٢١-٠٧-٢٠٢٥
الـ« فرى لانسر» .. آفاق جديدة فى العمل الحر
فى عالم يتسارع فيه التطور التكنولوجي، وأصبح للإنترنت مساحة كبيرة فى اتاحة انماط جديدة لكافة مناحى الحياة ومنها أساليب تأدية الأعمال وتزايد معدلات الإقبال عليها، واتاحة فرص عمل ومجالات تسويق تتخطى الحواجز الجغرافية، وتبرز أنظمة الحلول الذكية كأحد أهم المزايا التى يمكن أن تسهم فى تحسين الأعمال بشكل عام.
وأصبح العمل الحر أو الـ « فرى لانسر» أحد أهم الظواهر الاقتصادية التى تسهم فى تشكيل مستقبل العمالة ، ويوماً بعد يوم يتبنى قطاع كبير من الشباب فكرة العمل الحر كوسيلة لتحقيق الإستقلال المادى والمهنى من خلال استغلال مهاراتهم فى بيئة افتراضية.
وهو ما دعا الدولة المصرية إلى تبنى العديد من المبادرات الحكومية لدعم هذا النوع من التشغيل ودمجه ضمن خطط التنمية الاقتصادية ومنظومة التحول الرقمى فى كافة القطاعات. وخاصة بعد أن أصبح العمل الحر فرصة سانحة تتيح للأفراد العمل فى عالم افتراضى اقتحم معظم مجالات الحياة.
د. زياد عبد التواب - د. محمد خليف
الدكتور محمد خليف، استشارى الابتكار والتحول الرقمى وعضو مجلس بحوث الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بأكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا، يوضح ان العمل المستقل «فرى لانسر» يعد أحد التحولات الكبرى فى طبيعة سوق العمل الحديث، حيث يتيح للأفراد تقديم خدماتهم بشكل مرن خارج إطار الوظائف التقليدية، ومع التوسع فى استخدام الإنترنت برزت المنصات الإلكترونية كمحرك رئيسى لهذا التوجه ، ومن ثم انطلقت العديد من المنصات الخاصة بالعمل الحر، وهو ما دفع الكثير من الدول ومنها مصر إلى تبنى مبادرات حكومية رائدة تستهدف دعم هذا النمط من التشغيل ودمجه ضمن خطط التنمية الاقتصادية والتحول الرقمي، ومن خلال عدد من المبادرات القومية تسعى الحكومة المصرية إلى تمكين الشباب رقمياً وتحسين فرص التشغيل وتقليل معدلات البطالة، وخاصة بين خريجى الجامعات، ومن أبرز المبادرات فى هذا السياق مبادرة «مستقبلنا رقمي» والتى أطلقتها وزارة الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتى تستهدف تدريب الشباب على المهارات الرقمية اللازمة للعمل الحر عبر الإنترنت، ومبادرات مراكز الإبداع الرقمى التى تهدف إلى توفير بيئة حاضنة للمواهب وتقديم تدريبات تقنية وتوجيه نحو فرص العمل الحر وهذه المبادرات تسهم فى رفع مستوى المهارات الرقمية والذكاء الاصطناعى لدى الشباب ، ليس هذا فحسب ولكن أيضا تعزيز ثقافة العمل الريادى الحر وخلق فرص عمل غير تقليدية للشباب فى المحافظات، ما يدعم التنمية الإقليمية المتوازنة ويعمل على تقليل الضغط على الجهاز الإدارى للدولة من خلال تقليل الاعتماد على التوظيف الحكومي.
حقوق العاملين
ولأن العمل المستقل يمثل فرصة حقيقية لمصر لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، يؤكد الدكتور خليف أن الفرصة مهيأة لاستغلال إيجابيات العمل الحر شريطة أن يتم توجيهه ضمن إطار تنظيمى شامل يضمن حقوق العاملين ويحقق التكامل مع باقى جهود الدولة فى تمكين الشباب وتحقيق النمو الاقتصادي، حيث إن انتشار العمل المستقل دون تنظيم شامل قد يُضعف من التأثير الإيجابى لذلك التوجه بسبب غياب التأمينات الاجتماعية والرعاية الصحية، فلا يتمتع المستقلون بالحماية القانونية والاجتماعية المتوفرة فى الوظائف الرسمية، مما يخلق تحدياً أمام خطط الدولة لتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية، ونتيجة أيضا عدم توفر منظومة شفافة للعمل المستقل مما يؤدى لانخراط المستقلين فى الاقتصاد غير الرسمي، كما يؤدى هذا التوجه إلى عدم انتظام الدخل لدى المستقلين مما يجعل من الصعب الوفاء بالتزاماتهم المالية، كما يؤثر على الاستقرار الإقتصادى الفردى والمجتمعي، علاوة على ذلك فإن هذا التوجه عادة يعتمد على التعليم الذاتى لإكتساب الخبرة بعيداً عن الشركات المصرية مما يخلق فجوة مهارات غير محمودة، كما يؤدى للتقليل من قدرة الحكومة على تنظيم القطاع ولضمان الاستفادة المثلى من العمل المستقل ضمن الإطار الوطنى يجب تطوير سياسات حكومية داعمة تنظم هذا القطاع ومنها ابتكار أطر تضمن الحقوق والواجبات للعاملين المستقلين ، دمج العمل الحر ضمن حزمة سياسات التشغيل الرسمية، توفير نظم تسجيل وتوثيق للمستقلين لتسهيل إدماجهم ضمن الاقتصاد الرسمي، ومن الأهمية بمكان الربط بين منصات العمل الحر والمبادرات القومية للتدريب والتوظيف.
كيف أعمل «فرى لانسر»؟
الدكتور زياد عبد التواب خبير التحول الرقمى وأمن المعلومات وعضو لجنة الثقافة الرقمية بالمجلس الأعلى للثقافة يقسم العمل الحر» إلى قسمين رئيسيين، الأول: هو العمل الحر المعتاد فى الحياة الطبيعية والذى يتعين فيه على القائم بالعمل الالتقاء بالعملاء وجها لوجه وتقديم الخدمة أو المنتج إليهم مباشرة، والثانى يتم عبر شبكة الإنترنت ولا يحتاج فيه القائم بالعمل إلى اللقاء مع العملاء أو باقى أفراد الشركة، حيث يقوم بالعمل بالمنزل، ويقوم بتسليمه إلى العملاء عبر الشبكة مباشرة أو من خلال الشركة المتعاقد معها عبر شبكة الانترنت، وهو يتميز باتساع النطاق الجغرافى مقارنة بالنوع الأول، ففيه يمكن ان يكون الموظف فى أقاصى صعيد مصر والشركة فى أوروبا والعملاء فى الشرق الأقصى وتتم كافة اللقاءات والإتفاقات والتسليمات عبر شبكة الإنترنت، ويتم دفع المستحقات المالية أيضا من خلال وسائل الدفع غير النقدى مثل كروت الائتمان أو الحسابات البنكية أو المحافظ الإلكترونية، حيث يحتاج هذا النوع من المعاملات إلى بنية تحتية قوية ومستقرة وإلى توافر آليات الدفع غير النقدي، كما يحتاج لأدوات أخرى للتحقق من الشركات والعملاء وحوكمة وتنظيم العلاقة بينهم وأيضاً إلى بعض الأدوات التقنية لكسر حاجز اللغة بينهم إن وجد.
إحصائيات محلية وعالمية
ووفقا للإحصائيات التى يذكرها الدكتور زياد فإن التوجه نحو العمل الحر فى ازدياد وبأعداد كبيرة ، فمصر تمتلك ميزة تنافسية كبيرة حيث نجد أن حوالى 75% من عدد السكان تحت سن الأربعين اى أنهم قادرون على التعامل مع أدوات العصر بسهولة، بالإضافة إلى المبادرات التدريبة المتعددة التى تقدمها وزارة الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتى تشمل تطوير هذا النمط من انماط العمل من خلال أربعة محاور رئيسية وهى إتاحة البرامج التدريبية، وتطوير خدمات الإنترنت، وتوفير مساحات مجهزة للعمل، بالإضافة إلى تقديم الحوافز والدعم للمهنيين المستقلين، ومن الجدير بالذكر أنه تم إنشاء 23 مركزا للإبداع بالمحافظات، ومن المتوقع اتمامهم27 لتغطية كافة المحافظات بنهاية العام الحالي، وللتدليل على تنامى حجم العمل الحر فإن تصريحات وزارة الاتصالات تشير إلى وجود (390 – 595 ألف حساب مصري) على منصات العمل الحر هذا العام مقارنة ب (50 ألف حساب فى 2020) وهو ما دفع الوزارة الى بناء منصة رقمية للمهنيين المستقلين تتضمن مجموعة من المميزات لهم بما فى ذلك توفير خدمات استشارية فى مجال الضرائب، وتمكينهم من كتابة عقود منمطة وفتح حساب بنكي، ووفقاً لإحصائيات ابريل 2023 تشير الى أن مصر تحتل المركز الرابع عالميًّا فى اعداد المهنيين المستقلين صعودًا من المركز السادس، كما تحسن ترتيب مصر 6 مراكز خلال عامين فى تصنيف نصيب الدولة فى سوق العمل العالمى للمهنيين المستقلين لتصبح فى المركز الثامن مقارنةً بالمركز 14، بينما تشير الاحصائيات العالمية حول حجم المهنيين المستقليين كثيرة ومتعددة، منها ما تقوم به أحد أشهر الشركات الامريكية للخدمات المالية، والتى تصدر تقريرا سنويا يوضح تزايد الطلب على هذا النمط من العمل كما توضح فى أحد تقاريرها ان متوسط الأجر فى حدود 24 دولارا للساعة وان أكثر من 70% من هؤلاء المهنيين يجدون العمل من خلال المواقع والمنصات المتخصصة، فيما تشير الإحصائيات إلى أن أكثر القطاعات إقبالاً هى البرمجة والتسويق الإلكترونى وخدمات التعهيد وإدارة المشروعات وتصميم المواقع الإلكترونية وخدمات الموارد البشرية والخدمات المالية. ويختتم الدكتور زياد حديثه عن سبل حماية العمل الحر عبر الإنترنت، والتى تبدأ بحماية البيانات و المعلومات، فيما يعرف بالأمن السيبرانى كما يوجد أساليب اخرى للتعاقد من خلال العقود الذكية وكذلك التأمين بالإضافة إلى وجود أساليب لاكتشاف المنصات المخادعة لتجنب النصب منها التحقق من المنصة وإجراءات تسجيلها ومن دولة المنشأ والقوانين التى تحكم عملها.