logo
#

أحدث الأخبار مع #أرسطو،

بالقلم الأحمر: مشهور مُشاهدات...
بالقلم الأحمر: مشهور مُشاهدات...

الجريدة

time٠٨-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الجريدة

بالقلم الأحمر: مشهور مُشاهدات...

وسواس المشاهدات أصبح إدماناً مجتمعياً شمل الأفراد والشركات والمُعلنين والمتابعين من الكبار والصغار. مشاهير، أو مدَّعو الشهرة، يخرجون لنا بـ «الچيلة»، لا نعلم ما يصنعون وما يبيعون وما هي نشاطاتهم التي شهرتهم، ولا محتواهم، أو حتى مدى تأثيرهم على المجتمع. «أنا مشهور» جملة اعتدنا سماعها في أوساط السوشيال ميديا وتطبيقات التواصل المختلفة، لكن في الواقع الاجتماعي هذا المشهور لا هو معروف، ولا يلتفت له أحد، ولا قيمة مجتمعية له تُذكر في الحياة الطبيعية، واتضح أنهم مشاهير مشاهدات فقط لا أكثر. وحقيقة، لا نعلم مدى مصداقية المشاهدات في هذا الوقت، حيث إن الكثير من التطبيقات توفر خدمة زيادة المشاهدات والتعليقات، بل وتعطي باقات بمبالغ معينة لكل منشور. لاحظت هوس العديد من مدَّعي الشهرة بعدد المشاهدات، لا جودة المحتوى، ولا بمدى تأثيرها على المجتمع أو ثقلها الثقافي والفكري. في المقابل، المشاهدات وحدها ليست معياراً مُطلقاً للقيمة، فالمحتوى الفارغ أو المثير للجدل قد يجلب أعداداً كبيرة من المشاهدات، لكنه لا يعكس بالضرورة قيمة ثقافية حقيقية. هناك نظرية تُعرف بـ «نظرية القيمة» (Theory of Value) تهدف إلى فهم كيف ولماذا نعطي أهمية أو أولوية لأشياء معينة ضد الأخرى، وقد تعمَّق فيها كبار الفلاسفة، مثل: أرسطو، وابن خلدون، وغيرهما، لكنها طرحت تساؤلاً عميقاً، هو: ما سبب تأرجح القيم في المجتمع؟ في الحقيقة هذا التأرجح ناتج عن صراع بين العُمق والسطحية، بين الفكر الذي يتطلَّب جهداً لفهمه، والتفاهة التي يسهل استهلاكها. المجتمع قد يميل إلى تفضيل التافهين، لأنهم يرسخون الواقع بدلاً من تغييره، فهم يمنحون التسلية بدلاً من إيقاظ الوعي، ويؤكدون المألوف بدلاً من تحديه. في المقابل، يتم إقصاء المثقفين، لأنهم يحملون مرآة قد تعكس قُبح المجتمع. في حادثة ليست بالمختلفة لمشاهير المشاهدات، في خمسينيات القرن الماضي كانت هناك مشادة أو اختلاف بين المونولوجست المصري محمود شكوكو وبين الأديب عباس محمود العقاد، حيث بدأت عندما طرح أحد الصحافيين على العقاد سؤالاً بدا سخيفاً: مَنْ منكما أكثر شهرة، أنت أم محمود ﺷﻜﻮﻛو؟ حينها رد الأديب العقاد بكل استغراب، قائلاً: «مين شكوكو؟»، وعندما سمع شكوكو الخبر، رد: «قول لصاحبك العقاد ينزل ويقف على أحد الأرصفة، وسأقف على رصيف مقابل، ونشوف الناس ستتجمع على مين»، ثم رد العقاد مرة أخرى على تصريح شكوكو، قائلاً: «قل لشكوكو ينزل ميدان التحرير ويقف على رصيف، ويخلي رقاصة تقف على الرصيف الآخر، ويشوف الناس هتتلم على مين أكثر». كان عميقاً رغم قسوته وحقيقته المُرَّة، بل وجدت سؤال الصحافي عميقاً وواقعياً، مَنْ أشهر: الفنان أم الأديب؟ ونجزم بأن الفنان أشهر، فيما لو سأل مَنْ أثقل: الفنان أم الأديب؟ لاختلف الرد. بالقلم الأحمر: القيمة الحقيقية للفرد تُقاس بوعيه، وتأثيره، وأثره في الآخرين، لا بعدد مشاهداته.

«أرسطو في ثوبه العربي»... تجليات فلسفية في عصر العباسيين
«أرسطو في ثوبه العربي»... تجليات فلسفية في عصر العباسيين

الشرق الأوسط

time١٩-٠٣-٢٠٢٥

  • علوم
  • الشرق الأوسط

«أرسطو في ثوبه العربي»... تجليات فلسفية في عصر العباسيين

يتناول كتاب «أرسطو في ثوبه العربي» الصادر عن دار «أقلام عربية» بالقاهرة للباحث د. عمار العساف تأثر الثقافة العربية في عصر العباسيين، نتيجة حركة الترجمة الهائلة، بفكر الفيلسوف اليوناني المعلم أرسطو، لا سيما فيما يتعلق بأفكاره في المنطق والجدل والمحاججة، فضلاً عن تصوراته لدور الإنسان والحيوان على كوكب الأرض. ويشير المؤلف إلى أن شخصية أرسطو لم تكن مجهولة تماماً قبل العصر العباسي، بل كانت حاضرة في الثقافة العربية وإن بصورة مختلفة عما هي عليه في الواقع، فقد رُسمت له صورة أسطورية تبالغ في قدراته السياسية باعتباره وزير الإسكندر المقدوني الذي يجمع بين الحكمة والدهاء. وفي بداية العصر العباسي، تُرجمت مؤلفات أرسطو الأخرى وبذلك نضجت صورته حكيماً وفيلسوفاً ومنطقياً ليجسد شخصية العالم الموسوعي الذي تخطى حدود التخصص، فكان له من كل علم نصيب وتعاظمت شهرته شيئاً فشيئاً حتى أضحى شخصية مرموقة عند العرب. ولم يلق تعاظم تأثيره العربي مقاومة في البداية، لأن نتاجه لم يوظف في القضايا ذات الصبغة الفقهية، بيد أن سياسة الخليفة المأمون التي اتبعها في الحكم أثرت في موقف العرب من أرسطو، فقد تم إقحام المنطق في البحوث والقضايا الفقهية فأصبح الفيلسوف الإغريقي بمثابة المرجع الأول في الجدل والحوار حتى في المسائل شبه الدينية التي اتسم البحث فيها بالطابع العقلاني والأسس المنطقية. في عهد المأمون تحديداً، حاول البعض استنتاج الأحكام الفقهية انطلاقاً من أسس فلسفية ومرجعيات منطقية وكان ذلك مصدر قلق للفقهاء ومنهم الإمام الشافعي الذي كان أول من عبر عن قلقه من تعاظم دور أرسطو في العالم العربي، فأراد أن ينأى بالفقه عن نتاج المنطق، وقام بوضع الأساس العلمي والديني لعلم أصول الفقه. بذلك كان الشافعي أول من وضع حداً لتدخل المنطق الأرسطي في القضايا التي كان يخوضها المعتزلة الذين استلهموا تراث اليونان، وراحوا يتناقشون في قضاياه، ويمزجون بينها وبين شواغل الفقه الإسلامي. ويكشف المؤلف كيف كان الجاحظ في كتابه الرائد «البيان والتبيين»، الذي يبرز فيه مزايا البلاغة العربية وتفوقها على غيرها، على دراية كافية بأفكار أرسطو حتى أنه هاجمه شخصياً، واتهمه بعدم البلاغة وعدم الفصاحة قائلاً: «ولليونانيين فلسفة وصناعة ومنطق، وكان صاحب المنطق نفسه بكيّ اللسان، غير موصوف بالبيان، مع علمه بتمييز الكلام وتفصيله ومعانيه وبخصائصه». وحسب الجاحظ، فإن أرسطو لم يكن يهتم بالإجادة الفنية في كتاباته كأفلاطون مثلاً، وإنما كان عالماً قبل كل شيء، يهجم على موضوعه هجوماً دون أن يدور حوله بالحوار والمناقشة، ويُعنى بالفكرة قبل أن يُعنى باللفظ الذي يصوغها فيه. ومن هنا لم تكن كتب أرسطو ككتب أفلاطون نموذجاً فنياً للإجادة البلاغية، وإنما هي نموذج خالد للإجادة في البحث العقلي. ولكن هذا لا يعني أن أرسطو، كما يقول المؤلف، لم يكن يعي فنون البلاغة، فهو صاحب فلسفة ومنطق بالأخير، وجل ما يقصده الجاحظ التأكيد على عدم اكتراثه بترصيع الكلام وزخرفته. واشتد عود أنصار اليونانيين في القرن الرابع الهجري، لا سيما بعد أن استوعبوا نتاج أرسطو فبدأوا بالترويج لمؤلفاته وعقدوا الحلقات الأدبية وتدارسوا الموضوعات الفلسفية والمنطقية والأدبية في تراثه. واستفاد هؤلاء من المنطق الأرسطي في نثرهم الفني ومناظراتهم التي انتعشت في العصر العباسي. واكتسب المتناظر أداة فعالة في إفحام الخصوم، كما استخدم بعض المتناظرين القياس المضمر فكان سلاحاً عظيماً في المناظرات التي مالت إلى التفكير المجرد. وكان من نتائج ذلك أن أصبح «التلوين العقلي» صفة لبلاغة المتناظرين وسمة تميزهم عن غيرهم. واستلهم بعض مشاهير النثر العربي موضوعات عديدة ومتنوعة من مؤلفات أرسطو، فكتب التوحيدي عن «الصداقة» متأثراً بمفهوم الفيلسوف الإغريقي عنها، كما كتب نوادر عن عالم الحيوان فأكثر من النقل من كتاب أرسطو «الحيوان». ولم يكتف بعضهم بهذا النقل، وإنما استلهم أفكاراً كاملة من أرسطو مثلما فعل مسكويه عندما وضع كتاب «تهذيب الأخلاق»، محاكياً بذلك أرسطو في كتاب «الأخلاق».

سؤال الحقيقة وتاريخ العقل
سؤال الحقيقة وتاريخ العقل

الوطن

time١٣-٠٣-٢٠٢٥

  • علوم
  • الوطن

سؤال الحقيقة وتاريخ العقل

طَرحَ سؤالُ «الحقيقة» نفسَه على التاريخ الإنساني، دارتْ في فَلَكِهِ نشاطاتُ الفكرِ وانشغالاتُ العقل. ظل السؤالُ مطروحًا، فيما تغيرتِ الإجابةُ عبر الحقبِ الحضارية. ففي الحقبة البدائية، في عصرَيْ الصيد والرعي، تجلت الحقيقةُ في ثيابِ أسطورة. والأسطورة، ابتداءً، وليدةُ فكرٍ خرافي يَنتمي إلى عالَمٍ سحري، سابق على العالَم العقلاني، يَفترض وجودَ صلةٍ عضوية بين كل الكائنات، على الرغم من اختلاف طبيعتها، وبينها وبين الطبيعة حيث علاقة التأثير والتأثر مُتبادَلة. ومن ثم فإن الأسطورةَ لا تُلبي مُتطلبات الإدراك العلمي، ولا تسعى إلى وصفِ الحقيقة المجردة، فهي ليست عِلمًا ولا فلسفة، ولا تتوفر لها شروط التأمل النظري المُتماسِك، ناهيكَ بشروط المعرفة التجريبية كما نَفهمها الآن، بل هي أقرب إلى ميتافيزيقا شعرية تُجسد حِكمةَ الزمن البدائي، وتُقدم عنها تصوراتٍ مجازية في صُورٍ بلاغية، تُلائِم وعيًا كليا مُباشرًا وبسيطًا، وخصوصًا عندما تحكي عن تاريخ البدايات الكونية: المَنشأ، الميلاد، وخلْق العالَم والإنسان؛ أو تَسرد تصوراتِها عن النهايات: نهاية العالَم، وطرائق الخلاص، ومصير الإنسان، وهي لا تُطالِب مُتلقيها بإعمال العقل فيها، بل مجرد الاعتبار بها. مناهضة الثورة العلمية في الحقبة «الكلاسيكية»، أي في عصر الزراعة والإقطاع، تجلت الحقيقةُ في ثَوبِ الميتافيزيقا، التي قدمت لنا تصوراتٍ كلية عن الوجود وأصله، عن طبيعة الخالِق ومصيرِ المخلوقات، حيث تَشاركَ الفكرُ الديني/ الكتاب المقدس مع الفلسفة التأملية/ الاستبطان العقلاني، وخصوصًا حول العلاقة بين الله والإنسان والطبيعة. في الفكر الديني قامتِ العلاقةُ على أساس التمايُز الوجودي بين العناصر التكوينية الثلاثة؛ فالإله خالِقٌ مُتعال، خَلَقَ الكونَ وتسامى عليه، يَنظم حركتَهُ بقوانين حتمية ويُدير حركة التاريخ بسُننٍ اجتماعية، ويَرعى الإنسانَ المؤمنَ بقدرتِه ورَحمته. والإنسان أرقى من الطبيعة، مُستخلَفٌ عليها، قادرٌ على حوارها عبر الواسطة الإلهية. أما الطبيعة، بانتظام حركتها واتساق قوانينها، فهي دليل الإنسان على وجودِ العقل الإلهي الذكي الذي خَلَقَها. كما أن الله هو دليلُ الإنسان إلى فَهْمِ الطبيعة. أما في الفلسفة التأملية، فيضيقُ هذا التمايُزُ الوجودي أو يتلاشى، حيث تَغيم صورةُ العنصر التكويني الأول، الإله، خَلْفَ حُجُبِ العقل. ففي الفكر اليوناني، وخصوصًا لدى أرسطو، كان الإلهُ قوةً خالِقة ومُتعالية أُطلِقت عليها صفة «المبدأ الأول» أو «واجِب الوجود». وعلى المنوال نفسه نَسَجَ أفلاطون في نظريته عن المُثل التي تتعالى حتى تَبلغ ذروتَها في مثال الخَير. وكذلك أفلوطين الذي جَعَلَ من المثال الأفلاطوني موجِدًا أولًا مُلْهِمًا لسائر الموجودات، فياضًا بالمعرفة على سائر العقول، حيث تتباين مستوياتُ الوجود ودرجاتُ المعرفة، ولكنْ يظل أصلُها المُشترَك هو إرادة علوية مُهَيْمِنة، موجِدة وعارِفة. في تلك الفلسفات جميعًا، نَجد أننا أمام مبدأٍ فائقٍ (واجب الوجود/ المثال الأعلى/ الموجِد الأول) يقول بسمو الحقيقة وثباتِها في مُقابل واقعٍ تتغير ملابساته وشروطه بحسب المكان والزمان، لكنه لا يتوقف عن مُحاكاة المبدأ الفائق، بغض النظر عن نجاحِه أو فَشَلِه. وعلى هذا، ظل تيارُ المعرفة التقليدية، الدينية والميتافيزيقية، مُحتبِسًا خلفَ ثنائياتٍ شبه مُتضادة وفي الأغلب ساكِنة. كل طَرَفٍ من طرفَيْها بمثابة خَبر عن حقيقةٍ أبدية لا تتغير. إنه المنطق الصوَري القائم على مبدأ عدم التناقُض والثالث المرفوع. فالصدق أبدي، وكذلك الكذب، ولا مكان لموقفٍ ثالث بينهما. وهو المنطق الذي حَكَمَ الفكرَ الإنساني لألفَيْ عامٍ تقريبًا بأدوات المَنهج الاستنباطي؛ وقد نَتَجَ عنه، في سياق المسيحية الغربية/ الكاثوليكية، نزعةٌ اسكولائية (مدرسية) شكلت السلطةَ المعرفيةَ المُهيْمِنة على العصر الوسيط المتأخر، والتي بَلغت أوجها مع القديس توما الأكويني في القرن الثالث عشر، واستماتتْ في مُناهضة الثورة العلمية حتى القرن السادس عشر قَبل أن تبدأ مرحلةُ التفتت والتناثر أمام الفلسفات الحديثة، التي اعتمدتْ جميعها المَنهجَ الجدلي، والمنطق الرياضي، وإنْ بأقدارٍ مُختلفة. النزعتان النقدية والمادية أما في الحقبة الحديثة، فتجلت الحقيقة في صورة المعرفة العلمية، حيث توارى سؤالُ الوجود وتقدمت أسئلةُ المعرفة، وأَخذ الإنسانُ يَنظر إلى نفسه ككائنٍ عاقل، قادر على استخدام عقله لبلوغ إدراك موضوعي للعالَم والتاريخ. غير أن الطريق إلى العقلانية الحديثة لم يكُن مُمَهدًا ولا واحدًا، بل اتخذ مساراتٍ مُتباينة في الإجابة عن أسئلة المعرفة نفسها: ما هو مصدرها، هل هو العقل وما ينطوي عليه من مبادئ عامة كلية أو فطرية؟ أم هو الحس والتجربة؟ وأيضًا ما حدودها، فهل هي مُطلَقة، قادرة على بلوغ اليقين إزاء كل القضايا أم نسبية، محصورة في دائرة الاحتمال والترجيح؟ ومن ثم وُلدت نظرية المعرفة ومن رَحَمِها وُلدت مذاهب ثلاثة مُختلفة وَسَمَتْ عصرَ التنوير بطابعها، وشكلت أنماطَهُ المُختلفة بفعل طريقتها المائزة في الدمْج والتركيب بين ثنائيات من قَبيل: الدين والعِلم، الروح والمادة، العقل والحِس. المذهب الأول هو المثالية الذاتية، ويَعتقد بأن العقلَ، وليس الحِس، هو نقطة انطلاق عملية المعرفة، إذ تَنبع منه وتصب فيه، وتدور في فَلَكِ قوانينه المنطقية ومبادئه الكلية، فهو المبدأ والغاية، البداية والنهاية. ومن ثم تُشكك المثاليةُ الذاتية بوجود ظواهر/ وقائع خارجية مستقلة بنفسها، وترى أن تلك الظواهر/ الوقائع مجرد انعكاس لتصورات الذات الإنسانية العارفة. نحن، إذن، أمام عقلانية مثالية لا تَكترث بالواقع التجريبي، أَفضت إلى ميلادِ شكلٍ أولي غض من التنوير، يُمكن وسْمُه بالروحي، يَفهم الوجود كمعمارٍ يتأسس على قاعدة الذات الإلهية، ويرى فيها ضمانةً أساسية لاشتغال العقل نفسه بما تبثه فيه من مبادئ وأفكار. والحق أن ذلك التنوير الروحي كان بمثابة امتداد للفلسفة المدرسية التي استماتت في التوفيق بين العقل والإيمان، تعويلًا على منطق أرسطو الصوري، واللاهوت المسيحي معًا. وبالأحرى كان تمثلًا موضوعيًا للميتافيزيقيا الحديثة، التي دشنها ديكارت واستمرت بعده لدى باسكال ومالبرانش، كما شهدتْ ذروتَها مع ليبنتز، قَبل أن تتوارى بالتدريج مع سطوع عصر التنوير، ونمو النزعتَيْن النقدية والمادية. حرارة الإيمان الجواني والمذهب الثاني هو المثالية التجريبية، الذي أرتادَ أُفُقَهُ الفيلسوفُ إيمانويل كانط، وعُرف معه باسم النزعة النقدية. والمعرفة لديه نشاط مُشترَك للعقل والحواس معًا، يَبدأ من الواقع الذي يمد العقلَ بحدوثٍ تجريبية عن الظواهر والأشياء، ليُعمل فيها العقلُ مقولاتِه الأساسية من قَبيل: الزمان والمكان والعلية. أو يُخضعه لمبادئ العقل الكلية من قَبيل: التوازُن والانسجام وعدم التناقُض. هنا يصير الواقعُ المادي حاضرًا ومُعترَفًا به اعترافًا كاملًا، كنقطةِ انطلاقٍ لعملية المَعرفة؛ لكن العمليةَ نفسَها لا تكتمل إلا من خلال العقل البشري الذي يُمارِس نشاطَه في تنظيم معطيات الحواس وتحويلِها من مجرد مدركاتٍ حسية أو انطباعاتٍ مباشرة إلى مفاهيم كلية ونظرياتٍ علمية. أَفضتِ النزعةُ النقدية إلى نمطٍ تنويري مُعتدِل، يَرى أن تقدمَ العقل وازدهار الإنسان أمرٌ مُمكن دون نفي الإيمان. لكن هذا التقدم لم يعُد، في المقابل، رهنًا بحضور الإله. فالحقيقة الكلية تتجاوز حدود العقل النظري، تستعصي على الإثبات التجريبي، وعلى النفي التجريبي في آن. لم تقُل النزعةُ النقدية بالإلحاد إذن، غير أنها نَظرتْ إلى الإله كمبدأٍ نظري مجرد، وليس كذاتٍ مشخصة، تَصلح مصدرًا لإيمانٍ متوثب، يُلْهِم الحياةَ الباطنية للإنسان. ومن ثم فَقَدَ مفهومُ الإله مغزاه وصار بالتدريج مهجورًا؛ ذلك أن الإيمان الحي ليس معرفةً عقلية محض، تؤتى ثمارُه بمجرد إدراك الكائن الأسمى، بل هو حالة روح يملؤها الشغفُ بذلك الكائن الأسمى، حتى تكاد تجده في شتى مظاهر الكون. فما يميز الإيمان ليس المفاهيم العقدية له، والتي تحدد مسمى الكائن القدسي: الله، الرب، يهوه، براهمن، رع، زيوس.. إلخ، بل الثقة المُطلَقة في ذلك الكائن الأسمى، الذي خَلق العالَم والإنسان، ولا يزال يرعاهما. مثل هذا الإيمان غالبًا ما يولَد وينمو من دون معرفة تحليلية، فلا يُدرِك المرءُ سره على الرغم من أنه يعيشه. وهنا يظل إيمانه أقوى من كل الشكوك التي تجابهه. أما الذي لا يرى في الإله سوى مبدأ نظري مجرد، ولا يُشرِق الإيمانُ من باطنه، بل يظل ينتظر تعاليمه من خارجه، فيبقى مُعرضًا للشكوك التي تعاوده وتشل فعاليتَه. لذا فإن الإيمان الحار بإلهٍ باطل يؤثر في نفْس الإنسان ويَمنحه دوافع للحياة وللتضحية أكبر من الإيمان البارد بإلهٍ حقيقي. فالفاعلية الإنسانية تَبلغ ذروتَها بفعلِ حرارة الإيمان الجواني، وليس بصدق المفاهيم العقدية. ومن ثم ندعي بأن مذهب التأليه الطبيعي، إذ قلص الشعورَ باليقين وأَوجد نزعاتِ شك عميق في السردية الكبرى عن الألوهية والدين، كان أشبه بمحطة انتقالية أو فندقٍ للراحة على الطريق بين الدين/ المسيحية والإلحاد. صعود المادية أما المذهب الثالث فهو التجريبية الحسية، التي تقول بأولوية الحِس على العقل، وبأن التجربة القائمة على مُعطيات الحواس وحدها هي مَصدر المَعرفة؛ فالعالَم المادي يَنعكس على العقل مباشرةً وكأنه سطحٌ أَملس أو مرآة عاكسة، ليس لديه مبادئ كلية تُشرَع له، ولا مقولات أساسية تَنظم عملَه ولا تصورات خاصة به. وهنا نُصبح أمام عقلانيةٍ مادية لا تَعترف إلا بما تلتقطه الحواس مباشرةً من ماهياتٍ وأشياء، ولا تُثمن سوى الاستقراء التجريبي المباشر، فيما تُدير ظهرَها لكل المفاهيم التي تعلو على عالَم الأشياء، ولا تتجسد في أشكالٍ محسوسة، ما يعني تجاهُل مختلف المقولات والمبادئ الكلية التي تشكل طبيعةَ العقل أو ماهيته، والتي يَذهب كثيرون إلى أنها الحاضنة الأساس للإيمان الديني، باعتباره الجانب الغَيبي/ المُتسامي في الوجود الإنساني. قادتْ تلك المدرسةُ المعرفية إلى نمطِ التنوير الراديكالي؛ فالعِلم هو السبيل الوحيد للوصول إلى الحقيقة من دون أي دعْمٍ من مفاهيم ما ورائية على رأسها الدين، بل إن الدينَ نفسه صارَ قابلًا للتفسير من خلال أنشطة العقل الإنساني، مثله مثل نظام الطبيعية الذي تم اكتشافه بدعْمِ العِلم التجريبي، أو مثل بنية المُجتمعات وأنماط التطور التاريخي التي فككتها العلومُ الإنسانية. هكذا أُدخل الدين قسْرًا في مُباراةٍ صفرية مع العِلم. ومع كل تقدمٍ للعِلم كان مُفترَضًا أن يَنسحب الدينُ ويَعترف بهزيمتِه، وأن يَختفي تدريجيًا باكتمال تطور العِلم وتأسيس سلطته الجديدة على الحقيقة، حتى صارَ رفْضُ الدين معيارًا لاستنارة الإنسان الحديث. وعلى الرغم من أن الإلحاد، كما نعرفه اليوم، لم يكُن متصورًا حتى منتصف القرن الثامن عشر، إذ اعتبره فولتير «شرًا شائهًا غير طبيعي»، فقد صارَ الطريقُ إليه مفتوحًا منذ صدرتِ الموسوعةُ الفرنسية، وبالذات مع صعود المادية الألمانية منتصف القرن التاسع عشر، ومن ثم انتهى التنويرُ الراديكالي إلى التشكيك بوجود الذات الإلهية، وفي أصول فكرة الدين، طارحًا حولهما عشرات الأسئلة، حتى انتهى الأمر بإعلان، السردية الأكبر في تاريخ الوعي الإنساني، الأمر الذي فتحَ البابَ على متواليةِ النهايات لسردياتٍ وأنساقٍ أخرى كالفلسفة والإيديولوجيا والتاريخ. *كاتب من مصر * ينشر بالتزامن مع دورية أفق الإلكترونية.

ذكرى وفاة أرسطو، الفيلسوف الذي أسس الفكر الغربي
ذكرى وفاة أرسطو، الفيلسوف الذي أسس الفكر الغربي

فيتو

time٠٧-٠٣-٢٠٢٥

  • علوم
  • فيتو

ذكرى وفاة أرسطو، الفيلسوف الذي أسس الفكر الغربي

تحلّ اليوم ذكرى وفاة أرسطو، أحد أعظم العقول الفلسفية في التاريخ، الذي لم يقتصر تأثيره على الفلسفة وحدها، بل امتد إلى العلوم والمنطق والسياسة والأدب، ليُصبح حجر الأساس للفكر الغربي لقرون طويلة. من هو أرسطو؟ وُلد أرسطو عام 384 قبل الميلاد في مدينة ستاجيرا المقدونية شمال اليونان. كان والده، نيكوماخوس، طبيبًا في بلاط الملك المقدوني، مما أتاح لأرسطو منذ صغره الاطلاع على العلوم الطبية والطبيعية لكن وفاة والده المبكرة دفعته إلى الانتقال إلى أثينا، حيث التحق بأكاديمية أفلاطون وهو في السابعة عشرة من عمره، ليصبح لاحقًا من ألمع تلاميذه. إسهامات أرسطو في الفلسفة والعلم لم يكن أرسطو مجرّد تلميذ في أكاديمية أفلاطون، بل سرعان ما طوّر منهجًا فكريًا خاصًا به، منتقدًا بعض أفكار أستاذه، خاصة في نظرية المُثل. وبعد وفاة أفلاطون، انتقل إلى آسيا الصغرى، ثم استدعاه الملك فيليب الثاني ليكون معلمًا لابنه، الإسكندر الأكبر، وهو الدور الذي أكسبه نفوذًا واسعًا. أسس لاحقًا مدرسته الخاصة، اللوقيون التي أصبحت مركزًا للبحث العلمي والتجريبي. وكان أرسطو أول من وضع أسس المنطق الصوري، كما قدّم أفكارًا رائدة في الفيزياء، والأحياء، والأخلاق، والسياسة، والتي ظلت تُدرّس حتى العصور الحديثة. صعوبات أرسطو في مواجهة مجتمعه رغم تأثيره الهائل، لم تكن حياة أرسطو خالية من التحديات. فبعد وفاة الإسكندر الأكبر، تصاعدت المشاعر المعادية للمقدونيين في أثينا، ما جعله عرضة للاضطهاد السياسي. أُجبر على مغادرة المدينة عام 322 ق.م، قائلًا: "لن أسمح للأثينيين بأن يرتكبوا جريمة أخرى ضد الفلسفة، كما فعلوا مع سقراط". وتوفي أرسطو في جزيرة إيوبوا عام 322 ق.م، بعد إصابته بمرض في الجهاز الهضمي. لكن إرثه الفكري لم يمت، فقد بقيت كتاباته مرجعًا أساسيًا للفكر الإنساني، من الفلسفة اليونانية إلى العصور الإسلامية والنهضة الأوروبية. وظل أرسطو نموذجًا للفيلسوف الشامل، الذي لم يكن مجرد مُنظّر، بل عقلًا عمليًا أسس لمنطق البحث والتفكير النقدي، ليبقى تأثيره خالدًا حتى يومنا هذا. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

النضج السياسي.. بين شرعية الانتخابات وحكمة التدبير
النضج السياسي.. بين شرعية الانتخابات وحكمة التدبير

أكادير 24

time٢٤-٠٢-٢٠٢٥

  • سياسة
  • أكادير 24

النضج السياسي.. بين شرعية الانتخابات وحكمة التدبير

أكادير24 | Agadir24/ عبدالله بن عيسى الانتخابات تمنح الفائزين شرعية التمثيل، لكنها لا تضمن بالضرورة توفرهم على النضج السياسي اللازم لحسن تدبير الشأن العام، فكثير من المسؤولين المحليين يصلون إلى مواقع القرار تحت مظلة الأحزاب، لكنهم يفتقرون إلى رؤية استراتيجية، ويديرون الأمور بعقلية فردية أو فئوية، في حين يبرز آخرون يمتلكون الوعي السياسي الكافي لخدمة المجتمع، حتى دون أن يكونوا منتمين إلى حزب سياسي. فما هو النضج السياسي؟ وكيف يؤثر على تدبير الشأن العام؟ ما هي السياسة ومن هو السياسي؟ السياسة، كما يعرفها الفيلسوف أرسطو، هي 'فن حكم المجتمعات وإدارة شؤونها بما يحقق الخير العام'، أما عالم الاجتماع ماكس فيبر، فيرى أن السياسة هي 'السعي للسلطة، سواء كغاية بحد ذاتها أو كوسيلة لتحقيق أهداف أخرى'. من هذا المنطلق، فالسياسي هو الشخص الذي يمتلك القدرة على فهم التوازنات المجتمعية، وتحليل القضايا العامة، واتخاذ قرارات تتجاوز المصلحة الشخصية نحو تحقيق الصالح العام. لكن هذا التعريف لا ينطبق على جميع من يمارسون السياسة، إذ أن كثيرًا من المنتخبين يدخلون المعترك السياسي بحثًا عن النفوذ أو الامتيازات، دون امتلاك رؤية واضحة لمتطلبات الحكم الرشيد. وهنا يبرز مفهوم النضج السياسي كعنصر أساسي في تحديد جودة الأداء السياسي، بغض النظر عن الانتماء الحزبي. النضج السياسي.. وعي قبل الانتماء يرى المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي أن 'السياسة ليست مجرد ممارسة للسلطة، بل هي أداة لبناء الوعي الجماعي'. وهذا ما يميز السياسي الناضج عن غيره؛ فهو يدرك أن النجاح لا يقاس فقط بعدد الأصوات التي يحصل عليها، بل بمدى قدرته على تحويل الأفكار إلى مشاريع تعود بالنفع على المجتمع. النضج السياسي لا يُكتسب بين ليلة وضحاها، بل هو حصيلة تراكمات معرفية وتجارب عملية، تتطلب وعيًا مستمرًا، واحتكاكًا بالواقع، واستيعابًا لمبادئ الديمقراطية والتدبير الرشيد. فمن يمتلك هذا النضج ينظر إلى السياسة كفن لخدمة المجتمع، وليس كأداة لتحقيق مكاسب ضيقة. بين الانتخابات والواقع.. الفجوة المستمرة يلاحظ العديد من المحللين أن الانتخابات، رغم كونها آلية ديمقراطية، لا تضمن بالضرورة وصول النخب الأكثر كفاءة إلى مواقع القرار، فالعملية الانتخابية كثيرًا ما تُختزل في التنافس حول الشعارات واستمالة الناخبين بوعود آنية، بدل التركيز على المشاريع الواقعية التي تخدم التنمية. في كتابه 'صعود وسقوط القوى العظمى'، يشير المؤرخ بول كينيدي إلى أن 'التحدي الحقيقي للدول لا يكمن في انتخاب القادة، بل في قدرتهم على إدارة شؤون الدولة بفعالية بعد وصولهم إلى السلطة'. وهذا ما يجعل النضج السياسي ضرورة لضمان تدبير ناجح يحقق الاستقرار والتقدم. المجتمع الواعي يصنع سياسيين ناضجين الوعي السياسي لا يقتصر على السياسيين فقط، بل يشمل المجتمع ككل، لأن مجتمعات واعية تفرز نخبًا سياسية ناضجة. وكما يقول المفكر نعوم تشومسكي، فإن 'السياسة ليست فقط ما يفعله السياسيون، بل هي أيضًا ما يسمح لهم المواطنون بفعله'. لذلك، فبناء وعي سياسي جماعي مسؤولية مشتركة بين المواطنين، والإعلام، والنخب المثقفة. نحو تدبير سياسي أكثر نضجًا النضج السياسي ليس ترفًا، بل هو أساس لضمان تدبير رشيد يحقق التنمية بدل أن يكون مجرد امتداد لمعادلات انتخابية عابرة. فالمسؤولية السياسية تقتضي امتلاك رؤية واضحة، واتخاذ قرارات متوازنة، والابتعاد عن الشعبوية التي تركز على كسب التأييد أكثر من تحقيق المنجزات. إن بناء مجتمع سياسي ناضج يتطلب إصلاحًا ثقافيًا وتعليميًا عميقًا، يعزز قيم المسؤولية والشفافية، ويجعل من السياسة أداة لخدمة المواطن، وليس ساحة للصراعات الشخصية أو الحزبية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store