logo
#

أحدث الأخبار مع #آلةالأحلام

هل يصبح الذكاء الاصطناعي واعياً يوماً ما؟
هل يصبح الذكاء الاصطناعي واعياً يوماً ما؟

الوسط

timeمنذ 3 أيام

  • علوم
  • الوسط

هل يصبح الذكاء الاصطناعي واعياً يوماً ما؟

Reuters دخلتُ المقصورة بخوف. كنتُ على وشك التعرض لضوء ستروب بينما كانت الموسيقى تعزف- كجزء من مشروع بحثي يحاول فهم ما يجعلنا بشراً حقيقيين. إنها تجربة تُذكرني باختبار فيلم الخيال العلمي "بليد رانر"، المُصمم للتمييز بين البشر والكائنات الاصطناعية التي تتخذ شكل بشر. هل يُمكنني أن أكون روبوتاً من المستقبل دون أن أعرف؟ وإذا ما حصل، فهل سأنجح في الاختبار؟ أكد لي الباحثون أن هذا ليس جوهر هذه التجربة. فالجهاز الذي يُطلقون عليه اسم "دريماشين" وهو مايعني باللغة الإيرلندية "آلة الأحلام" مُصمم لدراسة كيفية توليد الدماغ البشري لتجاربنا الواعية للعالم. مع بدء الضوء الوامض، ورغم أن عينيّ مغمضتان، رأيتُ أنماطاً هندسية ثنائية الأبعاد تدور. كان الأمر أشبه بالقفز في منظار متغير باستمرار، مع مثلثات وخماسيات ومثمنات تتحرك باستمرار. الألوان زاهية، مكثفة، ومتغيرة باستمرار، وردي، أرجواني، وفيروزي، جميعها تتوهج كأضواء النيون. يُبرز جهاز "دريماشين" النشاط الداخلي للدماغ من خلال أضواء وامضة، بهدف استكشاف آلية عمل عمليات التفكير لدينا. BBC المراسل العلمي في بي بي سي، بالاب، يجرب "آلة الأحلام"، التي تهدف إلى اكتشاف كيفية خلق تجاربنا الواعية للعالم. الصور التي أراها فريدة من نوعها بالنسبة لعالمي الداخلي، وفريدة من نوعها بالنسبة لي، وفقاً للباحثين. يعتقدون أن هذه الأنماط قادرة على تسليط الضوء على الوعي نفسه. يسمعونني أهمس "إنه رائع، رائع للغاية. إنه أشبه بالتحليق داخل ذهني!". تُعدّ "آلة الأحلام"، في مركز علوم الوعي بجامعة ساسكس البريطانية، واحدة من مشاريع بحثية جديدة عديدة حول العالم تدرس الوعي البشري: ذلك الجزء من عقولنا الذي يُمكّننا من الوعي بذاتنا، والتفكير والشعور، واتخاذ قرارات مستقلة بشأن العالم. من خلال دراسة طبيعة الوعي، يأمل الباحثون في فهم ما يحدث داخل أدمغة السيليكون التابعة للذكاء الاصطناعي بشكل أفضل. ويعتقد البعض أن أنظمة الذكاء الاصطناعي ستُصبح قريباً واعية بشكل مستقل، إن لم تكن قد فعلت ذلك بالفعل. ولكن ما هو الوعي حقاً، وما مدى قرب الذكاء الاصطناعي من اكتسابه؟ وهل يُمكن للاعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي قد يكون واعياً بحد ذاته أن يُغير البشر جذرياً في العقود القليلة القادمة؟ من الخيال العلمي إلى الواقع لطالما استُكشفت فكرة الآلات ذات العقول المستقلة في الخيال العلمي. وتعود المخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي إلى ما يقرب من مئة عام، وتحديداً إلى فيلم "متروبوليس"، حيث يُجسّد روبوت امرأة حقيقية. Reuters الخوف من أن تُصبح الآلات واعية وتُشكّل تهديداً للبشر كان واضحاً في فيلم "2001 ملحمة الفضاء" الذي عرض عام 1968، ويحكي قصة حاسوب يدعى "هال 9000" يُهاجم رواد الفضاء على متن مركبته الفضائية. وفي الفيلم الأخير من سلسلة أفلام "المهمة المستحيلة"، الذي عُرض مؤخراً، يُهدد العالم ذكاء اصطناعي قويّ مارق، وصفه أحد الشخصيات بأنه "طفيلي رقمي واعي، يتعلم ذاتياً، ويلتهم الحقيقة". لكن في الآونة الأخيرة، شهد العالم الحقيقي تحولاً سريعاً في التفكير في وعي الآلة، حيث أعربت أصوات موثوقة في هذا المجال عن قلقها من أن هذا لم يعد ضرباً من الخيال العلمي. وقد حفز هذا التحول المفاجئ نجاح ما يُسمى بنماذج اللغة الكبيرة (LLMs)- نوع من الذكاء الاصطناعي الذي يستخدم التعلم العميق لفهم اللغة البشرية وتوليدها-، أو برامج الذكاء الاصطناعي، والتي يمكن الوصول إليها عبر تطبيقات على هواتفنا مثل جيميناي وتشات جي بي تي. وقد فاجأت قدرة أحدث جيل من نماذج اللغة الكبيرة على إجراء محادثات منطقية وسلسة حتى مصمميها وبعض الخبراء الرائدين في هذا المجال. وهناك رأي متزايد بين بعض المفكرين بأنه مع ازدياد ذكاء الذكاء الاصطناعي، ستُضاء الأضواء فجأة داخل الآلات وستصبح واعية. ويختلف آخرون، مثل البروفيسور أنيل سيث، قائد فريق جامعة ساسكس، مع هذا الرأي، واصفين هذا الرأي بأنه "متفائل بشكل أعمى ومدفوع بالاستثنائية البشرية". يقول أنيل "نربط الوعي بالذكاء واللغة لأنهما مرتبطان بالبشر. ولكن مجرد ارتباطهما بنا لا يعني بالضرورة ارتباطهما بشكل عام، على سبيل المثال بالحيوانات". إذن، ما هو الوعي حقاً؟ الإجابة المختصرة هي أن لا أحد يعلم. ويتضح ذلك من خلال الحجج الرصينة والقوية التي يتبادلها فريق البروفيسور سيث، من متخصصين شباب في الذكاء الاصطناعي، وخبراء في الحوسبة، وعلماء أعصاب، وفلاسفة، والذين يحاولون الإجابة عن أحد أهم الأسئلة في العلوم والفلسفة. Reuters في حين تتباين الآراء في مركز أبحاث الوعي، إلا أن العلماء متفقون على منهجهم: تقسيم هذه المشكلة الكبيرة إلى مشاكل أصغر في سلسلة من المشاريع البحثية، والتي تشمل آلة الأحلام (دريماشين). وكما تم التخلي، في السابق، عن البحث عن "سر أو شرارة الحياة" التي تُعيد الحياة إلى الجمادات في القرن التاسع عشر، لصالح تحديد كيفية عمل أجزاء من الأنظمة الحية، يتبنى فريق جامعة ساسكس الآن النهج نفسه تجاه الوعي. ويأمل الباحثون في تحديد أنماط نشاط الدماغ التي تفسر مختلف خصائص التجارب الواعية، مثل التغيرات في الإشارات الكهربائية أو تدفق الدم إلى مناطق مختلفة. والهدف هو تجاوز مجرد البحث عن الارتباطات بين نشاط الدماغ والوعي، ومحاولة إيجاد تفسيرات لمكوناته الفردية. لكن البروفيسور سيث، مؤلف كتاب "Being You" عن الوعي، يخشى من أننا قد نندفع بسرعة نحو مجتمع يُعاد تشكيله بسرعة بفعل الوتيرة الهائلة للتغير التكنولوجي دون معرفة كافية بالعلم، أو التفكير في عواقبه. ويقول "ونتعامل مع الأمر وكأن المستقبل مكتوباً بالفعل، وكأن هناك مسيرة حتمية نحو بديل خارق". ويضيف "لم نناقش هذه الأمور بشكل كافٍ مع صعود وسائل التواصل الاجتماعي، ما أضرّ بنا جميعاً. لكن مع الذكاء الاصطناعي، لم يفت الأوان بعد. يمكننا أن نقرر ما نريد". هل أصبح لدى الذكاء الاصطناعي وعي بالفعل؟ لكن هناك من يعتقد في قطاع التكنولوجيا أن الذكاء الاصطناعي في أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية قد يكون واعياً بالفعل، ويجب أن نتعامل معه على هذا الأساس. أوقفت جوجل مهندس البرمجيات بليك ليموين عن العمل عام 2022، بعد أن جادل بأن روبوتات الدردشة الذكية قادرة على الشعور بالأشياء، وربما المعاناة. Reuters في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، شارك كايل فيش، مسؤول رعاية الذكاء الاصطناعي في أنثروبيك، في تأليف تقرير يُشير إلى أن وعي الذكاء الاصطناعي احتمال واقعي في المستقبل القريب. وصرح مؤخراً لصحيفة نيويورك تايمز بأنه يعتقد أيضاً أن هناك احتمالاً ضئيلاً بنسبة 15 في المئة أن تكون روبوتات الدردشة واعية بالفعل. وأحد أسباب اعتقاده بإمكانية ذلك هو أن لا أحد، ولا حتى مطوري هذه الأنظمة، يعرف بالضبط كيفية عملها. يقول البروفيسور موراي شاناهان، كبير العلماء في جوجل ديب مايند وأستاذ فخري في الذكاء الاصطناعي في إمبريال كوليدج بلندن، إن هذا أمر مقلق. ويقول لبي بي سي "نحن في الواقع لا نفهم جيداً الطريقة التي تعمل بها برامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي داخلياً، وهذا أمر يدعو للقلق". ووفقاً للبروفيسور شاناهان، فإنه من المهم لشركات التكنولوجيا أن تتوصل إلى فهم سليم للأنظمة التي تبنيها، وينظر الباحثون إلى ذلك كمسألة ملحة. ويضيف "نحن في وضع غريب في بناء هذه الأشياء شديدة التعقيد، حيث لا نملك نظرية واضحة حول كيفية تحقيقها للنتائج المذهلة التي تحققها. لذا، فإن فهماً أفضل لكيفية عملها سيمكننا من توجيهها في الاتجاه الذي نريده وضمان سلامتها". "المرحلة التالية في تطور البشرية" يسود اعتقاد في قطاع التكنولوجيا بأن برامج تطبيقات الذكاء الاصطناعي ليست واعية حالياً بالطريقة التي نختبر بها العالم، وربما ليسوا واعين على الإطلاق. لكن هذا أمر يعتقد الزوجان البروفيسوران لينور ومانويل بلوم، وكلاهما أستاذان فخريان في جامعة كارنيجي ميلون في بيتسبرغ، بنسلفانيا، أنه سيتغير، وربما قريباً جداً. ووفقاً للزوجين بلوم، قد يحدث ذلك مع ازدياد المدخلات الحسية المباشرة من العالم الحقيقي، مثل الرؤية واللمس، في أنظمة الذكاء الاصطناعي ونماذج اللغة الكبيرة، وذلك من خلال ربط الكاميرات وأجهزة الاستشعار اللمسية (المتعلقة باللمس). ويعملان على تطوير نموذج حاسوبي يُنشئ لغة داخلية خاصة به تُسمى "براينيش" لتمكين معالجة هذه البيانات الحسية الإضافية، في محاولة لمحاكاة العمليات التي تجري في الدماغ. Reuters قالت البروفيسورة لينور في تصريخ لبي بي سي "نعتقد أن "براينيش" قادر على حل مشكلة الوعي كما نعرفه. فوعي الذكاء الاصطناعي أمر لا مفر منه". وأضاف البروفيسورمانويل بحماسة وابتسامة مرحة، قائلاً إن الأنظمة الجديدة التي يعتقد هو الآخر أنها ستظهر ستكون "المرحلة التالية في تطور البشرية". ويعتقد مانويل أن الروبوتات الواعية "هي ذريتنا"، مضيفاً "في المستقبل، ستكون آلات كهذه كيانات موجودة على الأرض، وربما على كواكب أخرى عندما نرحل". وعرّف ديفيد تشالمرز، أستاذ الفلسفة وعلوم الأعصاب بجامعة نيويورك، الفرق بين الوعي الحقيقي والظاهري في مؤتمر عُقد في توسان، أريزونا، عام 1994. وطرح "المشكلة الصعبة" المتمثلة في فهم كيفية وسبب نشوء أي من العمليات المعقدة للدماغ لتجربة واعية، مثل استجابتنا العاطفية عند سماعنا غناء العندليب. يقول البروفيسور تشالمرز إنه منفتح على إمكانية حل هذه المشكلة الصعبة. ويضيف في لقاء مع بي بي سي "النتيجة المثالية هي أن تشارك البشرية في هذا الثراء المعرفي الجديد. ربما تُعزّز أنظمة الذكاء الاصطناعي أدمغتنا". وفيما يتعلق بتداعيات الخيال العلمي على ذلك، يُلاحظ البروفيسور ذلك بسخرية ويقول "في مهنتي، هناك خيط رفيع بين الخيال العلمي والفلسفة". "حواسيب مبنية من اللحوم" ومع ذلك، يستكشف البروفيسور سيث، فكرة أن الوعي الحقيقي لا يتحقق إلا من خلال الأنظمة الحية. ويقول "يمكن القول بقوة إن الحوسبة ليست كافية للوعي، لكن الحياة بحد ذاتها كافية". ويضيف "في الأدمغة، على عكس الحواسيب، يصعب فصل ما تفعله عنها وعما هي عليه". ويجادل بأنه بدون هذا الفصل، يصعب تصديق أن الأدمغة "مجرد حواسيب مبنية من اللحوم". Reuters وإذا كان حدس البروفيسور سيث حول أهمية الحياة صحيحاً، فمن المرجح أن هذه التقنية لن تكون مصنوعة من السيليكون الذي يعمل على برمجة حاسوبية، بل ستتكون من مجموعات صغيرة من الخلايا العصبية بحجم حبات العدس، تُزرع حالياً في المختبرات. وتُسمى هذه الأدمغة "أدمغة مصغّرة" في التقارير الإعلامية، ويُطلق عليها المجتمع العلمي اسم "العضيات الدماغية"، ويستخدمها لبحث آلية عمل الدماغ، ولاختبار الأدوية. حتى أن شركة "كورتيكال لابس" الأسترالية، ومقرها ملبورن، طورت نظاماً من الخلايا العصبية في طبق يمكنه تشغيل لعبة الفيديو الرياضية "بونغ" التي صدرت عام 1972. ورغم أنه بعيد كل البعد عن نظام الوعي، إلا أن ما يُسمى "الدماغ في طبق" يبدو مخيفاً وهو يحرك مضرباً على الشاشة ليضرب كرة مُكعبة. ويرى بعض الخبراء أنه إذا كان للوعي أن ينشأ، فمن المرجح أن يكون ذلك من نسخ أكبر وأكثر تطوراً من أنظمة الأنسجة الحية هذه. وتراقب "كورتيكال لابس" نشاطها الكهربائي بحثاً عن أي إشارات قد تُشبه ظهور الوعي. ويُدرك الدكتور بريت كاغان، كبير مسؤولي العلوم والعمليات في الشركة، أن أي ذكاء ناشئ لا يمكن السيطرة عليه قد تكون له أولويات "لا تتوافق مع أولوياتنا". ويضيف أن التهديد الصغير والواضح للوعي الاصطناعي أمر يود أن يركز عليه كبار اللاعبين في هذا المجال بشكل أكبر كجزء من محاولات جادة لتعزيز فهمنا العلمي- لكنه يقول: "للأسف، لا نرى أي جهود جادة في هذا المجال". وهم الوعي Reuters المشكلة الأكثر إلحاحاً قد تكمن في كيفية تأثير وهم وعي الآلات علينا. في غضون بضع سنوات فقط، قد نعيش في عالم مليء بالروبوتات الشبيهة بالبشر والتزييفات العميقة التي تبدو واعية، وفقاً للبروفيسور سيث. ويخشى من أننا لن نتمكن من مقاومة تصديق أن الذكاء الاصطناعي لديه مشاعر وتعاطف، ما قد يؤدي إلى مخاطر جديدة. ويضيف "هذا يعني أننا سنثق بهذه الأشياء أكثر، وسنشاركها المزيد من البيانات، وسنكون أكثر انفتاحاً على الإقناع". لكن الخطر الأكبر من وهم الوعي هو "التآكل الأخلاقي"، كما يقول. ويمضي البروفيسور سيث "ستُشوّه أولوياتنا الأخلاقية بدفعنا إلى تخصيص المزيد من مواردنا لرعاية هذه الأنظمة على حساب الجوانب الحقيقية في حياتنا- ما يعني أننا قد نتعاطف مع الروبوتات، لكننا نهتم أقل أو قد لا نهتم بالبشر الآخرين إطلاقاً". وهذا قد يُغيّرنا جذرياً، وفقاً للبروفيسور شاناهان. ويضيف "ستُحاكي العلاقات الإنسانية بشكل متزايد علاقات الذكاء الاصطناعي، وسيُستخدمون كمعلمين وأصدقاء وخصوم في ألعاب الكمبيوتر، وحتى شركاء عاطفيين. لا أعلم إن كان ذلك جيداً أم سيئاً، ولكنه سيحدث، ولن نتمكن من منعه".

أخبار العالم : هل يصبح الذكاء الاصطناعي واعياً يوماً ما؟
أخبار العالم : هل يصبح الذكاء الاصطناعي واعياً يوماً ما؟

نافذة على العالم

timeمنذ 3 أيام

  • علوم
  • نافذة على العالم

أخبار العالم : هل يصبح الذكاء الاصطناعي واعياً يوماً ما؟

الثلاثاء 27 مايو 2025 05:00 صباحاً نافذة على العالم - صدر الصورة، Reuters Article information Author, بالاب غوش Role, المراسل العلمي - بي بي سي قبل 6 ساعة دخلتُ المقصورة بخوف. كنتُ على وشك التعرض لضوء ستروب بينما كانت الموسيقى تعزف- كجزء من مشروع بحثي يحاول فهم ما يجعلنا بشراً حقيقيين. إنها تجربة تُذكرني باختبار فيلم الخيال العلمي "بليد رانر"، المُصمم للتمييز بين البشر والكائنات الاصطناعية التي تتخذ شكل بشر. هل يُمكنني أن أكون روبوتاً من المستقبل دون أن أعرف؟ وإذا ما حصل، فهل سأنجح في الاختبار؟ أكد لي الباحثون أن هذا ليس جوهر هذه التجربة. فالجهاز الذي يُطلقون عليه اسم "دريماشين" وهو مايعني باللغة الإيرلندية "آلة الأحلام" مُصمم لدراسة كيفية توليد الدماغ البشري لتجاربنا الواعية للعالم. مع بدء الضوء الوامض، ورغم أن عينيّ مغمضتان، رأيتُ أنماطاً هندسية ثنائية الأبعاد تدور. كان الأمر أشبه بالقفز في منظار متغير باستمرار، مع مثلثات وخماسيات ومثمنات تتحرك باستمرار. الألوان زاهية، مكثفة، ومتغيرة باستمرار، وردي، أرجواني، وفيروزي، جميعها تتوهج كأضواء النيون. يُبرز جهاز "دريماشين" النشاط الداخلي للدماغ من خلال أضواء وامضة، بهدف استكشاف آلية عمل عمليات التفكير لدينا. التعليق على الصورة، المراسل العلمي في بي بي سي، بالاب، يجرب "آلة الأحلام"، التي تهدف إلى اكتشاف كيفية خلق تجاربنا الواعية للعالم. الصور التي أراها فريدة من نوعها بالنسبة لعالمي الداخلي، وفريدة من نوعها بالنسبة لي، وفقاً للباحثين. يعتقدون أن هذه الأنماط قادرة على تسليط الضوء على الوعي نفسه. يسمعونني أهمس "إنه رائع، رائع للغاية. إنه أشبه بالتحليق داخل ذهني!". تُعدّ "آلة الأحلام"، في مركز علوم الوعي بجامعة ساسكس البريطانية، واحدة من مشاريع بحثية جديدة عديدة حول العالم تدرس الوعي البشري: ذلك الجزء من عقولنا الذي يُمكّننا من الوعي بذاتنا، والتفكير والشعور، واتخاذ قرارات مستقلة بشأن العالم. من خلال دراسة طبيعة الوعي، يأمل الباحثون في فهم ما يحدث داخل أدمغة السيليكون التابعة للذكاء الاصطناعي بشكل أفضل. ويعتقد البعض أن أنظمة الذكاء الاصطناعي ستُصبح قريباً واعية بشكل مستقل، إن لم تكن قد فعلت ذلك بالفعل. ولكن ما هو الوعي حقاً، وما مدى قرب الذكاء الاصطناعي من اكتسابه؟ وهل يُمكن للاعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي قد يكون واعياً بحد ذاته أن يُغير البشر جذرياً في العقود القليلة القادمة؟ من الخيال العلمي إلى الواقع لطالما استُكشفت فكرة الآلات ذات العقول المستقلة في الخيال العلمي. وتعود المخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي إلى ما يقرب من مئة عام، وتحديداً إلى فيلم "متروبوليس"، حيث يُجسّد روبوت امرأة حقيقية. صدر الصورة، Reuters الخوف من أن تُصبح الآلات واعية وتُشكّل تهديداً للبشر كان واضحاً في فيلم "2001 ملحمة الفضاء" الذي عرض عام 1968، ويحكي قصة حاسوب يدعى "هال 9000" يُهاجم رواد الفضاء على متن مركبته الفضائية. وفي الفيلم الأخير من سلسلة أفلام "المهمة المستحيلة"، الذي عُرض مؤخراً، يُهدد العالم ذكاء اصطناعي قويّ مارق، وصفه أحد الشخصيات بأنه "طفيلي رقمي واعي، يتعلم ذاتياً، ويلتهم الحقيقة". لكن في الآونة الأخيرة، شهد العالم الحقيقي تحولاً سريعاً في التفكير في وعي الآلة، حيث أعربت أصوات موثوقة في هذا المجال عن قلقها من أن هذا لم يعد ضرباً من الخيال العلمي. وقد حفز هذا التحول المفاجئ نجاح ما يُسمى بنماذج اللغة الكبيرة (LLMs)- نوع من الذكاء الاصطناعي الذي يستخدم التعلم العميق لفهم اللغة البشرية وتوليدها-، أو برامج الذكاء الاصطناعي، والتي يمكن الوصول إليها عبر تطبيقات على هواتفنا مثل جيميناي وتشات جي بي تي. وقد فاجأت قدرة أحدث جيل من نماذج اللغة الكبيرة على إجراء محادثات منطقية وسلسة حتى مصمميها وبعض الخبراء الرائدين في هذا المجال. وهناك رأي متزايد بين بعض المفكرين بأنه مع ازدياد ذكاء الذكاء الاصطناعي، ستُضاء الأضواء فجأة داخل الآلات وستصبح واعية. ويختلف آخرون، مثل البروفيسور أنيل سيث، قائد فريق جامعة ساسكس، مع هذا الرأي، واصفين هذا الرأي بأنه "متفائل بشكل أعمى ومدفوع بالاستثنائية البشرية". يقول أنيل "نربط الوعي بالذكاء واللغة لأنهما مرتبطان بالبشر. ولكن مجرد ارتباطهما بنا لا يعني بالضرورة ارتباطهما بشكل عام، على سبيل المثال بالحيوانات". إذن، ما هو الوعي حقاً؟ الإجابة المختصرة هي أن لا أحد يعلم. ويتضح ذلك من خلال الحجج الرصينة والقوية التي يتبادلها فريق البروفيسور سيث، من متخصصين شباب في الذكاء الاصطناعي، وخبراء في الحوسبة، وعلماء أعصاب، وفلاسفة، والذين يحاولون الإجابة عن أحد أهم الأسئلة في العلوم والفلسفة. صدر الصورة، Reuters في حين تتباين الآراء في مركز أبحاث الوعي، إلا أن العلماء متفقون على منهجهم: تقسيم هذه المشكلة الكبيرة إلى مشاكل أصغر في سلسلة من المشاريع البحثية، والتي تشمل آلة الأحلام (دريماشين). وكما تم التخلي، في السابق، عن البحث عن "سر أو شرارة الحياة" التي تُعيد الحياة إلى الجمادات في القرن التاسع عشر، لصالح تحديد كيفية عمل أجزاء من الأنظمة الحية، يتبنى فريق جامعة ساسكس الآن النهج نفسه تجاه الوعي. ويأمل الباحثون في تحديد أنماط نشاط الدماغ التي تفسر مختلف خصائص التجارب الواعية، مثل التغيرات في الإشارات الكهربائية أو تدفق الدم إلى مناطق مختلفة. والهدف هو تجاوز مجرد البحث عن الارتباطات بين نشاط الدماغ والوعي، ومحاولة إيجاد تفسيرات لمكوناته الفردية. لكن البروفيسور سيث، مؤلف كتاب "Being You" عن الوعي، يخشى من أننا قد نندفع بسرعة نحو مجتمع يُعاد تشكيله بسرعة بفعل الوتيرة الهائلة للتغير التكنولوجي دون معرفة كافية بالعلم، أو التفكير في عواقبه. ويقول "ونتعامل مع الأمر وكأن المستقبل مكتوباً بالفعل، وكأن هناك مسيرة حتمية نحو بديل خارق". ويضيف "لم نناقش هذه الأمور بشكل كافٍ مع صعود وسائل التواصل الاجتماعي، ما أضرّ بنا جميعاً. لكن مع الذكاء الاصطناعي، لم يفت الأوان بعد. يمكننا أن نقرر ما نريد". هل أصبح لدى الذكاء الاصطناعي وعي بالفعل؟ لكن هناك من يعتقد في قطاع التكنولوجيا أن الذكاء الاصطناعي في أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية قد يكون واعياً بالفعل، ويجب أن نتعامل معه على هذا الأساس. أوقفت جوجل مهندس البرمجيات بليك ليموين عن العمل عام 2022، بعد أن جادل بأن روبوتات الدردشة الذكية قادرة على الشعور بالأشياء، وربما المعاناة. صدر الصورة، Reuters في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، شارك كايل فيش، مسؤول رعاية الذكاء الاصطناعي في أنثروبيك، في تأليف تقرير يُشير إلى أن وعي الذكاء الاصطناعي احتمال واقعي في المستقبل القريب. وصرح مؤخراً لصحيفة نيويورك تايمز بأنه يعتقد أيضاً أن هناك احتمالاً ضئيلاً بنسبة 15 في المئة أن تكون روبوتات الدردشة واعية بالفعل. وأحد أسباب اعتقاده بإمكانية ذلك هو أن لا أحد، ولا حتى مطوري هذه الأنظمة، يعرف بالضبط كيفية عملها. يقول البروفيسور موراي شاناهان، كبير العلماء في جوجل ديب مايند وأستاذ فخري في الذكاء الاصطناعي في إمبريال كوليدج بلندن، إن هذا أمر مقلق. ويقول لبي بي سي "نحن في الواقع لا نفهم جيداً الطريقة التي تعمل بها برامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي داخلياً، وهذا أمر يدعو للقلق". ووفقاً للبروفيسور شاناهان، فإنه من المهم لشركات التكنولوجيا أن تتوصل إلى فهم سليم للأنظمة التي تبنيها، وينظر الباحثون إلى ذلك كمسألة ملحة. ويضيف "نحن في وضع غريب في بناء هذه الأشياء شديدة التعقيد، حيث لا نملك نظرية واضحة حول كيفية تحقيقها للنتائج المذهلة التي تحققها. لذا، فإن فهماً أفضل لكيفية عملها سيمكننا من توجيهها في الاتجاه الذي نريده وضمان سلامتها". "المرحلة التالية في تطور البشرية" يسود اعتقاد في قطاع التكنولوجيا بأن برامج تطبيقات الذكاء الاصطناعي ليست واعية حالياً بالطريقة التي نختبر بها العالم، وربما ليسوا واعين على الإطلاق. لكن هذا أمر يعتقد الزوجان البروفيسوران لينور ومانويل بلوم، وكلاهما أستاذان فخريان في جامعة كارنيجي ميلون في بيتسبرغ، بنسلفانيا، أنه سيتغير، وربما قريباً جداً. ووفقاً للزوجين بلوم، قد يحدث ذلك مع ازدياد المدخلات الحسية المباشرة من العالم الحقيقي، مثل الرؤية واللمس، في أنظمة الذكاء الاصطناعي ونماذج اللغة الكبيرة، وذلك من خلال ربط الكاميرات وأجهزة الاستشعار اللمسية (المتعلقة باللمس). ويعملان على تطوير نموذج حاسوبي يُنشئ لغة داخلية خاصة به تُسمى "براينيش" لتمكين معالجة هذه البيانات الحسية الإضافية، في محاولة لمحاكاة العمليات التي تجري في الدماغ. صدر الصورة، Reuters قالت البروفيسورة لينور في تصريخ لبي بي سي "نعتقد أن "براينيش" قادر على حل مشكلة الوعي كما نعرفه. فوعي الذكاء الاصطناعي أمر لا مفر منه". وأضاف البروفيسورمانويل بحماسة وابتسامة مرحة، قائلاً إن الأنظمة الجديدة التي يعتقد هو الآخر أنها ستظهر ستكون "المرحلة التالية في تطور البشرية". ويعتقد مانويل أن الروبوتات الواعية "هي ذريتنا"، مضيفاً "في المستقبل، ستكون آلات كهذه كيانات موجودة على الأرض، وربما على كواكب أخرى عندما نرحل". وعرّف ديفيد تشالمرز، أستاذ الفلسفة وعلوم الأعصاب بجامعة نيويورك، الفرق بين الوعي الحقيقي والظاهري في مؤتمر عُقد في توسان، أريزونا، عام 1994. وطرح "المشكلة الصعبة" المتمثلة في فهم كيفية وسبب نشوء أي من العمليات المعقدة للدماغ لتجربة واعية، مثل استجابتنا العاطفية عند سماعنا غناء العندليب. يقول البروفيسور تشالمرز إنه منفتح على إمكانية حل هذه المشكلة الصعبة. ويضيف في لقاء مع بي بي سي "النتيجة المثالية هي أن تشارك البشرية في هذا الثراء المعرفي الجديد. ربما تُعزّز أنظمة الذكاء الاصطناعي أدمغتنا". وفيما يتعلق بتداعيات الخيال العلمي على ذلك، يُلاحظ البروفيسور ذلك بسخرية ويقول "في مهنتي، هناك خيط رفيع بين الخيال العلمي والفلسفة". "حواسيب مبنية من اللحوم" ومع ذلك، يستكشف البروفيسور سيث، فكرة أن الوعي الحقيقي لا يتحقق إلا من خلال الأنظمة الحية. ويقول "يمكن القول بقوة إن الحوسبة ليست كافية للوعي، لكن الحياة بحد ذاتها كافية". ويضيف "في الأدمغة، على عكس الحواسيب، يصعب فصل ما تفعله عنها وعما هي عليه". ويجادل بأنه بدون هذا الفصل، يصعب تصديق أن الأدمغة "مجرد حواسيب مبنية من اللحوم". صدر الصورة، Reuters وإذا كان حدس البروفيسور سيث حول أهمية الحياة صحيحاً، فمن المرجح أن هذه التقنية لن تكون مصنوعة من السيليكون الذي يعمل على برمجة حاسوبية، بل ستتكون من مجموعات صغيرة من الخلايا العصبية بحجم حبات العدس، تُزرع حالياً في المختبرات. وتُسمى هذه الأدمغة "أدمغة مصغّرة" في التقارير الإعلامية، ويُطلق عليها المجتمع العلمي اسم "العضيات الدماغية"، ويستخدمها لبحث آلية عمل الدماغ، ولاختبار الأدوية. حتى أن شركة "كورتيكال لابس" الأسترالية، ومقرها ملبورن، طورت نظاماً من الخلايا العصبية في طبق يمكنه تشغيل لعبة الفيديو الرياضية "بونغ" التي صدرت عام 1972. ورغم أنه بعيد كل البعد عن نظام الوعي، إلا أن ما يُسمى "الدماغ في طبق" يبدو مخيفاً وهو يحرك مضرباً على الشاشة ليضرب كرة مُكعبة. ويرى بعض الخبراء أنه إذا كان للوعي أن ينشأ، فمن المرجح أن يكون ذلك من نسخ أكبر وأكثر تطوراً من أنظمة الأنسجة الحية هذه. وتراقب "كورتيكال لابس" نشاطها الكهربائي بحثاً عن أي إشارات قد تُشبه ظهور الوعي. ويُدرك الدكتور بريت كاغان، كبير مسؤولي العلوم والعمليات في الشركة، أن أي ذكاء ناشئ لا يمكن السيطرة عليه قد تكون له أولويات "لا تتوافق مع أولوياتنا". ويضيف أن التهديد الصغير والواضح للوعي الاصطناعي أمر يود أن يركز عليه كبار اللاعبين في هذا المجال بشكل أكبر كجزء من محاولات جادة لتعزيز فهمنا العلمي- لكنه يقول: "للأسف، لا نرى أي جهود جادة في هذا المجال". وهم الوعي صدر الصورة، Reuters المشكلة الأكثر إلحاحاً قد تكمن في كيفية تأثير وهم وعي الآلات علينا. في غضون بضع سنوات فقط، قد نعيش في عالم مليء بالروبوتات الشبيهة بالبشر والتزييفات العميقة التي تبدو واعية، وفقاً للبروفيسور سيث. ويخشى من أننا لن نتمكن من مقاومة تصديق أن الذكاء الاصطناعي لديه مشاعر وتعاطف، ما قد يؤدي إلى مخاطر جديدة. ويضيف "هذا يعني أننا سنثق بهذه الأشياء أكثر، وسنشاركها المزيد من البيانات، وسنكون أكثر انفتاحاً على الإقناع". لكن الخطر الأكبر من وهم الوعي هو "التآكل الأخلاقي"، كما يقول. ويمضي البروفيسور سيث "ستُشوّه أولوياتنا الأخلاقية بدفعنا إلى تخصيص المزيد من مواردنا لرعاية هذه الأنظمة على حساب الجوانب الحقيقية في حياتنا- ما يعني أننا قد نتعاطف مع الروبوتات، لكننا نهتم أقل أو قد لا نهتم بالبشر الآخرين إطلاقاً". وهذا قد يُغيّرنا جذرياً، وفقاً للبروفيسور شاناهان.

هل يصبح الذكاء الاصطناعي واعياً يوماً ما؟
هل يصبح الذكاء الاصطناعي واعياً يوماً ما؟

شفق نيوز

timeمنذ 4 أيام

  • علوم
  • شفق نيوز

هل يصبح الذكاء الاصطناعي واعياً يوماً ما؟

دخلتُ المقصورة بخوف. كنتُ على وشك التعرض لضوء ستروب بينما كانت الموسيقى تعزف- كجزء من مشروع بحثي يحاول فهم ما يجعلنا بشراً حقيقيين. إنها تجربة تُذكرني باختبار فيلم الخيال العلمي "بليد رانر"، المُصمم للتمييز بين البشر والكائنات الاصطناعية التي تتخذ شكل بشر. هل يُمكنني أن أكون روبوتاً من المستقبل دون أن أعرف؟ وإذا ما حصل، فهل سأنجح في الاختبار؟ أكد لي الباحثون أن هذا ليس جوهر هذه التجربة. فالجهاز الذي يُطلقون عليه اسم "دريماشين" وهو مايعني باللغة الإيرلندية "آلة الأحلام" مُصمم لدراسة كيفية توليد الدماغ البشري لتجاربنا الواعية للعالم. مع بدء الضوء الوامض، ورغم أن عينيّ مغمضتان، رأيتُ أنماطاً هندسية ثنائية الأبعاد تدور. كان الأمر أشبه بالقفز في منظار متغير باستمرار، مع مثلثات وخماسيات ومثمنات تتحرك باستمرار. الألوان زاهية، مكثفة، ومتغيرة باستمرار، وردي، أرجواني، وفيروزي، جميعها تتوهج كأضواء النيون. يُبرز جهاز "دريماشين" النشاط الداخلي للدماغ من خلال أضواء وامضة، بهدف استكشاف آلية عمل عمليات التفكير لدينا. BBC الصور التي أراها فريدة من نوعها بالنسبة لعالمي الداخلي، وفريدة من نوعها بالنسبة لي، وفقاً للباحثين. يعتقدون أن هذه الأنماط قادرة على تسليط الضوء على الوعي نفسه. يسمعونني أهمس "إنه رائع، رائع للغاية. إنه أشبه بالتحليق داخل ذهني!". تُعدّ "آلة الأحلام"، في مركز علوم الوعي بجامعة ساسكس البريطانية، واحدة من مشاريع بحثية جديدة عديدة حول العالم تدرس الوعي البشري: ذلك الجزء من عقولنا الذي يُمكّننا من الوعي بذاتنا، والتفكير والشعور، واتخاذ قرارات مستقلة بشأن العالم. من خلال دراسة طبيعة الوعي، يأمل الباحثون في فهم ما يحدث داخل أدمغة السيليكون التابعة للذكاء الاصطناعي بشكل أفضل. ويعتقد البعض أن أنظمة الذكاء الاصطناعي ستُصبح قريباً واعية بشكل مستقل، إن لم تكن قد فعلت ذلك بالفعل. ولكن ما هو الوعي حقاً، وما مدى قرب الذكاء الاصطناعي من اكتسابه؟ وهل يُمكن للاعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي قد يكون واعياً بحد ذاته أن يُغير البشر جذرياً في العقود القليلة القادمة؟ من الخيال العلمي إلى الواقع لطالما استُكشفت فكرة الآلات ذات العقول المستقلة في الخيال العلمي. وتعود المخاوف بشأن الذكاء الاصطناعي إلى ما يقرب من مئة عام، وتحديداً إلى فيلم "متروبوليس"، حيث يُجسّد روبوت امرأة حقيقية. الخوف من أن تُصبح الآلات واعية وتُشكّل تهديداً للبشر كان واضحاً في فيلم "2001 ملحمة الفضاء" الذي عرض عام 1968، ويحكي قصة حاسوب يدعى "هال 9000" يُهاجم رواد الفضاء على متن مركبته الفضائية. وفي الفيلم الأخير من سلسلة أفلام "المهمة المستحيلة"، الذي عُرض مؤخراً، يُهدد العالم ذكاء اصطناعي قويّ مارق، وصفه أحد الشخصيات بأنه "طفيلي رقمي واعي، يتعلم ذاتياً، ويلتهم الحقيقة". لكن في الآونة الأخيرة، شهد العالم الحقيقي تحولاً سريعاً في التفكير في وعي الآلة، حيث أعربت أصوات موثوقة في هذا المجال عن قلقها من أن هذا لم يعد ضرباً من الخيال العلمي. وقد حفز هذا التحول المفاجئ نجاح ما يُسمى بنماذج اللغة الكبيرة (LLMs)- نوع من الذكاء الاصطناعي الذي يستخدم التعلم العميق لفهم اللغة البشرية وتوليدها-، أو برامج الذكاء الاصطناعي، والتي يمكن الوصول إليها عبر تطبيقات على هواتفنا مثل جيميناي وتشات جي بي تي. وقد فاجأت قدرة أحدث جيل من نماذج اللغة الكبيرة على إجراء محادثات منطقية وسلسة حتى مصمميها وبعض الخبراء الرائدين في هذا المجال. وهناك رأي متزايد بين بعض المفكرين بأنه مع ازدياد ذكاء الذكاء الاصطناعي، ستُضاء الأضواء فجأة داخل الآلات وستصبح واعية. ويختلف آخرون، مثل البروفيسور أنيل سيث، قائد فريق جامعة ساسكس، مع هذا الرأي، واصفين هذا الرأي بأنه "متفائل بشكل أعمى ومدفوع بالاستثنائية البشرية". يقول أنيل "نربط الوعي بالذكاء واللغة لأنهما مرتبطان بالبشر. ولكن مجرد ارتباطهما بنا لا يعني بالضرورة ارتباطهما بشكل عام، على سبيل المثال بالحيوانات". إذن، ما هو الوعي حقاً؟ الإجابة المختصرة هي أن لا أحد يعلم. ويتضح ذلك من خلال الحجج الرصينة والقوية التي يتبادلها فريق البروفيسور سيث، من متخصصين شباب في الذكاء الاصطناعي، وخبراء في الحوسبة، وعلماء أعصاب، وفلاسفة، والذين يحاولون الإجابة عن أحد أهم الأسئلة في العلوم والفلسفة. في حين تتباين الآراء في مركز أبحاث الوعي، إلا أن العلماء متفقون على منهجهم: تقسيم هذه المشكلة الكبيرة إلى مشاكل أصغر في سلسلة من المشاريع البحثية، والتي تشمل آلة الأحلام (دريماشين). وكما تم التخلي، في السابق، عن البحث عن "سر أو شرارة الحياة" التي تُعيد الحياة إلى الجمادات في القرن التاسع عشر، لصالح تحديد كيفية عمل أجزاء من الأنظمة الحية، يتبنى فريق جامعة ساسكس الآن النهج نفسه تجاه الوعي. ويأمل الباحثون في تحديد أنماط نشاط الدماغ التي تفسر مختلف خصائص التجارب الواعية، مثل التغيرات في الإشارات الكهربائية أو تدفق الدم إلى مناطق مختلفة. والهدف هو تجاوز مجرد البحث عن الارتباطات بين نشاط الدماغ والوعي، ومحاولة إيجاد تفسيرات لمكوناته الفردية. لكن البروفيسور سيث، مؤلف كتاب "Being You" عن الوعي، يخشى من أننا قد نندفع بسرعة نحو مجتمع يُعاد تشكيله بسرعة بفعل الوتيرة الهائلة للتغير التكنولوجي دون معرفة كافية بالعلم، أو التفكير في عواقبه. ويقول "ونتعامل مع الأمر وكأن المستقبل مكتوباً بالفعل، وكأن هناك مسيرة حتمية نحو بديل خارق". ويضيف "لم نناقش هذه الأمور بشكل كافٍ مع صعود وسائل التواصل الاجتماعي، ما أضرّ بنا جميعاً. لكن مع الذكاء الاصطناعي، لم يفت الأوان بعد. يمكننا أن نقرر ما نريد". هل أصبح لدى الذكاء الاصطناعي وعي بالفعل؟ لكن هناك من يعتقد في قطاع التكنولوجيا أن الذكاء الاصطناعي في أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية قد يكون واعياً بالفعل، ويجب أن نتعامل معه على هذا الأساس. أوقفت جوجل مهندس البرمجيات بليك ليموين عن العمل عام 2022، بعد أن جادل بأن روبوتات الدردشة الذكية قادرة على الشعور بالأشياء، وربما المعاناة. في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، شارك كايل فيش، مسؤول رعاية الذكاء الاصطناعي في أنثروبيك، في تأليف تقرير يُشير إلى أن وعي الذكاء الاصطناعي احتمال واقعي في المستقبل القريب. وصرح مؤخراً لصحيفة نيويورك تايمز بأنه يعتقد أيضاً أن هناك احتمالاً ضئيلاً بنسبة 15 في المئة أن تكون روبوتات الدردشة واعية بالفعل. وأحد أسباب اعتقاده بإمكانية ذلك هو أن لا أحد، ولا حتى مطوري هذه الأنظمة، يعرف بالضبط كيفية عملها. يقول البروفيسور موراي شاناهان، كبير العلماء في جوجل ديب مايند وأستاذ فخري في الذكاء الاصطناعي في إمبريال كوليدج بلندن، إن هذا أمر مقلق. ويقول لبي بي سي "نحن في الواقع لا نفهم جيداً الطريقة التي تعمل بها برامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي داخلياً، وهذا أمر يدعو للقلق". ووفقاً للبروفيسور شاناهان، فإنه من المهم لشركات التكنولوجيا أن تتوصل إلى فهم سليم للأنظمة التي تبنيها، وينظر الباحثون إلى ذلك كمسألة ملحة. ويضيف "نحن في وضع غريب في بناء هذه الأشياء شديدة التعقيد، حيث لا نملك نظرية واضحة حول كيفية تحقيقها للنتائج المذهلة التي تحققها. لذا، فإن فهماً أفضل لكيفية عملها سيمكننا من توجيهها في الاتجاه الذي نريده وضمان سلامتها". "المرحلة التالية في تطور البشرية" يسود اعتقاد في قطاع التكنولوجيا بأن برامج تطبيقات الذكاء الاصطناعي ليست واعية حالياً بالطريقة التي نختبر بها العالم، وربما ليسوا واعين على الإطلاق. لكن هذا أمر يعتقد الزوجان البروفيسوران لينور ومانويل بلوم، وكلاهما أستاذان فخريان في جامعة كارنيجي ميلون في بيتسبرغ، بنسلفانيا، أنه سيتغير، وربما قريباً جداً. ووفقاً للزوجين بلوم، قد يحدث ذلك مع ازدياد المدخلات الحسية المباشرة من العالم الحقيقي، مثل الرؤية واللمس، في أنظمة الذكاء الاصطناعي ونماذج اللغة الكبيرة، وذلك من خلال ربط الكاميرات وأجهزة الاستشعار اللمسية (المتعلقة باللمس). ويعملان على تطوير نموذج حاسوبي يُنشئ لغة داخلية خاصة به تُسمى "براينيش" لتمكين معالجة هذه البيانات الحسية الإضافية، في محاولة لمحاكاة العمليات التي تجري في الدماغ. قالت البروفيسورة لينور في تصريخ لبي بي سي "نعتقد أن "براينيش" قادر على حل مشكلة الوعي كما نعرفه. فوعي الذكاء الاصطناعي أمر لا مفر منه". وأضاف البروفيسورمانويل بحماسة وابتسامة مرحة، قائلاً إن الأنظمة الجديدة التي يعتقد هو الآخر أنها ستظهر ستكون "المرحلة التالية في تطور البشرية". ويعتقد مانويل أن الروبوتات الواعية "هي ذريتنا"، مضيفاً "في المستقبل، ستكون آلات كهذه كيانات موجودة على الأرض، وربما على كواكب أخرى عندما نرحل". وعرّف ديفيد تشالمرز، أستاذ الفلسفة وعلوم الأعصاب بجامعة نيويورك، الفرق بين الوعي الحقيقي والظاهري في مؤتمر عُقد في توسان، أريزونا، عام 1994. وطرح "المشكلة الصعبة" المتمثلة في فهم كيفية وسبب نشوء أي من العمليات المعقدة للدماغ لتجربة واعية، مثل استجابتنا العاطفية عند سماعنا غناء العندليب. يقول البروفيسور تشالمرز إنه منفتح على إمكانية حل هذه المشكلة الصعبة. ويضيف في لقاء مع بي بي سي "النتيجة المثالية هي أن تشارك البشرية في هذا الثراء المعرفي الجديد. ربما تُعزّز أنظمة الذكاء الاصطناعي أدمغتنا". وفيما يتعلق بتداعيات الخيال العلمي على ذلك، يُلاحظ البروفيسور ذلك بسخرية ويقول "في مهنتي، هناك خيط رفيع بين الخيال العلمي والفلسفة". "حواسيب مبنية من اللحوم" ومع ذلك، يستكشف البروفيسور سيث، فكرة أن الوعي الحقيقي لا يتحقق إلا من خلال الأنظمة الحية. ويقول "يمكن القول بقوة إن الحوسبة ليست كافية للوعي، لكن الحياة بحد ذاتها كافية". ويضيف "في الأدمغة، على عكس الحواسيب، يصعب فصل ما تفعله عنها وعما هي عليه". ويجادل بأنه بدون هذا الفصل، يصعب تصديق أن الأدمغة "مجرد حواسيب مبنية من اللحوم". وإذا كان حدس البروفيسور سيث حول أهمية الحياة صحيحاً، فمن المرجح أن هذه التقنية لن تكون مصنوعة من السيليكون الذي يعمل على برمجة حاسوبية، بل ستتكون من مجموعات صغيرة من الخلايا العصبية بحجم حبات العدس، تُزرع حالياً في المختبرات. وتُسمى هذه الأدمغة "أدمغة مصغّرة" في التقارير الإعلامية، ويُطلق عليها المجتمع العلمي اسم "العضيات الدماغية"، ويستخدمها لبحث آلية عمل الدماغ، ولاختبار الأدوية. حتى أن شركة "كورتيكال لابس" الأسترالية، ومقرها ملبورن، طورت نظاماً من الخلايا العصبية في طبق يمكنه تشغيل لعبة الفيديو الرياضية "بونغ" التي صدرت عام 1972. ورغم أنه بعيد كل البعد عن نظام الوعي، إلا أن ما يُسمى "الدماغ في طبق" يبدو مخيفاً وهو يحرك مضرباً على الشاشة ليضرب كرة مُكعبة. ويرى بعض الخبراء أنه إذا كان للوعي أن ينشأ، فمن المرجح أن يكون ذلك من نسخ أكبر وأكثر تطوراً من أنظمة الأنسجة الحية هذه. وتراقب "كورتيكال لابس" نشاطها الكهربائي بحثاً عن أي إشارات قد تُشبه ظهور الوعي. ويُدرك الدكتور بريت كاغان، كبير مسؤولي العلوم والعمليات في الشركة، أن أي ذكاء ناشئ لا يمكن السيطرة عليه قد تكون له أولويات "لا تتوافق مع أولوياتنا". ويضيف أن التهديد الصغير والواضح للوعي الاصطناعي أمر يود أن يركز عليه كبار اللاعبين في هذا المجال بشكل أكبر كجزء من محاولات جادة لتعزيز فهمنا العلمي- لكنه يقول: "للأسف، لا نرى أي جهود جادة في هذا المجال". Reuters المشكلة الأكثر إلحاحاً قد تكمن في كيفية تأثير وهم وعي الآلات علينا. في غضون بضع سنوات فقط، قد نعيش في عالم مليء بالروبوتات الشبيهة بالبشر والتزييفات العميقة التي تبدو واعية، وفقاً للبروفيسور سيث. ويخشى من أننا لن نتمكن من مقاومة تصديق أن الذكاء الاصطناعي لديه مشاعر وتعاطف، ما قد يؤدي إلى مخاطر جديدة. ويضيف "هذا يعني أننا سنثق بهذه الأشياء أكثر، وسنشاركها المزيد من البيانات، وسنكون أكثر انفتاحاً على الإقناع". لكن الخطر الأكبر من وهم الوعي هو "التآكل الأخلاقي"، كما يقول. ويمضي البروفيسور سيث "ستُشوّه أولوياتنا الأخلاقية بدفعنا إلى تخصيص المزيد من مواردنا لرعاية هذه الأنظمة على حساب الجوانب الحقيقية في حياتنا- ما يعني أننا قد نتعاطف مع الروبوتات، لكننا نهتم أقل أو قد لا نهتم بالبشر الآخرين إطلاقاً". وهذا قد يُغيّرنا جذرياً، وفقاً للبروفيسور شاناهان. ويضيف "ستُحاكي العلاقات الإنسانية بشكل متزايد علاقات الذكاء الاصطناعي، وسيُستخدمون كمعلمين وأصدقاء وخصوم في ألعاب الكمبيوتر، وحتى شركاء عاطفيين. لا أعلم إن كان ذلك جيداً أم سيئاً، ولكنه سيحدث، ولن نتمكن من منعه".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store