#أحدث الأخبار مع #«مرافئالجليد»مصرس٠٥-٠٢-٢٠٢٥سياسةمصرسدونالد ترامب ليس إلهًاقديمًا قال أبوعثمان الجاحظ: «المعانى الرخيصة يُعبر عنها بألفاظ رخيصة»، رافضًا بهذا القول تجميل قُبح المعانى برداء من الألفاظ الجميلة الخادعة، وداعيًا لأن تكون الألفاظ من طبيعة وجنس معانيها؛ لتُحدث صدمة فى وعى المتلقى، وتجعله قادرًا على تمييز ورؤية الرخص والقبح بوضوح، ونقده ومواجهته ورفضه. وفى سياق هذا الرأى المُتعلق بضرورة ارتباط الألفاظ بالمعانى يُمكن أن نطرح سؤالًا: هل يُمكن أن يوجد الله وأمريكا معًا؟ وهل يتعارض الإيمان بالله وقضائه وقدره وبأن الأقدار فى يده لا نهاية لها كذاته وقدرته، مع العجز والتسليم أمام القدر الأمريكى فى المنطقة، المؤسس على قدرتها العسكرية والأمنية والاقتصادية الكبرى، وانفرادها بحكم العالم والمنطقة العربية، وتحديد مصائر دولها وشعوبها؟قد يبدو هذا السؤال وقحًا وجارحًا للشعور الدينى، إلا أنه سؤال حقيقى وكاشف، وضرورى لا يُمكن استبعاده فى لحظتنا الراهنة، خاصة بعد نجاح الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب فى العودة لحكم أمريكا من جديد، وبعد ظهور ملامح مخططاته المستقبلية لمنطقتنا العربية، وبعد أن صار يُخاطب المنطقة وحكامها وكأنه إله لا راد لقدره وقضائه ومشيئته فى توسيع وتأمين حدود إسرائيل إلى الأبد خلال سنوات حكمه، على حساب شعوب ودول المنطقة.الجدير بالذكر أن السؤال حول إمكانية اجتماع الإيمان بالله والقدر الأمريكى فى ذات الوقت، هو سؤال قديم يعود زمن طرحه إلى نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضى، بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، وهيمنة القطب الواحد، وانفراد أمريكا بحكم العالم بلا شريك أو منازع، وبعد سقوط بغداد وحل الجيش العراقى، وبداية رسم ملامح الفوضى الخلاقة فى المنطقة العربية، وقد طرحه الكاتب والروائى التونسى محمد الجابلى فى روايته «مرافئ الجليد» التى يعود زمن كتابتها إلى عام 1998.بطل هذه الرواية هو جون براون، عالم الأنثروبولوجيا الأمريكى، الذى يعشق الشرق ويتعاطف مع ثقافته وأهله، والذى تنقل من خلال عمله بين بيروت أثناء الحرب الأهلية وبغداد والقاهرة، ليكتشف بعد ذلك أنه كان مستغلًا على غير وعى أو قصد من قبل وكالة أمريكية مشبوهة تتآمر على ذلك الشرق، وتستغل أبحاث جون براون العلمية وتجاربه وعلاقاته الشخصية لخدمة أمريكا وأهدافها العسكرية والأمنية والسياسية والثقافية فى المنطقة العربية.وقد طرحت هذا السؤال بطلة الرواية «راقية»، الرافضة للهيمنة الأمريكية فى المنطقة، والتى أصابها اليأس من إمكانية الوقوف فى وجهها، ولهذا تقول فى أحد حواراتها مع جون براون: «لا يُمكن أن يوجد الله وأمريكا معًا... كان الله يمثل القَدَر، ويبدو أن القَدَر لا يصمد أمام القدرة!». ليرد عليها جون براون بعد تفكير قائلًا: «لا يُمكن أن تتعايش قوتان فى كون واحد».وقد ذكَّرنى هذا الحوار بأستاذى فى قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة المنيا، الراحل الدكتور وهبة طلعت أبوالعلا، الذى عاد من دراسته فى المملكة المتحدة وهو مفتون تمامًا بالحضارة الغربية فى نموذجها الأمريكى على وجه التخصيص، ليضع مع مطلع تسعينيات القرن الماضى كتابًا بعنوان «الوجود المقلوب.. رؤية فلسفية معاصرة»، احتفى فى بعض صفحاته بأطروحة نهاية التاريخ وسيادة النموذج الأيديولوجى الغربى الأمريكى القائم على النظام الليبرالى الديمقراطى والرأسمالية الحديثة، التى نادى بها المفكر الأمريكى فرانسيس فوكوياما، وتفاءل الدكتور وهبة طلعت فى كتابه بمستقبل العالم تحت السيادة الأمريكية المنفردة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، مستشهدًا لإثبات رأيه بالآية القرآنية التى تقول: «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ».بالطبع كان هذا قياسًا فاسدًا أو كما يُسميه المناطقة «قياس على غير قياس»؛ فلا مجال للمقارنة بين تفرد الله بالوحدانية والعبودية والعلو والحكم فى الكون، وسعيه لإحقاق الحق وإبطال الباطل، وبين تفرد أمريكا بحكم العالم وسعيها فى منطقتنا العربية، خاصة إلى إبطال الحق وإحقاق الباطل وخدمة مصالحها ومصالح وأمن إسرائيل فقط على حساب كل دول وشعوب المنطقة.وفصل المقال، إن الرئيس الأمريكى ترامب ليس إلهًا يحكم فيُطاع كما تصور له أوهامه. وإن مخططاته فى المنطقة العربية ليست قدرًا لا مهرب منه، بل يجب رفضها والتكتل بشكل عربى جماعى حاسم فى مواجهتها؛ حتى لا يُصبح حاضر ومستقبل المنطقة ودولها وشعوبها لعبة شيطانية تُدار بواسطة مجموعة من الأبالسة الذين يظنون أنفسهم آلهة. وحتى نُثبت للعالم ولأنفسنا أن إيماننا بالله وأوطاننا وكرامتنا العربية وحقوق شعوبنا، يتعارض مع التسليم للقدر الأمريكى الترامبى الذى أصبح يُهدد استقرار المنطقة أولًا، ومصالح أمريكا فيها ثانيًا.
مصرس٠٥-٠٢-٢٠٢٥سياسةمصرسدونالد ترامب ليس إلهًاقديمًا قال أبوعثمان الجاحظ: «المعانى الرخيصة يُعبر عنها بألفاظ رخيصة»، رافضًا بهذا القول تجميل قُبح المعانى برداء من الألفاظ الجميلة الخادعة، وداعيًا لأن تكون الألفاظ من طبيعة وجنس معانيها؛ لتُحدث صدمة فى وعى المتلقى، وتجعله قادرًا على تمييز ورؤية الرخص والقبح بوضوح، ونقده ومواجهته ورفضه. وفى سياق هذا الرأى المُتعلق بضرورة ارتباط الألفاظ بالمعانى يُمكن أن نطرح سؤالًا: هل يُمكن أن يوجد الله وأمريكا معًا؟ وهل يتعارض الإيمان بالله وقضائه وقدره وبأن الأقدار فى يده لا نهاية لها كذاته وقدرته، مع العجز والتسليم أمام القدر الأمريكى فى المنطقة، المؤسس على قدرتها العسكرية والأمنية والاقتصادية الكبرى، وانفرادها بحكم العالم والمنطقة العربية، وتحديد مصائر دولها وشعوبها؟قد يبدو هذا السؤال وقحًا وجارحًا للشعور الدينى، إلا أنه سؤال حقيقى وكاشف، وضرورى لا يُمكن استبعاده فى لحظتنا الراهنة، خاصة بعد نجاح الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب فى العودة لحكم أمريكا من جديد، وبعد ظهور ملامح مخططاته المستقبلية لمنطقتنا العربية، وبعد أن صار يُخاطب المنطقة وحكامها وكأنه إله لا راد لقدره وقضائه ومشيئته فى توسيع وتأمين حدود إسرائيل إلى الأبد خلال سنوات حكمه، على حساب شعوب ودول المنطقة.الجدير بالذكر أن السؤال حول إمكانية اجتماع الإيمان بالله والقدر الأمريكى فى ذات الوقت، هو سؤال قديم يعود زمن طرحه إلى نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضى، بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، وهيمنة القطب الواحد، وانفراد أمريكا بحكم العالم بلا شريك أو منازع، وبعد سقوط بغداد وحل الجيش العراقى، وبداية رسم ملامح الفوضى الخلاقة فى المنطقة العربية، وقد طرحه الكاتب والروائى التونسى محمد الجابلى فى روايته «مرافئ الجليد» التى يعود زمن كتابتها إلى عام 1998.بطل هذه الرواية هو جون براون، عالم الأنثروبولوجيا الأمريكى، الذى يعشق الشرق ويتعاطف مع ثقافته وأهله، والذى تنقل من خلال عمله بين بيروت أثناء الحرب الأهلية وبغداد والقاهرة، ليكتشف بعد ذلك أنه كان مستغلًا على غير وعى أو قصد من قبل وكالة أمريكية مشبوهة تتآمر على ذلك الشرق، وتستغل أبحاث جون براون العلمية وتجاربه وعلاقاته الشخصية لخدمة أمريكا وأهدافها العسكرية والأمنية والسياسية والثقافية فى المنطقة العربية.وقد طرحت هذا السؤال بطلة الرواية «راقية»، الرافضة للهيمنة الأمريكية فى المنطقة، والتى أصابها اليأس من إمكانية الوقوف فى وجهها، ولهذا تقول فى أحد حواراتها مع جون براون: «لا يُمكن أن يوجد الله وأمريكا معًا... كان الله يمثل القَدَر، ويبدو أن القَدَر لا يصمد أمام القدرة!». ليرد عليها جون براون بعد تفكير قائلًا: «لا يُمكن أن تتعايش قوتان فى كون واحد».وقد ذكَّرنى هذا الحوار بأستاذى فى قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة المنيا، الراحل الدكتور وهبة طلعت أبوالعلا، الذى عاد من دراسته فى المملكة المتحدة وهو مفتون تمامًا بالحضارة الغربية فى نموذجها الأمريكى على وجه التخصيص، ليضع مع مطلع تسعينيات القرن الماضى كتابًا بعنوان «الوجود المقلوب.. رؤية فلسفية معاصرة»، احتفى فى بعض صفحاته بأطروحة نهاية التاريخ وسيادة النموذج الأيديولوجى الغربى الأمريكى القائم على النظام الليبرالى الديمقراطى والرأسمالية الحديثة، التى نادى بها المفكر الأمريكى فرانسيس فوكوياما، وتفاءل الدكتور وهبة طلعت فى كتابه بمستقبل العالم تحت السيادة الأمريكية المنفردة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، مستشهدًا لإثبات رأيه بالآية القرآنية التى تقول: «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ».بالطبع كان هذا قياسًا فاسدًا أو كما يُسميه المناطقة «قياس على غير قياس»؛ فلا مجال للمقارنة بين تفرد الله بالوحدانية والعبودية والعلو والحكم فى الكون، وسعيه لإحقاق الحق وإبطال الباطل، وبين تفرد أمريكا بحكم العالم وسعيها فى منطقتنا العربية، خاصة إلى إبطال الحق وإحقاق الباطل وخدمة مصالحها ومصالح وأمن إسرائيل فقط على حساب كل دول وشعوب المنطقة.وفصل المقال، إن الرئيس الأمريكى ترامب ليس إلهًا يحكم فيُطاع كما تصور له أوهامه. وإن مخططاته فى المنطقة العربية ليست قدرًا لا مهرب منه، بل يجب رفضها والتكتل بشكل عربى جماعى حاسم فى مواجهتها؛ حتى لا يُصبح حاضر ومستقبل المنطقة ودولها وشعوبها لعبة شيطانية تُدار بواسطة مجموعة من الأبالسة الذين يظنون أنفسهم آلهة. وحتى نُثبت للعالم ولأنفسنا أن إيماننا بالله وأوطاننا وكرامتنا العربية وحقوق شعوبنا، يتعارض مع التسليم للقدر الأمريكى الترامبى الذى أصبح يُهدد استقرار المنطقة أولًا، ومصالح أمريكا فيها ثانيًا.