالفات متينة، رغم التحديات والضغوط. علاقاته مع القوى الكبرى تؤكد نضجه السياسي وحرصه على تحقيق التوازن في العلاقات الدولية، بما يخدم المصالح السعودية والإقليمية. ولعل نجاحه في تعزيز العلاقات مع واشنطن وموسكو يعكس مهاراته في إدارة الملفات الحساسة، ونحن نعيش بين حقل ألغام، بما يحقق الاستقرار في أسواق الطاقة ويعزز التعاون في المجالات الحيوية الأخرى. هذه السياسة الذكية تذكرنا بمناورات تشرشل السياسية خلال الحرب العالمية الثانية، حيث استطاع خلق تحالفات معقدة ضمنت انتصار الحلفاء. السعودية اليوم ليست مجرد قوة اقتصادية، بل هي مركز لصناعة القرار العالمي، حيث أصبحت الرياض محطة رئيسية للقادة والزعماء، تستضيف القمم والاجتماعات التي ترسم ملامح المرحلة المقبلة للعالم. في هذا الإطار، تأتي الاستعدادات لعقد لقاء تاريخي بين رئيسَي الولايات المتحدة وروسيا على أرض المملكة، في خطوة تعكس المكانة التي وصلت إليها السعودية كوسيط موثوق لحل الأزمات الكبرى، كما حدث بمؤتمر «يالطا» عام 1945 الذي أعاد تشكيل النظام العالمي بعد الحرب. أخبار ذات صلة هذا التطور الدبلوماسي الكبير يأتي في وقت يشهد فيه العالم توترات متزايدة، خاصة في ظل التنافس بين القوى الكبرى، والأزمات المتصاعدة في الشرق الأوسط وأوروبا. ورغم هذه التعقيدات، نجحت القيادة السعودية في أن تكون طرفاً محايداً يملك القدرة على تقريب وجهات النظر، مما جعلها شريكاً رئيسياً في الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار العالمي. على غرار ما قامت به سويسرا خلال الحربين العالميتين، حيث تبنت الحياد، لكنها لعبت دور الوسيط في محادثات السلام والاتفاقيات الدولية. على مر السنوات، عززت السعودية مكانتها عبر استضافة قمم مهمة جمعت زعماء العالم، بدءاً من القمم العربية والإسلامية، وصولاً إلى المنتديات الاقتصادية الكبرى. واليوم، تأتي هذه القمة المنتظرة لتؤكد أن المملكة ليست مجرد دولة إقليمية مؤثرة، بل قوة عالمية تمتلك أدوات التأثير وتساهم في تشكيل مستقبل العالم، كما فعلت بريطانيا خلال حقبة الإمبراطورية التي كانت تُعرف بأنها «الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس»، حيث لعبت دوراً محورياً في صياغة التحالفات الدولية وتحديد مسارات الاقتصاد العالمي. ما يميز النهج السعودي في إدارة العلاقات الدولية هو التوازن والحكمة، حيث استطاع الأمير محمد بن سلمان أن يقود دبلوماسية تعتمد على بناء الجسور، لا تأجيج الصراعات، وهو ما جعل الرياض عاصمة للحلول لا الأزمات. ولعل نجاحه في خلق بيئة حوار بين القوى الكبرى يعكس مدى مصداقية النهج السعودي، الذي يقوم على تحقيق المصالح المشتركة وتعزيز التعاون الدولي في المجالات المختلفة. وهذا النهج يشابه إلى حد كبير الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في إنهاء الحرب الباردة عبر مفاوضات استراتيجية بين ريغان وغورباتشوف، والتي ساعدت على تفكيك الاتحاد السوفيتي وإرساء نظام عالمي جديد. إن الدور المتنامي الذي تلعبه السعودية على الساحة العالمية ليس مجرد صدفة، بل هو نتاج رؤية بعيدة المدى، تتبنى سياسات متوازنة، وتستند إلى معايير واضحة في التعامل مع التحديات الدولية. هذا الحضور القوي يعكس قدرة المملكة على تحقيق طموحاتها الكبرى، ويعزز مكانتها كقوة صاعدة في المشهد العالمي، لها كلمتها وتأثيرها في رسم مستقبل النظام الدولي.