#أحدث الأخبار مع #«وطرالروح»الوسط٢٢-٠٣-٢٠٢٥ترفيهالوسط«أُقفل المحضر في ساعته وتاريخه».. حين تتحول القصص إلى مرايا تكشف عوراتنا الخفيةفي المجموعة القصصية «أُقفل المحضر في ساعته وتاريخه»، الصادرة عن مؤسسة «غايا للنشر» للشاعرة والروائية وئام أبوشادي، يتجلى دور المثقف الحقيقي الذي لا يتكئ على جدران الرفض، مكتفيًا بلعن الواقع وأهله، بل تقف القاصة والروائية في صفوف الناس، لتكشف عوار أخلاقيات مسيئة، وتَرْأَبَ صدعَ عوراتٍ أخلاقيةٍ مستشرية. في البدء كانت الكلمة، الرسالة، والهدف والوعي والتنوير، بدءًا من كونها مزمورًا، أو آية، حتى تبلورت قصيدة، ثم رواية أو قصة، لتصبح فنًا يتماهى مع الفن الأول «المسرح» ويتجاور مع ما لحقه من فنون، لمحاولة فهم هذا الكائن الذي أُمرت المخاليق بالسجود له، وأعرض الشيطان، لعله لو أدرك أن أَبْلَسَةَ ابن آدم فاقت قدرته على الغواية؛ لسجد. في الوقت الذي يكتب الأغلبية عن الكلاب الضالة، بينما يُكرّس لضلال الإنسان، تقترب أبوشادي من مكمن الوجع في اثنتي عشرة قصة، متخذةً من جرائم الإنسان منطلقًا لرصد الخطيئة الحقيقية، وتُعلن عن السبب، فيما تُدين المُتسبِّب غير المباشر، كالظلم الاجتماعي والانهيار الأخلاقي. يتميز أسلوب أبوشادي، صاحبة روايتي «وطر الروح» و«كنت أنا»، وديواني شعر النثر «لا أحد مر من هنا» و«قربان لا يقبله الرب»، بالثراء اللغوي والانزياحات البلاغية، من خلال اعتمادها على الاستعارة والمجاز بشكل مكثف، كما في قصة «عائشة» التي تصف مشاعر الأم الثائرة بجمل ثرية. لكنّ هذا الثراء أحيانًا يُثقل النص، وأحيانا يُفقد الحدث تأثيره العاطفي بسبب الإفراط في التفاصيل. الشخصيات في المجموعة معقدة وتجسد صراعات داخلية واجتماعية عميقة. في «أربعة جدران»، البطل «رحيم» يعاني من الفقر واليأس، محاولًا بيع كليته لإنقاذ أسرته، مما يجسد إلى أي حال وصلت تداعيات الصراع الطبقي. أما في «امرأة عادية»، تظهر الثورة المصرية كخلفية لانهيار العلاقات الإنسانية، دون التعمق في التحليل السياسي، مكتفيًا بالإشارة إلى «الشارع المحترق» دون تعمق في الأسباب أو النتائج، والتركيز على المواضيع المتكررة. - - - تتفاوت القصص في تماسكها. فمثلاً قصة «المشهد الأخير لنجيب الرحاني» تُقدّم حبكة متماسكة تنتهي بمفارقة درامية، بينما تتعثر قصة «شريعة التكرار» في تعقيدات زمنية. فيما جاءت بعض القصص القصيرة مثل «صك براءة» تاركةً الأحداث معلقة. حتى عندما تتحقق الأحلام، كحصول البطل على الشقة في «أربعة جدران»، تتحول إلى سراب: «فردوسٌ ينهار عند أول ضغطة باب». الكاتبة تُذكِّرنا أن في عالمٍ تُهيمن عليه القوة، تكون الأحلامُ عبثية. تنقل الكاتبة تفاصيل الحياة اليومية بدقةٍ مُرعبة: شقوق الجدران، ورائحة القهوة البائسة، وصراخ الأطفال في الأحياء العشوائية. هذه التفاصيل ليست خلفيةً فحسب، بل شخصياتٌ فاعلةٌ تروي ظلمَ المكان. في وصف حارة «النواوي»: «ناس هنا كالظلال... ضحكهم المرّ لا لون له». تتناوب الأصوات بين الرجل والمرأة، الفقير والغني، الضحية والجلاد. في «المشهد الأخير لنجيب الريحاني»، يُروى المشهد من وجهة نظر المحققين، ثم ينكسر السرد ليكشف عن يوميات الضحية. هذا التعدد يُذكِّر بأن كل شخصيةٍ هي عالمٌ قائمٌ بذاته. تحتل المرأة مكانةً مركزيةً في النصوص، ليس كضحيةٍ فحسب، بل كصانعةٍ لمصيرها. في «صك براءة»، تتحول الأم إلى متسولةٍ بعد اتهامها زوراً، لكنها ترفض الانكسار. بينما في «امرأة عادية»، تُظهر «بثينة» كيف تُحاصر المرأة بين تقاليد المجتمع وخيانات الزوج. الكاتبة لا تقدم نساءً ملائكيات، بل كائناتٍ معقدةٍ تخطئ وتصمد، كقولها: «كلنا فاسدون، لا أستثني أحداً». تستخدم الكاتبة تيار الوعي لفضح التناقضات الداخلية للشخصيات. في قصة بيع الكلى، يتداخل حديث البطل مع ذكريات أمه وأصوات المجتمع: «ماذا ستفعل بعد نفاد المبلغ؟ هل ستُباع أجزاء أخرى من جسدك؟». هذا الأسلوب يُظهر هشاشة الإنسان أمام إغراءات اليأس. تقنيات سردية في إطار شاعري تتميز النصوص القصصية بتنوعٍ لافت في التقنيات السردية، يُحاكي تشظِّي الواقع المعاصر وتعقيدات الذات الإنسانية. هذا التعدد ليس مجرد زخرفة فنية، بل أداةٌ لخلق حوارٍ بين القارئ والنص. رغم القسوة، تطفو اللغة الشعرية كضوءٍ في العتمة. في «لا نموت إن قبل»، تُصوَّر الدموع كـ«شلالات نياجرا»، والذاكرة كـ«بالون يطفو في ليلة العيد». هذه الاستعارات تحوِّل الألم إلى فن، وكأن الكاتبة تقول: حتى في الجحيم، تُزهر الكلمات. القصص تنجح في إثارة المشاعر عبر تصوير المعاناة الإنسانية بواقعية قاسية، كما في «هناء» التي تجسد معاناة المرأة الريفية: «هي التي أمضت عمرها تُنظف بيوت الآخرين بينما بيتها ينهار». لكنّ التركيز على المأساوية يُطغِي أحيانًا على التوازن العاطفي، كما أنها تتسم بجرأة في تناول قضايا مثل العنف الأسري، والفساد، والاتجار بالأعضاء. «أقفل المحضر في ساعته وتاريخه» تُقدم بلغة شعرية غنية بالصور المؤثرة لوحة قاتمة عن الوجود الإنساني في عالم مُفكك، لكنها تنجح أكثر كمرآة تعكس الألم اليومي بدلًا من كونها نافذة تُطل على حلول أو أمل. تبقى المجموعة محاولة جدية تستحق القراءة لمَن يبحث عن أدبٍ لا يخشى مواجهة القبح. هذه النصوص ليست مجرد حكايات، بل شهاداتٌ على زمنِ انكسار. الكاتبة ترفض التزيين أو التبرير، تقدم الشخصيات كما هي: بشرٌ يعيشون على الحافة، يُصارعون من أجل البقاء بكرامة. رغم القتامة، هناك بصيص أملٍ يتسلل عبر الكلمات، كضوءِ شمعةٍ في غرفةٍ مظلمة: «حتى في السجن، تُصبح الجدران أربعة شهودٍ على أننا ما زلنا أحياء». هذا الأمل لا ينبع من انتصاراتٍ كبرى، بل من قدرة الإنسان على النهوض، وأنه لا تزال «هناك أقوال أخرى».
الوسط٢٢-٠٣-٢٠٢٥ترفيهالوسط«أُقفل المحضر في ساعته وتاريخه».. حين تتحول القصص إلى مرايا تكشف عوراتنا الخفيةفي المجموعة القصصية «أُقفل المحضر في ساعته وتاريخه»، الصادرة عن مؤسسة «غايا للنشر» للشاعرة والروائية وئام أبوشادي، يتجلى دور المثقف الحقيقي الذي لا يتكئ على جدران الرفض، مكتفيًا بلعن الواقع وأهله، بل تقف القاصة والروائية في صفوف الناس، لتكشف عوار أخلاقيات مسيئة، وتَرْأَبَ صدعَ عوراتٍ أخلاقيةٍ مستشرية. في البدء كانت الكلمة، الرسالة، والهدف والوعي والتنوير، بدءًا من كونها مزمورًا، أو آية، حتى تبلورت قصيدة، ثم رواية أو قصة، لتصبح فنًا يتماهى مع الفن الأول «المسرح» ويتجاور مع ما لحقه من فنون، لمحاولة فهم هذا الكائن الذي أُمرت المخاليق بالسجود له، وأعرض الشيطان، لعله لو أدرك أن أَبْلَسَةَ ابن آدم فاقت قدرته على الغواية؛ لسجد. في الوقت الذي يكتب الأغلبية عن الكلاب الضالة، بينما يُكرّس لضلال الإنسان، تقترب أبوشادي من مكمن الوجع في اثنتي عشرة قصة، متخذةً من جرائم الإنسان منطلقًا لرصد الخطيئة الحقيقية، وتُعلن عن السبب، فيما تُدين المُتسبِّب غير المباشر، كالظلم الاجتماعي والانهيار الأخلاقي. يتميز أسلوب أبوشادي، صاحبة روايتي «وطر الروح» و«كنت أنا»، وديواني شعر النثر «لا أحد مر من هنا» و«قربان لا يقبله الرب»، بالثراء اللغوي والانزياحات البلاغية، من خلال اعتمادها على الاستعارة والمجاز بشكل مكثف، كما في قصة «عائشة» التي تصف مشاعر الأم الثائرة بجمل ثرية. لكنّ هذا الثراء أحيانًا يُثقل النص، وأحيانا يُفقد الحدث تأثيره العاطفي بسبب الإفراط في التفاصيل. الشخصيات في المجموعة معقدة وتجسد صراعات داخلية واجتماعية عميقة. في «أربعة جدران»، البطل «رحيم» يعاني من الفقر واليأس، محاولًا بيع كليته لإنقاذ أسرته، مما يجسد إلى أي حال وصلت تداعيات الصراع الطبقي. أما في «امرأة عادية»، تظهر الثورة المصرية كخلفية لانهيار العلاقات الإنسانية، دون التعمق في التحليل السياسي، مكتفيًا بالإشارة إلى «الشارع المحترق» دون تعمق في الأسباب أو النتائج، والتركيز على المواضيع المتكررة. - - - تتفاوت القصص في تماسكها. فمثلاً قصة «المشهد الأخير لنجيب الرحاني» تُقدّم حبكة متماسكة تنتهي بمفارقة درامية، بينما تتعثر قصة «شريعة التكرار» في تعقيدات زمنية. فيما جاءت بعض القصص القصيرة مثل «صك براءة» تاركةً الأحداث معلقة. حتى عندما تتحقق الأحلام، كحصول البطل على الشقة في «أربعة جدران»، تتحول إلى سراب: «فردوسٌ ينهار عند أول ضغطة باب». الكاتبة تُذكِّرنا أن في عالمٍ تُهيمن عليه القوة، تكون الأحلامُ عبثية. تنقل الكاتبة تفاصيل الحياة اليومية بدقةٍ مُرعبة: شقوق الجدران، ورائحة القهوة البائسة، وصراخ الأطفال في الأحياء العشوائية. هذه التفاصيل ليست خلفيةً فحسب، بل شخصياتٌ فاعلةٌ تروي ظلمَ المكان. في وصف حارة «النواوي»: «ناس هنا كالظلال... ضحكهم المرّ لا لون له». تتناوب الأصوات بين الرجل والمرأة، الفقير والغني، الضحية والجلاد. في «المشهد الأخير لنجيب الريحاني»، يُروى المشهد من وجهة نظر المحققين، ثم ينكسر السرد ليكشف عن يوميات الضحية. هذا التعدد يُذكِّر بأن كل شخصيةٍ هي عالمٌ قائمٌ بذاته. تحتل المرأة مكانةً مركزيةً في النصوص، ليس كضحيةٍ فحسب، بل كصانعةٍ لمصيرها. في «صك براءة»، تتحول الأم إلى متسولةٍ بعد اتهامها زوراً، لكنها ترفض الانكسار. بينما في «امرأة عادية»، تُظهر «بثينة» كيف تُحاصر المرأة بين تقاليد المجتمع وخيانات الزوج. الكاتبة لا تقدم نساءً ملائكيات، بل كائناتٍ معقدةٍ تخطئ وتصمد، كقولها: «كلنا فاسدون، لا أستثني أحداً». تستخدم الكاتبة تيار الوعي لفضح التناقضات الداخلية للشخصيات. في قصة بيع الكلى، يتداخل حديث البطل مع ذكريات أمه وأصوات المجتمع: «ماذا ستفعل بعد نفاد المبلغ؟ هل ستُباع أجزاء أخرى من جسدك؟». هذا الأسلوب يُظهر هشاشة الإنسان أمام إغراءات اليأس. تقنيات سردية في إطار شاعري تتميز النصوص القصصية بتنوعٍ لافت في التقنيات السردية، يُحاكي تشظِّي الواقع المعاصر وتعقيدات الذات الإنسانية. هذا التعدد ليس مجرد زخرفة فنية، بل أداةٌ لخلق حوارٍ بين القارئ والنص. رغم القسوة، تطفو اللغة الشعرية كضوءٍ في العتمة. في «لا نموت إن قبل»، تُصوَّر الدموع كـ«شلالات نياجرا»، والذاكرة كـ«بالون يطفو في ليلة العيد». هذه الاستعارات تحوِّل الألم إلى فن، وكأن الكاتبة تقول: حتى في الجحيم، تُزهر الكلمات. القصص تنجح في إثارة المشاعر عبر تصوير المعاناة الإنسانية بواقعية قاسية، كما في «هناء» التي تجسد معاناة المرأة الريفية: «هي التي أمضت عمرها تُنظف بيوت الآخرين بينما بيتها ينهار». لكنّ التركيز على المأساوية يُطغِي أحيانًا على التوازن العاطفي، كما أنها تتسم بجرأة في تناول قضايا مثل العنف الأسري، والفساد، والاتجار بالأعضاء. «أقفل المحضر في ساعته وتاريخه» تُقدم بلغة شعرية غنية بالصور المؤثرة لوحة قاتمة عن الوجود الإنساني في عالم مُفكك، لكنها تنجح أكثر كمرآة تعكس الألم اليومي بدلًا من كونها نافذة تُطل على حلول أو أمل. تبقى المجموعة محاولة جدية تستحق القراءة لمَن يبحث عن أدبٍ لا يخشى مواجهة القبح. هذه النصوص ليست مجرد حكايات، بل شهاداتٌ على زمنِ انكسار. الكاتبة ترفض التزيين أو التبرير، تقدم الشخصيات كما هي: بشرٌ يعيشون على الحافة، يُصارعون من أجل البقاء بكرامة. رغم القتامة، هناك بصيص أملٍ يتسلل عبر الكلمات، كضوءِ شمعةٍ في غرفةٍ مظلمة: «حتى في السجن، تُصبح الجدران أربعة شهودٍ على أننا ما زلنا أحياء». هذا الأمل لا ينبع من انتصاراتٍ كبرى، بل من قدرة الإنسان على النهوض، وأنه لا تزال «هناك أقوال أخرى».