منذ 10 ساعات
د. ميرنا القاضي تكتب: السائح لا يعود محبًّا إلا إذا أحببناه نحن أولًا
د. ميرنا القاضي تكتب: السائح لا يعود محبًّا إلا إذا أحببناه نحن أولًا
بين الأهرامات التي تتحدى الزمن، والمعابد التي تروي الأساطير، والصحراء التي ما زالت تحفظ صدى القوافل القديمة… تقف مصر على خريطة العالم كواحدة من أغنى بلدان الأرض تراثًا وجاذبية.
لكن السؤال يظلّ معلقًا:
هل نُحسن تقديم ما نملكه؟
هل يرى الزائر فينا ما قرأه في الكتب؟
هل نحول التاريخ إلى تجربة، والزائر إلى عاشق، والوطن إلى ذاكرة حيّة تُحمل في القلب إلى الأبد؟
أحمد بدر يتحدث من الميدان عن السياحة المصرية: الفرص الضائعة والتجارب التي تصنع الانطباع
للإجابة، لا بد من النزول إلى الأرض، إلى من يعايش السياحة لا عبر الشاشات أو التقارير، بل في الحافلات والمواقع والوجوه.
ومن بين هؤلاء، يأتي صوت أحمد بدر، أحد الخبراء الميدانيين الذين امتهنوا صناعة الانطباع، واعتبروا أن السائح ليس 'عميلًا'، بل 'رسولًا' يحمل صورة مصر إلى العالم.
من معجزة الماضي إلى مأزق الحاضر
يرى بدر أن مصر ليست دولة سياحية فحسب، بل أول وجهة سياحية عرفها التاريخ.
'منذ أكثر من 3000 عام، كان الناس يأتون إلى مصر ليشاهدوا معجزات بشرية لا تُصدَّق. وبينما كانت بيوتهم من الطين لا ترتفع سوى سنتيمترات فوق الأرض، كانت أهراماتنا ومعابدنا تقف شامخة بألوانها وتصميمها الخارق للزمن.'
ورغم هذه الخلفية الفريدة، فإن الواقع – كما يراه بدر – لا يرقى لما تستحقه مصر، لا من حيث الأعداد ولا العوائد.
فالبلد الذي يملك كل شيء ليكون الأول، تعرقل مسيرته عوامل متشابكة، منها السياسي كعدم الاستقرار واستخدام ملف السياحة كورقة ضغط، ومنها الاقتصادي والإداري، خصوصًا ضعف البنية التحتية، وغياب الكوادر المدربة، وتدنّي الوعي العام بأهمية السياحة كركيزة اقتصادية وثقافية.
على الطريق… لكن بسيارة معطّلة
يؤكد بدر أن مصر تمضي فعلاً على الطريق الصحيح، لكنه طريق مليء بالمطبّات، وتُسلكه 'سيارة تحتاج لإصلاحات جذرية، بل أحيانًا نستبدل ما يعمل بما لا يعمل'.
ويشير إلى خطر آخر لا يقل أهمية: محاولات بعض الجهات الخارجية نسب حضارة مصر لنفسها، في وقت نملك فيه التوثيق الحقيقي والإرث الأصيل.
الحل، كما يراه، يبدأ من زرع الفخر والانتماء داخل المصريين أنفسهم. 'لن يحمي الحضارة إلا أهلها، ولن يُعجب بها الآخر إلا إذا رأى أبناءها يعتزون بها أولاً'.
بين كنز لا يُقدَّم، ودور لا يُتقَن
من أكثر النقاط إيلامًا في حديث بدر هي تلك التي تخص طريقة تقديم كنوز مصر.
فبرأيه، ما يزال كثير من العاملين في المجال السياحي، وخصوصًا المرشدين، يقدمون الحضارة كأنها مجرد 'معلومات محفوظة'، لا روح نابضة تنبض بالحياة والمعنى.
'في دول لا تملك 1% مما نملكه، نجد أن المرشدين يُعاملون كسفراء. يتدربون على الأمن القومي، والإتيكيت، وأساليب التواصل، قبل أن يُسمح لهم بالحديث عن التاريخ. أما هنا، فكثيرون يلقون الكلام كواجب لا روح فيه.'
التحديات كثيرة… لكن الفرص أكثر
ينظر بدر إلى المشهد بواقعية. فالتحديات – كما يقول – متنوعة: سياسية واقتصادية وبنيوية.
لكن ما يدهشه حقًا هو كمّ الفرص الضائعة.
'مصر تملك ما يُرضي جميع الأذواق: سياحة ثقافية، ترفيهية، استجمامية، مغامرات، سفاري، بل حتى سياحة الطعام التي أصبحت ركيزة كبرى في العالم – ونحن لم نستثمرها بعد.'
السائح لا يأتي فارغًا… بل حاملاً صورة مسبقة
بحكم تجربته، يدرك بدر جيدًا أن أغلب السائحين لا يأتون إلى مصر كزائرين عابرين، بل كـ'حالمين' انتظروا تلك اللحظة لسنوات، فمعظم مناهج العالم تدرّس التاريخ المصري، وتحفر صورة الأهرامات في أذهان الأطفال.
لكن هل نحسن استقبال هؤلاء الحالمين؟، هنا تكون الإجابة أكثر حسمًا.
'التجربة التي يعيشها السائح – من المطار حتى الفندق، من السائق حتى المرشد – هي ما يُحدد إذا ما كان سيعود سفيرًا لمصر… أم خيبة أمل.'
السياحة ليست تنظيم رحلات… بل خلق ذاكرة
أحمد بدر لا يتحدث كمجرد منظم جولات، بل كـ'صانع تجربة'، يقول: 'أنا لا أنظّم رحلات بلا روح. أنا أحب هذا البلد، وأسافر فيه مع ضيوفي من أقصى شماله إلى جنوبه. كل ما أريده أن يعيشوا تجربة لا تُنسى، ويعودوا ليقولوا: أحببنا مصر… من القلب.'
كلمة أخيرة
في زمن تتصارع فيه الدول على 'الهوية البصرية'، وتسعى لصنع لحظة انبهار تدوم في ذاكرة الزائر، تبدو شهادة من يعملون في الميدان هي الأصدق.
لأنهم لا يكتبون تقارير… بل يخطّون ذكريات.
ولا يصفون الصورة… بل يصنعونها.
ولعل أبرز ما يمكن أن نختم به كلمات أحمد بدر:
'السائح لا يعود محبًّا… إلا إذا أحببناه نحن أولًا.'