logo
#

أحدث الأخبار مع #أفاعيالنار،

جلال برجس ينحاز إلى المهمّشين في روايته "معزوفة اليوم السابع"
جلال برجس ينحاز إلى المهمّشين في روايته "معزوفة اليوم السابع"

النهار

time١٧-٠٣-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • النهار

جلال برجس ينحاز إلى المهمّشين في روايته "معزوفة اليوم السابع"

في فضائه الإبداعي، الروائي والقصصي، تتسع عدسة الرؤية اللاقطة لدى الكاتب الأردني جلال برجس لتشتمل على التفاصيل الإنسانية الدقيقة بكل تشابكاتها وصراعاتها في النسيج المجتمعي بفئاته المتنوعة وأطيافه المختلفة. ولكن هذه العدسة، في الوقت نفسه، لا تُخفي ذلك الانحياز النسبي من صاحبها ومُوجّهها إلى طوائف البسطاء والمقهورين وجماعات المهمّشين والمنبوذين والمنفيين خارج حدود المتن المركزي، ذلك الحيّز الرسمي الذي تُسَلّط عليه الأضواء بكثافة، في الحياة الحقيقية وفي الواقع الأدبي الموازي معاً. تداخلات مكانية وزمانية في روايته الجديدة "معزوفة اليوم السابع"، الصادرة حديثاً عن "دار الشروق" في القاهرة (2025)، يواصل جلال برجس (55 عاماً)، الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" عن روايته "دفاتر الوراق" وبجائزة "كتارا" للرواية العربية عن روايته "أفاعي النار"، حفره الاستقصائي خلف المُهمَل والخفيّ والمطموس والمسكوت عنه. يلتفت الكاتب هذه المرة إلى عالم الغجر المثير، وما تحويه خيامهم الفقيرة المتناثرة على أطراف المدينة. وهذا الالتفات لا يأتي في سياق قراءة فوتوغرافية ميكانيكية تعتمد على تصوير ما يجري على الأرض كما هو، ولو ببراعة، وإنما يأتي في إطار معالجة تخيلية دينامية ذات طبيعة خاصة. في تلك المعالجة المرنة، تمتزج اللقطات المشهدية القريبة والقفزات الفانتازية والأسطورية والأحلام والهلوسات واللمسات السحرية، بما يكسر أفق التوقع لدى المتلقي، ويفتح أبواب المعقول والمُدْرَك على دفقات اللامعقول والعجائبي. على لسان راوٍ عليم واحد، يحيط بالأحداث والشخصيات جميعاً، تغوص رواية "معزوفة اليوم السابع" (317 صفحة)، السردية في طابعها البنائي؛ إذ تكاد تخلو من الحوارات الثنائية والجماعية المطوّلة، في أعماق المكان والبشر والتاريخ معاً، راسمة تطورات ملامحهم خلال فترة زمنية وجيزة، تبدأ بعام 2012. على أن تلك الأحداث الثرية تعود أيضاً في تداخلاتها الزمانية والمكانية إلى الوراء أحياناً، وذلك من خلال أوراق الجدود ورسائلهم ووصاياهم ومخطوطاتهم الأثرية التي يعثر الأحفاد عليها، والتي تكاد أن تتنبأ بالحاضر الآني والمستقبل الآتي، وتحاول إدارتهما عن بُعد من نوافذ الماضي القريب والبعيد. الوعي والجنون في إبحارها المتواصل في المنطقة البرزخية بين الوعي والجنون، تنطلق الرواية في بدايتها من أحد الصباحات الربيعية عام 2012، إذ تنجذب "تيوليب"، الفتاة المبدعة التي تهوى التصوير وتعمل في إحدى هيئات المجتمع المدني ولها خصومة شخصية مع النزاعات الأهلية الطائفية التي تسببت بقتل أسرتها، إلى الشاب الغجري الفقير، الغريب الأطوار، "باختو". هي لم تنظر إليه كوجه يستحق التصوير فحسب، وإنما انجرفت حواسّها كاملة إليه بمجرد أن وقعت عيناها عليه للمرة الأولى وهو يكنس الشارع على أنغام موسيقى تصدر من هاتفه الجوّال، إذ كان يقفز بحركات رشيقة ويراقص المكنسة بين يديه كأنها امرأة، وفي لحظة أخرى تتحول المكنسة إلى بندقية يصوّبها نحو أعداء مفترضين. تعتاد تيوليب مقابلة باختو، وتدرك أنه شاب مثقف، مولع بالقراءة والتأمل، محب للحياة، متمسك بالأمل رغم قسوة الأوضاع. ولكنه يبدو سجين هيئته الغريبة، ونظرة المجتمع المتعالية إلى طائفته في المدينة العنصرية، غير المتصالحة. وهذه المدينة، التي تنظر إلى الغجر كرجعيين ولصوص ومشاكسين، تتكون من سبعة أحياء، وفي جنوبها مخيم كبير للغجر المطرودين منها، وفي غربها جبل على قمته قبر الجد الأول، الذي كان يدرك بحكمته أسرار كل الحروب الأهلية والنوازل اللاحقة. سلسلة الصراعات تتقصى الرواية سلسلة الصراعات الدموية بين طوائف المدينة المتنازعة، وعلى رأسها "أبناء الطائر الأسود" وغيرها من الطوائف. وترتبط الحروب والأحداث العصيبة المتلاحقة بواقعة محورية، هي عثور الشاب الغجري باختو على صندوق قديم، يتضح أنه يحتوي على مخطوط الجد الأكبر، وهو مخطوط يلخص فلسفة الجد وحكمته ونبوءاته بشأن رياح الفوضى الآتية. بمجرد أن يدفن باختو ذلك الصندوق الأثري في الصحراء بعيداً عن أنظار أهله وطائفته، تدور رحى الفتنة والاقتتال، وتتفجر اللعنات المتتالية، وأبرزها إصابة الجميع بوباء عجيب يستوجب إعلان حالة الطوارئ في المدينة كلها، وتأهب قوات الأمن ونشرها في كل الأحياء. من تداعيات هذا الوباء وأعراضه، فقدان البشر القدرة على رؤية وجوههم في المرآة، وكأنما ضاعت منهم وجوههم وملامحهم وهويتهم، كما أنهم يستشعرون الرغبة في الانتحار. وتذهب الفتاة تيوليب لتؤازر باختو في محنته، بعدما يتيقن له ولها أن ضياع الصندوق وراء هذه الكوارث، وأنه لابد من العثور عليه لإنقاذ أهل المدينة، وفق تعاليم الجد الأول. وهنا، تبدأ رحلة تحوّل الشاب الغجري المنبوذ إلى فتى له قيمة كبرى، بل أنه يصبح بمثابة البطل المُخَلّص، وذلك عندما يصل إلى الجميع في أحياء المدينة السبعة أن مصيرهم مرهون بعثور باختو على الصندوق المدفون. وبالفعل، تتغير الأمور وتنقلب الأوضاع رأساً على عقب، بعثور الشاب الغجري صاحب المعزوفات الموسيقية الفريدة على كنز الجد الأول. ومن ثم، تتبلور التناقضات أكثر أكثر، إذ يصير باختو الشخصية الأبرز والأكثر تأثيراً في المدينة كلها. وتنتهي الرواية بتوجه الشاب الغجري ونصفه الآخر تيوليب إلى رأس جبل الجد الأكبر عاريين، ليس في جعبتهما شيء سوى ناي قيل إنه "منذور لزمن قادم". الحب والكراهية من جملة المفارقات التي تلعب عليها رواية "معزوفة اليوم السابع" أيضاً، ذلك التراوح العنيف بين الحب بأنبل وجوهه (علاقة باختو وتيوليب التي يتحرران فيها من عُقَد التمذهب الديني والفروق الاجتماعية والطبقية)، والكراهية بأقسى تمظهراتها وأقساها (الحروب الأهلية المشتعلة، ومجازر الذبح على الهوية). ومثلما تنحاز الرواية إلى المعدن الإنساني الأصيل النفيس، أينما كان موقعه وزمانه، والذي لا يمكن وأده أو تهشيمه، فإنها تناصر المشاعر الصادقة والقيم الأخلاقية والوجدانية التي لا يمكن أن تلوثها المادية البغيضة والمدنية الزائفة والتكنولوجيا الفاسدة. وتُبرز الرواية، من خلال أحداثها ومصائر شخوصها، كيف أن طوق النجاة من سائر الأزمات الفردية والجماعية مرتبط بالضرورة بتشبت الكائن الآدمي بما يتبقى لديه من خميرته الصلصالية النشطة، مهما كانت الظروف المحيطة والملابسات الشائكة من حوله.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store