دونالد ترامب ليس إلهًا
قديمًا قال أبوعثمان الجاحظ: «المعانى الرخيصة يُعبر عنها بألفاظ رخيصة»، رافضًا بهذا القول تجميل قُبح المعانى برداء من الألفاظ الجميلة الخادعة، وداعيًا لأن تكون الألفاظ من طبيعة وجنس معانيها؛ لتُحدث صدمة فى وعى المتلقى، وتجعله قادرًا على تمييز ورؤية الرخص والقبح بوضوح، ونقده ومواجهته ورفضه.
وفى سياق هذا الرأى المُتعلق بضرورة ارتباط الألفاظ بالمعانى يُمكن أن نطرح سؤالًا: هل يُمكن أن يوجد الله وأمريكا معًا؟ وهل يتعارض الإيمان بالله وقضائه وقدره وبأن الأقدار فى يده لا نهاية لها كذاته وقدرته، مع العجز والتسليم أمام القدر الأمريكى فى المنطقة، المؤسس على قدرتها العسكرية والأمنية والاقتصادية الكبرى، وانفرادها بحكم العالم والمنطقة العربية، وتحديد مصائر دولها وشعوبها؟قد يبدو هذا السؤال وقحًا وجارحًا للشعور الدينى، إلا أنه سؤال حقيقى وكاشف، وضرورى لا يُمكن استبعاده فى لحظتنا الراهنة، خاصة بعد نجاح الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب فى العودة لحكم أمريكا من جديد، وبعد ظهور ملامح مخططاته المستقبلية لمنطقتنا العربية، وبعد أن صار يُخاطب المنطقة وحكامها وكأنه إله لا راد لقدره وقضائه ومشيئته فى توسيع وتأمين حدود إسرائيل إلى الأبد خلال سنوات حكمه، على حساب شعوب ودول المنطقة.الجدير بالذكر أن السؤال حول إمكانية اجتماع الإيمان بالله والقدر الأمريكى فى ذات الوقت، هو سؤال قديم يعود زمن طرحه إلى نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضى، بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، وهيمنة القطب الواحد، وانفراد أمريكا بحكم العالم بلا شريك أو منازع، وبعد سقوط بغداد وحل الجيش العراقى، وبداية رسم ملامح الفوضى الخلاقة فى المنطقة العربية، وقد طرحه الكاتب والروائى التونسى محمد الجابلى فى روايته «مرافئ الجليد» التى يعود زمن كتابتها إلى عام 1998.بطل هذه الرواية هو جون براون، عالم الأنثروبولوجيا الأمريكى، الذى يعشق الشرق ويتعاطف مع ثقافته وأهله، والذى تنقل من خلال عمله بين بيروت أثناء الحرب الأهلية وبغداد والقاهرة، ليكتشف بعد ذلك أنه كان مستغلًا على غير وعى أو قصد من قبل وكالة أمريكية مشبوهة تتآمر على ذلك الشرق، وتستغل أبحاث جون براون العلمية وتجاربه وعلاقاته الشخصية لخدمة أمريكا وأهدافها العسكرية والأمنية والسياسية والثقافية فى المنطقة العربية.وقد طرحت هذا السؤال بطلة الرواية «راقية»، الرافضة للهيمنة الأمريكية فى المنطقة، والتى أصابها اليأس من إمكانية الوقوف فى وجهها، ولهذا تقول فى أحد حواراتها مع جون براون: «لا يُمكن أن يوجد الله وأمريكا معًا... كان الله يمثل القَدَر، ويبدو أن القَدَر لا يصمد أمام القدرة!». ليرد عليها جون براون بعد تفكير قائلًا: «لا يُمكن أن تتعايش قوتان فى كون واحد».وقد ذكَّرنى هذا الحوار بأستاذى فى قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة المنيا، الراحل الدكتور وهبة طلعت أبوالعلا، الذى عاد من دراسته فى المملكة المتحدة وهو مفتون تمامًا بالحضارة الغربية فى نموذجها الأمريكى على وجه التخصيص، ليضع مع مطلع تسعينيات القرن الماضى كتابًا بعنوان «الوجود المقلوب.. رؤية فلسفية معاصرة»، احتفى فى بعض صفحاته بأطروحة نهاية التاريخ وسيادة النموذج الأيديولوجى الغربى الأمريكى القائم على النظام الليبرالى الديمقراطى والرأسمالية الحديثة، التى نادى بها المفكر الأمريكى فرانسيس فوكوياما، وتفاءل الدكتور وهبة طلعت فى كتابه بمستقبل العالم تحت السيادة الأمريكية المنفردة بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، مستشهدًا لإثبات رأيه بالآية القرآنية التى تقول: «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ».بالطبع كان هذا قياسًا فاسدًا أو كما يُسميه المناطقة «قياس على غير قياس»؛ فلا مجال للمقارنة بين تفرد الله بالوحدانية والعبودية والعلو والحكم فى الكون، وسعيه لإحقاق الحق وإبطال الباطل، وبين تفرد أمريكا بحكم العالم وسعيها فى منطقتنا العربية، خاصة إلى إبطال الحق وإحقاق الباطل وخدمة مصالحها ومصالح وأمن إسرائيل فقط على حساب كل دول وشعوب المنطقة.وفصل المقال، إن الرئيس الأمريكى ترامب ليس إلهًا يحكم فيُطاع كما تصور له أوهامه. وإن مخططاته فى المنطقة العربية ليست قدرًا لا مهرب منه، بل يجب رفضها والتكتل بشكل عربى جماعى حاسم فى مواجهتها؛ حتى لا يُصبح حاضر ومستقبل المنطقة ودولها وشعوبها لعبة شيطانية تُدار بواسطة مجموعة من الأبالسة الذين يظنون أنفسهم آلهة. وحتى نُثبت للعالم ولأنفسنا أن إيماننا بالله وأوطاننا وكرامتنا العربية وحقوق شعوبنا، يتعارض مع التسليم للقدر الأمريكى الترامبى الذى أصبح يُهدد استقرار المنطقة أولًا، ومصالح أمريكا فيها ثانيًا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


24 القاهرة
منذ 29 دقائق
- 24 القاهرة
هسكنك في طيبة.. محافظ الأقصر يستجيب لطلب عامل نظافة بعد توقيفه للحصول على شقة سكنية
في مشهد إنساني لافت، استوقف عامل نظافة، اليوم الجمعة، محافظ الأقصر المهندس عبد المطلب عمارة عقب خروجه من مسجد سيدي أبو الحجاج بمدينة الأقصر، طالبًا الحصول على وحدة سكنية تؤويه هو وأسرته، فكان رد المحافظ سريعًا ومطمئنًا بقوله: هسكنك في طيبة.. قدّم طلبك وإن شاء الله خير، موجهًا الجهات المختصة بمتابعة الحالة والتعامل مع الطلب باهتمام. هسكنك في طيبة.. محافظ الأقصر يستجيب لطلب عامل نظافة بعد توقيفه للحصول على شقة سكنية المرأة الحديدية من الأقصر.. قصة أم كرمتها حرم الرئيس وتحوّلت إلى رمز للأمل جاء ذلك عقب أداء المحافظ صلاة الجمعة بمسجد سيدي أبو الحجاج، برفقة عدد من القيادات التنفيذية والأمنية، حيث ألقى خطبة الجمعة الشيخ مبارك علي محمد، إمام وخطيب المسجد، والتي جاءت تحت عنوان تراحموا، داعيًا خلالها إلى ضرورة التحلي بالرحمة والتكافل، مؤكدًا أن الرحمة من شُعب الإيمان ومن دلائل الرقي المجتمعي. محافظ الأقصر يستجيب لطلب عامل نظافة محافظ الأقصر يستجيب لطلب عامل نظافة محافظ الأقصر يستجيب لطلب عامل نظافة محافظ الأقصر يؤدي الصلاة وسط الأهالي بمسجد سيدي أبو الحجاج ويستمع لمطالب المواطنين وعقب انتهاء الشعائر، حرص محافظ الأقصر على لقاء عدد من المواطنين والاستماع إلى مطالبهم واحتياجاتهم بشكل مباشر، في لفتة تؤكد حرصه على التواصل المجتمعي الفعّال. محافظ الأقصر يستجيب لطلب عامل نظافة محافظ الأقصر يستجيب لطلب عامل نظافة مشاركة واسعة من القيادات التنفيذية والأمنية شارك في أداء صلاة الجمعة إلى جانب المحافظ، اللواء الدكتور هشام الشيمي السكرتير العام المساعد للمحافظة، واللواء أحمد رمضان رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحي، وحاتم جابر سكرتير مدينة الأقصر، إلى جانب عدد من القيادات الأمنية والتنفيذية والشعبية. الواقعة التي لاقت تفاعلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، عكست جانبًا من التفاعل الإنساني بين المواطن والمسؤول، في وقت يتطلع فيه الأهالي لمزيد من المبادرات المجتمعية التي تراعي احتياجات البسطاء.


وضوح
منذ 29 دقائق
- وضوح
'عربات جدعون'.. محاولة لطمس القضية وصمود غزة يُفشل المؤامرة
بقلم أيقونة الاتزان / السفير د. أحمد سمير في خضمّ الصراع بين الفلسطينيين أصحاب الأرض وبين المحتل الإسرائيلي، تتكرّر محاولات الصهيونية العالمية لطمس القضية الفلسطينية وإلغائها من الوعي الجمعي العربي والعالمي، ولكنها كثيرًا ما ترتطم بصخرة الإيمان والكرامة، وبصمود شعبٍ جسور لا يعرف الانكسار، هو شعب فلسطين الأبي. 'عربات جدعون'.. عنوان ديني لحرب إبادة تجسيدًا لمساعي الاستئصال والاقتلاع، أطلقت إسرائيل على عمليتها العسكرية الجارية في قطاع غزة اسم 'عربات جدعون'، في إشارة إلى القائد التوراتي جدعون بن يوآش، الذي ينسب إليه في الأساطير التوراتية انتصارٌ إعجازي على الأعداء. وهكذا يتشح العدوان بغلالة دينية تمنحه طابعًا 'مقدسًا' في نفوس جنوده، وتبريرًا ضمنيًا لسفك الدماء، بذريعة الحرب على 'الشر'. لكن هذا الاسم، مهما بدا ضاربًا في رمزية القتال، لن يطمس حقيقة أن ما يجري هو محاولة مكشوفة لدفن الحقوق، وسحق إرادة شعب، واستغلال عالمي للإعلام والرأي العام لتزييف الحقائق وتشويه القضية. القصف مستمر.. والمجزرة تتواصل منذ السبت 17 مايو 2025، شرع الجيش الإسرائيلي في تنفيذ سلسلة غارات مكثفة على قطاع غزة، استهدفت أكثر من 150 موقعًا، مخلّفة عشرات الشهداء والجرحى، وموجة جديدة من الرعب والدمار. وبحسب مصادر ميدانية، باتت القوات الإسرائيلية تسيطر فعليًا على ما بين 35 و40 في المائة من أراضي القطاع، وسط خطط معلنة لتوسيع السيطرة العسكرية. وفي حديثه لوسائل الإعلام، أكد د. مروان السلطان، مدير المستشفى الإندونيسي شمال غزة، أن المستشفى استقبل في الساعات الأولى من السبت 58 شهيدًا و133 مصابًا، مشيرًا إلى أن 'الوضع كارثي، وعددٌ كبير ما زال تحت الركام'. الإعلام الغربي يغضّ الطرف.. والضمير العالمي يتراجع من أخطر أوجه هذه العملية هو التعتيم الإعلامي الذي رافقها منذ اللحظات الأولى. فقد غابت التغطيات المباشرة من بعض القنوات الكبرى، أو اكتفت بالإشارة إلى أن 'إسرائيل تردّ على هجمات'، متجاهلة عشرات الشهداء من المدنيين، وغضّت الطرف عن المجازر التي تُرتكب بحق شعب محاصر منذ سنوات. وبات واضحًا أن القضية الفلسطينية لم تعد تتصدّر الأخبار العاجلة كما في السابق، حيث تراجعت خطوط الدفاع الدولية، وتحوّلت 'الخطوط الحمراء' إلى رماد، في ظل صمتٍ دولي مخجل. ذاكرة الشعوب أقوى من القنابل ومع ذلك، فإن محاولات محو القضية الفلسطينية من الوعي لا تزال تصطدم بثوابت راسخة، أبرزها صمود غزة الذي يكتبه التاريخ بحبر من دم وكرامة. فحتى وإن تواطأت الأبواق الإعلامية، وتخاذلت بعض المواقف السياسية، فإن الشعب الفلسطيني يجدد العهد مع قضيته في كل لحظة. فكلما أُطلقت 'عربات جدعون' جديدة، نهض جيلٌ جديد يحمل الراية، ويصرخ: 'لن ننسى، ولن نغفر، ولن نخضع، مهما تخلى عنا الجميع'، فاللقاء مع الحق آتٍ، ونصر الله قادم، و'عند الله تجتمع الخصوم'. السفير د. أحمد سمير عضو هيئة ملهمي ومستشاري الأمم المتحدة السفير الأممي للشراكة المجتمعية رئيس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية


الأسبوع
منذ 34 دقائق
- الأسبوع
محافظ الأقصر يؤدي صلاة الجمعة بمسجد سيدي أبو الحجاج ويشارك الأهالي «تراحموا»
أحمد أبو عدبة أدى المهندس عبد المطلب عمارة، محافظ الأقصر، صلاة الجمعة اليوم بمسجد سيدي أبو الحجاج الأقصري بمدينة الأقصر. جاءت خطبة الجمعة، التي ألقاها فضيلة الشيخ مبارك علي محمد، إمام وخطيب المسجد، تحت عنوان "تراحموا"، وتناولت أهمية الرحمة في الشريعة الإسلامية وأثرها على الفرد والمجتمع. خلال خطبته، أكد إمام المسجد أن رحمة الله بعباده تتجلى في الأحكام والمبادئ والأخلاق التي شرعها لهم، والتي تعود بالنفع عليهم في الدنيا والآخرة، موضحًا أن امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، والوقوف عند الحدود هي كلها سبل لنيل رحمة الله. وعقب انتهاء شعائر الصلاة، التقى المحافظ بعدد من المواطنين والأهالي من أبناء مدينة الأقصر، في تفاعل مباشر يعكس حرصه على التواصل معهم والاستماع إلى مطالبهم. أدى صلاة الجمعة برفقة محافظ الأقصر كل من اللواء دكتور هشام الشيمي، السكرتير العام المساعد لمحافظة الأقصر، واللواء أحمد رمضان، رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالأقصر، وحاتم جابر، سكرتير مدينة الأقصر، بالإضافة إلى القيادات الأمنية والتنفيذية والشعبية بالمحافظة، ولفيف من قيادات مديرية أوقاف الأقصر.