أحدث الأخبار مع #آرتيآل،


الشروق
١١-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الشروق
تحذير القنوات الفرنسية من الإمعان في تجريم الاستعمار!
يطبع الموقف الرسمي من قضية الماضي الاستعماري لفرنسا في الجزائر، تخبطا كبيرا، جسدته المواقف التي صدرت عن مؤسسات فرنسية، على غرار ما حصل مع هيئة تنظيم البث الإذاعي والتلفزيوني، والتي هدمت كل ما بناه ماكرون على صعيد الذاكرة، في لحظة من جنون الهروب إلى الأمام لكون الأمر يتعلق بالجزائر. وبعد نحو شهرين ونصف من التصريحات الجريئة وغير المسبوقة التي صدرت عن الصحفي الفرنسي والباحث في التاريخ، جون ميشال أباتي، والتي شبه فيها جرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر بجرائم النازية، خرجت هيئة تنظيم البث الإذاعي والتلفزيوني في فرنسا، لتعبر عن رفضها لتلك التصريحات، وتحذر بالمقابل القنوات والإذاعات الفرنسية من السماح ببث تلك التوصيفات، في ضربة موجعة لحرية التعبير التي تدعي باريس أنها تقدسها. وكان جون ميشال أباتي قد اتهم جيش الاحتلال الفرنسي بارتكاب فظائع في الجزائر، تفوق مئات المرات فظائع ألمانيا النازية في فرنسا، وكان يشير هنا إلى مجزرة 'أورادور سير غلان'، التي أباد فيها الجيش النازي قرية فرنسية بأكملها. وقال الصحفي والمؤرخ على أمواج إذاعة 'آر تي آل'، إن الجيش الفرنسي ارتكب مئات المجازر من أمثال 'أورادور سير غلان' في الجزائر. وبررت الهيئة قرارها هذا الذي رفع الستار عنه بعد يوم واحد فقط من تخليد الجزائر ذكرى مجازر الثامن من ماي 1945، بكون ذلك يعتبر 'شكلا من أشكال إضفاء الطابع النسبي على النازية' (Relativisation du nazisme)، ويقصد به محاولة التقليل من خطورة جرائم النظام النازي، من خلال مقارنتها بجرائم أخرى أو تبريرها بتقديمها في سياق يخفي وحشيتها. ويتضح من خلال بيان هيئة تنظيم البث الإذاعي والتلفزيوني الفرنسية أن السلطات الفرنسية في عهد إيمانويل ماكرون، ماضية في إنكار الجرائم الوحشية التي ارتكبها جيشها الاستعماري في الجزائر، في محاولة يائسة للهروب إلى الأمام، في سياق يطبعه تراجع الرجل الأول في قصر الإيليزي، عن الالتزامات التي قطعها على نفسه وصرح بها في سنة 2017 من الجزائر عندما كان مرشحا للانتخابات الرئاسية. ويمكن قراءة بيان الهيئة (أركوم) كما يختصرها الفرنسيون، على أنه تمييز فاضح وعنصري بين دم البشر بغض النظر عن العرق والهوية، فما ارتكبه الجيش النازي بحق الفرنسيين، يعتبر جريمة وحشية لا تغتفر، لكن عندما يتعلق الأمر بجرائم فرنسا في الجزائر والتي فاقت وحشية النازية (نحو سبعة ملايين شهيد في 132 سنة)، تبقى أقل جرما ووحشية من جرائم النازية، في موقف يصب في خانة 'الإنكار'، أو ما يسميها الفرنسيون 'La negation'، ما يضع جدية الرئيس الفرنسي في الذهاب بعيدا في قضية الذاكرة، مجرد تسويق لا غير. ما صدر عن هيئة ضبط السمعي البصري في فرنسا، ينسجم تماما مع تسريبات كانت قد أوردتها قبل أزيد من أسبوع صحيفة 'ليبراسيون'، جاء فيها أن فرنسا قررت السير في خيار تعليق الاعتراف بمجازر الثامن من ماي 1945، بسبب الأزمة الدبلوماسية المتفاقمة بين البلدين، وهو ما تأكد، حيث لم تقدم باريس هذه السنة على أي مبادرة لتخليد هذه الذكرى، باستثناء زيارة قادت القائم بأعمال السفارة الفرنسية في الجزائر، إلى مكان الجريمة بسطيف، لوضع إكليل من الأزهار بالقرب من تمثال بوزيد سعال، الذي يعتبر أول شهيد ارتقى في تلك المجازر الوحشية. السلطات الفرنسية وانطلاقا من قرار 'أركوم' وتسريبات ليبراسيون، يتضح أنها تتعامل مع قضية الذاكرة الاستعمارية، من منطلق سياسي انتهازي وليس من منطلق إنساني وأخلاقي، وبانتهاجها سياسة الهروب إلى الأمام، فهي لن تستطيع تنظيف ساحتها من الجرائم الوحشية التي ارتكبتها في الجزائر، كما ستبقى الجزائر تطالب بضرورة تحمل باريس مسؤوليتها كاملة، مسببة لها إحراجا سيظل يرهقها إلى أن تقرر الاعتراف بجرائمها وتعتذر للجزائريين. ومن شأن هذه التطورات أن تزيد من تعقيد مهمة لجنة الذاكرة التي تم تجميد نشاطها إلى إشعار آخر بعد تبادل طرد الدبلوماسيين من الجانبين، في أعقاب الاعتقال الاستعراضي للإطار القنصلي الجزائري بفرنسا قبل أزيد من شهر من الآن.


الشروق
٠٥-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الشروق
'أورادور' الجزائر كانت بالآلاف والنازية تلميذ للاستعمار
قبل أيام ثارت ثائرة الفرنسيين من بقايا الحالمين بـ'الجزائر الفرنسية' من اليمين المتطرف، ضد الصحفي والمؤرخ، جون ميشال أباتي، لأنه قال إن جيش الاحتلال الفرنسي ارتكب مئات 'أورادور سير غلان' في الجزائر، في إشارة إلى مجزرة ارتكبتها ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، ضد الفرنسيين. وقد تسببت هذه الحادثة كما هو معلوم، في استقالة الصحفي من المحطة الإذاعية، 'آر تي آل'، غير أنها لم تكن الأولى من نوعها في تاريخ فرنسا الحديث، وهي الحقيقة التي توصل إليها المؤرخ الفرنسي، ألان روسيو، الذي توصل إلى وثيقة تؤكد ما قاله جون ميشال أباتي، تعود إلى العام 1945، التي شهدت ارتكاب جيش الاحتلال الفرنسي واحدة من أبشع جرائمه في الجزائر، وهي أحداث الثامن من ماي 1945. وكتب المؤرخ ألان روسيو تحقيقا أوردته جمعية التاريخ الاستعماري وما بعد الاستعماري، جاء تحت عنوان: 'أورادور' الاستعمارية: اتهام متكرر بعد عام 1945″، وفيه قارن المؤرخ العديد من الإدانات للجرائم الاستعمارية الفرنسية وجرائم النازية في أورادور سور غلان'. يقول ألان روسيو: 'إن الصراخ والاحتجاجات الغاضبة التي رافقت تصريحات الصحفي جان ميشيل أباتي بشأن 'المجازر العديدة' التي ارتكبها الجيش الفرنسي أثناء غزو الجزائر تثير تساؤلات. كان الموضوع السائد هو: الجنود الفرنسيون غير قادرين على فعل هذا. ومع ذلك، إذا كانت الذاكرة التاريخية مفقودة لدى العديد من معاصرينا، بدءا من السياسيين (ومثال فلورنس بورتيلي، المنتخبة من قبل حزب لوبان، له دلالة كبيرة) والمتخصصين في كل شيء الذين عرضوا أنفسهم على المجموعات، فإن الكتابات تظل موجودة. والحقيقة أن أوجه التشابه بين الممارسات الاستعمارية والنازية بدأت منذ عصر الاستعمار المأساوي. وليس فقط من قبل الأيديولوجيين أو السياسيين اليساريين'. وتوقف المؤرخ عند العديد من الجرائم الفرنسية المشابهة لجرائم ألمانيا النازية، متسائلا: 'كم عدد الأورادور في الهند الصينية؟' أي الفيتنام، وفي سنة 1950 بمستعمرة مدغشقر، التي وصفت بـ'الحرب المقززة'، بحيث أقدم جيش الاحتلال الفرنسي على القيام بقمع وحشي ضد ثورة الشعب الملغاشي. غير أن أبشع وأفظع المجازر كانت في الجزائر ولاسيما بعد اندلاع الثورة التحريرية، وأشارت الدراسة إلى تدمير قرية بعين مليلة، ووصفتها مجلة 'لي تون موديرن' بـ'أورادور' الجزائرية. وجاء في الدراسة: 'في أوت 1955، اهتزت منطقة قسنطينة ببداية التمرد (الثورة التحريرية). إن الشعب الجزائري الذي يتذكر بوضوح المجازر التي ارتكبت في المنطقة قبل عشر سنوات، ينفذ عمليات اغتيال. تم قتل 171 أوروبي. القمع وحشي وواسع النطاق. وقد تم إحصاء رقم 10000 ضحية'. وفي الخامس من سبتمبر عام 1955، نشرت صحيفة 'ليبراسيون' اليومية، التي كان يديرها آنذاك إيمانويل داستيي دو لا فيجيري، شهادة روبير ميرل، ندد فيها بالقمع الأعمى: 'مقابل مقتل أوروبي واحد، يُقتل 10 أو 20 عربيا رميا بالرصاص دون محاكمة، تضيف الدراسة. يحق للرأي العام العالمي أن يخشى من وجود 'الأورادوريين' في الجزائر وأننا نتجه نحو حرب إبادة عنصرية'. وفي 12 أكتوبر 1955 اعتلى النائب الاشتراكي، مصطفى بن باحمد منصة الجمعية الوطنية (الغرفة السفلى للبرلمان الفرنسي)، ليقول: 'في دوار آيت كزين، وهي بلدة مختلطة في أقبو، وبعد تدمير جرافة على يد المجاهدين، وصل ضابط فرنسي برفقة مفرزة، حاملاً قائمة في يده. جمع أحد عشر شخصًا، بينهم صبي في العاشرة من عمره لم يرغب في ترك والده، وأطلق النار عليهم بالقرب من قريتهم. وهنا أيضًا، لن يتمكن وزير الداخلية (ملاحظة المحرر: موريس بورجيس مونوري) من إنكار حقائق تتجاوز بكثير ما حدث في أورادور سور غلان'. ويؤكد ألان روسيو أنه 'خلال هذه الحرب، كانت هناك صرخات احتجاج لا حصر لها، والتي أظهرت أوجه التشابه بين جرائم النازية (التي كانت حاضرة في ذاكرة الجميع آنذاك، وخاصة ذكريات مقاتلي المقاومة السابقين). بدءًا من جيرمين تيليو: 'كانت هناك، في عام 1957، في الجزائر، ممارسات تشبه ممارسات النازية'. وأمام هذه المجازر الوحشية، خرج جامعيون وناشطون، من بينهم هنري سيمون، أستاذ الأدب في الجامعة الكاثوليكية في ليل، محذرا: 'يجب أن يعلم الفرنسيون أنه لم يعد لديهم الحق في إدانة مرتكبي أورادور وجلادي الغيستابو (مخابرات ألمانيا النازية) بنفس العبارات التي استخدموها قبل عشر سنوات'.